الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظلام ليلا؟ لماذا يكون لون السماء زرقاء؟ لماذا لا يسقط المطر صيفًا؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ وتقف هذه التساؤلات عند سن الخامسة تقريبًا، حيث نجده يقضي وقته الآن في التحكم في نموه الحركي الدقيق، وتعلم فعل أشياء كالمراكب والسفن والطائرات، بالإضافة إلى تعلم الاتساق والتطابق مع عالمه المحيط به، وعمومًا فإن تأثير المراحل السابقة على هذه المرحلة من النمو تكون هامة، وبدون النمو الفعلي للأنماط السلوكية السابقة، نجد من غير الممكن أن يصل الطفل إلى هذه المرحلة، وبصورة مشابهة، فإن تأثير هذه المرحلة في كل المراحل اللاحقة للنمو يكون كذلك تأثيرًا كبيرًا هائلا.
2-
نظرية بياجيه في النمو المعرفي:
قضى "جان بياجيه" فترة كبيرة من حياته في ملاحظة الطرق التي يفكر بها الأطفال في أعمار زمنية مختلفة، وكيف يتناولون المشكلات ويحلونها. ولاحظ "بياجيه" الأطفال الصغار وكذلك الأطفال الرضع أثناء تفاعلهم مع أنواع مختلفة من المشكلات وكان مهتمًا ليس فقط في مدى قدرتهم على حل هذه المشكلات بصورة صحيحة ولكن كان مهتمًا كذلك في الأسباب التي أدت بهم إلى الاستجابة التي أجروها، وتبعًا لنظرية "جان بياجيه" يتغير تفكير الطفل في طرق كثيرة مختلفة كلما تقدم في العمر الزمني، واقترح تسلسل المراحل المعرفية، وتسمح كل مرحلة للطفل حل مشكلات مستخدمة عمليات عقلية متنوعة.
ولم يتصور "بياجيه" المراحل على أنها منصفة أو غير مترابطة كلية، كما أنها ليست متداخلة بعضها مع البعض الآخر، كما أنه لم يحدد أعمارًا زمنية دقيقة تحدث فيها كل مرحلة من مراحل التفكير، وبدلا من ذلك وصف سلاسل من المراحل تختلف إلى حد ما في توقيتها، إلا أنها أحيانًا تتداخل واحدة في الأخرى معتمدة على نمط المشكلة التي يحاول حلها الطفل، وهذه المراحل كما يشير "بياجيه" تحدث في نظام ثابت لدى كل الأطفال، فالمراحل الأكثر تركيبًا تكون تابعة لأخرى أقل تركيبًا.
ولم يقتصر "بياجيه" في تفسيره للمراحل بأنها تعزى إلى عملية النضج أو عملية التعلم، ولكنها نتيجة خليط من الاثنين معًا، وكتاباته النظرية أشارت إلى ما يعتقده بوضوح بأن التفاعل مع البيئة شيئًا ضروريًا لحدوث التغير المعرفي، ونظرية "بياجيه" تشير إلى أن الأطفال الذين
ينشئون في عزلة من الاستثارة الخارجية، قد يكون لديهم معدلات نمو معرفية منخفضة بصورة ذات دلالة، وفيما يلي نود أن نورد وجهة نظر موجزة للمراحل المعرفية الرئيسية عند "جان بياجيه" وسنتعرض لها بشيء من التفصيل فيما بعد.
فتبعًا لهذه النظرية نجد الطفل أثناء العامين الأوليين يتمركز حول نمو المهارات الحسية الحركية، ولقد سمى هذه المرحلة بالحسية الحركية Sensorimotor ونرى الأطفال في تلك المرحلة يتعلمون استخدام الأحاسيس التي تأتيهم من العالم الخارجي وأن يتعاملوا باليدين ويتحكموا في عضلات أجسامهم، ويستخدم الأطفال الصغار في تلك المرحلة الاستجابات التي لا تتطلب استخدام الرموز أو اللغة.
و"بياجيه" مثله مثل "جيزل" يرى أن هناك كثيرًا من التغيرات الرئيسية التي تحدث أثناء المرحلة الحسية الحركية، حيث وصفها وقسمها لعدد من المراحل الفرعية الأصغر وتتضمن المرحلة الانعكاسية المبكرة، حيث نرى أن الاستجابات الفطرية أو الولادية تكون كافية بالمراد، وتلي ذلك مرحلة ردود الفعل الدائرية حيث نجد فيها الطفل يكرر الأفعال مرة ومرات بصورة متعمدة مقصودة، يحدث ذلك مبدئيًا من أجل ذاته، وفي مرحلة متقدمة لكي يرى نتائج هذا التكرار، وأخيرًا يكررها للحصول على أهداف معينة، وفي هذه المرحلة نرى الأطفال يرمون الدمى خارج سريرهم وبصورة متكررة لكي يجذبوا انتباه الأفراد القائمين برعايتهم ولا يستطيع الأطفال تعلم التفكير في تأثير الاستجابات قبل أدائها إلا بعد أن يصلوا في نموهم إلى الشهر الثامن عشر تقريبًا، والمرحلة الأخيرة في الفترة الحركية هي التركيبات العقلية mental Combination، فالأطفال كما يشير "بياجيه" يدخلون المرحلة العقلية قبل الإجرائية Preoperational في نهاية السنة الثانية، وفي بداية هذه المرحلة نجد الأطفال ينمون استخدام اللغة بالإضافة إلى نمو استخدام الإشارات والرموز لديهم، فاللغة تفتح أبوابًا كثيرة أمام الطفل، حيث نجده قادرًا على حل كثير من المشكلات الأكثر تركيبًا وتعقيدًا، كما أنهم يستخدمون مبدأ ثبات الأشياء وبقائها Conservation وذلك بدون الحاجة إلى وجود الموضوع أو الشيء نفسه.
وفي المرحلة الحدسية Intuitive التي أشار إليها بياجيه يتمكن الأطفال خلالها من حل مشاكل متنوعة مركبة، ويتضمن ما يسميه بالتصور المبني على التفكير، فأطفال الرابعة كأطفال الثانية من العمر يمكن أن يلعبوا مع الدمى وأن يتعاملوا معها كموضوعات حية، وبعد سن الرابعة يمكن أن يستمروا في ذلك مع إضافة معلومات وبيانات بالإضافة إلى استخدامهم للرموز، ويتمكن أطفال الرابعة من حل المشكلات، إلا أنه يتضح أن لديهم قدر كبير من الصعاب في حلها منطقيًا ويشير "بياجيه" أن حلول الأطفال للمشكلات في المرحلة الحدسية يميل إلى أن تكون معتمدة على بعد استثاري واحد، بمعنى جانب واحد من المشكلة يستخدم للمساعدة في الوصول إلى الحل، فمثلا قد يقرر الطفل أن الأنبوب أو الوعاء الأطول يحتوي على كمية سائل أكبر من أنبوب أو وعاء آخر أقصر منه ولكنه أكثر اتساعًا ويحمل سائلا بكمية أكبر من الوعاء الطويل الرفيع، ويقول "بياجيه" في هذه الحالة: إن البعد الاستثاري الذي وضعه الطفل في اعتباره هو طول الوعاء.
وبحلول المرحلة الإجرائية Operational تنتهي المرحلة الحدسية كما يشير "بياجيه" في حوالي سن السابعة من العمر، ويستطرد بأن هذه المرحلة تعتبر بمثابة بداية التفكير الحقيقي، ففي البداية كانت تتطلب عملية التفكير أمثلة عيانية، إلا أن تلك المرحلة من التفكير يستخدم الطفل فيها العمليات الصورية Formal ويستطيع الأطفال في تلك المرحلة التفكير وحل المشكلات بأنماط كثيرة متنوعة ومركبة.
كيف تحدث جميع هذه التغيرات التي أشار إليها "بياجيه"؟ يشير "بياجيه" أن النمو المعرفي في كثير من جوانبه متشابه مع النمو العضوي، بمعنى أنه يتضمن بصورة أساسية نشاطًا موجهًا نحو التوازن equilibrium "بياجيه 1967"، والذي يعني تبعًا "لبياجيه" مجموعة من الأفكار المتوازنة تنتظم داخل نظام عقلي مترابط منطقيًا والذي يمكنه أن يستخدم في حل مشكلات جديدة، وأطلق بياجيه على هذا النظام البناء المعرفي Cognitiv Structure.
ووفقًا لنظرية "بياجيه" يمر الأطفال من مرحلة معرفية إلى أخرى تالية لها في كل نمط لحل المشكلة، وفي نفس الوقت نراهم يمرون من فترات عدم توازن حيث لا يستطيعون ضبط والتحكم في البيئة بواسطة
استخدام قدراتهم، إلى فترات توازن حيث يتمكنون أو يكون لديهم المقدرة العالية لاستخدام البيئة، كما أنهم يكونون على استعداد للتعلم الأكثر، فمثلا طفل الستة شهور الذي يجلس داخل عربيته قد يكون من المتيسر له أن يشد نفسه إلى أعلى واقفًا، إلا أنه لا يفعل لأنه لا يكون على استعداد للانتفاع من هذا المظهر في بيئته، وبعد مرحلة معينة وبعد أن يكون قد نمى ويمكنه استخدام ذراعيه وأرجله بصورة أفضل فإنه قد يستخدم قضبان العربة أو أعمدتها لكي يشد نفسه إلى أعلى، ومن هنا نجد أن فرصة هذا الطفل للتعلم وحل المشكلة قد اتسعت إلى حد كبير، وسمى "بياجيه" العملية التي تزداد بها قدرة الطفل لإحداث الاستجابة بالتوازن، ويشير إلى التفاعل بين عمليتين منفصلتين، وكل منهما يتبع الآخر، وهما عملية التمثيل أو الامتصاص assimilation والمواءمة accomodation فالتمثيل يحدث عندما يستخدم الأطفال مثيرات جديدة في بيئاتهم لأداء نشاطات يعرفون أداءها بالفعل، ومثال لعملية التمثيل في الفترة الحركية قد تكون الخروج من السرير الصغير والعثور على دمية أو أي شيء كالبرتقالة مثلا، وبالتالي استخدم هذه البرتقالة لأداء سلسلة من الأفعال كدحرجتها فوق السرير أو على الأرض مثلا، وذلك لأنه قدر رآها تفعل ذلك أمامه.
وتحدث المواءمة أو التمثيل عندما يضيف الطفل نشاطًا جديدًا إلى ذخيرته أو يعدل السلوك القديم، فالطفل قد يظل في نقالته "سريره" لفترة طويلة من الوقت قبل أن يتحقق وبصورة مفاجئة بأنه يجب عليه استخدام قضبان سريرة لأداء عمل أو نشاط جديد، وتعتبر أول رفعة لوضع الوقوف بواسطة الطفل في نقالته ما هي إلا مثال جديد للمواءمة والتمثيل والمواءمة عمليتان يتبع كل منهما الآخر، فالتمثيل بمثابة ازدياد عدد المثيرات التي تؤدي الاستجابة لها، والمواءمة هي ازدياد عدد الاستجابات التي تم أداؤها للمثيرات المتمثلة بالفعل، بمعنى أنه كلما تمثل الأطفال نجد ازدياد قدرتهم على المواءمة، ومنطقيًا فبدون التزود بالمثير المناسب من البيئة، فإن كل من العمليتين قد تتوقف، ولقد كان "بياجيه" يشك في القدرة لتعليم الأطفال المفاهيم المركبة والمتقدمة في المراحل المعرفية المبكرة، وشعر أن هذه المحاولات لا تمد الطفل ولا توفر له المثيرات المناسبة والمتماثلة للبناءات المعرفية للأطفال، وبالتالي يميل الطفل إلى الإخفاق، وتبعًا "لبياجيه" فإن تنزويد الطفل بالمثير المناسب، فإن عمليتي التمثيل والمواءمة يتبع كل منهما الآخر في ازدياد فالبناءات المعرفية الأكثر تركيبًا نجدها تتكون بالتالي.