المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها: - علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة

[عادل الأشول]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات:

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول:‌‌ مدخللدراسة علم نفس النمو

- ‌ مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره

- ‌الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو:

- ‌تطور علم النفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الأطوار غير العلمية

- ‌ثانيًا: بداية علم نفس النمو الحديث

- ‌الصورة العامة لتطور النمو:

- ‌مفهوم المراحل في علم نفس النمو:

- ‌الفصل الثاني: محددات السلوك الإنساني

- ‌مدخل

- ‌النضج

- ‌مطالب النمو:

- ‌مبادئ النمو:

- ‌مراحل النمو

- ‌مدخل

- ‌ مساهمات "جيزل وآلج وآمز

- ‌ نظرية بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نظرية كولببرج في نمو التفكير الخلقى

- ‌نظرية "فرويد" في النمو:

- ‌نظرية "أريكسون" النفسية الاجتماعية:

- ‌تفسيران بيئيان لتعلم سلوك الأطفال:

- ‌نظرية الدوافع:

- ‌هرمية "ماسلو" للحاجات:

- ‌أنماط تعلم الأطفال:

- ‌ الوراثة

- ‌الفصل الثالث: طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الطرق الترابطية

- ‌ثانيًا: الطرق السببية

- ‌ثالثًا: الطرق التمايزية

- ‌رابعًا: الطرق التتبعية

- ‌خامسا: الدراسات المعيارية:

- ‌الباب الثاني: الطفولة

- ‌الفصل الرابع: النمو قبل الولادة

- ‌مدخل

- ‌تطور الجنين:

- ‌النمو غير العادي للجنين:

- ‌الحمل:

- ‌تفاعلات الأم والجنين:

- ‌الفصل الخامس: الوليد والفطيم

- ‌أولا: النمو الجسمي والحركي

- ‌الرضيع في السنة الأولى:

- ‌السنة الثانية:

- ‌ثانيا: النمو العقلى

- ‌الجوانب الكمية للنمو العقلى

- ‌ الجوانب الكيفية للنمو العقلي:

- ‌ثالثا: السمع

- ‌الحواس الأخرى:

- ‌رابعًا: اللغة

- ‌مراحل التعبير عند الطفل:

- ‌خامسا: العمليات المعرفية

- ‌حل المشكلة:

- ‌سادسًا: التفكير

- ‌المفاهيم الرئيسية لطفل العامين:

- ‌تعليم الآباء استشارة الرضيع

- ‌الأنماط السلوكية التوجيهية:

- ‌العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية:

- ‌الارتباطات مع الأشخاص الآخرين

- ‌مدخل

- ‌الأنماط السلوكية المدعمة للأرتباط

- ‌قلق الغرباء:

- ‌قلق الانفصال:

- ‌نظريات أصول الارتباطات المتبادلة:

- ‌الانفصال والتفرد:

- ‌تأثير الأطفال على العناية التي يتلقونها:

- ‌تطبيقات لتنشئة الرضيع:

- ‌التأثيرات طويلة وقصيرة المدى للعناية بتدريبات الأطفال:

- ‌الفصل السادس: الطفولة المبكرة "سنوات ما قبل المدرسة 2: 5

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو العقلي

- ‌مدخل

- ‌قياس الذكاء:

- ‌مقياس ديفيد وكسلر:

- ‌اختبار القدرة اللغوية المصور

- ‌النمو الإدراكي:

- ‌التذكر:

- ‌التعلم التمييزي:

- ‌السلوك الاحتفاظي

- ‌الاستدلالات الانتقالية:

- ‌ثبات العدد

- ‌النمو اللغوي:

- ‌اكتساب اللغة:

- ‌نظريات التحصيل اللغوي:

- ‌مهارات الاتصال المرجعية:

- ‌العالم التصوري للطفل الصغير:

- ‌التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة

- ‌مدخل

- ‌دور الأب:

- ‌العلاقات مع الإخوة والأخوات:

- ‌مقدم طفل جديد:

- ‌التفاعلات مع الإخوة والأخوات الأكبر:

- ‌التفاعلات مع الصحبة والنظراء:

- ‌التطبيع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التدريب أو فرض النظام

- ‌تساوق التدريب أو النظام:

- ‌التدريب المرشد

- ‌السلوك التدريبي الموجه:

- ‌التقمص

- ‌الفصل السابع: الطفولة الوسطي

- ‌‌‌النمو الجسمىوالعقلى

- ‌النمو الجسمى

- ‌النمو العقلي:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌العالم التصوري للطفولة الوسطى:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دخول المدرسة

- ‌ثانيًا: الاهتمام المتزايد بجماعة الرفاق

- ‌ثالثًا: هوية دور الجنس

- ‌رابعًا: العلاقات الأسرية

- ‌خامسا: الآباء لطفل المدرسة

- ‌سادسا: إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم

- ‌سابعًا: النمو وتكامل الشخصية

- ‌نظريات النمو

- ‌أولا: مفهوم دورة حياة الإنسان

- ‌ثانيًا: بعض نظريات النمو

- ‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها:

- ‌الممارسات المدرسية ودورها في توجيه النمو:

- ‌الباب الثالث: المراهقة

- ‌مدخل

- ‌أولا: نظريات المراهقة

- ‌ثانيًا: التغيرات الجسمية والفسيولوجية

- ‌ثالثًا: النمو العقلي

- ‌النمو الخلقي:

- ‌دلائل التفكير الإجرائي الصوري:

- ‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية

- ‌استمرار نمو الشخصية:

- ‌نماذج نمو المراهقة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌سادسا: الإرشاد النفسي للمراهقين

- ‌الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌القلق:

- ‌اكتتاب المراهق

- ‌توهم أو وسواس المرض

- ‌الاضطرابات السيكوفسيولوجية:

- ‌اضطرابات الأكل:

- ‌العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين:

- ‌الباب الرابع: مرحلة الرشد

- ‌مرحلة الرشد المبكرة

- ‌مرحلة الرشد الوسطى

- ‌الباب الخامس:‌‌ الشيخوخة

- ‌ الشيخوخة

- ‌نظريات الشيخوخة:

- ‌المجال الاجتماعي:

- ‌الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة

- ‌مدخل

- ‌الخرافة الأولى أكثر تشابها:

- ‌الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفا:

- ‌الخرافة الثالثة: الشيخوخة فترة الصفاء

- ‌الخرافة الرابعة: انعدام القدرة الجنسية

- ‌الخرافة الخامسة: الجمود وعدم المرونة

- ‌الخرافة السادسة: عدم الابتكارية وعدم الإنتاجية

- ‌الخرافة السابعة: صعوبة تعلم مهارات جديدة

- ‌الخرافة الثامنة: غرابة الأطوار أو الخبل

- ‌الخرافة التاسعة: الوحدة

- ‌الخرافة العاشرة: أكثر تدينا

- ‌الخاتمة

- ‌‌‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌عملية الموت:

- ‌نظرية كويلر -روس

- ‌الإنكار

- ‌الغضب

- ‌المساومة

- ‌الاكتئاب

- ‌التقبل

- ‌نمو مفهوم الموت:

- ‌المراجع:

الفصل: ‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها:

‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها:

تشير منتسوري بأن صفحة التاريخ التي تسرد قصة مآثر الإنسان بوصفه عقلا مفكرًا جديرة بأن تفتح وتقرأ، فهي صفحة تحكي قصة الطفل في مواجهته ما يحفل به عالمه عادة من متناقضات ومقدار ما يتعرض له من هيمنة من جانب الكبار الذين يحرصون على تربيته وتوجيهه ولكنهم لا يفهمونه في معظم الأحيان.

وينطوي رأي منتسوري على جانبين لهما أثرهما الأكبر في حياة الطفل هما:

1-

الصراع الحاصل بين دوافع الفرد وبين البيئة التي تضم هذا الفرد، وهذا يقتضي أن يعمل الفرد على إخضاع دوافعه ونوازعه لمتطلبات البيئة المحيطة به، وهذا الصراع ميسور حاله في الغالب، إذ ليس من المتعذر الكشف عما يدفع الفرد وهو في طور النمو من أسباب مقلقة تحمله مع محاولة تجاوز حدود البيئة المرسومة اجتماعيًا.

2-

ولكن هناك ما هو أعمق مما سبق، ويتمثل في ذكرايات الطفولة التي لا تمثل الصراع بين الإنسان وبيئته الاجتماعية الراهنة التي يعيش فيها فحسب، وإنما هي ذكريات تنطوي على جوانب الصراع بين رغبات الطفل وروادع الراشدين بوجه عام، وأقربهم إليه الأبوان أول الأمر. وهذا معناه أن الضرورة تقتضي بأن يتسع نطاق النظرة إلى الطفل وجعلها تشمل آفاقا أرحب تتناول حياة الإنسان ككل، الإنسان في واقعه الذي يحياه مع التركيز في الوقت ذاته على الحياة النفسية للطفل، وذلك لأن المشكلة إنما تتناول حياة الإنسان ككل، الإنسان في واقعه الذي يحياه، مع التركيز في الوقت ذاته على الحياة النفسية للطفل وذلك لأن المشكلة إنما تتناول حياة الفرد ابتداء منذ الولادة، بيد أن هذا لا يعني وضع حد لمشكلات الطفولة فهي قائمة وما أكثرها وجدير بالراشدين ألا يندهشوا أو يصمدوا حينما يرون بعضها متمثلة في سلوك بعض الأطفال، فهي مشكلات قد ترجع إلى الخصائص العامة للنمو، ومنها ما ينم عن لون من ألوان الانحراف النفسي الذي يجب العمل على تفاديه قبل استشرائه.

ويجب على الراشدين من حول الطفل والمراهق أن يميزوا بين ما هو

ص: 467

من عداد الأمور الاعتيادية في حياة الطفل أو المراهق، وبين ما هو انحراف يستدعي العلاج، والمسألة قد لا تخلو من صعوبة تذكر في كثير من الأحيان، ولا يمكن الإشارة إلى جميع الاحتمالات التي تظهر في حياة الطفل من الناحية الجسمية أو النفسية ولكن يمكن الإشارة هنا إلى بعض من تلك المشكلات التي تجابه الآباء والمدرسين في نمو أطفالهم ومراهقيهم، وكيف يمكنهم التعامل مع هذه المشكلات، وإن كنا سوف نشير إلى مشكلات النمو في كل مرحلة على حدة، فليس معنى ذلك انفصالهما في الواقع، فالشخصية الإنسانية كما تعلم توضع اللبنات الأولى لها في فترة الطفولة، وما يؤثر في الطفولة يؤثر بالتالي على جميع فترات النمو نجد أن النمو الإنساني يتسم بالاستمرارية فكثير من مشكلات الطفولة نجد لها امتدادًا في فترة المراهقة والرشد، بالإضافة إلى المشكلات التي تظهر لمقتضيات النمو في كل مرحلة.

أولا: بعض مشكلات النمو في فترة الطفولة

1-

التغذية Feeding:

إن عادات الأكل والنوم والإخراج متصلة مباشرة برفاهة الطفل البدنية، فإذا درب على هذه العادات تدريبا صحيحًا في الوقت المناسب حق لنا أن نوقن بأن الأساس الذي تقوم عليه الصحة العقلية والبدنية قد تم وضعه، فتلك هي أولى العادات التي تتطلب الانتباه، ذلك لأنه في هذه العمليات الفسيولوجية البسيطة تقع الأخطاء المبدئية في تربية الطفل، إما بإهمال أهميتها إهمالا مطلقًا أو بالمبالغة في الاضطراب والقلق من ناحية الصعوبات التي تنجم عنها.

وتشير الأبحاث السيكولوجية إلى أن كثيرًا من العادات المرزولة ومن اعوجاج الشخصية التي كثيرًا ما نشاهدها في مطلق المراهقة وثيق الصلة في بدايته بالعجز عن إجادة هذه العادات الأساسية الثلاثة وهي: الأكل، النوم، الإخراج، والتي تتصل اتصالا مباشرًا بحياة الطفل العضوية، ولذلك يجب أن يعنى الآباء بهذه العادات عناية دقيقة.

ومن أولى المصاعب التي تواجه الأم صعوبة مزدوجة هي تقديم الغذاء الملائم للطفل حديث الولادة، وعونه على تكوين عادات حسنة لتناول هذه الغذاء في خير الأوقات حتى تكون أكثر توافقًا مع حاجاته البدنية.

ص: 468

وليس هناك في الجسم عضو واحد يتأثر تأثرًا مباشرًا بالانفعال أكثر من تأثر القناة الهضمية المعدية به، فالطفل إذا غضب أو استشعر الوحدة، أو اشتد انفعاله في اللعب أو الخوف لا يستطيع أن يهضم الطعام أو يتمثله،

لهذا يجب أن ينظر الوالدان إلى كافة هذه العوامل، إذ لا يمكن ضمان الصحة العقلية والبدنية للطفل إذا أثار أي اضطراب في تناول الطعام سواء بالكلام أو بالفعل، فكثيرًا ما تجذب انفعالات الآباء، واضطرابهم انتباه الطفل إلى قيمة نفسه، وتبعث عنده شعورًا لذيذًا بالقوة وتوحي له أن ساعة تناول الطعام فرصة سائحة لاجتذاب الانتباه إليه والاهتمام بأمره.

وتحل مشكلة الطعام عند الأمهات إلى نظرنا إلى الأسس الآتية.

أ- كمية الطعام التي يتناولها الصغير.

ب- الطريقة والميعاد التي يتناول بها طعامه.

ج- قدر ما يبذله الوالدان من الطاقة والجهد في دفع الطفل إلى تناول الغذاء الكافي له، فإذا عرفنا أن بالطفل نزعات نحو القوة والظهور، وأن الأساليب التي يشبع بها تلك الميول ساذجة محدودة لم يكن مما يبعث عن العجب أن نرى الصغار يلجئون إلى هذه الطرق لفرض أنفسهم علينا، وقد يغيب عن الأم تماما أن ابنها الصغير عندما يأكل أو يرفض الأكل مثلا يستطيع بذلك أن يسيطر على جانب كبير من نشاطها لكنه مع ذلك يشعر بقوته وسطوته ويحس بما تبعثه هذه القوة في نفسه من رضا.

وليس من أمر أكبر أهمية من تكوين العادات الحسنة في تناول الطعام من الحالة العقلية للطفل، لهذا ينبغي أن نبذل كل جهد لبعث الهدوء، والسرور في نفسه وصرفه عن أي أمر آخر غير الطعام.

ومن الخير قبل أن يتم تكوين آداب المائدة تكوينا طيبًا أن يأكل الطفل وحيدًا حتى يستطيع بدون حضور جمع من المهتمين به أن يتعلم كيف يتناول الطعام بنفسه، فإذا سكبه أو نثر جانب منه هنا وهناك أثناء تعلمه هذا، لم يكن في ذلك ضرر كبير.

ص: 469

فإذا لم يستطع الصغير لسبب ما أن يتناول ما أمامه من طعام أو رفض تناوله فلا ينبغي إرغامه أو التحدث مع الأمر مع الآخرين في حضوره.

ومن الخير أن يعرف الصغير أنه إذا تعلم كيف يأكل بهدوء وعلى منوال لائق أمكنه أن يجلس مع الكبار على المائدة، فقد يدفعه ذلك إلى الجهاد في سبيل إتقان آداب المائدة.

ومن اللازم بالطبع أن يكون طعام الصغير بسيطًا مغذيًا سهل الهضم وأن يقدم إليه بكميات صغيرة، والانتظام في تقديم الطعام للطفل أمر عظيم الأهمية لا للأسباب الفسيولوجية فحسب، بل لأسباب أخرى تتعلق بميعاد الطعام إذا أكل كان أو لا.

كذلك ينبغي ألا نستعجل الطفل أثناء الطعام ولا نترك له من الوقت ما يشجعه على العبث به إذ لا تتطلب أي وجبة عادية من الطفل أكثر من نصف ساعة في الغالب، فإذا لم ينته منه خلال ذلك فليؤخذ الطعام من أمامه دون أي تعليق وليصرف عن المائدة.

ولنتذكر مرة أخرى أن وقت الطعام لا ينبغي أن يكون فرصة ينتهزها الطفل للظهور بمظهر الفرد ذي الأهمية الممتازة.

2-

النوم Sleeping:

يذكر لنا هولت هوفلاند Holf، A. Howland أن النوم أهم ما يشغل الطفل خلال شهور السنة الأولى إذ يبلغ ذلك من عشرين إلى اثنين وعشرين ساعة في اليوم الواحد، ولا يصحو إلا بتأثير الجموع أو عدم الراحة أو الألم، وعند نهاية الأشهر الستة قد ينقص ساعات النوم الفعلية إلى ست عشرة ساعة أو أقل ويكون، هذا النقص تدريجيًا حتى سن الرابعة ويرجع أن تكون اثنا عشر ساعة كافية للإبقاء على صحته البدنية.

وعمومًا تتصل عادات النوم الطيبة بصلة وثيقة بانتظام التغذية واضطربات النوم أو التغذية كفيل بأن يبعث الاضطراب في الآخر.

ويذكر لنا هولت Holt أنه ينبغي البدء بغرس عادات النوم الطيبة

ص: 470

منذ المولد، إذ ينبغي أن يألف الطفل منذ مطلع حياته أن يوضع في مهده أثناء صحوة وأن ينام دون أن يعينه أحد على ذلك، ولا ضرورة إلى أرجحته أو إلى غرس عادات أخرى من هذا النوع؛ لأن في هذا أذى له، كما لا ينبغي أن يترك الطفل ينام على ثدي مرضعته، أو بحمله الزجاجة في فمه، مما يؤذي الطفل إيذاء لا شك فيه كل الطرق الأخرى لبعثه إلى النوم كإعطائه حلمة من المطاط لمصها، ذلك لأننا إذا لجأنا إلى مثل هذه الوسائل تعود الطفل ألا ينام بدونها.

ويلزم أن نضيف أمرًا آخرًا، هو أنه لا بد من أن يثبت في ذهن الطفل أن فترة النوم هي الوقت الذي ينبغي أن يبقى فيه وحيدا وأن وجود من يصاحبه أو يسليه كالكتب والألعاب لا يتفق والنوم، وأنه لا يستطع الحصول على هذه الأشياء إذا لجأ إلى الصياح والعويل.

ويخشى كثرة من الأطفال من حين إلى حين خلال سنواتهم الأولى إذا خرج أهلهم أن يتركوهم وحدهم نائمين ثم لا يعودون، أو أن يتخلصوا منهم، وتزيد تلك الأشكال من الخداع، هذا النوع من الخوف الذي يتردد في نفوس الأطفال، فإن كان من اللازم أن يخرج الوالدان من المنزل بعد أن ينام الطفل فمن الخير أن يلتزمًا الأمانة في إخباره بما سوف يحدث.

وينبغي القول بأن الاحتياطات الزائدة التي يتخذها كثير من الآباء لتهيئة أحسن الظروف للطفل، قد تكون في نفسها العامل الأساسي الذي يسبب زيادة حساسيته وشدة إرهابها في مقتبل حياته.

وعمومًا ينبغي أن ينام الطفل وحيدًا بعد السنة الثانية من عمره كلما أمكن ذلك، ولا يسمح لطفلين بالنوم سويًا إلا إذا كان من جنس واحد، ويجب أن تعتبر القيلولة جزء مهم في دستور نوم الطفل، حتى سن الخامسة وإلى ما بعدها، إذا أمكن الإبقاء عليها ذلك لأن التعب من أهم العوامل التي تسبب الأعراض العصابية في الأطفال، فالطفل المتعب يغلب عليه أن يكون كثير الغضب والسخط كثير التأفف من الطعام، وقليل الرضا بوجه عام.

جملة القول أن النوم أمر لا يمكن إيفاؤه حقه ذلك لأن عمل أجهزة

ص: 471

البدن المختلفة وما نسميه بحالة الصحة وما فيها من جلاء العقل واتزان الانفعالات يمكن أن تضطرب جميعها إذا اضطرب نوم المرء، ولو غرسنا في نفوس أطفالنا ما ينبغي من العادات الطيبة في صدر حياتهم لأمكن أن نجنبهم بذلك كثيرا من الاضطرابات والقلق والهلع الذي يرتبط بالأرق في حياتهم المقبلة.

3-

التبول اللاإرادي Enuresis:

تكمن قدرة الطفل على التحكم في عملية التبول النهاري في الشهر الثامن عشر أما عملية التبول الليلي فيتم عادة التحكم فيها في المدة التي تقع بين منتصف العام الثالث ونهايته "2.5: 3 سنوات".

هذا هو التطور الطبيعي لعملية التبول في الطفل العادي، إلا أننا نلاحظ في بعض الحالات أن الطفل يتعذر عليه التحكم في عملية التبول حتى سن كبيرة، تصل أحيانًا إلى السابعة أو الثامنة، وقد تمتد أحيانًا إلى ما بعد ذلك.

ولقد أشار هولت Holt أن البول في أكثر الحالات ما هو إلا عادة متصلة على الأغلب بعادات أخرى تدل على أن بجهاز الطفل العصبي عدم استقرار أو حساسية بالغة.

وعمومًا، نجد أن إصابة الطفل بالتبول اللاإرادي، يتضافر فيها، عاملان.

أ- عامل استعدادي، يتصل بالتكوين العضوي أو الوظيفي للجهاز البولي.

ب- عامل نفسي، ينشأ بسب البيئة وما فيها من خبرات مؤلمة واضطرابات انفعالية حادة.

ونجد أن كثيرًا من الآباء يميلون إلى اتخاذ خبراتهم التي يذكرونها عن أيام طفولتهم هاديًا يرشدهم إلى ما ينبغي أن ينتظروه من آبنائهم.

وعمومًا إذا تخطى الطفل سن الثالثة دون أن يتعود الاحتفاظ بجفاف ملابسه كان هذا أمر يستدعي الاهتمام حقًا، ولا بد حينذاك من

ص: 472

أن يوضع له نظام يستبعد أي إسراف في التوتر العقلي كلما أمكن ذلك، كما يلزم أن تحدد ساعات معينة لنوم الطفل ويقظته.

وأولى خطوات العلاج وأهمها هو بعث الطفل إلى العمل على التخلص من هذه العادات، ولا يمكن إطلاقًا أن يؤدي العقاب إلى تكوين هذا الموقف بل ينبغي أن نعرض المشكلة على الطفل باعتباره أمرًا يمكن تحقيقه وفي وسعه القيام به، إما إذلاله فلا ينفع في شيء ولا يساعده البتة في القضاء على تلك العادة، بالإضافة إلى أن الكبار يستطيعون مساعدة الطفل باللين والإقناع وأيضًا في استبعاد كثرة السوائل وملاحظة الطفل ليلا وإيقاظه إن لزم الأمر، وأن ينبهونه إلى الذهاب إلى دورة المياه.

ويجب دراسة كل حالة من الحالات بمفردها وأن يقوم بهذه الدراسة شخص يجيد معرفة حياة الأطفال العقلية والنفسية، كما ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن هذه العادة قد ترجع إلى ضعف كامن في الجهاز البولي، فلا بد من عرض الطفل على أخصائي لمعرفة سبب هذه الظاهرة عند الأطفال.

4-

مص الأصابع وقضم الأظافر:

مص الأصابع من أكثر العادات شيوعًا بين الأطفال وهي عادة تنتج عن سلسلة محكمة التنظيم من الحركات العضلية، وينفع الطفل نفعًا كبيرًا في مطلع حياته، كما أنها رد فعل طبيعي غريزي، والفرق الوحيد بين مص الطفل لثدي أمه ومصه لأصابع يديه أو قدميه هو أن الفعل الأول مفيد لذيذ معًا، بينما الثاني على لذته لا منفعة فيه، بل هو يؤدي أحيانًا إلى تشويه الفك أو الأصابع.

وقد يبدأ مص الأصابع أو أي جزء آخر من أجزاء البدن منذ الميلاد، وقد يبقى حتى الخامس أو السادسة من العمر، وتقل هذه العادة تسببًا بعد السابعة، فإذا أعملنا جهدنا للقضاء على هذه العادات السيئة ويجب أن نذكر أن سوءها يرجع أكثره إلى اعتبارها منافية لآداب اللياقة، كريهة المنظر، فإذا أردنا القضاء عليها كانت أولى الخطوات وأهمها أن يتخذ الوالدان موقفًا معقولا بإزاء هذه العادة، وعمومًا فإن الآباء والأمهات خاصة أكثر تعرضًا للإسراف في النفور من هذه العادات والخجل من وجودها في أبنائهم، وهم يأخذون المشكلة على منوال شخصي جدًا.

ص: 473

وكثيرًا ما يسألك الناس عما إذا كان مص الأصابع لا يؤدي إلى بعض الانحراف الجنسي أو هو دلالة على الانحلال الخلقي، وكل ما يمكن أن نجيب به هو أنه إذا كان مص الأصابع دلالة على الرغبات الجنسية فلنعتبر هرش الرأس وتنظيف الأنف من هذا القبيل كذلك، وأنه إذا سلمنا بهذه النظرية وجب أن يكون إدراكنا للنشاط الجنسي مباينا تمام التباين للرأي والذي يقول به أكثر الناس ذكاء ورجاحة في الوقت الحاضر.

وهذه العادات عامة الشيوع بين الأطفال والمألوف أن تكون أمورًا عابرة مؤقتة، لا تستقر في شخصية الفرد، ومع هذا ينبغي أن نذكر أنه إذا لم يمكن التخلص منها واستمرت ممارستها بعد السن التي توجد فيها عادة، كانت دلالة تثبت أن نمو الطفل قد توقف إذ هي ليست إلا أعراض للفجاجة العقلية أو الوجدانية.

فإذا ظهرت عادة المص أمكن أن ينفع المنع الجزئي الموقف نفعًا كبيرًا في اقتلاعها، فإن استعمال سوار عادي من القماش بالنشا إذا ربط ربطًا محكمًا حول الكوع يمنع الطفل من ثني ذراعه ووضع أصابعه في فمه.

وهناك طريقة أخرى للعلاج عنيفة إلى حد ما وهي تلويث أصابع الطفل بأي دواء كريه الطعم، إلا أنه إذا أقنعنا الطفل وخلقنا فيه الرغبة في التغلب على العادة الكريهة التي يقوم بها قيامًا لا شعوريًا أمكن أن تكون النتيجة مرضية ناجحة.

ومع هذا، فإن هذه العادة عند الأطفال العصابيين ليست سوى عرض من الأعراض العامة في هذه الأحوال ننصح بعدم استخدام أية طريقة من طرق المنع لأنها تؤدي إلى مقاومة بدنية، كما أن العصيان العقلي الذي يثور بنفس الطفل يزيد من اضطرابه العصبي العام، الذي ينبغي أن ينصرف إليه اهتمامنا قبل أي شيء آخر.

وقلة حنان الأم على أولادها أيضًا قد يؤدي إلى ظهور مثل هذه العادات ويبدو أنه من الحكمة عند ظهور هذه الخلفة أول الأمر أن نقلل من أهميتها ما أمكن ذلك بأن نعمل على ألا يجني الطفل شيئًا باتخاذه هذا السلوك بل أن ندبر الأمر حتى يؤدي إلى إيقاع الخسارة به، وأهم من هذا كله ألا نناقش مسلكه البتة على محضر منه.

ص: 474

وليس من الحكمة في شيء أن نغزي الطفل ونرشوه حتى يقلع عن إحدى العادات، لأنه سرعان ما يفسر تلك الطرق على أنها دلالة على ضعف والديه في استغلال ما يلمسه من قلقهما عليه ومع هذا فإنه يحق لنا على الدوام أن نلجأ إلى الطفل في صراحة وأمانة.

وهناك من الأطفال من يبتغي السلوى من ذلك فعندما تسوء الصلات بين الطفل والدنيا التي يعيش فيها، والمشكلة هنا ليست مشكلة أساسية إذ هي ليست سوى عرض من أعراض حالة عقلية ينبغي دراستها دراسة عميقة.

عمومًا يجب ألا نبالغ في أهمية هذه العادة؛ لأن الطفل سيستمد من هذا الأمر جانبا من الرضا اللاشعوري، ثم سرعان ما يعرف كيف يستغل هذا الاهتمام بأمره، وأشد ما يقوي العادة في الطفل تكرار نهيه عنها، وهذا أقرب طريق لدفعه إلى العناد والمقاومة ومما يستلزم كثيرًا من المهارة واللباقة قدرًا كبيرًا من حسن الفهم والتصرف أن نلتمس الطرق والوسائل للقضاء على هذه المشاكل بطريق غير مباشر أي بتحويل نشاط الطفل إلى سبل إخرى دون إدراك منه لذلك، فإذا أحسنا اختيار تلك السبل فسرعان ما تحل الميول الجديدة محل القيمة، وسرعان ما تختفي هذه العادة.

5-

السلوك العدواني Aggressive Behavior:

لعل السلوك العدواني لدى الأطفال هو إحدى المشكلات الأساسية التي تؤدي إلى إصابة الوالدين في المنزل بالضيق والانزعاج.

ففي دراسة كورنر Koener؛ "1949" لعشرين طفلا تتراوح أعمارهم بين الرابعة والسادسة في إحدى دور الحضانة، ما يدل على العلاقة القائمة بين سلوك العدوان للأطفال من ناحية وما ينالونه من محبة وعطف من والديهم من ناحية أخرى، إلا أن النتائج كانت تشير بوجه عام إلى أن الأطفال الذين كانوا يحظون بكافيتهم من محبة الوالدين وعطفهما كانوا يعبرون عن عدوانهم تعبيرًا قويًا في مواقف اللعب، وتعبيرًا واقعيًا في مواقف الحياة الحقيقية، وقد فسرت هذه النتيجة بأن هؤلاء الأطفال إنما عمدوا إلى كبت عدوانهم إزاء مواقف الحياة احتفاظًا بمحبة والديهم، ولكنهم لم يجدوا بأسًا من التعبير عن هذه الميول العدوانية وتفريغها في

ص: 475

مواقف اللعب، بينما تبين أن الأطفال الذين حرموا هذه المحبة الوالدية كان البعض منهم على العكس، ذا ميول عدوانية قوية إزاء مواقف الحياة وميول عدوانية ضعيفة، إزاء مواقف اللعب كما كان البعض الآخر ذوي ميول عدائية قوية إزاء جميع المواقف، وهذا معناه أن ما تعرض له هؤلاء الأطفال من حرمان وإعاقة أدى إلى نشأة العدوان لديهم في استجاباتهم لمختلف المواقف على السواء أو لمواقف الحياة الواقعية تعبيرًا عن سخطهم وضجرهم.

والأم أهم مصادر الإعاقة وما يؤدي إليه من عدوان لدى الأطفال فهي التي تتولى حماية الطفل وإبعاده عن الأخطار، كما أنها تتولى عملية تشكيله اجتماعيًا وما تتضمنه هذه العملية من أمر ونهي.

ومجمل القول أن عدوان الطفل ينبغي ألا ينظر إليه نظرة إلى أمر غير مرغوب فيه على الأطلاق، بل إنه أمر ضروري لازم، وإن كان يحتاج إلى قدر من الضبط والتوجيه والإحاطة بالمحبة والرعاية.

6-

السلوك الانسحابي:

السلوك الانسحابي مشكلة أبلغ خطرًا من مشكلة السلوك العدواني، فالطفل قد يعمد إلى الانزواء والانطواء والسلبية، بدلا من العدوان والفاعلية والنشاط، ودرجة الخطر هنا أن الطفل الذي يتسم بطابع الانطواء والسلبية قد ينال من البيئة التي يعيش فيها القبول والتشجيع على اعتبار أن الانطواء طاعة وامتثال وأن العدوان انحراف وتمرد ولذلك فإن بذور هذا السلوك حينما تجد لها منبتًا في هذه المرحلة من النمو يسهل عليها بعد ذلك أن تنمو وتفصح عن نفسها في شخصية غير سوية في المستقبل.

والسلوك الانسحابي يرجع أصلا إلى سوء التكيف بين الطفل والبيئة التي يعيش فيها، وعدم كفاية إمكانيات البيئة في إشباع الحاجات النفسية للطفل مما يؤدي إلى أن يكون للطفل عالمه الخاص الذي يقيمه في خياله ويشتق منه إشباعًا لا يتوفر له في العالم الواقعي.

ولكي نجنب الطفل أن يقوم بهذا السلوك المنحرف، علينا أن نعنى بإشباع حاجاته من المحبة والتقدير والاحترام وأن نعنى بتعرف إمكانياته

ص: 476

وحدودها حتى لا نتوقع منه إلا ما هو في هذه الحدود وأن نقلل ما أمكننا من قيوده، وأن نتيح له قدرًا كافيًا من الحرية، وأخيرًا ألا نضيق بسلوكه العدواني إطلاقًا، بل نتيح له متنفسًا ملائمًا من التوجيه والرعاية.

7-

الانحرافات السلوكية:

يتعرض بعض الأبناء إلى نوعين من المشكلات تبدو أعراضهما على شكل سلوك مضاد للمجتمع بما في ذلك السلوك الخارج على القانون ومن أهم مظاهر هذه الانحرافات ما يلي.

أ- جرائم الأحداث، كالسرقة والنشل.

ب- وهناك بجانب ذلك انحرافات أقل خطورة، كالهروب من المنزل والمدرسة والتشرد والكذب والتخريب والتمرد.

ويطلق على مظاهر الانحرافات السابقة بقسميها الاصطلاح "جناح الأحداث" وسنأخذ بعض الأمثلة التوضيحية للانحراف، وما يجب أن نسلكه تجاه هذا النمط السلوكي لدى أولادنا.

أ- السرقة:

الأمانة أمر مكتسب ولا يورث، فالطفل إذا لم يدرب في محيط العائلة على التفرقة بين ما يخصه وما يخص غيره، كان من الصعب أن نتوقع منه أن يكون أكثرًا تمييزًا بين ما يحق له وما لا يحق خارج المنزل، على أنه ينبغي ألا نغفل ذلك الميل الطبيعي الذي يدفع الطفل إلى عدم الاكتراث بحقوق الآخرين فيما يملكون.

وينبغي أن يدرك الطفل منذ أول فرصة ممكنة ما نعنيه ببعض المعايير الاجتماعية مثل "الأمانة" وليس أجدى من تحقيق هذا من احترام حقوق الطفل فيما يمتلك من أدوات خاصة ومن تخويله حق التصرف المشروع في ذلك ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ولا ينبغي أن نتصرف في شيء من ممتلكات الطفل الخاصة دون رضاه وموافقته.

وعمومًا يعتمد الأطفال على البيئة التي يعيشون فيها في تكوين موقفهم الخلقي بإزاء الحياة قدر اعتمادهم عليها في اللغة التي يتكلمونها أو الملابس التي يتخذونها، وإذا نحن ذكرنا أن كل نزعات الطفل الأساسية

ص: 477

في مطلع حياته تنحو نحو إشباع رغباته أي أنه يسعى في الحصول على اللذة والقوة والمكانة، إذا نحن تذكرنا ذلك لزم أن نتوقع منه أن يشرع في العمل على امتلاك كل ما يقع تحت متناول يده منذ سن مبكرة، وأن يكون ذلك وجهًا من أكثر وجوه نشاطه منافاة لأوضاع المجتمع.

وقبل أن يستطيع الطفل بوقت طويل فهم العلة التي تمنعه من الحصول على كل ما يقع تحت متناول يده، يمكن تدريبه على احترام حق الملكية عن طريق التعود، ويمكن تعليمه أن أي خرق لهذه القاعدة لا بد أن يعتبر مخالفة وعصيان.

وعمومًا هناك كثير من الطرق المعوجة التي يقابل بها موقف السرقة غير أن أكثرها شيوعًا هما الوجهان الآتيان:

أ- إن فئة من الآباء يلوث شرفها الرفيع ما يوجه من اتهامات إلى الولد حتى إنهم ليقفون منه موقف الدفاع، ينفون عنه التهمة رغم كل الأدلة التي تثبت ارتكابه إياها، وهم في هذا لا يجروون على بحث المسألة بحثًا بعيدًا عن التحيز، يبتغي منه الوصول إلى الحقيقة، بل إن أسهل السهل لديهم هو إنكار وقوعها أصلا.

ب- الفئة الثانية من الآباء فهم أولئك الذين يذهلهم ويطير رشدهم أن قد رزقوا ابنا أصبح لصا في السابعة أو الثامنة.

ولكن لا جدوى من التصرف على هذا النحو أو ذلك سواء أكان ذلك بروح وكيل النيابة أم بلسان المحامي الذي يدافع عن موكله، فإن موقف الوالد لا ينبغي أن يقتصر على استقصاء الحقيقة والبحث عن وقائع الحال، بل ينبغي أن يكون بجانب ذلك موقف الاهتمام الحق بالأسباب والبواعث قدر الاهتمام بالواقعة.

فقد تكون السرقة غاية في ذاتها، فإذا هو في محاولته يرمي إلى إشباع رغبته، وتيسر عليه هذا السبيل، ولم يفتضح أمره فقد يلجأ إلى استخدام هذه الطريقة بالذات لسد كثير من حاجاته.

وفي بعض الأحيان تتخذ السرقة وما يرتبط بها من موقف انفعالي

ص: 478

غاية في ذاته والسرقة في هذه الفئة من الحالات مشكلة سيكولوجية، ذلك لأن الأسباب التي تقوم عليها كثيرًا ما تكون خافية على الطفل كل الخفاء لأنها تعمل مخبأة، في اللاشعور، فقد تكون للأخذ بالثأر مثلًا، ويلجأ إليها الطفل كرد فعل بدائي يقوم على الثورة والانتقام ممن اعتدى عليه مثلا، أو الانتقام لأن السرقة كثيرًا ما تستخدم كطريقة لتسوية الحساب عن ظلم حقيقي أو وهمي يلحق بالطفل أو يخيل إليه أنه لحق به.

ولا يمكن أن يكون هناك علاج واحد مفتن لأية حالة، لذلك كان أهم ما ينبغي عمله لحل هذه المشكلة أن نقف على الغاية التي تحققها السرقة في حياة الطفل الانفعالية، وأن نبذل عنذئذ ما استطعنا من جهد لعون الطفل على إشباع هذه الرغبة الانفعالية على وجه يرضاه هو ويقبله المجتمع.

وسواء أكانت السرقة مجرد وسيلة نحو غاية يعمل الطفل على تحقيقها أم كانت غاية في نفسها فلا بد أن نعمل على إلا يجني الطفل من سرقته إلا الخسارة، أي إنه على الآباء أن يدبروا الأمر حتى لا تحقق السرقة الغاية التي كان يبتغي منها، ولا يجب إذلال الطفل بل يجب تشجيعه على مواجهة المشكلة في صراحة وجلاء.

وليس من الحكمة أن ندفع الطفل إلى الشعور بأنه لم يعد لدينا من الثقة فيه شيء يسمح بالعودة إلى القيام بما نكلفه به، وليس من الحنكة أيضًا أن نسرف في استغلال انفعالات الطفل كأن نقول له إن إثمه كان صدمة عنيفة نزلت بأبيه وأمه، فليس لهذه المواعظ إلا أثر تافه إذا أعدنا ذكرها بعد انتهاء الحكاية أول مرة، بل من الخير أن نواجه المشكلة على أنها تبعد عن روح العدل وأصول اللعب النظيف وأنها لا تؤدي إلى منفعة له بل تفقده أصدقاء ولا تبعث في نفسه الرضا.

فليس هناك ما يدعو إلى قلق الآباء من سرقات الأطفال التافهة إذا هم واجهوا المشكلة في جلاء وصراحة، ولم يتركوا انفعالهم بشأن هذه المسألة يغلب اتزانهم وحسن تصرفهم.

عمومًا فلا بد للوالدين إن أرادوا تنشئة أبنائهم على الأمانة أن يجتمع لهما ما ينبغي من حسن الفهم والاهتمام والصراحة جميعًا.

ص: 479

ب- الكذب:

يعد الكذب بوجه عام انحرافًا نفسيًا، وكثيرًا ما تشبه الأكاذيب بالرداء الذي يخفي معالم النفس، وهناك ضروب شتى وأنواع مختلفة من الأكاذيب ولكل منها مغزاه وما يرمي إليه فهناك الكذب الاعتيادي وهناك الكذب المرضي، ولقد حاولت مدرسة التحليل النفسي معالجة الكذب القهري الذي يقترن عادة بالهستيريا، وذلك حينما يصبح الكذب عادة مستحوذة على نفسية الشخص وتصبح لغته نسيجًا من الأكاذيب، ويعزى الفضل كذلك إلى العلاج النفسي في توجيه الاهتمام إلى أكاذيب الأطفال والكذب الذي يحاول الطفل إتيانه والذي قد لا يكون متعمدًا أول الأمر ثم يتفاقم في خطورته حتى يصبح لا شعوريًا، بعد ذلك، ويجب أن ندرك جيدًا أن ما نتبينه من حقائق مذهلة تعكس كذب الطفل إنما ترجع في الواقع إلى ضرب من ضروب الارتباك العقلي الذي عقدته ودعمته الاضطرابات الانفعالية التي وجدت في مواقف حياته.

وقد يكون الكذب عند الطفل اختلافًا محضًا، مستمدًا، من وحي الخيال، ويكون القصد منه إيهام الآخرين بقبوله لغرض بريء هو المتعة النفسية أولا، ولجلب اهتمام الآخرين والاستثارة بانتباههم ثانيًا، ومثل هذا اللون من الكذب لا يرمي الطفل من ورائه خداع الآخرين أو تضليلهم.

وليس الغرض منه الحصول على منفعة شخصية خاصة فقد يذكر لك الطفل مثلا بأن أباه رجل رياضي ماهر وأنه قد أحرز العديد من الأوسمة كما يستعد لخوض مباريات دولية مقبلة، ولعلك تصدقه، ولكن يتضح لك فيما بعد بأن كل ما ذكره الطفل لم يكن إلا من نسيج خياله مترجمًا إلى كذبة محكمة ولكن لا هدف له من كل هذا سوى الحصول على المتعة النفسية التي حملته على ما صوره في ذهنه، ولعلها رغبة تراوده كم تمناها لو استطاع أن تكون له القوة الجسمية والشهرة الزائعة، ولما أدرك عجزه عن بلوغها، ولما أيقن أنها بعيدة المنال لجأ إلى وحي الخيال للتعبير عن تلك الحاجة النفسية.

وقد يكون الكذب عند الطفل أحيانًا نتيجة لما يتعرض له من مواقف جديدة في حياته، فمثلا قد يعمد الطفل إلى اختلاق أكاذيب أحيانًا عندما يفارق البيت لأول مرة في حياته، فعندما يرسل إلى الحضانة أو إلى المدرسة الابتدائية يشق عليه الأمر، ويجد من الصعوبة عليه فراق الأم، بل تكون بالنسبة إليه صدمة أحيانًا ما لم يكن قد تمت تهيئته لذلك

ص: 480

منذ فترة بعيدة قبل إرساله إلى الحضانة أو المدرسة على حين غرة ففي هذه الحالات يعمد الطفل إلى حبك أكاذيب يذكر مثلا بأنه وجد المربية في الحضانة قاسية ولا تحبه، أو أن المدرس شديد قاس بحيث لا يمكنه احتمال مثل هذه القسوة.

ويلجأ الطفل أحيانًا إلى الكذب لحماية نفسه من هجوم الكبار عليه، وينشأ مثل هذا النوع من الكذب عادة لدى الأطفال الذين لا تتمثل فيهم قوة الشخصية وممن تعودوا الاستكانة أو الخنوع بدلا من تنمية الثقة بالذات عندهم، ومثل هذا الضرب من الأطفال يصوغون الكذبة لوقتها خالية من المحتويات الخيالية بعيدة عن التزويق فيأتونها وكأنها حقيقة فتكون الكذبة وكأنها فعل انعكاسي دفاعي تولد لتوه، وعادة ما يثور الآباء أو المدرسون، ناسين أو متناسين بأن الطفل جاء بذلك ليتقي غائلة النقمة المحتملة وما عساه أن يتعرض له من اتهامات وتهديدات تكال إليه، ووصمه بالضعف والكذب كلها في الحقيقة تعبر عن الاعتراف الصريح بأن تلك الجوانب من الكذب إنما تكشف عن وجود مركب النقص لدى الطفل والذي قد يكون الكبار في الغالب السبب في توليده في نفس الطفل البريء، ويتخلى الطفل عن هذا النوع من الكذب متى ألف البيئة المحيطة به، وكانت التعليمات والنصائح صريحة واضحة مشفوعة بالقدوة الحسنة.

ومن بين مساهمات نظرية التحليل ما قدمته من تفسير عما يصيب النفس البشرية وما يلجأ إليه من وسائل تغلف به ذاتها أحيانًا، فقد أماطت هذه النظرية اللثام عن أن ما تعمد إليه النفس من تعمية كوسيلة دفاعية وإن لم تكن مرغوب فيها قط إنما يقصد منه التكيف اللاشعوري Unconscious Adaptaion، وما التعمية هذه إلا كذب الإحساس وكذب الجانب الوجداني ويصوغ الطفل الكذب لظنه أنه يحميه، وبالتالي بالتناقض والتناحر يعتملان ضمن إطار ذاته، فيدرك أنه لا طاقة له على احتمال الصراع الناشئ في نفسه وفي فكره فيجد أنه لا بد للنفس من التكيف الذي يتخذ أشكالا شتى لعل أهمها.

1-

اللجوء إلى الكذب الذي يحاول الطفل أن يلبسه ثوب الحقيقة وأن يضفي عليه رداء الواقع، وهنا تكون المسألة قد ازدادت تعقيدًا وهذا الكذب المخيف الذي يختفي في مجاهل النفس اللاشعورية.

ص: 481

2-

اللجوء إلى الأوهام.

3-

الانسحاب من الواقع كليًا.

4-

نشوء الحالات العصابية وسائر الأمراض النفسية المحتملة الأخرى.

5-

التناقض الوجداني.

ثانيًا: بعض مشكلات النمو في فترة المراهقة:

1-

السلوك العدواني Aggressive Behavior:

يكثر انتشار هذا النمط السلوكي بين المراهقين، ويتمثل في مظاهر كثيرة منها التهريج في الفصل والاحتكاك بالمعلمين وعدم احترامهم والعناد والتحدي وتخريب أثاث المدرسة والفصل وعدم الانتظام في الدراسة واستعمال الألفاظ البذيئة.

ولا يمكن إرجاع هذا السلوك العدواني إلى عامل بالذات، بل ترجع غالبًا هذه الأنماط السلوكية إلى عوامل كثيرة متشابكة منها عوامل شخصية وأخرى اجتماعية، فقد يكون أحد العوامل المسئولة عن هذا السلوك بين المراهقين هو عجز الوالدين عن سياسة وتوجيه المراهق، أو فشل المراهق في الحصول على المحبة والتقدير من الكبار في المنزل أو عدم احترامهم لوجهة نظره ومعاملته كالطفل، وقد يرجع العدوان إلى فشل المراهق في تحقيق ذاته أو فشله في الدراسة، أو فشله في كسب عطف المعلم ومحبته له، مما يجعله يعادي السلطة ممثلة في أوامر المدرسة ونظمها ويعادي السلطة ممثلة في المعلم.

وقد يرجع العدوان أيضًا لإحساس المراهق بعدم قبوله اجتماعيًا، إما لعيب ظاهر فيه، أو لقبح في منظره، أو لعدم توافقه اجتماعا مع أقرانه أو مع الأفراد من الجنس الآخر، فنسلك هذا السلوك العدواني كي يفرض ذاته ويعادي المجتمع.

وعليه يمكن أن نرجع هذا السلوك العدواني إلى العديد من الظروف الشخصية والبيئة المؤثرة التي تسبب عادة عدم إشباع حاجات المراهق النفسية، فالنقص في الأمن في المنزل والمدرسة والنقص في المحبة في المنزل والمدرسة وعدم إشباع حاجة المراهق للتقدير والاحترام وللمعاملة ككبير في المنزل والمدرسة، وعدم إعطائه الحرية، كل ذلك له دون شك أثر واضح في السلوك العدواني للمراهق في المنزل والمدرسة.

ص: 482

ويجب على الآباء والمعلمين أن يشبعوا هذه الحاجات النفسية التي يحتاج إليها المراهق، وعليهم أن يفهموا نفسيته ومطالبه، ويقدروها التقدير المناسب، كما عليهم أن يتعاونوا لإيجاد بيئة صالحة في المنزل حيث يفخر بها المراهق ويعتز، وفي المدرسة حتى يحس المراهق بأن هناك أفراد آخرون يحبونه ويحترمونه ويهتمون بشئونه خارج نطاق المنزل، وهم الكبار من حوله في المدرسة وفي المجتمع بصفة عامة.

2-

الجناح Delinquency:

تنتشر ظاهرة الجناح بين بعض المراهقين في المدراس الإعدادية والثانوية، والجناح درجة شديدة أو منحرفة من السلوك العدواني، حيث يبدو على المراهقين تصرفات تعتبر ذات دلالة عن سوء الخلق والفوضى والاستهتار، وقد يصل بها الحال إلى الجريمة، وكثيرًا ما نسمع عن عصابة من الطلبة اشتركوا في سرقة أو قتل أو

إلخ من الأعمال الخارجة على القانون، وقد يظهر الجناح في صورة الاعتداء المادي على المعلم أو الأب أو قد يظهر في الانحراف الجنسي، وإدمان المخدرات وإيذاء النفس، وقد يصل الحال في بعضها إلى الانتقام من الفرد نفسه بالانتحار.

ونرجع الجناح لعدة عوامل منها عدم قدرة المراهق على التكيف تكفيًا سليمًا في المنزل أو المدرسة، أو لضعف قدرة المراهق العقلية، أو لعاهة جسمية واضحة، أو لفشله المتكرر في الدراسة، أو لضعف في صحته العامة، أو نتيجة لمعاناته من قلق انفعالي أو لعدم إشباع لحاجاته النفسية

إلخ.

ويقدم لنا صموئيل مغاريوس بعض العوامل التي تؤثر في المراهقة الجانحة:

1-

مرور بعض المراهقين بخبرة شاذة مريرة أو اصطدامهم بصدمات عاطفية عنيفة.

2-

انعدام الرقابة الأسرية أو تخاذلها أو ضعفها أو التدليل الزائد للمراهق.

3-

القسوة الشديدة في معاملة المراهقين في الأسرة وتجاهل رغباتهم وحاجات نموهم.

4-

الصحبة السيئة مع الجيران أو مع الأقران في المدرسة.

5-

التأخر الدراسي وارتباطه بضعف القدرة العقلية.

ص: 483

6-

الحالة الاقتصادية السيئة.

7-

العوامل العصبية الاستعدادية أو الاختلاف في التكوين الغددي.

ويتطلب مواجهة مشكلة الجناح تفهم العوامل المسئولة عن هذه الظاهرة ثم محاولة تعديل هذه الظروف أو تلك العوامل، ويفضل تلافي وصول المراهق لمرحلة الجنوح، فالوقاية في هذا المجال أفضل كثيرًا من علاج حالات منحرفة قد تتطلب الوقت الطويل مع احتمال قلة الوصول إلى نتائج لعدم التمكن من إخضاع الظروف المسيطرة على المراهقين.

ويربط كثير من علماء النفس Singer؛ "1974" الجناح بشعور الاغتراب الذي يعتري المراهق، فالجانج يميل إلى أن يكون من أسرة ذات سياسة صارمة أو تتبع التساهل واللين الزائدين في التعامل مع المراهق، كما أن آباء المراهقين الجانحين عادة ما نجدهم لا يتسمون بالاتساق في تربية الطفل وتنشئته.

2-

أحلام اليقظة Day Dreams:

أحلام اليقظة من الوسائل الشائعة عند المراهقين للهروب من المواقف التي لا يستريحون إليها، وذلك الاتجاه إلى عالم الخيال.

ويلجأ كل فرد تقريبًا في بعض الأوقات إلى أحلام اليقظة وليس ثمة خطر في التجاء المراهق إليها، هذا إذا لم يكن يفضل هذه الأحلام على الصلات السوية مع زملائه، وإذا لم يكن يلتمس فيها وسائل للتهرب من الصراعات الداخلية وما يشعر به من نقص، كما أن اختلاق الأقاصيص ليس سوى أحلام يقظة كلامية، ويمكن تعريفها بأنها محاولة من جانب الفرد لدعم اعتباره لذاته وللحصول على ما يبغي من تقدير وذلك بتلفيق القصص التي ترفع من قدره ومكانته وتضفي أصالة وعراقة على أسرته، وهو يبالغ على وجه العموم فيما له من أهمية، ونسيج القصص كوسيلة لتعويض الإحساس بالنقص أقل خطرًا من أحلام اليقظة ذلك أنه يمكن اكتشافها قبل أن تتعمق جذورها في شخصية الفرد.

والمراهق الذي يحلق في سماء الخيال، قد يكون أقل مضايقة للكبار من المراهق الذي يلجأ إلى ثورات الغضب وأنواع السلوك الأخرى، ولكن هذه الخيالات قد تكون في الواقع أكثر خطرًا على نموه العقلي، وينبغي

ص: 484

مساعدة الفتيان والفتيات على إدراك أنهم يستطيعون نيل ما يصبون إليه من تقدير بالنشاط والعمل، على نحو أفضل مما يستطيعونه بالطرق التي لا تجدي كأحلام اليقظة مثلا.

4-

الانطواء Introversion:

تتضح هذه السمة في بعض المراهقين في المدارس الإعدادية والثانوية ويظهر المراهق المنطوي رغبته الشديدة في العزلة، والسلبية والتردد، والخجل والاكتئاب ولا يوجد لهذا النمط من المراهقين نشاط خارجي مع المجموعة، وما عدا النشاط الانطوائي مثل قراءة الكتب، خصوصًا الدينية، وغيرها، وكتابة المذكرات التي تعبر في الغالب عن نزعاته وانفعالاته ونقده للمجتمع الذي يعيش فيه.

ويشغل تفكير المراهق في هذه الحالة المشكلات الروحية فيتأمل فيها أو قد يتأمل الطبيعة ويتغزل فيها، وقد يركز على العمل التحصيلي لينجح ويتميز المراهق المنطوي أيضًا بأحلام اليقظة، وقد يسرف في الاستمناء "العادة السرية" لإزالة ما يشعر به من توترات وكبت جنسي ويعاني من الصراع بين نزعاته ورغباته وبين القيم والمثل وتعاليم الدين.

وترجع أسباب الانطواء في الغالب إلى عوامل أسرية، منها عدم تفهم الأبوين لرغبات المراهق وحاجاته، بل تجاهلها وإهمالها لتلك الحاجات نتيجة التزمت الشديد في المنزل، كذلك تؤثر ثقافة الوالدين تأثيرًا كبيرًا في انطواء المراهق، فهناك أسر تعتبر مجالات النشاط الرياضي والاجتماعي والفني مضيعة للوقت، وعلى الطالب أن يحصل دروسه فقط ويذاكر لينجح، وكذلك قد ترجع بعض الأسباب إلى حالة الأسرة من الناحية الاقتصادية، فالأسرة الفقيرة والتي ترسل أطفالها إلى المدرسة بالكاد لا يمكن لها أن تشبع حاجات المراهق من ملبس ومصروف ونشاط خارجي واشتراك في مجال الترفية أو الرياضية

إلخ، وبالتالي تنتج مراهقًا مكتئبًا منعزلا.

ويمكن للمعلم أن يواجه هذه الظاهرة بتنشيط ميل المراهق للاندماج في أكثر من مجال، ومحاولة إشراكه في أعمال جمعية، وتكليفه بجمع بيانات واستفسارات مع أفراد آخرين لغرض الدراسة واشراكه في مواقف حماسية، كمشاهدة مباريات الفصول، أو فريق التمثيل، كما يفضل معرفة مسببات هذا الانطواء في المنزل والظروف التي أدت إليه، وتنمية ما

ص: 485

يراه المعلم في التلميذ من مقدرة في مجال معين، حيث ينمو هذا الميل فيبرز المراهق، حينذاك يحس بالرضا والفخر والثقة بنفسه.

ويمكن أن نلخص واجبات المعلم في تناوله لهذه المشكلات في أن يقوم بالملاحظة الأعراض والتأكد منها، ثم تفهم المسببات المسئولة عن وجود تلك الظاهرة، وأخيرًا عليه أن يقوم بدور التوجيه المناسب بالاشتراك مع المنزل إذا تطلب منه الأمر ذلك، ولعل رواد الفصول في المدارس الإعدادية والثانوية يكونون أقدر من غيرهم على معرفة هذه المشكلات لكثرة اختلاطهم بتلاميذهم وتفاعلهم معهم كما يستطيع الأخصائي الاجتماعي والنفسي المساهمة بنصيب في عمليات التوجيه الاجتماعي والإرشاد النفسي وبالتالي يقل إلى حد كبير المشكلات التي يعانيها مراهق والتي يمكن تلافيها قبل أن تستفحل ويصعب مواجهتها.

5-

الانحرافات الجنسية Sexual Deviations:

يذكر لنا دوجلاس توم، أن كثيرًا من ضروب الصراع العقلي وأنواع الشذوذ التي نلقاها في الكبار والصغار على السواء ترجع مباشرة أو تصطبغ بالمواقف والخبرات السيئة في الأمور الجنسية، وعمومًا ليس هناك طوال العمر من قوة أكبر من تلك القوة إلحاحًا في سبيل الظهور على أي شكل من الأشكال، كما أنه ليس هناك أي قوة غيرها تلقي من عنت الجماعة والأسرة والفرد في التضييق على حريتها وأحاطتها بالقيود قدر ما تلقي الميول الجنسية من عنت وتقييد.

فمن مظاهر هذه الانحرافات الجنسية المثلية "اللواط والسحاق" والاتجاه نحو موضوعات مادية "التعلق الجنسي بالأشياء التي يستعملها الجنس الآخر"، أو قد يتجه هذا الانحراف نحو الذات "الاستنماء المفرط، النشاط الجنسي الزائد، والنرجسية أو عشق الذات"، وقد تأخر مظهر الاستعراض الجنسي، أو إلى مظهر السادية أو الماسوكية أو قد تتجه إلى الاغتصاب وجماع الأطفال، إلى ما شابه ذلك من الألوان المختلفة من الانحراف الجنسي.

وقد يرجع سبب هذا الانحراف إلى الاضطرابات الفسيولوجية ونقص التربية الجنسية أو انعدامها، والاضطرابات الوراثية، وقد ترجع إلى أسباب نفسية مثل الصراع بين الدوافع والغرائز وبين المعايير

ص: 486

الاجتماعية، وبين الرغبة الجنسية وموانع الاتصال الجنسي، والإحباط الجنسي الكبت، واستحالة الإعلاء، والنكوص الانفعالي، وعدم الشعور باللذة والسعادة في الحياة مما يدفع الفرد إلى الجنس كمصدر للذة.

هنا يلقي على المربين مهمة إقناع المراهق بالأضرار النفسية للانحراف والشذوذ، عن طريق التوجيه النفسي للشباب، وتحذير الشباب من أخطار الانحراف الجنسي تحذيرًا مبنيًا على أس علمية لا على مجرد الخوف وتشجيع الميلو والهوايات العملية، وأيضًا عن طريق العلاج السلوكي كما أن التربية الدينية والخلقية للشباب تسهم مساهمة فعالة في تعديل هذا الانحراف لدى مراهقينًا.

اغتراب المراهقين والشباب:

يستأهل هذا الموضوع نظرًا لأهميته مؤلفًا خاصًا، نلقي الضوء فيه على الاغتراب كظاهرة فلسفية ونفسية واجتماعية، وأسبابها ومظاهرها، وما يمكن فعله لمواجهتها، ولكنني شعرت بضرورة التعرض للاغتراب باعتباره أحد المشكلات الهامة التي يجاببها المراهقين والشباب في عصرنا الحديث، مرجئًا تفصيل ذلك لمؤلف آخر نوعد به القارئ إن شاء الله.

وعمومًا فإن كثيرًا من دراسات علم نفس النمو تشير إلى أن ثقافة المراهقين والشباب عادة ما تكون منفصلة عن ثقافة الراشدين، ودائمًا ما يكون عالمهم في نزاع وصراع مع عالم الراشدين من حولهم، وعادة ما يشار إلى ثقافة المراهقين والشباب بأنها تتسم بالتكاسل والإسراف وشيوع المفاسد كاستخدام العقاقير، والإصرار على الإشباعات الفورية والأخلاق السيئة وعدم احترام السلطة ونبذ القيم التقليدية، وقد يعزي هذا الاغتراب الذي يشعر به المراهقين والشباب إلى عديد من العوامل أهمها.

1 غياب القيم الدينية والإنسانية في حياة المراهقين والشباب.

2 الفجوة بين ثقافة المراهقين والشباب وثقافة الراشدين من حولهم.

3 النفاق والرياء وتأليه الفرد أمام المراهقين والشباب.

4 صياغة الآخرين لنموذج حياة المراهقين والشباب.

5 عدم قدرة المراهقين والشباب على تحقيق ذواتهم. وبالتالي عدم قدرتهم تقبل ذواتهم.

6 عدم أحساس المراهقين والشباب بالحرية المسئولية سواء عن أنفسهم أو مصائرهم.

ص: 487

7-

افتقاد المراهقين والشباب معنى لوجودهم، لافتقادهم أهداف الحياة التي يحيوها.

8-

التناقضات الموجودة داخل مجتمع الراشدين من حولهم، جعل المراهقين والشباب يفتقدون المثل الأعلى الذي يمكنهم أن يتحذوا به.

ويوضح شكل رقم "1" العوامل المتعددة التي قد تؤدي بالمراهقين والشباب للإحساس بالغربة عن ذواتهم والغربة عن مجتمعهم من حولهم.

إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ص: 488

ويصف أصحاب المذهب الوجودي إنسان القرن العشرين في عزلته واغترابه بأنه غريب عن الله وغريب عن الآخرين وغريب عن نفسه، ويدفعه الإطار الاجتماعي الذي يعيش فيه إلى إدراك هذه العزلة الوجودية أو الاغتراب الوجودي إلى وقوعه صريعًا للقلق الوجودي ومن ثم للاضطراب النفسي.

ولقد اختفت كثير من القيم التي كانت سائدة في حياة الناس، بل وكان لها وجود حقيقي فيما مضى مثل التآزر والتعاطف والتواد والتراحم والمحبة وسيطرت على العلاقات بين الناس قيم غريبة عن الإنسان وأصبحت العلاقة بين فردين تحدد بمدى ما يأخذ كل من الآخر، أصبحت الوصولية قيمة وأطلق عليها الجذب الاجتماعي حتى يخدع الإنسان نفسه، وارتدى النفاق والرياء ثوبا جديدًا يسمى بالمجاملة وأصبح الإنسان وسيلة بعد أن كان غاية، وهكذا يتحدث الوجوديون عن الإنسان وحياته، واختلفوا فيما بينهم في طريقة حل مشكلة الإنسان، رأى فريق منهم أن عودة الإنسان من اغترابه يكون في حريته في اختيار قيم تحدد إطاره في الحياة، وتعطي معنى لحياته وتجنبه استمرار الحياة في هذا الفراغ الوجودي الذي يعاني منه ويرون أن سكن الإنسان في العودة إلى الله والأديان، أما الفريق الآخر فينادي بضرورة إدراك الإنسان بأنه يعيش حياة بلا معنى، بلا هدف، حياة تتشكل في سلسلة من المتناقضات والتناقضات وعليه أن يعيشها أو يعايشها كما تأتي بها الرياح، ويمثل الفريق الأول كيركجورد ومارسيل وياسبرز، أما الفريق الثاني فيمثله نيتشه وسارتر والبير كامي.

وتشير نتائج دراسة Friedenberg؛ "1971" أن اغتراب المراهقين والشباب قد يعزى إلى بعض العوامل منها على سبيل المثال المعاملة الوالدية سواء كانت كابتة أو متساهلة، كما أن خبرات العالم من حولهم السريع في تغيره وتطوره جعلتهم غير قادرين على تفهم من حولهم خاصة أقرب الناس لديهم، بالإضافة إلى فترة التدريب والتعليم الطويلة بين مرحلتي الطفولة والرشد، والتي عادة ما توجد في المجتمع التكنولوجي المعقد، فعادة ما نرى عدم تعاطف المراهقين مع ما يرونه من أشياء تقع تحت أنظارهم، كما يشعرون باللاقلق والاضطراب نتيجة رؤيتهم الزيف من حولهم وانتشار النفاق داخل جيل الراشدين، وعدم محاولة الكبار تفهمهم والعمل على حل المشكلات التي تواجههم.

ص: 489

كل هذه الأفكار المنتشرة بين مجتمع المراهقين عادة ما تعمق ثورتهم وعصيانهم، وبالتالي تعمق الفجوة بين الأجيال، ولقد نوقشت هذه الظاهرة في عديد من المؤلفات والتي نشرت فيما بين 1961 فتشير نتائج دراسة Colemen؛ "1967" بأننا في حاجة إلى وسيلة لكي نجلب بها المراهقين إلى المنزل، ونحن في أمس الحاجة إلى وسيلة أخرى لتخفيض وتقبل المتناقضات داخل مجتمع المراهقين، ويشير كل من Feuer & Mead بأن الراشدين يجب عليهم أن يجدوا بعضا من قنوات الاتصال بينهم وبين المراهقين وأن يزيلوا هذه الفجوة الجيلية، ولقد علق Fridenberg على ذلك بقوله: "إن الشباب عادة ما ينظرون إلى أحاسيسهم ومشاعرهم على أنها بمثابة الموجه والمرشد لهم إلى عمل ما هو صائب بالنسبة إليهم، وإلى أن ينظروا إلى متطلبات المجتمع من حولهم على أنها تعتبر بمثابة مشكلة والتي لا يمكن ولا يجب أن تفهم أو يقترب منها بالوسائل العقلانية.

وتشير نتائج دراسة جوتليب Gottlieb؛ "1964" بأن الفجوة لا توجد فقط بين ثقافة المراهقين أو الشباب أنفسهم، ويستطرد بقوله بأننا يجب أن نعترف بعدم توفر ثقافة متجانسة التكوين للمراهقين والشباب، وبالتالي فعادة ما نجد ثقافة مراهقينا وشبابنا تتضمن العديد من العناصر الثقافية غير المتجانسة، وبالتالي فإن المراهقين والشباب عادة ما يميلون إلى التفكير والأداء بطرق مختلفة وتشير كوفر Kovar؛ "1968" في دراستها على 151 مراهقة من خلفيات ثقافية متشابهة أن اغتراب المراهقين والمراهقات قد يعزى إلى قصور عملية التوجيه والإرشاد، وتمكنت في دراستها من التعرف على خمسة اتجاهات مختلفة نحو الآباء والقيم الاجتماعية نوجزها فيما يلي:

1-

توجيه الرفاق Peer Oriented.

2-

توجيه الراشدين Adult Oriented.

3-

الجنوح Delinquency.

4-

البوهيمية الفوضوية Anarchie Bohemian.

5-

الاستقلالية Autonomous.

وتستطرد كوفر بأننا يمكننا أن نجنب المراهقين والمراهقات من الصور المختلفة للاغتراب عن طريق عملية التوجيه والإرشاد سواء داخل الأسر أو

ص: 490

في المدرسة، وبالتالي نساعدهم على تخطيط مستقبلهم وإدراك ذواتهم داخل بيئاتهم.

ومن جانب آخر، فإن هناك دراسات تشير أن أغلب المراهقين والشباب يسيرون في تناسق مع آبائهم ويدعمون قيم الراشدين من حولهم، فدراسة Offer، ودراسة Douvan؛ "1975" تشيران أن معظم المراهقين عادة ما يحترمون آباءهم ويميلون إلى التشبه بهم ويتخذون منهم مثالا في حياتهم كما اتضح أن أغلب الشباب عادة ما يكونون في حالة من حالات الإشباع والرضا داخل منازلهم، وينظرون إلى الآباء كأشخاص موثوق بهم ويعول عليهم كما ينظرون إلى أمهاتهم كأشخاص متعاطفة معهم متفهمة لهم، وعلى الرغم من أن بعض المراهقين نادرًا ما يضعف رباط الحب داخل الأسرة أو أن يؤدي بالآباء والمراهقين إلى حالات من الصراع والعداء.

وفي دراسة مسحية على المراهقين فيما بين 13، 18سنة، أجريت بواسطة Meissner؛ "1965" وجد أن ما يقرب من 89% من المراهقين أشاروا إلى أنهم كانوا سعداء داخل أسرهم، وأشار ما يقرب من 74% إلى أنهم يشعرون بالفخر والاعتزاز بآبائهم، كما أن دراسة Lesser & Kandil أشارت إلى أن ما يقرب من 11% فقط من المراهقين لعينة الدراسة قد شعروا بأنهم بعيدون عن أمهاتهم، وما يقرب من 22% عبروا بأنهم بعيدون عن آبائهم بينما باقي عينة الدراسة شعروا بأنهم قريبون من أبويهم.

وفيما يتعلق بالقيم، فالأدلة تشير أن المراهقين والشباب عادة ما يشعرون بإحساس قوي بالمسئولية الاجتماعية والخلقية، أكثر من إحساس الإشباع لرغباتهم الفورية، كما أن أغلبية الشباب عادة ما تدعم قيم آبائهم ومجتمعهم أكثر من نبذهم لها، فالشباب والمراهقين عادة ما يتقاسمون ويشتركون في معاييرهم وآدابهم السلوكية مع ما لدى الآباء وحتى هؤلاء الذين وجد أنهم يشيرون إلى وجهات نظر غير متناسقة مع العرف وقواعد السلوك المألوفة اتضح أن الغالبية العظمى من هؤلاء يفعلون ذلك في تناسق مع الأنماط السلوكية لآبائهم ولا يعتبر سلوكهم ثورة أو عصيان على من حولهم، ولا يتسمون بالاغتراب عن مجتمعهم كما يدعى عليهم، كما أن هناك أقلية من المراهقين، والشباب، الذين وجد لديهم الشعور بالاغتراب عرضًا من أعراض الاضطرابات النفسية، ولهذا السبب نجد كثيرًا

ص: 491

من علماء النفس الاجتماعي يشيرون أن ثورة وعصيان المراهق والفجوة الجيلية ما هي إلا خرافة من الخرافات على الأقل فيما يتعلق للأغلبية الساحقة من المراهقين والشباب ويستطرد وينر Weiner؛ "1976" بقوله أن هذه المفاهيم عادة ما نجد لها الاستمرارية والدوام، فعادة ما يكون المراهقون الذين يسببون المتاعب والاضطراب بمثابة موضوعات شيقة لوسائل الإعلام المختلفة، كما أننا عادة ما نميل إلى الاستماع وإلى قراءة الأشياء السيئة أكثر مما نفعل ذلك بالنسبة للموضوعات الحسنة فيما يتعلق بسلوك المراهقين والشباب، وبالتالي يعطينا انطباعًا مشوهًا عن عدد المراهقين والشباب الذين يكونون في نزاع وصراع مع آبائهم ومجتمعهم من حولهم.

ومهما كانت نتائج الدراسات في ظاهرة الاغتراب، إلا أننا يجب أن نشير إلى أنه حتى الدراسات التي تنكر انتشارها إلا أنها تعترف بوجودها، وعزوها إلى عديد من الظروف التي يحياها المراهقون أو الشباب سواء داخل أسرهم أو في مجتمعهم بصورة عادية فيجب علينا أن نوفر لهم المثال في الأسر والمجتمع معًا ونساعدهم على تكوين مفاهيمهم لذواتهم وإدراكهم للآخرين من حولهم، ونرشدهم من جانب آخر إلى تخطيط مستقبلهم، حتى يكون لحياتهم معنى وقيمة بالنسبة لهم.

وعمومًا فكما وعدت القارئ أن هذه ليست إلا عجالة في ظاهرة نفسية جد خطيرة، وعادة ما تواجه المراهقين والشباب خاصة في فترات الانتقال أو التحول الثقافي والحضاري التي تطرأ على المجتمعات وسيتبع ذلك بمشيئة الله بمؤلف آخر عن ظاهرة الاغتراب سواء من جوانبها النفسية والاجتماعية والفلسفية والأساليب الممكن اتباعها لعلاج هذه الظاهرة حتى نقي المراهقين والشباب من مغبة اغترابهم سواء عن ذواتهم أو مجتمعهم.

ص: 492