الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرية "أريكسون" النفسية الاجتماعية:
يعتبر "أريكسون" من أوائل محللي الطفل في منطقة بوسطون Boston، وقد أشار بمراحل نفسية اجتماعية للنمو تتشابه أو توازي مراحل فرويد، وأن هذه المراحل تصف توجيه الطفل إلى ذاته وكذلك إلى عالمه الخارجي، ويختلف "أريكسون" عن "فرويد" في إحساسه أن الشخصية لا تكون محددة في الطفولة المبكرة، ولكن يستمر نموها طوال حياة الكائن الآدمي، وبهذا المعنى أحس الكثيرون أن "أريكسون" قد عدل عن تأكيد "فرويد" على مرحلة الطفولة كبداية ونهاية لنمو الشخصية Elkind؛ "1970".
ويعتقد "أريكسون" مثله مثل "فرويد" بوجود فترات حرجة للنمو، ويشير إلى أن هذه الفترات تتسم بالاضطراب أو بنقاط تول حاسمة، وكذلك بإمكانية فترات العودة، ويعزي ذلك إلى التغيرات الجذرية التي تحدث في مجرى نمو الطفل، كما أن المشاكل النمائية التي يجابهها الطفل في مرحلة معينة من نموه إن لم تحل ستظهر مرة أخرى في أي مرحلة تالية، ومع ذلك فقد كان مختلفًا عن "فرويد" في تفاؤله بأن الإخفاق في مرحلة ما يمكن أن يصحح بالنجاح في المراحل التالية، بالإضافة فإن حل مشكلات في عمر زمني معين لا يستلزم بالضرورة حلا لمشكلات أخرى سابقة.
ويشير "أريكسون" بثماني مراحل للنمو النفسي الاجتماعي كل منها تتزايد في النمو والتركيب عن المرحلة السابقة عليها، وتتصف المرحلة الأولى بتعلم الطفل أن يثق أو لا يثق في البيئة وذلك أثناء السنتين الأوليين من حياة الطفل، وتبعًا "لأريكسون" فإنه في حالة إشباع حاجات الطفل عن طريق أمهات محبة دافئة سوف يعلمن أطفالهن الثقة، بعكس ذلك نجد الأمهات الباردات غير المعولة والأمهات البديلة ستخلق شخصيات عديمة الثقة لدى أطفالهن.
والمرحلة الثانية في فترة الطفولة من سن 2-3 سنوات تتصف بتعلم الاستقلال الذاتي Autonomy أو الشك عندما ينشئون معتمدين كلية على الأم أو على ما هو مكان الأم؟ فإن الطفل قد يتعلم التحكم في البيئة بصورة ناجحة أثناء هذه الفترة إذا أعطيت له التدعيمات المناسبة من الآباء
أو المربين، ومن جانب آخر فإن الطفل الذي يتلقى إفراطا في الحماية والعناية به، قد يتعلم الخوف من البيئة، كما أن ضعف الرعاية والحماية للطفل ينتج خبرات غير سارة، وقد ينتج مخاوف متشابهة مع الحالة الأولى، كما أن الشعور بالذنب ينمو أثناء السنة الرابعة من حياة الطفل، ويرجع ذلك إلى استجابات الأفراد من حوله إذاء تدريب الطفل المستمر مع البيئة من حوله، وتتساوى هذه المرحلة من النمو مع ما يسميه "فرويد" بالمرحلة التناسلية.
ويستطرد "أريكسون" بأن سنوات المدرسة المبكرة من سن 7-11 هي السنوات التي ينمي الطفل فيها أحاسيس الكفاية أو الدونية، ويتعلم الطفل أثناء هذه السنوات الارتباط بأقرانه، وأن يتعامل بالقواعد والعرف وأن يؤدي المهام الدراسية، ومكافأة التعلم والمساعدة عليه يؤدي إلى الإحساس بالكفاية وعلى نقيض ذلك عدم القدرة في التعامل مع البيئة والإخفاق يؤدي إلى أحاسيس الدونية.
ولقد كان "أريكسون" معروفًا باهتمامه بفترة النمو في المراهقة، إذ يشير أنها ما بين 12- 18 سنة عادة ما يكون المراهقون في شغل شاغل للبحث عن هويتهم وذاتيتهم، فإما أن يتمكنوا من تحقيقها أو يحدث لهم ما يسميه ارتباك أو خلط لأدوارهم rolr-Confusion، ويرجع ذلك إلى ما يحدث في تفاعلاتهم مع العالم وسنلقي بعض الضوء على كثير من مشكلات المراهقة في فصل قادم من هذا المؤلف.
والمرحلة السادسة والسابعة والثامنة للنمو عند "أريكسون" تلقي الضوء على ميول واهتمامات الراشدين، ففي أثناء الرشد المبكر نجد صفات من Generativity في مقابل الاستغراق أو الانشغال بالذات Selfabsorption وأخيرًا نرى التكامل في مقابل اليأس أو القنوط.
التعلم:
انتهينا في الجزء السابق من وصف المتغيرات التي تحدث عند الأطفال كلما تقدم بهم العمر الزمني، كما ألقينا الضوء على بعض من النظريات المرتبطة بتلك التغيرات والمصاحبة للعمر الزمني للوليد الإنساني، وعادة ما يسمى هذا المنحى في النمو بمنحى المرحلة المعتمدة Stage- dependent؛ لأنها تصف التغيرات السلوكية كسلسلة من المراحل التي تتزايد في التركيب والتعقيد مع النمو في العمر الزمني.
وسنناقش سويًا تفسير آخر للتغير في السلوك الإنساني وهو منحى التعلم البيئي للنمو، فالتعلم يعتبر بمثابة تغير دائم نسبيًا في السلوك الإنساني الناتج من تفاعلات الطفل مع البيئة المحيطة به، ونجد علماء النفس وبعض النظر عن نظرياتهم في تفسير السلوك يتفقون على شيء واحد، وهو مدى حاجة الأطفال إلى التفاعل المستمر مع بيئاتهم حتى ينموا بصورة سوية، فالرضيع مثلا لا يمكنه أن ينمي بمفرده القدرة على الإمساك بالببرونة "البزازة" وذلك بسبب عدم نضج القدرة الحركية لديه، وإذا لاحظنا أن الطفل يتعلم تدريجيًا هذه المهارة من خلال سلسلة من التفاعلات مع أمه وزجاجة اللبن، فالتعلم يبدأ منذ هذا السن حيث تمسك الأم الزجاجة لوليدها وتميلها على نحو مناسب، وبالتالي يتلقى الوليد اللبن. ويتبع هذا السلوك بسلسلة من الخطوات التوسطية والتي فيها تتخلى الأم تدريجيًا عن الإمساك بزجاجة اللبن كلما استطاع الطفل السيطرة والتحكم في الإمساك بالزجاجة، وفي النهاية فإنها قد تدعه يفعل ذلك بمفرده. فالطفل قد تعلم الإمساك بالزجاجة بدون مساعدة، وتدرجيًا يقلع عن مساعدة الطفل عندما تكون استجابة الطفل لهذا العمل أكثر ملاءمة وتناسبًا، فالأم هنا ساعدت على تغيير سلوك وليدها أي على إحداث التعلم لديه.
يتفق علماء التعلم البيئي مع علماء نظريات المراحل المعتمدة في أن التغيرات السلوكية ترتبط في طرق معينة بالعمر الزمني، إلا أنهم لا يتفقون معهم على أن ذلك يعتبر سببًا لهذه العلاقة، ولقد أشار أحد رواد هذا الاتجاه "بروبت جاجنه" Gagne"؛ "1968" إلى أن مراحل "جان بياجيه" في النمو المعرفي تعتمد على ثمة عاملين.
1-
تعتمد على ما يعرفه الطفل بالفعل.
2-
وتعتمد كذلك على الدرجة المتبقية التي يجب أن يتعلمها الطفل لكي يصل إلى الهدف.
وتبعًا لجاجنه فإن الطفل يتقدم من مرحلة إلى أخرى في نموه ويرجع ذلك إلى تعلمه في تسلسل منتظم لإمكاناته والتي يبنى بعضها على بعض في طريقة تقدمية، وكل مستوى مرتفع من التعلم يتطلب مستوى تعلمي سابق أقل، وكلما تدرج الأطفال في نموهم كلما أصبح أداؤهم أميل إلى الإتقان عن المستويات السابقة لعمرهم الزمني، وعلى ذلك فالأطفال الأكبر عادة ما نجدهم يتمكنون وبنجاح من حل المشكلات المتطلبة لمعدل منخفض من التعلم، ويشير "جاجنه" أن بناءات "بياجيه" المعرفية تبعًا لذلك ليست دليلا على الاختلافات النوعية أو الكيفية ولكنها بالأحرى قدرات مكتسبة خلال الخبرة مع البيئة، وبهذا المعنى فإن مراحل النمو المعرفي لا ترتبط كثيرًا بالعمر الزمني، كما أن التعلم يأخذ وقتًا لحدوثه.
الاستعداد والتعلم:
نمو الاستعداد وصف بواسطة علماء التعلم البيئي بطريقة متشابهة إذ يشيرون أن الاستعداد عبارة عن تراكم المهارات المتعلمة فيما سبق ففي الأعمار الزمنية المبكرة نجد الأطفال قد لا يكونون قادرون على أداء واجبات معينة، ولا يرجع ذلك لعدم نضوجهم بالفعل، ولكن يرجع إلى أنهم لم يكتسبوا حتى تلك اللحظة المهارات اللازمة والمتطلبة لذلك، وإذا تمكنا من توفير برامج لتعلم هذه المهارات المتطلبة لهم، فإنهم يستطيعون أداء واجبات أكثر تركيبًا وأكثر تعقيدًا في أعمار زمنية مبكرة، وتبعًا لوجهة النظر هذه فإن النمو يكون عبارة عن التغير السلوكي المتطلب برمجة معينة.
ولقد اقترح كثير من علماء نظرية التعلم البيئي أنه يمكن أن نعلم الأطفال الصغار حل كثير من المشكلات والمسائل المجردة ما دامت قد
تعلمت المهارات الضرورية السابقة لها، ويستطرد "جيروم برونر" J. Bruner؛ "1960" أن أي موضوع يمكن أن نعلمه الأطفال في أي عمر زمني بصورة فعالة في بعض الطرق العقلية الصحيحة، وذلك بتوفير المناهج المصممة، وتوفير أدوات هذه المناهج بالإضافة إلى الطريقة المستخدمة في التدريس، فأدوات المنهج تبعًا لبرونر يجب أن تتضمن مشكلات حيث يجري تقديمها بصورة منطقية من الأشياء البسيطة إلى المركبة إلى الأكثر تركيبًا، ويتطلب ذلك توفير المدرسين ذوي الكفاءة العالية إذ يجب عليهم مساعدة الأطفال في حل المسائل المركبة المعقدة، ولقد اعتقد "برونر" أن هذه الطريقة والتي أطلق عليها بالمنهج اللولبي Spiral curriclum يمكن أن تزيد بصورة ملحوظة معدل النمو العقلي عند الأطفال.
وعرفنا منذ وقت طويل أن الأطفال يمكنهم تعلم المهام المركبة بصورة عالية في أعمار زمنية مبكرة وذلك أكثر مما كنا نتوقع عمومًا، وأشارت "ماريا منتسوري" M. Montessori منذ حوالي نصف قرن مضى أنها استطاعت تعليم أطفال صغار جدًا حل مشكلات معقدة بصورة عالية، حيث تمكنت من تعليم أطفال إيطاليين أصغر من أربعة سنوات أن يقرءوا ليكتبوا في مدة شهر ونصف تقريبًا من الإعداد الأولي لهم.
وجدير بالذكر فإن طريقة "منتسوري" غير عادية في فعاليتها وتأثيرها على عملية تعلم الأطفال الصغار، ونجد الآن في كثير من البلاد أنهم طوروا البرامج التعليمية والتي فيها يتعلم الأطفال كثيرًا من الواجبات والأعمال المركبة والمعقدة بصورة عالية، وذلك في أعمار زمنية مبكرة، كما يشير "برونفبرنر" Bronfenbrenner؛ "1970" أن أطفال ما قبل المدرسة بالاتحاد السوفيتي يمكن أن يتعلموا أداء كثير من المهام والواجبات المعرفية في أعمار زمنية مبكرة إذا ما قورنوا بأقرانهم بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمومًا فإن الطرق المؤثرة ذات الفعالية يمكن كذلك في بلاد صغيرة وأقل غنى من الدولتين العظمتين، وهذا ما يشير إليه "جانيت جيبسون" J. Gibson؛ "1978" حيث وجدت في إحدى رحلاتها بجزيرة قبرص واندهشت بما لاحظته في زيارتها لإحدى فصول ما قبل المدرسة "الحضانة" بنيقوسيا في أن الأطفال في مثل هذا السن الصغير كانوا يتعلمون مسائل جبرية متقدمة.