المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سابعا: النمو وتكامل الشخصية - علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة

[عادل الأشول]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات:

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول:‌‌ مدخللدراسة علم نفس النمو

- ‌ مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره

- ‌الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو:

- ‌تطور علم النفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الأطوار غير العلمية

- ‌ثانيًا: بداية علم نفس النمو الحديث

- ‌الصورة العامة لتطور النمو:

- ‌مفهوم المراحل في علم نفس النمو:

- ‌الفصل الثاني: محددات السلوك الإنساني

- ‌مدخل

- ‌النضج

- ‌مطالب النمو:

- ‌مبادئ النمو:

- ‌مراحل النمو

- ‌مدخل

- ‌ مساهمات "جيزل وآلج وآمز

- ‌ نظرية بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نظرية كولببرج في نمو التفكير الخلقى

- ‌نظرية "فرويد" في النمو:

- ‌نظرية "أريكسون" النفسية الاجتماعية:

- ‌تفسيران بيئيان لتعلم سلوك الأطفال:

- ‌نظرية الدوافع:

- ‌هرمية "ماسلو" للحاجات:

- ‌أنماط تعلم الأطفال:

- ‌ الوراثة

- ‌الفصل الثالث: طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الطرق الترابطية

- ‌ثانيًا: الطرق السببية

- ‌ثالثًا: الطرق التمايزية

- ‌رابعًا: الطرق التتبعية

- ‌خامسا: الدراسات المعيارية:

- ‌الباب الثاني: الطفولة

- ‌الفصل الرابع: النمو قبل الولادة

- ‌مدخل

- ‌تطور الجنين:

- ‌النمو غير العادي للجنين:

- ‌الحمل:

- ‌تفاعلات الأم والجنين:

- ‌الفصل الخامس: الوليد والفطيم

- ‌أولا: النمو الجسمي والحركي

- ‌الرضيع في السنة الأولى:

- ‌السنة الثانية:

- ‌ثانيا: النمو العقلى

- ‌الجوانب الكمية للنمو العقلى

- ‌ الجوانب الكيفية للنمو العقلي:

- ‌ثالثا: السمع

- ‌الحواس الأخرى:

- ‌رابعًا: اللغة

- ‌مراحل التعبير عند الطفل:

- ‌خامسا: العمليات المعرفية

- ‌حل المشكلة:

- ‌سادسًا: التفكير

- ‌المفاهيم الرئيسية لطفل العامين:

- ‌تعليم الآباء استشارة الرضيع

- ‌الأنماط السلوكية التوجيهية:

- ‌العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية:

- ‌الارتباطات مع الأشخاص الآخرين

- ‌مدخل

- ‌الأنماط السلوكية المدعمة للأرتباط

- ‌قلق الغرباء:

- ‌قلق الانفصال:

- ‌نظريات أصول الارتباطات المتبادلة:

- ‌الانفصال والتفرد:

- ‌تأثير الأطفال على العناية التي يتلقونها:

- ‌تطبيقات لتنشئة الرضيع:

- ‌التأثيرات طويلة وقصيرة المدى للعناية بتدريبات الأطفال:

- ‌الفصل السادس: الطفولة المبكرة "سنوات ما قبل المدرسة 2: 5

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو العقلي

- ‌مدخل

- ‌قياس الذكاء:

- ‌مقياس ديفيد وكسلر:

- ‌اختبار القدرة اللغوية المصور

- ‌النمو الإدراكي:

- ‌التذكر:

- ‌التعلم التمييزي:

- ‌السلوك الاحتفاظي

- ‌الاستدلالات الانتقالية:

- ‌ثبات العدد

- ‌النمو اللغوي:

- ‌اكتساب اللغة:

- ‌نظريات التحصيل اللغوي:

- ‌مهارات الاتصال المرجعية:

- ‌العالم التصوري للطفل الصغير:

- ‌التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة

- ‌مدخل

- ‌دور الأب:

- ‌العلاقات مع الإخوة والأخوات:

- ‌مقدم طفل جديد:

- ‌التفاعلات مع الإخوة والأخوات الأكبر:

- ‌التفاعلات مع الصحبة والنظراء:

- ‌التطبيع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التدريب أو فرض النظام

- ‌تساوق التدريب أو النظام:

- ‌التدريب المرشد

- ‌السلوك التدريبي الموجه:

- ‌التقمص

- ‌الفصل السابع: الطفولة الوسطي

- ‌‌‌النمو الجسمىوالعقلى

- ‌النمو الجسمى

- ‌النمو العقلي:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌العالم التصوري للطفولة الوسطى:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دخول المدرسة

- ‌ثانيًا: الاهتمام المتزايد بجماعة الرفاق

- ‌ثالثًا: هوية دور الجنس

- ‌رابعًا: العلاقات الأسرية

- ‌خامسا: الآباء لطفل المدرسة

- ‌سادسا: إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم

- ‌سابعًا: النمو وتكامل الشخصية

- ‌نظريات النمو

- ‌أولا: مفهوم دورة حياة الإنسان

- ‌ثانيًا: بعض نظريات النمو

- ‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها:

- ‌الممارسات المدرسية ودورها في توجيه النمو:

- ‌الباب الثالث: المراهقة

- ‌مدخل

- ‌أولا: نظريات المراهقة

- ‌ثانيًا: التغيرات الجسمية والفسيولوجية

- ‌ثالثًا: النمو العقلي

- ‌النمو الخلقي:

- ‌دلائل التفكير الإجرائي الصوري:

- ‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية

- ‌استمرار نمو الشخصية:

- ‌نماذج نمو المراهقة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌سادسا: الإرشاد النفسي للمراهقين

- ‌الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌القلق:

- ‌اكتتاب المراهق

- ‌توهم أو وسواس المرض

- ‌الاضطرابات السيكوفسيولوجية:

- ‌اضطرابات الأكل:

- ‌العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين:

- ‌الباب الرابع: مرحلة الرشد

- ‌مرحلة الرشد المبكرة

- ‌مرحلة الرشد الوسطى

- ‌الباب الخامس:‌‌ الشيخوخة

- ‌ الشيخوخة

- ‌نظريات الشيخوخة:

- ‌المجال الاجتماعي:

- ‌الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة

- ‌مدخل

- ‌الخرافة الأولى أكثر تشابها:

- ‌الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفا:

- ‌الخرافة الثالثة: الشيخوخة فترة الصفاء

- ‌الخرافة الرابعة: انعدام القدرة الجنسية

- ‌الخرافة الخامسة: الجمود وعدم المرونة

- ‌الخرافة السادسة: عدم الابتكارية وعدم الإنتاجية

- ‌الخرافة السابعة: صعوبة تعلم مهارات جديدة

- ‌الخرافة الثامنة: غرابة الأطوار أو الخبل

- ‌الخرافة التاسعة: الوحدة

- ‌الخرافة العاشرة: أكثر تدينا

- ‌الخاتمة

- ‌‌‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌عملية الموت:

- ‌نظرية كويلر -روس

- ‌الإنكار

- ‌الغضب

- ‌المساومة

- ‌الاكتئاب

- ‌التقبل

- ‌نمو مفهوم الموت:

- ‌المراجع:

الفصل: ‌سابعا: النمو وتكامل الشخصية

‌سابعًا: النمو وتكامل الشخصية

رأينا أن النمو عملية تغير وتوجيه للتغير، وبهذا الفهم لطبيعة النمو المعرفية الانفعالية والاجتماعية، وفي كافة مراحل تطور نمو الطفل لرعاية البيئة، خاصة الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية المختلفة، وبقدر ما تتم هذه الرعاية وفقًا لفهم واع للطفل النامي وفلسفة واضحة لتوجيه النمو، يتم الهدف الأعظم الذي ينشده أي جماعة إنسانية وهو تكوين الشخصية الناضجة، وبذلك تتبلور أهداف المجتمع في توجيه مسار النمو نحو تنشئة الشخصية السليمة.

ويعني مصطلح الشخصية، بنية وظيفة مركبة من المكونات الجسمية التشريحية، والعقلية المعرفية، والانفعالية، الوجدانية والاجتماعية في نظام متكامل يحدد أسلوب الفرد في الحياة وفي مواجهة المواقف المختلفة.

ويمثل نمو الذات Self وحدة تطور نمو شخصية الطفل.

ويذخر علم النفس بالعديد من الدراسات عن أهمية إدراك الذات في الحياة النفسية للفرد، وجد "جوسولين 1962" في دراسة على بعض المراهقين والمرهقات، أن الذين يدركون أنفسهم بطريقة تختلف عن تلك التي بها يدركهم زملاؤهم، يميلون إلى أن يكونون منعزلين عن جماعة الرفاق، ويخلص إلى نتيجة تقرر أن جانبًا من الكيفية التي تجعل الفرد مقبولا من جماعة زملائه هو القدرة على "أن نرى أنفسنا كما يرانا الآخرون".

كذلك وجد "روتنبرج-1963" في دراسة على 1684 طالبًا بالمدرسة الثانوية أن الأطفال الذين يعانون من بعض الاضطرابات يميلون إلى رؤية أنفسهم على أساس احترام للذات منخفض بدرجة واضحة عن الأطفال غير المضطربين.

وتؤكد عديد من الدراسات "أولسن 1959، أنجل 1962"، الحقيقة بأن نمو الذات، مثل كل جوانب النمو، يأخذ مسارا محددًا منتظما بسبب الدفعات التي تهيؤها الاستعدادات الطبيعية للنمو الكامنة في النوع الإنساني، ووفقًا لهذه النظرية، يمكننا أن نتوقع أن الخطوط العامة

ص: 414

الأساسية لنمو الذات تتبع نماذج معينة مشتركة لدى كل الكائنات الإنسانية مع وجود تلك الاختلافات الحادثة فحسب نتيجة للتغيرات البيئية التي تقع على الفرد خلال عملية التنشئة الاجتماعية.

ومن الأهمية بمكان دراسة تطور نمو الشخصية من زاوية فهم وإدراك الطفل النامي لنفسه وللآخرين كوسائل لاستثارة النمو في اتجاه الشخصية السليمة.

مفهوم الذات:

لم تلق مشكلة فهم الذات حلا إلى حد كبير بسبب صعوبة إجراء البحوث في مجال لم يتحدد بدرجة كافية، وفيه تكون طبيعة الأشياء موضع الدراسة في حالة تغير مستمرة، وعلى الرغم من ذلك، فقد شهدت السنوات الأخيرة بعض التقدم الحقيقي في دراسة مفهوم الذات، نذكر منها -على سبيل المثال- دراسات الدكتور حامد زهران 1967 وغيرها ولكن معظم البيانات التي لدينا، عبارة عن بيانات حول طبيعة الذات أساسًا، هي نتائج البحوث الإكلينيكية البحث في مشكلات الأفراد الذين يعانون من درجات مختلفة من الاضطرابات الانفعالية والنفسية، فمثلا درس "روجرز وآخرين 1954" الذات من خلال ملاحظة الاتجاهات ذات الصبغة الانفعالية نحو الذات، كما ظهرت من الأفراد الخاضعين لعلاج نفسي ومن خلال ملاحظة التغيرات في إدراك الذات التي تحدث خلال العلاج النفسي.

ولعل كارل روجرز "1951" من أبرز علماء النفس المحدثين الذين تناولوا نظرية مفهوم الذات Self-Concept بالدراسة العلمية المنتظمة بهدف الكشف عن طبيعة الشخصية ومكوناتها ودينامياتها.

يصور "روجرز" كل فرد على أنه مركزًا لعالم من الخبرة يتغير باستمرار، بعض منها يخبر بطريقة شعورية أو واعية ولكن معظمها لا يخبر هكذا والأفراد يفكرون ويشعرون ويعملون في استجابة لعالمهم ووفقًا للكيفية التي بها يخبرونه أو يدركونه، والطريقة التي بها يخبرون أو يدركون عالمهم تكون بالنسبة لهم "الحقيقة" أو "الواقع" وجانب من العالم كما يدرك بواسطة الفرد يصير بالتدريج متميزا عن بقية عالمه، وهذا يصبح الذات، فالذات هي ذلك الجانب المدرك ليكون داخل تحكم الفرد.

ص: 415

ولذلك ففي بعض الظروف يشعر الفرد بموضوعات أو أحداث توجد حقيقة خارج الجسم لتكون جانبًا من الذات خاصة وإذا كان الفرد يراها على أنها مهمة بالنسبة لصالحه أو رفاهيته، أو كما يقول علماء النفس إذا كان يحدث لديه "احتواء للأنا" فيها، وكلما تزايدات خبرة الفرد يبدأ في تنظيم استجاباته داخل نمط مرن "متغير" ولكنه نمط متسق يمكن معرفته، وهو ما يسميه روجرز بـ"تركيب الذات" أو "مفهوم الذت" فمفهوم الذات هو الطريقة التي بها ينظر الفرد إلى نفسه ويكون تفكيره وشعوره وسلوكه غالبًا متسقًا وفي انسجام مع مفهومه عن الذات وليست الأفكار والمشاعر والأفعال إلا مجرد طرقه وأسلوبه لمقابلة حاجاته كما يراها هو.

مفهوم الحاجات:

يسلم الاتجاه الدينامي في فهم السلوك الإنساني على أن لكل سلوك هدف هو مقابلة حاجات الفرد، والحاجة هي توتر أي عدم اتزان يتطلب نوعًا معينًا من النشاط المشبع، والحاجات قد تشبع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالجوع مثلا، حاجة تعبر عن نفسها في السعي إلى الطعام، ولكن بعض الناس يشبعون هذا السعي فورًا عن طريق تدخين سيجارة، فبالنسبة لهم يمكن إشباع هذه الحاجة وقتيًا عن طريق إشباعات أكثر مما هو ممكن بالنسبة لغير المدخنين وعادة ما تكون الحاجات مركبة، فالتواترات التي يشعرها بعض الناس في وقت تناول الطعام "طعام الغذاء" لا تخف عن طريق تناول الطعام وحده، وليس الغذاء بالنسبة لهم إلا فرصة تقليدية لتناول الطعام والاتصال مع الآخرين ويشعرون بالإحباط إذا أكلوا وحدهم لأن الحاجة إلى الاتصال تترك غير مشبعة، وبالنسبة لمعظمنا لا نعني مجرد التغذية إشباع لحاجاتنا المرتبطة بوقت تناول الطعام، فالطعام ينبغي أن يعد ويقدم بطريقة مقبولة لمعايير جماعاتنا، أو يعتبر غير ملائم للتناول، إلا أنه حينما نضطر إلى الانتظار فترات طويلة دون طعام فإن الحاجة الخالصة للطعام من أي نوع يكون لها الأغلبية والأفضلية ويتم إشباعنا بأي نوع من الطعام سواء كان معدًا بطريقة ملائمة أو غير ملائمة.

ويقرر "سنج وكومبز 1949" أن الحاجة الإنسانية الأساسية هي "حفظ الذات الظاهرية والارتقاء، ويقول آخر: يكون كل سلوكنا من أفكار ومشاعر وأفعال وظيفيًا موجهًا نحو الاحتفاظ بذواتنا أحياء صحيحة ووظيفية وكذلك نحو تحسين موقفنا الإحيائي، ونعني "ذواتنا" في

ص: 416

هذا الصدد الأشخاص والأشياء، والعلاقات التي تكون مهمة بالنسبة لنا والتي نتحقق منها على أنها تخصنا.

وهنا سوف نميز عدة مستويات أو مراحل في الحاجة الإنسانية كما حددها "سنج وكومبز"، ويستند النظام الذي سوف نستخدمه في هذا الصدد على نظرية "ماسلو" التي تتميز بأنها بسيطة وفي نفس الوقت تسمح بتمايز الحاجات وفقًا للمستويات العديدة من النضج الانفعالي، الاجتماعي.

ويرى "ماسلو 1954" الحاجات على أنها مرتبة وفقًا لنظام هرمي النفسية، وذلك كما أشرنا فيما سبق، ويمكن إيجازه فيما يلي.

المستوى الأول:

الحاجات الجسيمة الأكثر أساسية وتتمثل في السعي إلى الطعام والماء والهواء والدفء والإشباع الجنسي وهكذا.

المستوى الثاني:

الحاجات التي ترتبط بالأمن الفيزيقي وتتمثل في تجنب الأخطار الخارجية أو أي شيء قد يؤذي الفرد.

المستوى الثالث:

الحاجات التي ترتبط بالحب وتتمثل في الحصول على الحب، والعطف، والعناية والاهتمام، والسند الانفعالي بواسطة شخص آخر أو أشخاص آخرين.

المستوى الرابع:

الحاجات التي ترتبط بإقامة علاقات مشبعة مع ذات الفرد ومع الآخرين، وتتمثل في أن يكون متمتعًا بالتقبل والتقدير كشخص وأن يحظى باحترام الذات، وأن يكون محترمًا وأن يكون له مكانة وأن يتجنب الرفض أو النبذ أو عدم الاستحسان.

المستوى الخامس:

الحاجات التي ترتبط بالتحصيل أو الإنجاز بالتعبير عن الذات، أن يكون مبدعًا أو منتجًا، وأن يقوم بأفعال وتصرفات تكون مفيدة وذات

ص: 417

قيمة للآخرين وأن يحقق إمكاناته ويترجمها إلى حقيقة فعلية.

وهناك نقطتان ينبغي الإشارة إليهما بالنسبة للنظام الذي رتبت فيه هذه الحاجات.

أولا: تنظيم الحاجات وفقا لأهميتها بالنسبة للفرد فالحاجة إلى الهواء والماء مهمة بالنسبة لاستمرار الحياة ذاتها، بينما لا تكون الحاجة إلى المركز أو المكانة بنفس الأهمية السابقة.

ثانيًا: تتوقف مقدرة الفرد على إشباع الحاجات "العليا" بطريقة متسقة على المدى الذي يكون فيه قادرًا على إشباع حاجاته الأكثر أساسية. فعلى سبيل المثال من الصعب على الفرد أن يعمل بكفاية إذا شعر أنه لا يحظى بالتقدير من جماعته أو إذا شعر بأنه غير مرغوب فيه أو غير محبوب، أي أن تقبلنا السوي للحب يمكن أن يعاق بالحاجات غير المشبعة للطعام أو الماء أو النوم.

ويحدث تطور نمو شخصية الطفل على الإشباع الملائم لهذا النظام من الحاجات.

وفي خلال مسار النمو، تخضع قدرات الطفل واتجاهاته وخصائص شخصيته، بصفة عامة للتغير والتعديل ومن هنا كانت إمكانية بناء شخصيات الأطفال حيث تنطلق من ركيزة أساسية لدى الكائن الحي الإنساني وهي قدرته المستمرة على أن يغير ويعدل من أنماطه السلوكية المختلفة، وبالتالي إمكانية التطور والارتقاء المتواصلين.

وقامت "جاك 1934" بدراسة السلوك المسيطر لدى بعض الأطفال في مجموعات، واختارات مجموعة من الأطفال في سن الرابعة ووضعت كل طفل مع عشرة من الأطفال الآخرين لكي تكشف ما إذا كان الطفل مسيطرًا عليه الآخرون في الموقف التجريبي، ولقد توصلت إلى أن الفارق الأساسي بين الطفل المسيطر والطفل غير المسيطر هو اختلاف في درجة الثقة بالنسبة التي يشعر بها كل طفل في المواقف التجريبية، ثم قامت هذه الباحثة بتدريب الأطفال غير المسيطرين على بعض الأشياء التي لا يعرفها الأطفال المسيطرون مثل تجميع من الأشكال الملونة، أو تعلم

ص: 418

إحدى القصص، كمهارات يتسلحون به، وأوضحت الدراسة أن الأطفال غير المسيطرين قد زاد لديهم الميل إلى السيطرة في نفس المواقف ومع نفس هؤلاء الأطفال، ويعلق "ستودارد 1959" على دراسة السلوك المسيطر بأن "النتيجة الأساسية من هذه الدراسات بأن سمة السيطرة يمكن أن تتغير بوضوح إذا تعرض الطفل للقيام بمواقف تتضمن بناء الثقة أو هدمها".

ويساعد تدريب الأطفال على بعض المهارات، وليس فحسب على بناء الثقة بالذات، ولكن أيضًا على تحرير طاقات الفرد من مناشط متعددة يقوم بها وتزويده بأسس الاتصال والتواصل مع الآخرين.

ويستطيع الآباء والمربون، من خلال ما يوفرونه للأطفال من تدريبات وممارسات معينة، ومساعدة الأطفال على بناء مقومات الثقة بالنفس، وهذا بدوره يساعدهم على تحسين قدراتهم على القيادة مع غيرهم من الأطفال.

ويعتبر تأثير مثل هذه التدريبات تراكميًا فالطفل، حينما يلقي بعض الثقة مع غيره من الأطفال في إحدى المهارات أو القدرات، يتشجع في محاولة لتحقيق ذاته فيما هو أكبر وفي مجالات أكثر تعددًا.

ومن أهم ركائز إطلاق إمكانات الشخصية، وتحريرها، وتوظيفها، مدى ما يتوفر للطفل من إشباع لحاجاته الانفعالية، العاطفية من خلال الحب والتقدير الذي يحيط به الكبار، فمن أهم أركان الحياة الانفعالية لدى الطفل ما يهيئه له الكبار من آباء ومدرسين وغيرهم من ناحية وما يكنه هو لهم من الحب، وكل اعتداء موهوم أو حقيقي على ما يحبه الطفل يولد عنده غيرة شديدة أو عدم اتزان انفعالي، فالأطفال المنبوذون أو الذين يشعرون أنهم غير مرغوب فيهم أو غير محبوبين يحتمل أن يتردوا في الكثير من مشكلات التوافق النفسي.

ومن المعروف أن بوادر الحب تظهر في الشهور القليلة الأولى من الحياة وبمرور الوقت تعمم هذه المشاعر إلى غيرها من موضوعات حب الأطفال إلى كثير من الأشياء والأشخاص حتى إذا ما أقبل على مرحلة المراهقة تكونت لديه درجات مختلفة من المحبة محورها بيته وأسرته

ص: 419

وجيرته ورفاقه والنظم التي تتفق مع ميوله وتختلف طبيعة هذا التعلق باختلاف الأوقات والظروف.

وإذا كانت عاطفة الحب تستند إلى حاجة الطفل إلى السند والتأييد والمعاشرة، فإن تغير الميول بتقدم تطور نمو الطفل وتعلمه يلعب دورًا هامًا في تحديد أسلوب التعبير عن هذا الاستعداد والموضوعات التي يتجه إليها، فحب الطفل لوالديه يتأثر بما يحيطانه به من عناية ورعاية، كما أنه عن طريق الاتصال بالأشياء الجامدة في حياته اليومية، يكتسب شغفًا يلعبه أو ببعض الأدوات المنزلية أو غير ذلك من الأشياء التي يرى أنها أبلغ قيمة من سواها من الأشياء الجديدة والثمينة، وعندما ينضج الطفل جنسيًا، فإن الحنان والرغبة يصبحان عنصرين من عناصر محبته لأفراد الجنس الآخر كما أن إنجاب الأطفال يثير محبة تتضمن عناصر جديدة من الدوافع والمشاعر.

وجميع مظاهر الحب سواء أكانت تعلقًا بإحدى الدمى أو ببعض الحيوانات الأليفة مثلا، أو بالأبوين أو الزوج أو الأطفال أو الزملاء أو الكلية أو الوطن تتضمن درجات متفاوتة من حب الذات، ومع ذلك فإن امتداد الحب من الذات إلى الغير يبدأ من حيث استعداد بعض الناس لتنمية ذلك الحب بدرجة تجعلهم يهبون أنفسهم لغيرهم فيسرون لما يلقاه هؤلاء من توفيق ويتجهون برفعتهم كغاية في ذاتها. ويثير هذا الاستعداد للحب أمور مألوفة لا حصر لها أثناء رعاية الأم لوليدها كما قد يثيره أحيانًا كارثة تحل بالبيت أو المجتمع، أو ما يقع من الأحداث الطارئة والكوارث القومية وهو بالغ الأثر كوقاية من الانحلال الاجتماعي.

ويلعب الحب دورًا كبيرًا في حياة الطفل وفي دفع شخصيته نحو الاتزان والنضج الشخصي الاجتماعي، فمحبة الكبار عنصر هام لنمو الطفل نموًا سويًا، فالشخص يظل طيلة حياته تواقًا إلى اليقين بأنه مرغوب فيه وبأنه ينتمي إلى جماعة معينة ويستطيع الاعتماد على ولاء غيره من أعضاء الجماعة وإخلاصهم ومثل هذه المظاهر في فترة الطفولة لا تولد الرضى والأمن فحسب بل تزود الطفل بالقدرة أيضًا التي يحاول أن يبررها في الوقت الملائم، ولذلك فإن الطفل المحروم من الحب دون باقي الأفراد بالأسرة يكون في موقف يبعث على الرثاء وتتسرب في ذاته مشاعر العدوان التي قد تتجه نحو الذات أو نحو الآخرين.

ص: 420

ومن ناحية أخرى، قد يتخذ الإسراف في الحب والتعبير عنه بمظهر التدليل الزائد الذي يؤدي إلى تعطيل نشاط الطفل وإلى الحد من الكشف عن إمكاناته الكامنة وإطلاقها في واقع حياته العملية.

ومثل هذه الحقائق عن أهمية الحب في حياة الطفل يؤكدها العديد من الدراسات النفسية والتربوية، فالطفل يبدأ حياته عاجزًا، لا حول له ولا قوة، ويظل معتمدا على غيره لسنوات طويلة، كما أن وجوده المادي وصحته النفسية يتوقفان على عناية الآخرين به، وليست فائدة الحب شيئًا غامضًا أو منفصلا عن حياة الطفل، بل إن محبة الكبار للطفل تعد شيئًا ملموسًا يدخل في دقائق حياته اليومية تظهر في أسلوب معاملته برقة والصبر على تضارب مطالبه مع سواها من الواجبات والميول "كرغبة أبويه في الاستمتاع بالنوم السريع"، وفي مدى مداعبته وطريقة الإجابة على أسئلته عندما يكبر واحترام ميوله وتلبية رغباته في المساهمة في بعض نواحي نشاط الكبار.

ومن الطبيعي أن نجد -كما يثبت ذلك الكثير من البحوث- نمو الأطفال الذين يعيشون في بيوت يسبغ عليهم أفرادها الرعاية والحنان، ويكون أفضل من نمو الأطفال الذين ينشئون في بيوت محطمة أو في مؤسسات أو ملاجئ عامة، وليس من المتعذر أن نذكر لماذا يكشف الأطفال الذين ينشئون في هذه المؤسسات عن اتجاهات دفاعية ويكونون أقل استعدادا لتوقع أو تقبل تودد الآخرين إليهم، وأكثر ميلا إلى الحذر والتردد والانسحاب في علاقاتهم، لكن الحاجة إلى الحب وما يترتب عليها من آثار بالغة الأهمية في نمو الأطفال لا تتخذ اتجاهًا واحدًا ولا تتم من ظرف واحد، فالأطفال أكثر حساسية لاتجاهات الكبار نحوهم يظهرون حبهم للكبار الذين يحيطونهم بالعناية والعطف.

وكما أن محبة الكبار هامة للطفل، كذلك محبة الأطفال هامة للكبار، فقد تبين أن من أهم المتع التي ذكرها الآباء عند سؤالهم عن المتع المرتبطة بالإنجاب للأطفال وتنشئتهم، أشاروا إلى تلك التي تنجم عن صحبة الأطفال ومظاهر حبهم لأبويهم وما يتيحونه لهم من فرص لإسهامهم معهم في نشاط ودي مشترك، وهكذا لا تكون المحبة هامة للطفل فحسب بل ولسائر الأفراد أيضًا في شتى أوقات الحياة.

ص: 421

وتتجلى قيمة العلاقات القائمة على الحب -كما ذكرنا- في الاتجاه السيئ الذي يتخذه سلوك الطفل إذا كان في أيد غير عطوفة أو كان غير محبوب، فقد تبين من نتائج بعض الدراسات أن ضعف المحبة المتبادلة بين الآباء والأبناء قد يكون عاملا من عوامل نجاح أو غير ذلك من مظاهر السلوك اللااجتماعي أو المضاد للمجتمع، وربما كان أسوأ من ذلك مصير الأطفال الذين لا يتمردون أو يردون الإساءة، بل يتحملون آلامهم في صمت وعلى صورة قلق أو خوف، فكثير من الأطفال تنتابهم مخاوف ترجع إلى ما أصابهم من تهديد أو أذى، كما أن غير قليل منهم قد يبدون مخاوف تنطق بحاجاتهم إلى الثقة في علاقاتهم بغيرهم بما في ذلك من المخاوف المتصلة بالوحدة والنبذ.

كذلك يتوق الأطفال إلى نيل الرضا والظفر بالمحبة من المدرسين وغيرهم من الكبار ممن يقومون مقام الآباء، ولا شك أن هناك كثيرا من التداخل بين خصائص المدرس القدير وخصائص الأب، فلقد طلب من التلاميذ في بعض البحوث أن يذكروا صفات المدرس الذي يؤثره كل منهم بالمحبة دون غيره، فجاءت نسبة كبيرة من الإجابات متضمنة خصالا يتحلى بها الشخص المحبب بوجه عام، كالمودة والعطف، والاهتمام الصادق بالأطفال، والعدالة المشوبة بالحزم.

ومثل هذه الحقائق تكشف عن أنه من المفيد للمشرفين على شئون الأطفال في البيت والمدرسة والمعسكر والمستشفى وغيرها من الأماكن ألا يكتفوا بمجرد الشعور بالاهتمام بالأطفال بل عليهم أن يكشفوا عن ذلك في سلوكهم نحوهم، وليس معنى هذا، بطبيعة الحال، المحبة تكفي لحل جميع المشكلات، فالمدرس المحب لتلاميذه يحتاج إيضًا إلى قدر من إتقان التدريس، وصحيح أن حبه لتلاميذه يساعده في عمله ولكن هذا الحب في ذاته لن يجعل منه مدرسا ناجحًا بشكل آلي، كما لا ينبغي أن تحمل أهمية الحب الفرد على أن يفتعل التعبير عنه أو يحيط الطفل بجو مصطنع من المرح والطمأنينة، أو أن يؤدي باسم الحب أمورًا يقتضي صالحه أن يتعلم القيام بها بنفسه.

وفي هذا السياق النمائي يأخذ تطور شخصية الطفل مسارًا محددًا.

ص: 422

فالطفل الوليد لا يكون له ذات، على النحو الذي حددناه لأنه غير قادر على أن يتبين الفروق بين نفسه وبيئته، فثدي الأم يعتبر كجزء منه مثل قبضة يده، ويتحقق بعد عدة شهور أن الثدي "يخص" أمه وأن "القبضة" تخصه هو، وهو يشبع حاجات المستوى الأول وفقًا لنمط مزاجه بعنف أو بدماثة بهدوء أو بضوضاء

إلخ. وحينما يقع أو يسمع صوتًا عاليًا يدركه على أنه تهديد لحاجاته إلى الأمن الفيزيقي أو السلامة الفيزيقية "المستوى الثاني" ويستجيب بعويل الخوف أو الغضب وهو كثيرًا ما يستجيب لحاجاته من المستوى الأول بنفس الطريقة، ومن الطبيعي أنه حينما تلقى حاجات المستوى الأول أو الثاني عدم إشباع بصفة منتظمة فمن المحتمل تمامًا أن تتأثر صحة الطفل، فيقع بسهولة ضحية للمرض ويخفق في أن ينمو إلى المعدل السوي، إلا أننا كثيرًا ما نغفل تلك الحقيقة "أن الحاجة إلى الحب غالبًا ما تكون ضرورية كحاجات المستوى الأول والثاني".

ويقرر "باكوين 1949" عدة مظاهر عن أثر الحرمان العاطفي على الأطفال في مرحلة المهد.

"يقدم للأطفال الذين يتراوح عمرهم أقل من ستة شهور ووضعوا في مؤسسات لبعض الوقت صورًا محددة تماما وكانت معالهما البارزة هي عدم الاكتراث، الهزال والشحوب، الخمول النسبي، السكون، اللااستجابية للمثيرات مثل الابتسام أو النواح، شهية غير مبالية الإخفاق في الوصول إلى الوزن المناسب على الرغم من تنوال وجبات تكون كافية تمامًا بالنسبة للطفل في المنزل، التبول والتبرز بكثرة، مظهر اللاسعادة، التعرض لنوبات الحمى، اختفاء عادات الامتصاص والرضاعة.

ومن ناحية أخرى إذا تحقق لحاجات المستويات الثلاث الأول إشباعًا كافيا فإن الطفل السوي سوف ينمو ويزدهر.

وعلى الرغم من صعوبة تحديد بداية ظهور الذات إلا أنه يمكن القول بأن ذلك يتم حينما يبدأ الطفل في أن يضحك لوالديه بعد ست إلى ثماني أسابيع من الميلاد، وربما حينما يشرع في تكشف مهده أو جسمه في أي حادث وأحيانًا خلال السنة الأولى من الحياة تبدو بعض ملامح كونه كيانًا منفصلا حيث يبدأ في التعرف على اسمه وهو يبدأ في

ص: 423

أن ينمي حاجات المستوى الرابع، كما تتضح من توقعه للأشياء من الأفراد الآخرين لأسرته ويتوقع أن أمه سوف تطعمه وأن والده سوف يلاعبه ويرفعه بين ذراعية في الهواء وأن إخوته وأخواته سوف يحاولون ملاعبته وإضحاكه أو سوف يحاولون إيذاءه، وهكذا.

وتبدأ بعض الوظائف الأخرى للذات في النمو والازدهار فيتعلم الطفل في أن يستمتع بمجتمع الآخرين، يأخذ في التحقق من أنهم أشخاص مهمون بالنسبة له ومن أنه شخص مهم بالنسبة لهم ويكون حصوليًا أي يسعى للحصول على كل ما يحيط به، ويريد الأشياء لنفسه، يقبض على كل ما يقع في متناول يديه ويتعلق بها ويقاوم محاولات انتزاعها منه، يضع الأشياء في فمه لأنه لا زال يعمل بدرجة كبيرة على المستوى الأول من إشباع الحاجات ويصير الطفل واعيًا جدًا ببيئته الفيزيقية ويرغب كثيرًا في أن يكشفها وكلما نما ونضج يتكشف أنه يستطيع تكشفها، أولا: عن طريق النظر والاتصال وفيما بعد عن طريق الشعور والتلمس والتناول أو القبض، ثم عن طريق الزحف والحبو وإذ يقوم الطفل بهذه الاستكشافات يتعلم بالتدريج الفرق بين الذات واللاذات فإحساسه بالواقع وفقًا لمعايير الكبار يكون غير ملائم بدرجة كبيرة لأنه لا يعرف أن الأجزاء من بيئته يستطيع السير عليها، ولا يعرف ما الخطر والأمان ولا يعرف ما له وما ليس له.

وعلى الرغم من أن هذه الاستكشافات قد ترضي الطفل في أنها تساعده على اكتشاف "من هو" فإنها سوف تؤدي به حقًا إلى صراع مع معايير جماعته فقد يكدر الطفل إحساسنا بأهمية بعض الأشياء أو المقتنيات في المنزل كأن يسحب الكتب من على الرف أو يلقي بالإناء من على المنضدة أو يلهو ويعبث في أوقات أو أماكن غير مناسبة.

وهذا أمر مفهوم لأن سلوكه الدفاعي، تلقائي، ولم يخضع للكف بواسطة معيار التعقل أو المعنويات ومن المحتمل -إن آجلا أو عاجلا- أن يلقى عقابًا على هذه الأفعال وإذا أتى العقاب مبكرًا جدًا فسوف لا يفهم لماذا يعاقب ولكن إذا أتى حينما يكون قادرًا على ربط العقاب بكسر الأشياء أو إتلافها ربط العقاب بموضوع "العقاب" فسوف ينتقل إلى المرحلة الثانية من نموه ويكف عن الإتيان بهذه الأعمال كوسيلة لتجنب العقاب.

ص: 424

ويرى الطفل العقاب كتهديد لتركيبه الذاتي أو لمفهوم الذات فحتى الآن يدرك نفسه كموضوع لحب لا ينضب ولكن والديه الآن يمسكان بالحب عنه وتتعرض حاجاته للعطف فورًا للإحباط وقد يعرف أنهما قد يمسكان بالحب عنه إلى الأبد "إحساس الطفل بالزمن ضعيف كما أشرنا" لقد عبر والداه في الماضي عن حبهما له بواسطة الاحتضان والمعانقة أو الربت والملاطفة أو الكلمات الرقيقة ولكن كلماتهما الفظة ولكماتهما "أو صفعاتهما تبدو له الآن بما هو نقيض الحب.. النبذ والإهمال" فلتوقعاته للحب والأمان قد انقلبت رأسًا على عقب، ويحدث ارتباك في تركيب الذات لديه كلما حاول مواجهة هذا الموقف المربك.

ومن السواء أن يتوافق الطفل مع هذه القيود الضرورية حيثما يكون ناضجًا بدرجة كافية ليكتشف ما يتوقعه والده منه مدمجًا التوقعات الوالدية في تركيب الذات لديه، ويبدي بعض الأطفال عدم رغبة في تقبل هذه القيود ولكن الكثير منهم لا يتقبلها بدون أن يمر خلال فترة أو أكثر من التمرد خلال هذه الفترة، يكون الطفل حقيقة في نضال ضد الضرورة التي تفرض عليه أن يغير من مفهومه لذاته والمعركة لا تنتهي إلا باستسلامه للواقع بأنه ينبغي أن يتقبل التغير.

يخبر معظم الأطفال بعض الصراع الانفعالي في سياق تعلمهم التحكم في حوافزهم ويبدأ الطفل في العام الثاني أو الثالث من الحياة في تعلم أنه لا يستطيع أن يثق بنفسه في تتبع حوافزه، وإذا فعل ذلك فسوف يتردى في اضطراب مع أناس مهمين جدًا، مع والديه، ولكي يحمي نفسه مما يبدو له كفقدان مهدد للحب، وهو العقاب أو النبذ أو الإهمال فهو مضطر لأن يغير تركيب الذات بواسطة أن يدمج فيها شيئًا مما يوقفه في المرة التالية عن الإتيان بالأفعال التي تسبب عدم رضا الوالدين، وهو يحقق هذا التغيير عن طريق تبنيه لمعايير والديه وعن طريق تعديل توقعاته لنفسه وتبنيه لهذه المعايير مثل تلك الأحكام بأن بعض الأشياء خاطئة أو سيئة وغير متقبلة لتفسير سلوكه، وعليه أن يتوقع أنه سوف يفعل أشياء تكون خاطئة أو سيئة إذا لم يراع أن يضبط نفسه وحينما يسيء التصرف يشعر بالذنب ووخز الضمير لأنه لم ير إلا توقعاته ويشعر أنه قد أحط بنفسه، وقد يستجيب لذلك بعقابه لنفسه مباشرة كأن يستجيب لمشاعر الذنب بطريقته المميزة للتعبير عن الإحباط مثل ثورات الغضب، ولوم الآخرين. سرعة التقلب، السلبية، قضم الأظافر، التصرف بطريقة أصغر من سنه، وهكذا.

ص: 425

والضمير هو المصطلح الذي نستخدمه في لغتنا اليومية لوصف هذا الجانب الضابط المعاقب من تكوين الذات لدينا وهو ما لدى أصحاب التحليل النفسي "الأنا الأعلى" والضمير نموذج أو طريقة للاستجابة لأنفسنا نموذج يتعلمه الأطفال ممن هم أكبر منهم سنًا ويبدأ عقاب الضمير يحتل مكانة أكبر في ضبط سلوك الطفل أكثر من العقاب البدني الذي قد يتلقاه من والديه، ويصبح في بعض الأحيان مجرد التفكير في بعض التصرفات غير السلمية كافيًا لإثارة مشاعر الذنب ويؤدي الأمر ببعض الأطفال خاصة أولئك الذين يعيشون في بيوت مليئة بالقيود التي تقيد كل مناشطهم لأنهم يشعرون أنه من الأسلم لهم أن يفعلوا ذلك من أن يجروا لأنفسهم عدم الاستحسان سواء من ناحية ضميرهم أو من والديهم.

وكلما أخذ تطور نمو الطفل نحو النضج تأخذ وظائف ضميره طباعًا أكثر إيجابية، وعلى الرغم من أن الضمير يستمر ليكون مصدرًا للذنب والقلق حتى لدى الأطفال الأسوياء، إلا أنه يقل تحريكه للاضطرابات السلوكية المميزة لطفل العامين والنصف من العمر، وكلما تعلم الطفل أن يعرف والديه أفضل وأن يدركهما بطريقة مختلفة يأخذ اتجاهه نحوهما في التغير وبالتالي يتكون ضميره، وطالما أن اتجاهه نحو ضميره "المعايير الوالدية الاستجوابية" ليس إلا نسخة مطابقة لاتجاهه نحو والديه، فإنه سوف يغير مشاعره نحو ضميره بقدر ما يغير مشاعره نحو والديه، ويبدأ في الإعجاب بطريقة سوية بالوالد الذي من جنسه، الأولاد بالأب والبنات بالأم، ويحاول الطفل مطابقة سلوكه بسلوك الوالد ويبدو الوالدين خلال هذه السنوات المبكرة، كأعمدة للقوة والاستقامة ويشعر الأطفال أنهم إذا فعلوا نفس الأشياء التي يفعلها الوالدان سوف يكونون أقوياء ولا يتعرضون للوم وتأنيب.

وكلما يندمج الطفل مع جماعات اجتماعية خارج أسرته "كجماعة الرفاق.. المدرسة.. إلخ" يصير على اتصال بمجموعات جديدة من المعايير يدمجها في تركيب الذات لديه مثلما حدث بالنسبة للمعابير الوالدية في مرحلة مبكرة فهو الآن يجد نفسه مهمومًا بمشاعر الذنب ليس فقط كنتيجة "لكونه رديئًا"، ولكنه أيضًا كنتيجة لكونه "مختلفًا" ومشاعر الذنب تعبر عن نفسها كإحساس بالخجل عند التخلي عن الممارسات المقررة داخل الجماعة أو كخوف من أن يكون مختلفًا أو كخوف من أن يكون مهملا أو منبوذا من الآخرين إذا كان الفرد مختلفًا جدًا.

ص: 426

وهكذا فإن عمليات الشخصية، من مسايرة وضمير وشعور بالذنب، ليست إلا محاولات للذات لإشباع حاجات الفرد التي تتعلق بالاحتفاظ بعلاقات مرضية مع الآخرين، وفي حقيقة الأمر أن مشكلة الذات هي التوصل إلى أفضل الطرق لإشباع الحاجات الأساسية بدون مساس بحقوق الآخرين، وكلما أصبح الطفل أكثر قدرة على التحكم في حوافزه وتوجيهها فإنه يهيئ الطرق لتقبله كعضو فعال في المجتمع.

ويرتبط نمو الشخصية ارتباطًا وثيقًا بتطور نمو الأبعاد المثالية أو المعنوية في تركيب الشخصية، فيما يعرف باللقاءات المثالية التي تقوم على نظام القيم والمثل والأخلاق بصفة عامة، وهناك علاقة وثيقة بين الشخصية والخلق Character في النطاق الكلي للشخصية فكلما نضجت الشخصية، كانت الأنماط السلوكية الخلقية أكثر نضوجًا.

ويحدد "بيك وهافجرهست، 1960" في دراستهما السيكولوجية وتكوين الخلق عوامل الشخصية التالية من الخلق.

1-

الثبات المعنوي:

وهو الميل إلى اتباع النظام الأخلاقي المعنوي القائم في جماعة من الجماعات الإنسانية، اتباعًا ينم عن إرادة في تقبل هذا النظام، وعن الرضا الخلاق.

2-

قوة الأنا:

مركب من المقدرات أو الإمكانات للاستجابة للأحداث على أساس إدراكات دقيقة وانفعالات ملائمة، وأحكام تنم عن بصيرة وتعقل.

3-

قوة الأنا الأعلى:

الدرجة التي عندها يتحقق للسلوك التوجيه عن طريق مجموعة المبادئ المعنوية الأخلاقية التي صارت جزءا من التكوين الداخلي للفرد أو وفقًا لهذه المبادئ.

4-

التلقائية:

الميل إلى التعبير عن المشاعر والرغبات إلى عمل وسلوك بطريقة مباشرة.

ص: 427

5-

الودية والتصادق:

اتجاه معمم للمحبة الدافئة والعميقة نحو الأشخاص الآخرين "وعكس هذا العداوة".

6-

مركب العداوة - الذنب:

مركب من المشاعر العميقة للعداوة يرتبط بمشاعر قوية للذنب نحو الحفزات الداخلية.

فالخلق المعنوي يقوم على الاتزان الناضج للأحكام التي تأخذ في الاعتبار المسئولية بالنسبة للفرد والآخرين والتي ترى الحقوق الفردية على أساس من التقدير الواضح لحقوق الآخرين والتي ترى علاقة السلوك الحاضر للفرد بمستقبله، أي أنه يتألف من الضبط الذاتي، والوعي بالذات والمهارة والبصيرة في الآخرين، والاستجابات لسلطة الوالدين، ولدور العبادة ولغير ذلك من الجوانب المعنوية من الثقافة، ويتقبل الطفل بالتدريج معايير الجماعة ونظمها، إذ تنمو قدراته لكي يتوافق سلوكه الأناني الاندفاعي مع هذه القيود والضوابط كما ينمو ضميرها في السلوك المعنوي، الأخلاقي بدرجة كبيرة، نتاج خبرته الاجتماعية العامة.

وهناك عدة شروط أساسية لا بد من توافرها حتى يتحقق النمو الأخلاقي المعنوي السليم كما يلي:

1-

أن يتحقق مستوى طيب -بقدر الإمكان- للصحة الجسمية، فالأطفال الأقوياء لديهم شجاعة أكثر لكي يقفوا على أقدامهم ولكي يقاوموا الإغراء.

2-

الشعور بالأمن العاطفي، والإحساس بأنه شخص محبوب مرغوب فيه، والإحساس بالزمالة والمشاركة، والإنشاء، وفي هذا الجو يتعلم الطفل أن "يحب جاره أو زميله" لأنه هو نفسه محبوب وليس هناك من حاجة لديه لكي يقوم بتعويضه عن الإحساس بالعزلة، أو من حاجة إلى القسوة أو العنف أو دافع الانتقام الذي يكمن غالبًا وراء الجناح.

3-

المجالات والفرص الملائمة للتعبير عن المغامرة والاستثارة والانفعال والتحرر من القلق.

ص: 428

4-

النظام المستمر في الضبط الذاتي حتى يصير قادرًا على زيادة معدل التحكم في الاندفاعات أو الحفزات الطفلية، ويتحقق هذا الجانب كإنجاز متزايد خلال مرحلة الطفولة.

5-

توسيع الآفاق الاجتماعية باستمرار حتى يتحقق له مقدرة متزايدة باستمرار لكي يعرف، ويتحلم، ويقدر ويفهم، وبالتالي يعتبر بطريقة فطنة حقوق الآخرين وواجباتهم ومزاياهم.

6-

الإلهام "وعادة ما يتهيأ بالممارسة الدينية" في الرغبة في الحق بقوة كافية حتى يجد الإشباع الجاد في الإتيان به.

ومن المعروف أن إدراك الطفل الأول لما هو "صواب" أو "خطأ" هو ببساطة ما يسمح به لوالدين أو يمنعانه فهو محكوم في الطفولة المبكرة بما يطلق عليه "بياجيه 1948" الواقعية المعنوية، حيث يكون العالم هو بالضبط ما يبدو أن يكون عليه، فليس هناك وجهات للنظر، ولا توجد نسبية، بل الأشياء تكون أبيض، أو أسود صواب أو خطأ، فما يقرره الوالدين يتشربه الأطفال كمعايير الصواب والخطأ والحلال والحرام، وغير ذلك مما تشربه من المعايير والأحكام الخلقية والمعنوية.

ووفقًا لنظرية "بياجيه 1948" يتعلم الطفل بالتدريج أن القواعد ليست حقيقة بطريقة واقعية ولكنها من صنع الناس ويمكن أن تتعدل لتلائم الظروف فمثلا تعلم أحد الأطفال أن يعود إلا المنزل مباشرة بعد انتهاء المدرسة، وهو قد يقبل هذه القاعدة على أنها قاعدة مطلقة، وفي أحد الأيام عاد إلى المنزل، وقد كانت الدنيا تمطر بغزارة وتوسخت ملابسه ولذلك عوقب على نقص حكمته، في أنه لم ينتظر بالمدرسة حتى ينتهي المطر وهكذا، فإن ما اعتقد الطفل أنه قد تقبله كقاعدة مطلقة، يرى أنه خاضع للتعديل وفقًا للظروف، ويستطيع الطفل في مرحلة أكثر نضجًا أو يدرك مرونة مواقف السلطة في ضوء المصالح "الأكبر" الذي يقع وراء معظم القواعد، وأن يدرك صحة أي عمل من الأعمال تكمن في روح القاعدة وتنفيذها بروحها أكثر من حرفيتها.

ويتحقق للطفل في مرحلة لاحقة من النمو تطويع الأحكام المعنوية بواسطة اعتبارات العدالة، ففي المرحلة الأولى يتعلم الطفل أن

ص: 429

يكيف القاعدة لروح القاعدة في ضوء فائدتها بالنسبة للناس، ولكن كل الناس متساوون بدرجة مطلقة ويدرك الطفل -في مرحلة لاحقة- الأمور اللازمة لتحقيق العدالة الحقيقية، ولا يعتدي على أحد زملائه، لا يشاغب ولا يخرج على النظام، ولا يفتري على غيره

إلخ.

ولا يعتبر الانتقال من التقبل المطلق للقواعد الموضوعية إلى تعديل هذه القواعد أمرًا بسيطا، فالأطفال لا يتمثلون القواعد، والأحكام الخلقية، المعنوية التي تنتقل من حين لآخر على أنها مبادئ جاهزة الصنع، فكل طفل ينبغي أن "يعالج" هذه المبادئ بحيث تتكامل داخل حياته الخاصة في إطار حاجته الفردية وتوحده مع غيره من الناس في بيئته واحترامه لهم.

فكثير من الأحكام الخلقية للأطفال في سن المرحلة الابتدائية وتكون في صراع مع أحكام والديهم أو مع الجماعة الثقافية المحيطة بهم ككل، ويرجع هذا إلى أن الأطفال لم يجعلوا هذه الأحكام والقواعد جزءًا من تكوينهم الذاتي العميق، والمعروف أن الأطفال في سن ما قبل المدرسة، وفي مرحلة المدرسة الابتدائية يكون لديهم مقدرة محدودة لتوسيع نطاق توحدهم أو تقمصهم مع الأشخاص الآخرين أو الاهتمام بهم، ولذلك تكون أحكامهم الخلقية وبدرجة كبيرة، وفي ضوء العالم كما يرى من خلال عيونهم في ضوء مكانة وسلطة والديهم أو فيما بعد، الكبار الآخرين، وكلما تنمو مقدرة الطفل على أن يوحد نفسه مع غيره أو أن يصير مهتمًا بالآخرين تنمو مقدرته على تقدير المواقف على أساس أوسع ويصير أقل اعتمادا على سلطة الراشدين، وحتى في بعض الأوقات أقل اعتمادًا على معظم أحكام زملائه وقواعدهم، وتنمو لديه القدرة على "تقدير" المواقف بنفسه.

وينمي الأطفال بالتدريج ضبطًا كافيًا حيال حفزاتهم البدائية والأنانية حتى يمكنهم من العيش في جماعة بطريقة طيبة، ولا يعني هذا كبت الانفعالات والحوافز المرغوبة أو القيود المستحيلة لأي حافز أساسي، ولكن الدرس الذي ينبغي أن يتعلمه الطفل هو توجيهه للطاقة الانفعالية في مسالك تثبت فائدتها من الناحية الاجتماعية أكثر مما تتسبب عنه من تدمير، وأحد الجوانب اللازمة لنمو الضبط الذاتي هو تعلم مقاومة الإغراء والغواية، ولا يتعلم الأطفال ذلك عن طريق حمياتهم من كل

ص: 430

عوامل الإغراء، ولكنهم يتعلمون ذلك فحسب عن طريق مواجهة الإغراءات القوية المتزايدة، ويعتبر الاعتزاز الشخصي في نمو المسئولية الاجتماعية والخلقية للآخرين أحد الطرق للجمع بين الاندفاعات الأنانية والغيرية، ومن الأساليب الفعالة في هذا الصدد، ممارسة الشهامة والمروءة والكرم، وممارسة العمل في ظروف من المرح والبهجة، والتدريب على تقبل المديح والاستحسان، وفي بناء سمعة طيبة كشخص يمكن الاعتماد عليه.

والأساس في ذلك هو نمو الضمير، أو ما يطلق عليه أصحاب التحليل النفسي مصطلح، "الأنا الأعلى" الذي يمثل في الشخصية كل أحكام ومعايير الوالدين ومجتمعنا الثقافي، أو يقول آخر: يمثل الرقيب الذاتي.

ويشير "ملرتن 1960" إلى أن الضمير ليس إلا ذلك الجانب من "الوراثة الاجتماعية لدى الفرد" ويقرر "كوهلبرج 1962" أن الباحثين المعاصرين يعتبرون المعنويات أو الضمير على أنه مجموعة القواعد والأحكام الثقافية للإدارة والعمل الاجتماعي الذي تمثله الفرد لعالمه الداخلي وصار جزءًا من تكوينه الذاتي.

ويميز "بيك وهافجرست 1960" أربعة أنواع مختلفة للضمير تختلف اختلافًا كيفيًا وهي:

1-

النوع الأول وهو الأكثر بدائية والأقل فاعلية ويتألف من مجموعة "النواهي" الفظة والقاسية وهي في أحسن حالاتها تعمل كطريقة كامنة بدون تفكر، وفي أسوأ حالاتها تكون غير متسقة داخليًا أو محبطة بدرجة يستحيل تتبعها.

2-

والنوع الثاني من الضمير هو مسايرة الأحكام والقواعد، مع إعطاء وزن أساسي للسلطة التي لا تزال متمركزة في الناس المحيطة به.

3-

ويتألف النوع الثالث من الضمير من كيان منظم من القواعد الخلقية المتحولة إلى داخل الفرد والتي تحتفظ باستقلالها الذاتي وهي لا تتأثر كثيرًا بما قد يقرره أشخاص آخرون كما لا تسمح لنفسها أن تسأل أو تختبر بواسطة الفحص، والتمحيص العاقل، وهي تؤلف معًا "الأنا الأعلى العصابي الطاغي" ويعتبر "فرويد" أول من وصفه.

ص: 431

4-

والنوع الرابع من الضمير هو تلك المجموعة الراسخة من المبادئ الأخلاقية المعنوية المستوعبة داخل الفرد، والتي يمكن أن تخضع للتساؤل والاختبار الرصين.

يخلص "بينيت 1960" الأبحاث والدراسات السابقة التي أجريت في مجال علم النفس في نمو الضمير أن قوة وثبات الضمير يعتمد اعتمادًا مباشرًا على قوة ومدى العلاقات المبكرة للطفل القائمة على المحبة، وينمو تكوين الضمير -وفقًا لهذه النظرية- من خلال التقمصات أو التوحدات الجزئية المتكررة للطفل مع شخص محبوب والتي عادة ما تحدث بعد أن يسحب مؤقتًا حبه الذي يتبع إحباط حوافزه الغريزية، وينتج عن هذا التقمص تغير الأنا لكي يضاهي الشخص المحبوب.

وهناك اتجاهات في تفسير نمو الضمير، فالاتجاه الأول وهو نظريات التعلم التي تفسر نمو قوة الضمير في ضوء شروط التدعيم، أما الاتجاه الثاني وهو التحليل النفسي فيفسر قوة الضمير في ضوء ميكانزمات توجد الطفل مع النماذج الوالدية والاستحسان الوالدي، ويقرر "كولبرج 1962" أن كلا هاتين النظريتين تذهبان إلى التأكيد على "القلق" أو "الذنب" على أنه الدافع الأساسي وعلى كل الحوافز مثل "الجنس" والعدوان وغير ذلك كتعبير عن الأخلاقيات.

ويفترض الاتجاه الذي يستند إلى نظرية "التعلم" في تفسير اكتساب الأخلاقيات وتكوين الضمير أن النمو الأخلاقي المعنوي ليس إلا "عادات طيبة متعلمة خلال التلقين والتدريس" فالأنانية أو العادات السيئة عادة ما يمنع ممارستها وكثيرًا ما ترتبط بالعقاب ويفترض أصحاب هذه المدرسة أن السلوك الأخلاقي المتعلم في المنزل سوف يعمم على مواقف أخرى خارج المنزل لا تخضع للإشراف.

ويقرر أحد الباحثين أنه قد توجد فروق وراثية في القدرة على الاقتران الشرطي وفي تعلم القلق المعنوي "إيزنك 1960" وقد وجد باحثون آخرون أن إدخال نماذج توسيطية من الأفلام كانت ذات فاعلية في تعديل استجابات المفحوصين للإحباط اللاحق أكثر مما كانت لنماذج الحياة الواقعية "باندرورا وغيره 1963".

ص: 432