الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونتائج هذه الدراسات متسقة مع الاتجاهات التي أشرنا إليها سابقا في أن مظهر الإناث وجاذبيتهن تلعب الدور الأكبر في مفهوم المرأة عن ذاتها، وما زلنا بعيدين جدا عن الوسط أو البيئة الاجتماعية التي يقيم فيها الأفراد تبعا لإنجازاتهم وقدراتهم بدلا من مظهرهم العام، وخاصة الإناث منا.
وجدير بالذكر، فكلما حاول المراهقون اكتشاف هويتهم، والحصول على استقلالية أكبر، غالبا ما يقعون في صراع مع آبائهم من جهة وأقرانهم من جهة أخرى، وسوف نلقي الضوء في ثنايا الصفحات التالية عن العلاقة بين حياة الأسرة وبين نماذج مختلفة من نمو المراهقة.
نماذج نمو المراهقة:
قام كل من Daniel & Judith؛ "1972" بدراسة طولية على جماعة من المراهقين البيض، وتضمنت هذه الدراسة 63 مراهقا ومراهقة أثناء سنواتهم الدراسية، وكان أحد أهداف الدراسة إلقاء الضوء على الجذور السوية المتنوعة لنمو المراهقين حتى مرحلة الرشد، وجمعت بيانات هذه الدراسة من ثمة مصادر كالمقابلات مع الآباء والمدرسين، وتطبيق بعض الاختبارات على عينة البحث، ولقد بدأ تجميع هذه المعلومات منذ عام 1962 واستمرت حتى عام 1970، حتى أصبح معظم المراهقين إما متخرجين من الجامعة أو قد أنهوا دراستهم الثانوية منذ أربع سنوات، وتشير النتائج أنه في أثناء عملية نمو المراهقين ظهر لديهم بعض أنواع من الصراعات العادية تتمركز بين رغبتهم في تقبل الآباء لهم، وبين رغبتهم في التحرر من السلطة الوالدية، ومن الناحية السياسية أشارت النتائج إلى وجود الاتساقية بين الاتجاهات الوالدية واتجاهات مراهقيهم وفي تحليل الكمية الهائلة من المعلومات والبيانات التي جمعتها هذه الدراسة أشارت إلى وجود ثمة جذور Routes أو أصول نمائية ثلاثة مختلفة للمراهقين والشباب وتتمثل فيما يلي:
أنا ما يقرب من 23% من عينة الدراسة أشارت إلى ما يسمى باستمرارية النضج، كما أشار إلى ما يقرب من 35% إلى نمط النضج الغامر أو الجياش، وأن ما يقرب من 21% أشارت إلى ما يسمى بالنمو المضطرب العنيف، والباقي أشاروا إلى خليط من هذه النماذج الثلاثة الرئيسية، وسوف نلقي الضوء على هذه النماذج النمائية الثلاثة التي تمخضت عنها هذه الدراسة.
أ- نمط النضج المستمر Continuous Growth:
أظهرت الحالات التي اتسمت باستمرارية النضج، وتقدما نمائيا من مراهقتهم إلى شبابهم، ورجولتهم بطريقة هادئة، ودخلوا في حياة راشدة متكاملة، وهذه الحالات كان يكتنفها ظروف معينة مثل الخلفية الوراثية والبيئية الجيدة، ولم تتسم طفولتهم بوجود أشياء مثل الموت أو الأمراض الخطيرة للآباء أو الأقارب المحيطين بهم، كما أن نواة الأسرة بقيت كوحدة مستقرة أثناء طفولتهم ومراهقتهم، وتشير النتائج أن هذه الحالات تمكنت من اجتياز المراحل النمائية السابقة دون تثبت أو نكوص، وكانوا قادرين على التعامل مع المثيرات الداخلية والخارجية من خلال توحيد أو ائتلاف متوافق من العقل والتعبير الانفعالي، وبالإضافة فإن هذه الجماعة تقبلت المعايير الاجتماعية والثقافية العامة، وشعروا بالراحة والإشباع داخل هذا المضمون الثقافي وبالتالي لم يشعروا بالاغتراب سواء عن مجتمعهم أو عن ذواتهم بالإضافة إلى أنهم كانوا بمقدورهم إجراء تكامل لخبراتهم واستخدامها كمثير لعملية نضجهم ونمائهم.
وبإيجاز فإن هذه المجموعة من الشباب أظهرت صورة من صور التكيف الجيد فيما يتعلق بذواتهم وكذلك بالنسبة للمجتمع الكبير الذي يكتنفهم، كما ظهرت على سمات سلوكهم دلائل الرضا والإشباع، فلم يتسموا بالعدوان أو الدونية ولكنهم كانوا يتسمون بالثقة في ذواتهم والاستقرار والثبات، وباستمرارية نمائية واثقة معتدة، وجدير بالذكر فإن استقرار وثبات نمط حياتهم المبكرة الأولى أمدهم بالثقة في تعاملهم مع مستقبلهم، فقد كان يبدو عليهم إدراك ما سيأتي من أحداث وكيفية التعامل معها.
ب- نمط النضج الغامر أو الجياش Surgent Growth:
اختلفت هذه المجموعة عن المجموعة الأولى في كمية الصراعات الانفعالية التي خبروها وكذلك في نماذج حل هذه الصراعات، فقد ظهرت طاقتهم المتمركزة والموجهة نحو التحكم في مطالبهم النمائية، وبصورة أكبر من الجماعة الأولى "النضج المستمر"، وبمرور الوقت وجد أن هذه الحالات لديها القدرة على التكيف بصورة جيدة، متكاملين في خبراتهم ويتقدمون في مدارج نموهم العادي، إلا أنه في أوقات معينة كان يبدو عليهم أمارات عدم النضج وعدم القدرة على السير قدما في مدارج نضجهم كما أن دائرة النمو والنكوص كانت أكثر ظهورا مما لدى الجماعة
الأولى، فالدفاعات التي استخدموها كالغضب والإسقاط كانت توحي بالمرضية إذا ما قورنت بدفاعات مجموعة النضج المستمر.
وتشير البيانات أن هذه المجموعة قد مرت بخبرات أكثر إيلاما من المجموعة الأولى "كالموت، أو الطلاق، أو الأمراض الخطيرة لبعض أفراد أسرتهم"، كما شعر هؤلاء الشباب بأنماط من الصراعات مع آبائهم تجاه الاتجاهات والقيم، إذا ما قورنوا بالجماعة الأولى، كما خبروا تقلبات انفعالية مزاجية تتدرج من الثقة بأنفسهم إلى الاكتئاب، وعلى الرغم من أن شباب هذه المجموعة كانت لهم علاقة صداقة قوية، إلا أنهم كانوا يبذلون جهدا كبيرا لإقامتها وتكوينها، وكذلك في الاحتفاظ بأصدقائهم.
وتشير النتائج كذلك إلى أن نماذج تكيف هؤلاء الشباب كانت مناسبة حيث أقاموا أهداف طويلة المدى وعملوا في السعي إلى تحقيقها كما كان لزاما عليهم العمل بصورة أكثر جدية للاحتفاظ بتوازنهم واتساقهم أكثر مما وجد عند المجموعة الأولى.
ج- نمط النضج الصاخب المضطرب Tumultuous Growth:
كانت شباب هذه المجموعة يمثلون ما يوصف في كتابات سيكولوجية المراهقة بالعواصف والشدة والتوترات، أو ما يسمى بالشباب المغترب، فقد كان لديهم مشكلات في المنزل وفي المدرسة وأحيانا كانوا يتورطون في متاعب مع القانون.
وأظهرت هذه الحالات نماذج مضطربة مشاغبة أتت من بيئات أقل استقرارا من المجموعتين الأخيرتين، فبعض آباء هذه المجموعة كانت لديهم صراعات أسرية واضحة، والبعض الآخر من الآباء كان لديه تاريخا للمرض النفسي أو العقلي، ومن ثم فإن الخلفية الوراثية والبيئية لحالات النضج الثائر المضطرب كانت تومئ بالاختلاف عن تلك الموجودة للحالات في المجموعتين الأخيرتين، كما أنها أشارت إلى وجود اختلافات اجتماعية طبقية، فعلى الرغم من أن الدراسة تمركزت على الطبقة المتوسطة، إلا أنه وجد أن كثيرا من حالات هذه المجموعة كانت متمركزة في الطبقة الفقيرة، وبالتالي فإن عمل هؤلاء الشباب في بيئات متوسطة أو مرتفعة كان سببا من أسباب الإحباطات الإضافية التي واجهتهم في مجال أعمالهم.
وتشير البيانات أن هذه المجموعة من الشباب قد خبروا أحداثا مؤلمة غير سعيدة في حياتهم، كما أن علاقاتهم مع آبائهم كانت مليئة بالصراعات، وكثيرا منهم كان لديه أعراض مرضية إكلينيكية واضحة، وعلى الرغم من أن هذه المجموعة كانت لديها ارتباطات أسرية أحسن من التي توجد بين المرضى العقليين إلا أنهم كانوا أكثر عرضة إلى القلق والاضطراب الانفعالي، إذا ما قورنوا بشباب المجموعتين الأخيرتين، كما أن الإنجازات الأكاديمية لهؤلاء الشباب كانت منخفضة، حيث لم يكن لديهم الطموح لإحراز النجاح المهني في المستقبل، وبإيجاز فإن هذه المجموعة كانت من المراهقين والشباب التي اتسمت بالإيلام الأكبر والاغتراب الأكثر سواء عن ذواتهم أو مجتمعهم من حولهم.
وجدير بالذكر فإن أهمية هذه الدراسة يتمركز في إشاراتها إلى العلاقة الوثيقة بين حياة الأسرة ونمو المراهقين، فعلى الرغم من أن الحياة الأسرية المستقرة لا تضمن لنا تحرر المراهقين من أنماط الصراعات المختلفة إلا أنها تساعد على ذلك، وهذه الدراسة تشير أن المراهق الذي يكون في صراع مع أسرته، أو المراهقة التي تكون في صراع مع أسرتها، وكذلك مع المجتمع قد يكون شخصا مقولبا مفرطا مجهد لنفسه، كما أن أهمية هذه الدراسة كذلك في إشارتها إلى أن أغلبية المراهقين والشباب ينتقلون خلال المراهقة بدون حدوث أنماط مضطربة أو عواصف، وفي نفس الوقت يجب الاهتمام بتلك الفئة القليلة التي تشعر بالغربة والانفصال عن ذاتها وعن مجتمعها ومن نتائج هذه الدراسة كذلك أنها أشارت أن هذه النماذج الثلاثة من نمو المراهقة تؤثر في اختياراتهم المهنية المستقبلية التي يجرونها.
جملة القول، أن الغالبية العظمى من المراهقين يمرون من مراهقتهم إلى شبابهم دون الإحساس بالغربة عن الذات أو المجتمع، إلا أن هناك آخرين نجدهم يشعرون بالانفصال والبعد عن ذواتهم ومجتمعهم ويجب أن نحيط هؤلاء المراهقين والشباب بالرعاية ونساعدهم على تفهم ذواتهم تفهما سويا، وكذلك مجتمعهم من حولهم حتى ننقذهم من اغترابهم وانسلاخهم عن مجتمعهم، وسنلقي الضوء على هذه المشكلة، مشكلة اغتراب المراهقين والشباب وكيف نجعل لحياتهم معنى ولذواتهم قيمة وبالتالي يرتدون إلى ذواتهم ومجتمعهم.