الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقبل
Acceptance:
يذعن الفرد في نهاية المطاف للموت، فلقد انتهى صراع الحياة، "ويخبر الشخص الراحة النهائية قبل قيامه برحلة طويلة أخرى"، وقبل هذه العملية يشعر المرء بالتعب والضعف، وغالبا ما تنتابه حالات النوم، وتمر خبرة الموت أحيانا على بعض الأفراد في أمان وسلام، وقد يطلب الفرد المشرف على الموت بعض الأشخاص الذين يود رؤيتهم قبل موته، وبالتالي يبدأ في فصل ذاته عن الأمور الدنيوية ويطلب السكينة والهدوء، ويبدو أن الفرد يبدأ في فصل ذاته عن هذا العالم المحيط به حتى يجعل عملية الموت سهلة في وقعها عليه.
وتجدر الإشارة هنا، أن جميع المرضى لا يمرون خلال تلك المراحل التي أشارت إليها روس، فقد يحدث أن تنتهى حياة المرء وهو في مرحلة الإنكار، وذلك لعدم قدرته النفسية في الانتقال إلى ما وراء هذه المرحلة، أو لسبب أن المرض كان ثقيلا، وبالتالي لم يمهله لكي يعيش إلى ما بعد هذه المرحلة، وتستطرد روس بقولها: إن المرضى لا يحددوا استجاباتهم لأي مرحلة من تلك المراحل، فالمريض المكتئب قد يعود ويظهر انفجارات وثورات الغضب، كما أن المرضى في كل المراحل يستمرون في الإحساس أو الشعور بالأمل، وحتى الأشخاص الذين يتسمون بالتقبل المرتفع والمرضى الأكثر واقعية، يواصلن التمسك ببعض الإمكانات والفرص العلاجية أي أن هذه المراحل قد تكون مجتمعة أو قد تسير وفق هذا الترتيب.
نمو مفهوم الموت:
لا يمكن للرضيع إدراك مفهوم الموت، كما أنه لا يستطيع تفهم أن الموضوعات تستمر في وجودها أثناء غيابها عنه، فعادة عندما يختفي الأشخاص أو الأشياء عن ناظريه فإنه لا يبحث عنها، وبحلول الشهر العاشر تقريبا، عندما يكون الطفل الارتباطات مع الآخرين حينئذ يمكنه أن يخبر الفقدان والانفصال، وكل من النوم والانفصال يرتبطان بالموت بالنسبة للرضيع، حيث يطمئن بأن كليهما شيء مؤقت، وفي بعض الحالات عندما يكون الانفصال ليس مؤقتا كما نرى في حالة موت الآباء، فقد يحتفظ الطفل الصغير بشعور القلق ويظهر ذلك في مرحلة لاحقة من حياته.
ويميل الطفل النامي إلى أن يحدد ويعرف الأشياء التي تتحرك أو تتغير أمامه بأنها أشياء حية، وفي هذه المرحلة من النمو، فإن الحياة
والموت تعتبر من الحالات المعكوسة بصورة مؤقتة، وينظر إلى موت الأشخاص باعتباره حالة مشابهة للنوم، كما يمكن أن تتساوى مع عملية الاختفاء، وعلى الرغم من أن الطفل الصغير لا يتفهم معنى ومدلول الموت إلا أننا قد نجده مهتما بالموضوعات المرتبطة بالموت، أو أن نرى استجابته إلى الحيوان الميت برهبة وجدية.
وفي سنوات ما قبل المدرسة تظهر موضوعات الموت في ألعاب الأطفال، وعادة ما تعكس اعتقادهم أن الموت عبارة عن عملية اختفاء أو خدعة معينة، وهو مؤقت وليس مستمرا، وتشير بعض الدراسات إلى أن طفل الرابعة أو الخامسة قد يكون على دراية بتهديد الموت، وقد يتخذ هذا الوعي شكل قلق الانفصال، والوحدة، والخوف من الهجر.
وفي حوالي سن السادسة قد ينظر إلى الموت بصورة معكوسة، أي أنه عكس الحياة، ولكنه ليس حتميا، ويصل الطفل في سن التاسعة أو العاشرة إلى مفهوم الراشد عن الموت، حيث ينظر إلى الحياة والموت باعتبارهما عملية داخلية تصيب الإنسان والحيوان والنبات، كما أن الأطفال الذين يخبرون فقدان أحد الآباء في طفولتهم الوسطى عادة ما نجدهم يتفهون دلالة ومعنى الفقدان والموت، والأطفال المرضى الذين يعانون من مرض شديد في طفولتهم الوسطى عادة ما يكونون أكثر تفهما وإدراكا بحالتهم.
وفي سن المراهقة، يصبح المراهق على دراية بالتغيرات الجسمية لديهم ولدى الآخرين، وينمو لديه دراية أو اهتمام بالموت، وعلى الرغم من أن تفهمه للموت يكون مساويا أو أقل من تفهم الراشد، إلا أنه يبدو بأنه يمثل حدثا بعيدا ومجردا بالنسبة له ويعتبر بمثابة حدث يحدث لكبار السن، وهو مرتبط بمفهوم القدر أو العنف.
وفي مرحلة الرشد المبكرة، لا يبدو تكوين أي توجه معين نحو الموت، ومع ذلك فإن الخطوتين الرئيسيتين والتي عادة ما تحدثان أثناء هذه المرحلة تتمثلان في الزواج والإنجاب، قد يساعدا في إظهار علاقة الشخص مع الموت.
ويبدو أن الاهتمام بالموت يصل إلى ذروته في مرحلة الرشد
الوسطى، حيث يصبح الفرد أكثر حساسية للتقدم في العمر الزمني، ولأعضاء جسمه، ومحدودية فترة حياته، كما نجد أن فقدان الأشخاص الأعزاء يعتبر بمثابة أزمات عادية في مرحلة الرشد الوسطى، ولا يقتصر ذلك على موت الآباء ولكنه قد ينسحب على موت الأصدقاء والزملاء، كما أن الأشخاص المرضى في مرحلة الرشد الوسطى يهتمون باضطراب مسئولياتهم وعلاقاتهم تجاه الآخرين، وهم في ذلك يختلفون عن الأشخاص المسنين بأن لديهم بعض الوقت لكي يتكيفوا مع مواجهة ومقابلة الموت.
ويصبح الموت لدى المسنين اهتماما واقعيا، فلقد أشارت عديد من الدراسات بأن الحالات المسنة كانت أقل انشغالا بمخاوف الموت إذا ما قورنوا بالمخاوف التي ظهرت على الحالات التي كانت في منتصف العمر، كما أن معظم توجهاتهم العامة نحو الموت كانت مقبولة ومتقبلة أو مذعن إليها، وبالتالي يدرك الموت على أنه عملية طبيعية، وغالبا ما نجد معظم المسنين يعانون من الفقدان المتكرر لأحبائهم وأصدقائهم.
وإحدى وجهات النظر الجديدة في الدراسات الحديثة تشير إلى أن الموت لا يعتبر لحظة متميزة التي ينتقل فيها الشخص من الحياة إلى الموت، فالموت قد يكون عملية بطيئة، ومع ذلك فحتى وقتنا الحاضر لا نجد نظرية شاملة مقنعة في هذا المجال، كما أن نظرية مراحل الموت التي أشارت إليها كوبلر روس لا تغطي عملية الموت ومفهومها كما يجب طوال مراحل الحياة، ومع ذلك فإنها تعتبر بمثابة محاولة لوصف الطريقة التي يتكيف بها الأفراد الذين يعرفون أنهم ملاقون الموت لهذه المعرفة حيث أشارت إلى ذلك مراحل الإنكار والغضب والمساومة، والاكتئاب، والتقبل لفكرة الموت، والتي أشرنا إليها بإيجاز في الصفحات السابقة.