المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية - علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة

[عادل الأشول]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات:

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول:‌‌ مدخللدراسة علم نفس النمو

- ‌ مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره

- ‌الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو:

- ‌تطور علم النفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الأطوار غير العلمية

- ‌ثانيًا: بداية علم نفس النمو الحديث

- ‌الصورة العامة لتطور النمو:

- ‌مفهوم المراحل في علم نفس النمو:

- ‌الفصل الثاني: محددات السلوك الإنساني

- ‌مدخل

- ‌النضج

- ‌مطالب النمو:

- ‌مبادئ النمو:

- ‌مراحل النمو

- ‌مدخل

- ‌ مساهمات "جيزل وآلج وآمز

- ‌ نظرية بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نظرية كولببرج في نمو التفكير الخلقى

- ‌نظرية "فرويد" في النمو:

- ‌نظرية "أريكسون" النفسية الاجتماعية:

- ‌تفسيران بيئيان لتعلم سلوك الأطفال:

- ‌نظرية الدوافع:

- ‌هرمية "ماسلو" للحاجات:

- ‌أنماط تعلم الأطفال:

- ‌ الوراثة

- ‌الفصل الثالث: طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الطرق الترابطية

- ‌ثانيًا: الطرق السببية

- ‌ثالثًا: الطرق التمايزية

- ‌رابعًا: الطرق التتبعية

- ‌خامسا: الدراسات المعيارية:

- ‌الباب الثاني: الطفولة

- ‌الفصل الرابع: النمو قبل الولادة

- ‌مدخل

- ‌تطور الجنين:

- ‌النمو غير العادي للجنين:

- ‌الحمل:

- ‌تفاعلات الأم والجنين:

- ‌الفصل الخامس: الوليد والفطيم

- ‌أولا: النمو الجسمي والحركي

- ‌الرضيع في السنة الأولى:

- ‌السنة الثانية:

- ‌ثانيا: النمو العقلى

- ‌الجوانب الكمية للنمو العقلى

- ‌ الجوانب الكيفية للنمو العقلي:

- ‌ثالثا: السمع

- ‌الحواس الأخرى:

- ‌رابعًا: اللغة

- ‌مراحل التعبير عند الطفل:

- ‌خامسا: العمليات المعرفية

- ‌حل المشكلة:

- ‌سادسًا: التفكير

- ‌المفاهيم الرئيسية لطفل العامين:

- ‌تعليم الآباء استشارة الرضيع

- ‌الأنماط السلوكية التوجيهية:

- ‌العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية:

- ‌الارتباطات مع الأشخاص الآخرين

- ‌مدخل

- ‌الأنماط السلوكية المدعمة للأرتباط

- ‌قلق الغرباء:

- ‌قلق الانفصال:

- ‌نظريات أصول الارتباطات المتبادلة:

- ‌الانفصال والتفرد:

- ‌تأثير الأطفال على العناية التي يتلقونها:

- ‌تطبيقات لتنشئة الرضيع:

- ‌التأثيرات طويلة وقصيرة المدى للعناية بتدريبات الأطفال:

- ‌الفصل السادس: الطفولة المبكرة "سنوات ما قبل المدرسة 2: 5

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو العقلي

- ‌مدخل

- ‌قياس الذكاء:

- ‌مقياس ديفيد وكسلر:

- ‌اختبار القدرة اللغوية المصور

- ‌النمو الإدراكي:

- ‌التذكر:

- ‌التعلم التمييزي:

- ‌السلوك الاحتفاظي

- ‌الاستدلالات الانتقالية:

- ‌ثبات العدد

- ‌النمو اللغوي:

- ‌اكتساب اللغة:

- ‌نظريات التحصيل اللغوي:

- ‌مهارات الاتصال المرجعية:

- ‌العالم التصوري للطفل الصغير:

- ‌التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة

- ‌مدخل

- ‌دور الأب:

- ‌العلاقات مع الإخوة والأخوات:

- ‌مقدم طفل جديد:

- ‌التفاعلات مع الإخوة والأخوات الأكبر:

- ‌التفاعلات مع الصحبة والنظراء:

- ‌التطبيع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التدريب أو فرض النظام

- ‌تساوق التدريب أو النظام:

- ‌التدريب المرشد

- ‌السلوك التدريبي الموجه:

- ‌التقمص

- ‌الفصل السابع: الطفولة الوسطي

- ‌‌‌النمو الجسمىوالعقلى

- ‌النمو الجسمى

- ‌النمو العقلي:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌العالم التصوري للطفولة الوسطى:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دخول المدرسة

- ‌ثانيًا: الاهتمام المتزايد بجماعة الرفاق

- ‌ثالثًا: هوية دور الجنس

- ‌رابعًا: العلاقات الأسرية

- ‌خامسا: الآباء لطفل المدرسة

- ‌سادسا: إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم

- ‌سابعًا: النمو وتكامل الشخصية

- ‌نظريات النمو

- ‌أولا: مفهوم دورة حياة الإنسان

- ‌ثانيًا: بعض نظريات النمو

- ‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها:

- ‌الممارسات المدرسية ودورها في توجيه النمو:

- ‌الباب الثالث: المراهقة

- ‌مدخل

- ‌أولا: نظريات المراهقة

- ‌ثانيًا: التغيرات الجسمية والفسيولوجية

- ‌ثالثًا: النمو العقلي

- ‌النمو الخلقي:

- ‌دلائل التفكير الإجرائي الصوري:

- ‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية

- ‌استمرار نمو الشخصية:

- ‌نماذج نمو المراهقة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌سادسا: الإرشاد النفسي للمراهقين

- ‌الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌القلق:

- ‌اكتتاب المراهق

- ‌توهم أو وسواس المرض

- ‌الاضطرابات السيكوفسيولوجية:

- ‌اضطرابات الأكل:

- ‌العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين:

- ‌الباب الرابع: مرحلة الرشد

- ‌مرحلة الرشد المبكرة

- ‌مرحلة الرشد الوسطى

- ‌الباب الخامس:‌‌ الشيخوخة

- ‌ الشيخوخة

- ‌نظريات الشيخوخة:

- ‌المجال الاجتماعي:

- ‌الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة

- ‌مدخل

- ‌الخرافة الأولى أكثر تشابها:

- ‌الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفا:

- ‌الخرافة الثالثة: الشيخوخة فترة الصفاء

- ‌الخرافة الرابعة: انعدام القدرة الجنسية

- ‌الخرافة الخامسة: الجمود وعدم المرونة

- ‌الخرافة السادسة: عدم الابتكارية وعدم الإنتاجية

- ‌الخرافة السابعة: صعوبة تعلم مهارات جديدة

- ‌الخرافة الثامنة: غرابة الأطوار أو الخبل

- ‌الخرافة التاسعة: الوحدة

- ‌الخرافة العاشرة: أكثر تدينا

- ‌الخاتمة

- ‌‌‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌عملية الموت:

- ‌نظرية كويلر -روس

- ‌الإنكار

- ‌الغضب

- ‌المساومة

- ‌الاكتئاب

- ‌التقبل

- ‌نمو مفهوم الموت:

- ‌المراجع:

الفصل: ‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية

وتشير دراسات Neimark؛ "1975" عن تعليم الأطفال والمراهقين التفكير بالمستوى الإجرائي الصوري، أن التدريس أو تعليم العلوم العلمية قد لا يفيد كثيرا في تعلم هذا النمط من التفكير، حيث حاول بعض الباحثين تدريب بعض الحالات على مقاييس بياجيه، وأشارت النتائج إلى أنه على الرغم من أن بعض الأطفال والمراهقين قد أظهروا تحسنا ملحوظا في مهام وواجبات نوعية معينة، إلا أن آخرين لم يظهر لديهم ذلك، كما أن الحالات التي كانت تتصف بالاسترخاء Reflective أظهرت أداء أفضل في هذه العمليات الصورية أكثر من الحالات التي كانت مدفوعة Impulsive وقد يعزى ذلك إلى أن العمليات الصورية تعمل على تحرير الحالات من ضغوط المثيرات البيئية وعلى أي حال فإن هذه العمليات الصورية ترتبط بجوانب أخرى للوظيفة العقلية ومتضمنة النمط المعرفي.

النتائج الوجدانية للتفكير الإجرائي الصوري:

حتى هذه النقطة فإننا قد ناقشنا النمو المعرفي كما لو أنه غير مرتبط بانفعالات المراهقين ومع ذلك فإن الانفعالات النموذجية للمراهقين يمكن فقط أن تفهم فهما كاملا داخل مضمون أو محتوى التفكير الإجرائي الصوري، ويرجع ذلك إلى أن هذا النمط يسمح للشخص الصغير إلى دخول أو اقتحام عالم الأفكار المثالية، النظريات، والاحتمالات، وتشير إلى مدى قدرة المراهقين على المقارنة بين الممكن والواقعي في كثير من الجوانب الحياتية التي يتضمنها جزئيا على الأقل عدم الرضا أو عدم الإشباع والتي غالبا ما تحيط بهؤلاء الصغار وتحاصرهم في بعض الأحيان.

ص: 538

‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية

عادة ما نجد الأطفال يحيون هنا والآن، ويهتمون بالعالم كما يجدونه ويتعلمون كيفية التفاعل مع هذا العالم المحيط بهم، إلا أننا نجد المراهقين عادة ما يكونون قادرين على فهم وإدراك الأشياء ليس فقط كما تكون عليه، ولكن بالإضافة كما يجب أن تكون عليه سواء في المنزل أو المدرسة أو في عالمهم الفسيح، بالإضافة مع أنفسهم، وعموما فإن إدراك التناقضات بين الواقع والمثالية عادة ما يغذي عدم الرضا عند المراهقين، ففي مرحلة المراهقة بالذات نجد بعض المراهقين يشعرون بالإكراه على البحث عن الآباء الحقيقيين، والأطفال الذين يشعرون بالإشباع والسعادة

ص: 538

فيما مضى، والبهجة والجرأة هذا من جانب والأطفال المضطربين من جانب آخر، أو ذوي نقص معين غالبا ما نجدهم في مراهقتهم يخبرون هذا الاكتئاب أو الانشراح الأول الذي صادفهم في حياتهم المبكرة.

كما أن إدراك المراهقين بالتناقض بين المثال والواقع غالبا ما يجعلهم متمردين، عاصين، فقد يجد المراهقون المواقف المثالية مرغوب فيها بصورة عالية ومن جانب آخر يجدون موقفهم الواقعي غير محتمل، ومع ذلك فغننا نلاحظ أن كثيرًا من أنماط تمردهم أو ثورتهم غالبًا ما يكون في صورة لفظية، إذ قد نجدهم يصادقون لفظيا على العوامل الإنسانية إلا أنهم يفعلون القليل لإنجازها وتحقيقها، كما أن عدم رضائهم الشديد عن أبويهم عادة لا يؤدي إلى انفصالهم عن أسرهم أو يذهبوا بعيدا وفقا لرغباتهم، وبسبب وجود هذا التناقض بين قدرة المراهق على تصور المثل وبين درايتهم بكيفية تحقيقها أو إنجازها بالفعل فإننا عادة ما نجدهم يتسمون بالعناد الشديد، والكذب والمراوغة في مطالبهم، وجديد بالذكر فعند نهاية فترة المراهقة وعندما تكون مثلهم مرتبطة بأفعال مناسبة فقد نجدهم أكثر تسامحا واحتمالا للمجتمع بصورة عامة ولآبائهم بصورة خاصة، أو قد يأخذون على عاتقهم القيام ببعض الأعمال لإنجاز وتحقيق مثلهم كالعمل في حركات التحرير أو العمل في مشروعات الخدمة العامة وهكذا.

المراهق والذات:

يشير بياجيه أن التفكير الإجرائي الصوري في مرحلة المراهقة يؤثر كذلك على اتجاهات المراهقين نحو ذواتهم، حيث يمرون بحالات استبطان ويقومون بعملية تحليل ونقد لذواتهم، وعادة ما يفعلون ذلك باتزان ورباطة جأش حيث يعتبرون التفكير الآن بمثابة شيء خاص وبالتالي لا يكون لزاما عليهم أن يتقاسموا أو يشتركوا في أنماط تفكيرهم مع الآخرين، كما نجدهم على نقيض الأطفال حيث يمكن أن يحتفظوا بالمواجهة "المظهر الكاذب" والذي يخبئ أحاسيسهم ومشاعرهم الحقيقية عن الآخرين.

واهتمام المراهقين الجديد هذا بذواتهم غالبا ما يعزى إلى تمركزهم العقلي حول ذواتهم Intellectual Egocentrism ويعني عدم القدرة على التمييز بوضوح بين ما يفكرون فيه وما يفكر الآخرين فيه، ففي المواقف

ص: 539

الاجتماعية نجد المراهقين الصغار عادة ما يشعرون كما لو أنهم في مرحلة مغايرة عن الآخرين، ويعتقدون أن كل الأفراد الآخرين يلاحظون ويقيمون أداءهم، وعلى ذلك فإن أنماط أفعالهم غالبا ما تكون على مستوى المستمع الخيالي Imaginary Aduience وهذا الإحساس الذي ينتابهم قد يرجع إلى وعيهم بذواتهم التي يتصف بها صغار المراهقين، فعندما يقف المراهق الصغير أمام المرآة لساعات عادة ما يتصور كيف سيكون رد فعل المشاهدين إليها، وعندما يذهب المراهقون سويا ويشكلون جماعة فيما بينهم ينتاب كل منهم إحساس بأنه ممثل لنفسه حيث إن المشاهدين ينظرون إليهم فرادا وليسوا جماعات.

وتشير نتائج دراسة Elkind؛ "1967" أن النتيجة الطبيعية لهذه العلمية "المشاهد المتخيل" والتي يمكن أن تسمى بالأخلاق أو التلفيق الشخصي personal Fable حيث نجد المراهق دائما ما يشعر بأنه مركز انتباه الآخرين، ونجده يشعر بحب شخص خاص جدا، والمراهق الصغير عادة ما يشعر أن خبراته متفردة، كما أن أي شخص لم يخبر أحاسيس ومشاعر متساوية لما خبره هو، فقد نستمع إلى قول أحدهم مثلا "إنك لا تعرف كيف يكون شعور المرء عندما يكون في حالة حب" أو "أنك لا تعرف كيف أمقت هذا الشيء"، ما هي إلا تعبيرات نموذجية لاختلافات أو تلفيقات المراهق الشخصية، كما نجدهم في هذه المرحلة يعتقدون أن الأفراد الآخرين يكبرون ثم يموتون، إلا أن ذلك لن يحدث بالنسبة لهم، ويمكن أن يؤدي بهم شعورهم هذا إلى متاعب كثيرة، فالمراهق قد يشعر أنه لن يصبح مدخنا أو مدمنا إلا أنه يكتشف بأنه ليس حصينا أو ذا مناعة كما كان يعتقد.

وتوجد عدة نتائج لتمركز الذات عند المراهقين يمكن إيجازها فيما يلي:

1-

قد تعزى عملية التمركز جزئيا إلى قوة وسلطة جماعة الرفاق، فعادة ما نجد المراهقين يهتمون للغاية باستجابات الآخرين عن ذواتهم خاصة جماعة رفاقهم لدرجة أننا قد نجدهم يفعلون أشياء كثيرة والتي تتناقض مع تنشئتهم السابقة، وتتعارض مع ميولهم الخاصة العزيزة لديهم.

ص: 540

2-

كما أن أحاسيس ومشاعر المراهقين بأنهم في مرحلة نمائية معينة قد يساعدنا على تفسير بعض من مناوراتهم ودهائهم لجذب الانتباه إليهم، فعادة ما نرى في هذه المرحلة أنماط سلوك ونماذج ملابس غريبة وشاذة.

3-

ونتيجة أخرى لتمركز الذات لدى المراهقين، فإننا عادة ما نلاحظ أن علاقات المراهقين التفاعلية الشخصية غالبا ما تكون ضحلة قليلة العمق وذات أمد قصير، كما أن نموذج ولع المراهقين غالبا ما يعزى إلى رغبة المراهق إلى عمل أي شخص كمثال له، والحقيقة التي يعزى إليها عدم دوام واستمرار النماذج التي تتخذ كمثال للمراهق إلى إدراكه بأنه لا يوجد كائن آدمي يعتبر كمثال حقيقي ولكننا نجده في فترة لاحقة يسعى إلى تكوين افتتان أو ولع جديد، وغالبا ما تبني الصداقة في هذه المرحلة وفقا للميول الذاتية أكثر مما تبنى على أساس الميول المتبادلة والاهتمامات المشتركة، فالفتاة الجميلة قد تصادق فتاة أخرى أقل منها جمالا وهنداما حتى تبرز عليها بالمغايرة كما أن الفتاة عادية الجمال قد تكون سعيدة مبتهجة بارتباطها بصداقة فتاة لافتة جذابة.

وجدير بالذكر فعادة ما نجد في اتجاه نهاية فترة المراهقة الاخفاض التدريجي لهذا النمط من استخدام أو استغلال سمة التمركز حول الذات، فالمراهق يأتي إلى التحقيق إلى أن الأفراد الآخرين يفكرون عن ذواتهم ومشكلاتهم الخاصة أكثر مما يفكر فيه أو يفعله بنفسه، ومع انخفاض تمركز الذات عند المراهق يوجد تجديد للتفردية، بالإضافة إلى وجود حرية جديدة من الاتساقية لجماعة الرفاق حيث نجد العلاقات البيشخصية "التفاعلية الشخصية" تصبح مبنية على الميول المشتركة المتبادلة أكثر من الميول الذاتية والاختلاق أو التلفيق الشخصي حيث يدرك المراهق أن زملاءه وأصدقاءه يتقاسمون، ويشتركون معه في أحاسيس ومشاعر متشابهة وأيضا في تخيلات مشتركة، كما نجد المراهق عادة ما يصبح أكثر استرضاء للمجتمع أو استمالة إليه ولأسرته كذلك، وعادة ما يحدث ذلك بإنجاز بعض أنواع الأعمال الإنتاجية "الواقعية" والتي تكون بمثابة الجسر الذي يبنيه بين المثال والواقع، فالعمل المنتج يوحد الأفكار والأفعال ويمكن المراهق من النظر إلى المستقبل بدون يأس أو قنوط للحاضر، كما أنه تعتبر علامة انتقال من فترة المراهقة إلى فترة الرشد أي من الانعزال الشخصي إلى التكامل الاجتماعي كما أشار بذلك آريك أريكسون.

ص: 541

الهوية والقيم والاغتراب:

إن الطلب الرئيسي لفترة المراهقة يتمركز في إيجاد إجابة عملية للسؤال التالي، من أنا؟ أو من أكون؟ who Am I? وعلى الرغم من أن الجنس البشري قد شغل بالإجابة عن هذا التساؤل في عديد من القرون، إلا أنه فقط منذ سنوات قليلة قد أصبح محط اهتمام وتركيز علماء النفس والتحليل النفسي، بالمراهق الذي لديه إحساس قوي وحقيقي عن هوية الأنا يرى نفسه كفرد متفرد مستقل، والحقيقة فإن كلمة فرد Individual كمرادف لكلمة شخص person تتضمن الحاجة إلى أن يدرك الفرد نفسه كشيء منفصل ومتفرد عن الآخرين، بغض النظر إلى أي مدى يشترك فيه مع الآخرين في دوافعهم وقيمهم واهتماماتهم، وكذلك الحاجة إلى الإحساس باتساق الذات الذي يؤدي إلى الشعور بالتكامل، وترتبط بصورة وثيقة بالحاجة لرؤية الفرد لنفسه كشيء مميز عن الآخرين، وعموما فعندما نتحدث عن تكامل الذات فإننا نشير إلى كلا من التميز أو التفرد عن الآخرين ووحدة الذات في ثمة تكامل عملي لحاجات ودوافع وأنماط الاستجابة لفرد ما، ولكي نصل إلى معنى واضح لهوية الأنا، فمن الضروري أن يدرك الفرد ذاته على أنها تتميز بالاتساق بمرور الزمن، فالفرد يحتاج إلى أن يكون على دراية بالاتساق الذي يربط بين ما كان بالأمس وما هو موجود اليوم.

والفرد لكي يخبر التكاملية يجب أن يشعر بالاستمرارية المضطردة بين ما كان عليه أثناء فترة طفولته الطويلة وما سيكون عليه في المستقبل المتوقع، ويتضمن ذلك التساوق بين ما يدرك حقيقة ذاته وبين الطريقة التي يدركه بها الآخرون وما يتوقعونه منه، فإن أي تأثيرات نمائية يمكن أن تسهم في الإدراكات الواعية الواثقة بالنفس كشيء مميز ومنفصل عن الآخرين وكشيء متسق ومتكامل بصورة معقولة، وكشيء له استمرارية بمرور الوقت، كل ذلك يسهم بصورة كبيرة للمعنى الشامل لهوية الأنا، وبنفس الدليل فإن التأثيرات التي قد تعوق أيا من تلك الإدراكات الذاتية، تدعم ما أشار إليه أريكسون بانتشار الهوية Identity diffusion أو ما يفضل أريكسون استخدامه بتشتت الهوية، حيث يعني فشل الفرد في تحقيق التكامل والاستمرارية لصورة الذات.

وقد تتباين المجتمعات في تحقيق الهوية والشعور بالقيمة للمراهق أو الشاب، فتؤكد البعض منها على نمو الفرد كفرد بدلا من كونه عضوا

ص: 542

في بعض الجماعات، وبالتالي تؤكد على الاعتماد على النفس والاستقلالية وفي مجتمعات أخرى يكون التركيز على تحقيق الهوية والشعور بالقيمة من خلال علاقات الصداقة الراسخة مع الآخرين ولكونه عضو في نظام اجتماعي راسخ.

مشكلات الهوية في فترة المراهقة:

يجد كثير من المراهقين أنفسهم يلعبون أدوارا تتغير وتتبدل من موقف لآخر، وقد ينتابهم القلق على "أي" من هذه المواقف يمثل ذواتهم بصورة حقيقية، كما يجربون بصورة واعية أدوارا مختلفة على أمل أن يجدوا واحدا من الأدوار ملائما ومناسبا لهم، ولقد سألت أحد المراهقين كان لديه أكثر من طريقة في الكتابة: لماذا لا تتخذ طريقة واحدة بدلا من تلك الطرق المتعددة؟ وكانت إجابته: كيف أكتب بطريقة واحدة فقط إلا عندما أعرف من أنا! وعموما فإن البحث عن الهوية يصبح جادا خاصة في هذه المرحلة من النمو، فالتغيرات التي تحدث أثناء سنوات الطفولة الوسطى، هي إلى حد كبير تدريجية ومنتظمة بدون تنقلات فجائية من يوم لآخر ومن شهر لآخر.

والمراهق عموما يواجه عدد كبير من التغيرات النفسية والجسمية والجنسية المتشابكة، ويواجه أيضا بمتطلبات عقلية واجتماعية ومهنية جديدة ومتنوعة، ومما لا يدعو للدهشة، فإن المراهقين يهتمون بالكيفية التي يظهرون بها في عيون الآخرين بالمقارنة إلى ما يعتقدونه في أنفسهم، ويهتمون كذلك بالتساؤل عن كيفية الربط بين الأدوار والمهارات التي شربت لهم مبكرا ومطالب المستقبل، وعموما فإن التوصل إلى معنى محدد لهوية الفرد يعتمد -إلى حد ما- على قدرة المراهق على تصور ذاته بصورة مجردة، فالقدرة على التفكير الصوري تساعد المراهق في بحثه عن "هويته" ولكنها في نفس الوقت تزيد من صعوبة ذلك البحث وتلك الأشكال المعرفية ليست في جوهرها متناقضة، ولكنها مكملة لحاجات المراهق لكي ينمي إحساسا بهويته؛ لأنه من خلال العلاقات الممكنة التي يمكن أن يتصورها المراهق نجده يعمل سلسلة من الاختبارات الدقيقة لتعهداته الشخصية، المهنية، الجنسية، والأيديولوجية.

ص: 543

التباين في تكوين الهوية:

كنا نناقش تكوين الهوية كما لو كانت موحدة بصورة نسبية، فإما أن ينجح المراهق في تكوينها أو يفشل، والحقيقة فإن الموضوع أكثر تعقيدا وتركيبا من ذلك، فأنماط تكوين الهوية قد تتباين بدرجة كبيرة بين مجموعة معينة من المراهقين، أو مجموعات من المراهقين، نتيجة لعديد من التأثيرات تتراوح من علاقات الوالدين بالطفل إلى الضغوط الثقافية، أو ضغوط الثقافات الفرعية بالإضافة إلى معدلات التغير الاجتماعي، ففي المجتمع البدائي حيث يوجد فقط عدد محدد من الأدوار الممكنة للمراهقين، وحيث أن التغير الاجتماعي الذي يحدث يكون طفيفا من جيل إلى آخر، فإن تكوين الهوية قد يكون مهمة سهلة نسبيا يمكن إنجازها بسرعة، وعلى النقيض من ذلك ما يحدث في المجتمعات المتقدمة سريعة التغير، حيث يوجد عديد من الاختيارات والفرص حينئذ قد يكون تكوين الهوية مهمة عسيرة وطويلة، وحتى داخل نطاق مجتمع معين فإن الهويات قد تكون متماثلة أو متغايرة، فالفرد قد يبحث عن الأدوار الشخصية والاجتماعية والمهنية التي من المتوقع أن تدعم بواسطة المجتمع،

والبحث عن الهوية قد يحدث ويتبلور في فترة مبكرة أو يمتد إلى ما لا نهاية، ولقد عبر أريكسون عن ذلك بقوله: إن بلورة الهوية عبارة عن تعطيل في عملية تكوين الهوية، فإنها تثبت غير ناضج لصورة الذات عند فرد ما، ولهذا فإنها تتداخل مع نمو قدرات وإمكانات أخرى لتحديد مفهوم الذات لدى الفرد، وبالتالي نجد الفرد لا يظهر كل ما يستطيع أن يكون عليه، فالمراهقون الذين يواجهون بعدد كبير جدا من الاختيارات يمرون خلال فترة طويلة باختلاط أو تشوش هويتهم عندما لا يستطيعون أن يقرروا من هم؟ وماذا يريدون أن يكونوا عليه؟

وفي بعض الحالات، نجد أن مشكلة تحديد الهوية تحل إلى حد كبير عن طريق عدد من المحاولات والخطأ، وقد ينتج أحيانا هوية ليست محددة بوضوح واتساق وتتسم بالكلية فقط ولكنها أيضا تتسم بالجدية والغنى والتنوع في مصادرها، وفي بعض حالات أخرى نجد الفرد لا ينمي إحساس محدد واضح لهوية الأنا، وبالتالي تظهر لديه أزمة مرضية طويلة للهوية، ولا يحقق أي ولاءات أو ارتباطات متناسقة، وتدعم الدراسات ذلك، إذ تشير أن كثيرا من المراهقين والشباب الذين يعانون من انتشار أو خلط لهويتهم، عادة ما يكونون غير راضين عن طريقة آبائهم

ص: 544

في الحياة، كما أننا لا نجد واحدا منهم يستطيع أن يكون إيجابيا في تكوين حياة خاصة به.

وعموما فإن هذه التباينات في تكوين الهوية قد تظهر بين كثير من المراهقين في عصرنا الحديث، والرأي العام الشائع يشير إلى أن فترة الخلط والتشوش الحادة في التعرف على الهوية تتميز باضطرابات وتغييرات انفعالية مفاجئة، وهذا ما يميز هذه الفترة العصبية أو الحادة لتشوش الهوية وبالتالي تعوق التعرف على الذات، وجدير بالذكر فإن الدلائل المادية ونتائج الدراسات تشير إلى أننا نميل إلى المبالغة في ترديد مدى خطورة أزمة الهوية بين الشباب.

علاقات الوالد بالمراهق وتكوين الهوية:

إن بناء مفهوم ثابت للهوية قد يصبح ميسورا وسهلا بواسطة عدد من العوامل أو العناصر، إن العلاقة المكافئة بين الطفل أو المراهق وكل من الأبوين، فالأب من نفس الجنس الذي يقدم نموذجا شخصيا واجتماعيا مؤثرا، والذي يجده الطفل أو المراهق مكافئ للهوية، والأب من الجنس المخالف الذي يكون مؤثرا ويظهر تأييده للنموذج المقدم عن طريق الأب من نفس الجنس، فإن الشاب أو المراهق الذي ينشأ في مثل هذه البيئة عادة ما يكون لديه إدراك إيجابي ومحدد لذاته، ويكون أقل ميلا في أن يواجه صراعات في إدراك ذاته والمتطلبات الداخلية للاقتراب من النضج الجنسي والمتطلبات الخارجية للمجتمع.

وتشير الدراسات النفسية أن المراهقين الذين أعطوهم آباؤهم الرعاية الكافية، يدركون أنفسهم بأن لديهم أدوارا متسقة بصورة كبيرة إذا ما قورنوا بهؤلاء المراهقين الذين لم يعطوا الرعاية الكافية من قبل والديهم، حيث يرون أنفسهم كأنهم يستجيبون بطرق متشابهة مع والديهم وأصدقائهم ومعارفهم، كما أن شعور المراهق بهوية الأنا قد يكون قويا عندما يكون سلوك كل من الوالدين تجاهه متسقا، وعندما ينظر إلى الأب على أنه قوي ولكن يتسم بالود والمحبة، ويمارس ضبطا معتدلا، وعندما تدعم الأم عملية تقمص الابن لأبيه، كما أن تجنب الأم أن تكون من النوع المتطفل أو الملح في طلب الأشياء يدعم هذه العملية عند الأبناء، وقد أشارت الدراسات كذلك أن مركز هوية الأنا، والتغيرات في المكانة أو المركز تتغير وتتنوع بالصورة التي يتم فيها الاستقلال عن الأسرة، وكذلك درجة تركيب وتعقيد المستوى الثقافي والاجتماعي العام.

ص: 545

نموذج الجنس والهوية الجنسية:

إن السلوك الملائم للذكور والإناث لا يحتاج إلى التطابق الصارم لمقولبات وأدوار الجنس التقليدية التي لا تتغير، كما أن الهوية الجنسية لفرد ما والتي تمثل في التقبل الانفعالي لطبيعة الفرد البيولوجية كذكر أو أنثى تبدأ في فترة مبكرة من الحياة، وتعتبر مكونا هاما في إدراك الفرد لهويته الشخصية، وتناقضات الهوية الجنسية قد تخلق مشاكل جوهرية في نمو معنى محدد ومكافئ لهوية الأنا، ويجب أن نميز في هذا المقام بين الهوية الجنسية والتوجه الجنسي، فالأشخاص ذوو الجنسية المثلية سواء من الذكور أو الإناث ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ينتمون إلى نفس جنسهم البيولوجي، على الرغم من أن انجذابهم الجنسي موجه إلى حد كبير إلى أفراد من نفس جنسهم "وهذا بالطبع ليس هو الشأن مع هؤلاء الأفراد الذين يريدون التحويل الجنسي الحقيقي، حيث ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أعضاء من الجنس المناقض لجنسهم، إلا أنهم لسوء حظهم صبوا في قالب جسمي غير مناسب لهم.

وعموما، فإن الهوية الجنسية الموجبة -كالهوية الكلية- تدعم عن طريق تقديم نموذج للتقمص من الأب من نفس الجنس، ويدعم هذا التقمص من الأب من الجنس الآخر، إلا أننا يجب أن نؤكد هنا أن التطابق مع الأب من نفس الجنس، ونموذج دور جنس هذا الأب لا يعني بالضرورة تبني أدوار جنسية تقليدية ثابتة، والنمو النسبي لصراع الهوية الجنسية الحر "كما ميزت عن الأدوار الجنسية التقليدية"، فإن الأشكال الخارجية التي يتخذها سلوك الدور أقل أهمية إذا ما قورنت بنوع التقمص الأبوي الذي يبنى على أساسه، وعلاوة على ذلك فإن سلوك الدور يمكن أن يتنوع بصورة كبيرة طالما كان مشتقا من الطبيعة البيولوجية كذكر أو أنثى، فالمراهقة التي تتطابق مع أم تقليدية، والفتاة التي تتطابق مع أم تتسم بالتوكيدية لذاتها والعقلانية بدرجة كبيرة قد يحققان صراعا حرا "أي صراعا سويا" Free Conflict نسبيا في عملية التوافق وإحساسا قويا بهوية الأنا، ومن ناحية أخرى فإن الفتاة التي تبني دور سلوكها الجنسي على أم نابذة رافضة لهويتها البيولوجية الحقيقية "مثلا ترفض طبيعتها الجنسية، أو قدرتها على حمل الأطفال، أو التي تتسم بالعدوانية لأعضاء جنسها أو الجنس المخالف لها" قد تجد صعوبة في بناء مفهوم ثابت وآمن لهوية الأنا.

وتشير نتائج الدراسات في هذا المجال إلى الأهمية الأولية للنمو داخل

ص: 546

أسرة متفاعلة حانية وحسنة التكيف النفسي، حيث يقدم كل من الأبوين نماذج لمستويات القيم الأساسية، حيث يقدم الأب من نفس الجنس شكلا مكافئا للتطابق، ففي هذا الجو -حتى وإن كانت أدوار الجنس الأبوية تقليدية إلى حد ما- نجد الأطفال والمراهقين لا ينمون أنماطا واتجاهات لأدوار الجنس مبالغ فيها أو نكوصية، ولا ينمون نقائض لدور الجنس، مجسما للأشكال الأكثر سلبية وغير المناسبة للنماذج التقليدية من الجنس الآخر، وعموما فإن هذا الجو العائلي الصحي، عادة ما نجد الذكور والإناث لأبوين يتسمان بالمرونة، والنمطية أو الصرامة الأقل لأدوار جنسهم، يتسمون بالأمن وأقل اضطرابا في نمو هويتهم الشخصية.

جملة القول فإننا يجب أن ننمي لدى المراهق الميل للتوكيدية والاعتماد على نفسه والاعتداد بذاته ويجب أن يكون المراهق قادرا على أن يرتبط بأناس آخرين، وأن يكون حساسا لحاجاتهم وأن يكون مهتما بمساعدتهم بالإضافة إلى تقبل المراهق للمساندة العاطفية، وبالتالي فإن الهدف النهائي لأي عملية تنشئة أسرية يجب أن تسمح للمراهق أن ينمي ذاته ويحققها وبالتالي ينمي مواهبه كإنسان وذلك بالاتساق مع حقوق الآخرين.

نمو الأخلاق والقيم:

فترة المراهقة -أكثر من أي فترة أخرى في حياة الإنسان- تركز الاهتمام على الأخلاق والقيم والمعايير، كما أن قدرات المراهقين على التأمل والتفكير تدعم الوعي الكبير بالأسئلة والاستفسارات المرتبطة بالقيم والأخلاق، ومن جانب آخر فإن المطالب التي تلقي عن طريق المجتمع على كاهل المراهق متغيرة بمعدل كبير، وهذا في حد ذاته يتطلب منه إعادة تقييم مستمر للقيم والمعتقدات الأخلاقية خاصة في عصرنا الحديث في مجتمع مليء بالضغوط المتصارعة المتناقضة، وقيم كقيمنا، وتحت هذه الظروف، فإن مشكلة تنمية شعور محدد قوي بالهوية لا يمكن فصله عن مشكلة القيم، فإذا أردنا للمراهقين أن يحققوا بعضا من الثبات في تصورهم لذواتهم، وأن يتحلوا بالموجهات الداخلية للأفعال وسط عالم متغير، يجب بالتالي أن يكونوا مخلصين لبعض القيم الأساسية، على الرغم من أنهم قد يضطرون لاعتناق طريق جديدة لتحقيق هذه القيم لكي تواجه الأوضاع المتغيرة.

ص: 547

وكما أشار إريسكون Erikson، أنه بدون تنمية القدرة على الإخلاص، فإن الفرد إما أن يكون لديه، "أنا ضعيفة Weak Ego وإما أن يرتبط في أحضان مجموعة منحرفة معلنا إخلاصه وولائه لها.

النضج المعرفي والنمو الخلقي:

يصبح التفكير الأخلاقي التقليدي بارزا في فترة المراهقة، وذلك كلما اقترب من مرحلة العمليات الصورية، ويعني ذلك التوجه إلى خصائص المراهق الطيب، ويدرك المراهق أن السلوك القويم "الحسن" هو الذي يرضي الآخرين ويدعم بواسطتهم، وبالتالي نجده يسعى لكي يكون لطيفا مهذبا مع الآخرين حتى يحظى بالتقبل منهم، وقد يتسع هذا الاتجاه ليشتمل التكيف نحو السلطة والمبادئ الثابتة، وتدعيم النظام الاجتماعي، فالسلوك القويم يتكون من عمل الواجب، وإظهار الاحترام للسلطة، والحفاظ على النظام الاجتماعي لذاته، وبالتالي فإن اهتمام المراهق في هذه المرحلة لا يكون منصبا على كيفية الاتساق والتوافق مع النظام الاجتماعي، ولكن أيضا يتسع إلى كيفية الحافظ وتدعيم وتبرير قيام هذا النظام، وعموما فإننا نجد مع بداية مرحلة المراهقة، ونمو التفكير الإجرائي الصوري يميل المراهق إلى الوصول إلى مراحل ما بعد المرحلة التقليدية للنمو الخلقي، والتي تتسم بدفعة قوية نحو المبادئ الأخلاقية المجردة التي يمكن أن تطبق في كل زمان وكل مكان، وليست مقصورة على مجموعة اجتماعية معينة.

وقد يكون المراهق -عند هذه النقطة- غير قادر على تبني وجهات النظر بدون توجيه استفسارات عن المعتقدات الاجتماعية أو السياسية لوالديه، مع الاعتقاد بالتفرد لشعوره بأن أبوابه لديهما معتقدات خاصة ويعتقد المراهقون بأن كل الأشخاص الذين يفكرون بطريقة صحيحة يجب عليهم بالضرورة أن يشاركوهم معتقداتهم أي معتقدات آبائهم، كما أنهم "المراهقون" يفكرون في السلوك الأخلاقي في ارتباطه بالحقوق العامة والمعايير التي اتفق عليها ورسخت في المجتمع، وينشأ عند المراهق أيضا مبدأ جديد هو نسبية القيم والآراء الشخصية والتأكيد المتسق على القواعد الإجرائية للتوصل إلى الاتفاق الجمعي في الرأي.

وكلما تقدم المراهق في مدارج النمو، كلما ازداد توجهه نحو الاهتمامات الداخلية وازداد بالتالي ضمير الفرد، فقد يصبح أقل توجها نحو الآخرين، وأكثر توجها نحو الداخل، إلا أنه ما يزال مفتقدا للمبادئ.

ص: 548

العقلية أو العامة الواضحة، وبينما نجد العديد من المراهقين لا يتعدون نطاق هذه المرحلة إلا أن البعض قد يستمر في التقدم لتحقيق ما رآه كولبرج Kohloberg على أنه أعلى مرحلة للتفكير الأخلاقي، والتي نجد فيها الفرد يبذل جهدا لصياغة مبادئ أخلاقية مجردة تحتكم إلى القدرة المنطقية على الفهم والعمومية والاتساقية، فعلى سبيل المثال فقد يكون الاعتقاد في قدسية الحياة الإنسانية مبني على أساس أنها تمثل قيمة عامة لاحترام ذاتية الفرد، فإن مثل هذه المبادئ لا تبنى فقط على الاستحسان أو التصديق الاجتماعي ولكنها بالأحرى لا تبنى فقط على الاستحسان أو التصديق الاجتماعي ولكنها بالأحرى تعتمد على مدى اتساقية المعايير الخلقية الداخلية، والفرد ذو المبادئ يتطابق مع هذه المبادئ حتى يتجنب إدانة أو تجريم ذاته، فعندما نسأل المراهق، عما إذا كان يحق للزوج سرقة الدواء غالي الثمن ويباع في السوق السوداء من تاجر الأدوية المستغل، وذلك لكي ينفذ حياة زوجته، فقد يجيب المراهق ذو ستة عشر ربيع أن الزوج طبقا للقانون الوضعي قد فعل شيئا خاطئا ولكن طبقا لقانون الطبيعة أو القانون الديني فإن تاجر الأدوية خاطئ، والزوج معذور بما أقدم عليه، والحياة الإنسانية أسمى من الكسب المادي، فبغض النظر عن الإنسان الذي يشرف على الموت، وإن كان غريبا فإن واجب الإنسان أن ينقذه من الموت، وعموما فلقد أظهر الشباب فوق السادسة عشر تفكيرا واضحا يلتزم بالمبادئ الأخلاقية، وكانوا قادرين على التفكير الصوري، فالوصول إلى مرحلة ملائمة من القدرة على التفكير والتأمل تكون ضرورية، إلا أنها ليست شرطا كافيا للوصول إلى المرحلة الخلقية المثالية أو المتطابقة.

لقد كان تأكيدنا الرئيسي -حتى هذه المرحلة- على العوامل التي تجعل المراهق أكثر حساسية في تساؤلاته المرتبطة بالقيم الأخلاقية والتي تؤثر في صقله، وبالتالي يصبح قادرا على تصور وتفهم المشاكل الأخلاقية، إلا أنه يوجد جانب آخر لهذا النمو الواسع لموضوع القيم يتركز في الكيفية والطريقة التي ينعكس فيها التفهم المعرفي على السلوك، فالشخص قد يكون في استطاعته تصور وتفهم الموضوعات الأخلاقية المعقدة والمركبة، وأن يكون لديه المنهج أو الطريقة الأخلاقية الصحيحة التي سوف يسلك تبعا لها، ولكنه قد لا يستطيع أن يسلك بطريقة متسقة متناغمة مع هذا المنهج أو الطريقة، ففي إحدى الدراسات وجه سؤالا لبعض الأطفال والمراهقين مؤداه لماذا يجب على الناس اتباع القواعد؟ وبعد ذلك وجه إليهم سؤال، لماذا تتبع أنت المبادئ؟ ففي الإجابة على

ص: 549

السؤال الأخير أظهر معظم الأطفال والمراهقين تباينات في الإجابة على السؤال الأول عن السؤال الثاني، حيث أظهروا مستويات بداية خلقية على الرغم من أنهم قادرون من الناحية العقلية على تفهم الأسباب العليا المرتبطة بذلك، فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن 3% فقط من المراهقين قالوا إن الناس يجب أن يتبعوا القواعد حتى يتجنبوا النتائج السالبة إلا أن 25% قالوا أنهم شخصيا سوف يفعلون ذلك "أي يتبعوا القواعد".

إن بعض المراهقين قد يظهروا درجة معقولة من التمسك بالمبادئ الأخلاقية حتى تحت ظروف الإكراه بالتهديد، بينما آخرون قد يستسلموا وبسرعة إلى الإغراء أو إلى ضغط الجماعة، كما أن البعض الآخر ينقاد خوفا من التهديد بالعقاب الخارجي بدلا من أن تتحكم فيه المعايير الداخلية، وبإيجاز فإن المعرفة وحدها وحتى المعلومات المركبة للمعايير الأخلاقية واستخدامها كموجهات قوية للسلوك بالرغم من الضغوط المتصارعة، يعتمد إلى حد كبير على طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء السابقة والحالية، فالآباء الذين يتسمون بالدفء والعاطفة يقدمون نماذج حسنة من السلوك الأخلاقي لأطفالهم، والتي تعتمد ممارساتهم النظامية أساسا على الاستقرار، فالمناقشة مع الطفل وتزويده بتوضيحات عن القواعد أو المعايير، يكونون أكثر احتمالا في أن يصبح أولادهم أكثر نضجا في نموهم الخلقي، كما يحدث لديهم استدخال للمعايير الأخلاقية الذاتية، إن مثل هؤلاء الآباء عادة ما يقدمون التوضيحات أو الأسباب في حالة سؤالهم الطفل أن يؤدي أنماطا معينة من السلوك كتوضيح الحقائق العملية لموقف معين، أو كيف يكون السلوك غير المناسب ضارا لكل من الطفل والآخرين، هؤلاء الآباء يمكنهم جعل طفلهم أكثر كفاحا وتوقا للوصول إلى النضج. إن الوالد المتفهم الحاني على الطفل لا يسهم فقط في تنمية التقمص الأبوي الإيجابي، ولكنه أيضا يساعد على تدعيم صورة الأب بأنه شخص محب وغير متسلط كما يزود هؤلاء الآباء أطفالهم بالمصادر المعرفية ليحكم الطفل على أنماط سلوكه، جملة القول أن الآباء ذوي السلطة الذين لا يتسمون بالاستبداد والفوضى والتساهل والإهمال يسهمون في النمو الخلقي والأحكام الخلقية عند أبنائهم.

ص: 550

المتطلبات الاجتماعية المتغيرة:

عادة ما نجد المراهقين على نقيض الأطفال الصغار، يجب أن يقوموا بعمل اختيارات هامة، ماذا يدرسون؟ وما نوع تلك الدراسة؟ وما نوع الشخص الذي يريدون مصادقته

إلخ.

وجدير بالذكر فإن مثل هذه الاختيارات لا يمكن أن تؤدى منفصلة عن القيم الشخصية، فإذا كان المراهق قد حدث توجه أساسي له نحو مساعدة الآخرين، فقد يختار مجرى مختلفا عن مراهق آخر يركز على وضع قيمة أكبر على النجاح المادي أو الملموس، كما أن المراهق الذي يؤمن بالحرية والاستقلالية، يختلف اختياره عن مراهق آخر مهتم بصورة كبيرة بالأمن والأمان.

القيم الخلقية والصراعات النفسية الداخلية:

لا يمكن أن يؤخذ المراهقون المهتمون بالقيم بصورة دائمة لكي يمثلوا القرارات المنطقية العقلية التي توصلوا إليها، فغالبا ما يختار المراهقون القيم وفقا لأسباب داخلية، وقد يحدث كثيرا لأسباب لا شعورية، فقد يكون الانشغال بمشاكل الحرب والسلام الخلقية -على سبيل المثال- نابعا من اهتمامات عقلية لهذه الأمور الهامة، إلا أن هذه الاهتمامات قد تعكس أيضا الصراع بكونه قادرا على التعامل مع الدوافع العدوانية القوية والتي قد ترتبط وتكون مصاحبة لفترة المراهقة -خاصة لدى المراهقين الذكور- وبالقياس فإن الفتاة المراهقة قد تنمي فلسفة عقلية سامية "للحب الحر أو الطليق Free Love" أساسا كطريقة لإعادة تأكيد ذاتها في ألا تشعر بالذنب فيما يتعلق بحوافزها الجنسية، والصراعات مع الآباء حول القيم الأخلاقية والسياسية والمعتقدات قد تعكس الجهود المبذولة من قبل المراهق لتكوين هوية مستقلة أو التعبير عن السخط العميق تجاه الآباء المتسلطين غير المبالين، وأخيرا فإن الانشغال الزائد بالقيم والمعتقدات الأخلاقية والتي تميز الكثير من المراهقين، قد يكون لها جذور للنمو العقلي الممتد إلى المطالب الاجتماعية المتزايدة، والمتناقضة دائما، وكذلك في الاهتمامات والصراعات النفسية الداخلية غير الواعية.

النمو المعرفي والمعتقدات الدينية المتغيرة:

تعكس المعتقدات الدينية للمراهقين أيضا النمو المعرفي المتزايد، فقد تصبح تصبح معتقدات المراهق الدينية أكثر تجريدا وأقل مادية، فيما بين عمر 12 و18 سنة.

ص: 551

نمو الأفكار السياسية:

عادة ما يكون المراهق غير قادر على المناقشة والحوار السياسي المعقد، وغالبا ما يصمت في كثير من الموضوعات عندما لا يكون الصمت مستحبا، عندئذ فإن البساطة والبدائية تكون موضوعا للخيالات أو الأهواء، وبالتالي يكون غير قادر على الجدل والمناقشة في مجال الأفكار السياسية.

وبنهاية فترة المراهقة يحدث تغير فجائي بصورة ملحوظة، كما يمكن للراشدين أن يدركوا مدى التقدم الذي حدث في تفهم المراهق للعالم السياسي حيث يحدث في أثناء فترة المراهقة تحول ذو مغزى في اتجاه المراهق نحو التفكير السياسي المجرد، كما يحدث ازدياد في قدرة المراهق لتنمية أيديولوجية سياسية ذات تناسق معقول، فعلى سبيل المثال عندما نوجه للمراهق أسئلة حول الأفراد الخارجون على القانون نجد أغلب المراهقين يؤدون العقاب وإذا لم يجدي ذلك فإنهم يشيرون بالعقاب الأكثر، وعلى النقيض من ذلك قد نجد الشباب الأكبر سنا عادة ما يكونون أكثر اهتماما بحقوق الأفراد، ويفكرون في الحلول البديلة للعقاب كالإصلاح وإعادة التأهيل، كما يستفسرون أيضا عن مدى جدوى وعدالة القانون، أو العادات المنحرفة، ويميزوا بين السلوك العفوي والسلوك القصدي، ويشيرون إلى أن الأعمال غير القانونية قد تكون عرضا لجذور مشاكل أساسية، فقد يجيب طفل الثانية عشر على ثمة سؤال مؤداه ما الغرض والهدف من القوانين؟ بقوله: إذا لم يكن لدينا قوانين فإن الناس قد يقتل بعضهم البعض، وعلى نقيض من ذلك نجد شاب في السابعة عشر من عمره يجيب على نفس السؤال السابق بقوله: إن القوانين تعتبر الخطوط الرئيسية المرشدة للناس.

الاتجاهات الشائعة في قيم المراهقين:

إن الخطر الكبير الذي يكمن في مناقشة اتجاهات القيم والأنماط السلوكية للمراهقين في علاقاتها بالتغير الاجتماعي، هو ما يحدث لدينا من التعميم الزائد أو المفرط، ففي منتصف وأواخر الستينات سمعنا وقرأنا عما يسمى بالثورة في قيم المراهقين والشباب، والذي أطلق عليهم بالثقافة المضادة Conuter Culture حيث كانت قيمهم ومعتقداتهم وأنماط حياتهم مختلفة بصورة كبيرة عما لدى الكبار والراشدين، لدرجة أن حدثت هوة جيلية عميقة كانت حتمية وتطورت في نهاية الأمر.

ص: 552

وجدير بالذكر فإن السنوات العشر البادئة من أوائل الستينات قد أحدثت تغيرات هائلة في قيم وسلوك العديد من المراهقين والشباب في كثير من المجتمعات الأوروبية والعربية، وأصبحت بعض الأقليات من الشباب إلى حد كبير متحررين من وهم المجتمع والذين طالما نظروا إليه على أنه غير عادل قاس عنيف سطي وشديد النقد لهم وغير إنساني لدرجة بعيدة أو بالمعنى الواسع رأوه مجتمعا لا أخلاقيا، وبالتالي استجابوا لهذه المجموعة من الظروف بطرق متنوعة فالبعض جارى الهيبز في مسلكهم وبالتالي أصبحوا يتسمون بالانفصال الاجتماعي، بينما بذل آخرون جهودا مضنية لكي يبدءوا ويحدثوا أو يؤثروا في التغير الاجتماعي والتي أدت إلى الإسراع بالاضطرابات السياسية في تلك الحقبة.

ولقد أخطأ كثير من الملاحظين في هذه الفترة ليس فقط في الدقة اللازمة للتعرف على التغير الاجتماعي الكبير في القيم والمعتقدات والسلوك بين الشباب والمراهقين ولكن بالإضافة إلى ذلك تجاهل مدى تلك التغيرات. سواء من الناحية الكمية أو الكيفية لها وكذلك في المظاهر الفجائية لهذا التغيير.

الاغتراب:

بلغ مفهوم الاغتراب ذروته في الاستخدام الشائع أثناء الستينات، عندما استخدم لتفسير الأحداث سواء مظاهرات الطلبة وعمليات الشغب الداخلية، إلى التزايد في استخدام المخدرات والتوسع في حركات الهيبز التي حدثت في الدول الأوروبية وأمريكا. إن مصطلح الاغتراب قد يعني الكثير ويشير إلى أن شيئا ما خطأ قد حدث بالفعل ويشير إلى فقدان أو غياب العلاقة المرغوب فيها، وما لم نستطع تفسيره: كيف يغترب المراهقون والشباب ولماذا؟ وكيف تنمو ولاءات الفرد لمجتمعه وكيف تضعف؟ كيف يفقد الفرد هويته ولماذا؟ وكيف يحاول الفرد أن يتفاعل مع الاغتراب؟ إن لم نستطع الإجابة عن هذه التساؤلات السابقة، نكون قد بعدنا عن تفهم مراهقينا وشبابنا.

اغتراب الفقراء والأقليات:

إن الاغتراب لدى الأقلية والفقراء الذين يعانون من الحرمان الاقتصادي والتمييز العرقي نجده مفروض بواسطة المجتمع على هؤلاء الأفراد، فهؤلاء الشباب يمنعون عن طريق ميلادهم وبواسطة التمييز من

ص: 553

المشاركة في المجتمع، فالغالبية العظمى من هذه المجموعات Disadwantaged Groupes "كالسود والمكسيكيين والهنود الأمريكيين" ولدوا في ثقافة الفقر، وقد يكون هؤلاء الشباب مغتربين عن ثقافة وطنهم، وبالتالي ينمو لديهم عدم الثقة بذواتهم وعدم تقديرهم لذواتهم، وتكوين الهوية السلبية وبالتالي الاغتراب عن الذات.

الاغتراب بين الشباب صاحب الامتياز:

وعلى نقيض اغتراب الفقراء وضحايا التمييز السلالي أو العرقي، والذي يفرض من المجتمع نجد نوعا آخر من الاغتراب قد أصبح واضحا في السنوات الأخيرة وهو الاغتراب بين شباب الطبقة الوسطى والعليا في المجتمع وعموما توجد تباينات في مصادر اغتراب هؤلاء الشباب، فبالنسبة للبعض منهم نجد أن جذور اغترابهم قد اشتقت من أنواع خاصة من الخبرات النمائية مثل العلاقة المضطربة بين الأب والابن، والتي قد تسبب الاغتراب كثيرا، وبالنسبة للبعض الآخر نجد أن السمات الخاصة للمجتمع والصراعات لعبت دورا بارزا في ذلك، فأنماط الظلم أو اللاعدالة مثل الاضطهاد العنصري، والتمييز الاقتصادي انتهاء الحرية الشخصية والحرب، وقد يكون الاغتراب عميقا ومعوقا وقد يصل إلى رفض المجتمع ككل؛ لأن هؤلاء الشباب غالبا ما ينظرون إلى المجتمع بأنه مجتمع معادي خاصة بالنسبة لقيمهم الأكثر عمقا، كل ذلك يعني عدم الاعتراف بالمنافسة العنيفة القاسية، والإفراط في البحث عن المكانة، ولعب الدور على حساب الآخرين، واحترام السلطة التي بنيت على القوة بدلا من الأهلية أو الأخلاق، كما أن التقدم التكنولوجي والازدهار الاقتصادي الذي حدث في بعض المجتمعات قد طبقت بطريقة قاسية دون اهتمام بالتكاليف من حيث ارتباطها سواء بالجامعات الإنسانية أو نوعية البيئة، ولقد استجاب بعض الشباب بالاستمرار في العمل نحو التغيير في نطاق المجتمع، بينما ظل البعض متمسكا بالتغيير الكلي والجذري، بينما انسحب آخرون من المجتمع ككل، ويتضمن هذا الانسحاب أحيانا يأسا عميقا، لا مبالاة أو هزيمة بدون أي ارتباط بديل ليخفف من شعورهم بالاغتراب، ولقد عبر بعض الشباب عن ذلك بقوله: إن ما أفكر فيه لا يعتد به داخل المجتمع، إلا وأشعر بالإحباط بخصوص المستقبل، أنا أضيع وقتي، لا أذهب إلى أي مكان إلا وأشعر بعدم قدرتي على إنجاز الأشياء، وقد يتطرق البعض بقوله أن نظامنا الاجتماعي يجب أن يتبدل بالكامل، والبعض يعبر بأننا في مجتمع مريض، وأن الحياة التقليدية لا تطاق.

ص: 554

المراهقون والمخدرات:

انتشرت الحبوب المنشطة والمهدئة بين المراهقين في أوروبا وأمريكا في أواخر الستينات وبداية السبعينات، حيث كانت الوصفات الطبية مثل الفالويم Valium والليبروم Librium تستخدم على نطاق واسع كعلاج للتهيج أو الإثارة في هذه المجتمعات، كما عبر آباء هؤلاء المراهقين عن انزعاجهم بالنسبة للارتفاع السريع في استخدام المراهق الأوروبي والأمريكي لأنواع مختلفة من المخدرات خاصة المارجوانا Marijuana وحبوب الهلوسة، واستخدام هذه المخدرات والمنشطات ارتبطت بحركة الهيبز، وكان بعض المراهقين يرون أن في استخدامهم لهذه الأشياء يمثل تحديا مباشرا للقيم الرئيسية للمجتمع ويبعث ذلك إلى الضيق وعدم الارتياح لاغتراب جزء هام من شباب المجتمع، كما انتشر الهيروين والكوكايين والكودايين وما شابه ذلك من العقاقير المخدرة.

إن هؤلاء المراهقين الذين يتعاطون هذه العقاقير عادة ما يكونون قلقون اجتماعيا ومضطربون نفسيا، وتشير نتائج الدراسات أن الاستخدام المفرط لهذه العقاقير ناتج عن الاضطراب النفسي والاجتماعي أكثر من كونه سببا لها، وقد يبرر البعض تعاطيه هذه العقاقير لكي يهرب من متاعب الحياة ومشاكلها، إلا أن التوافق الناتج عن ذلك عادة ما يكون معوقا مضطربا لأن هذه العقاقير لا يعلم متعاطيها مدى تأثيرها الضار ولا يدري كيفية التعامل مع الإحباط والمشاكل اليومية الناتجة عن تعاطيها.

ولقد تبين في مسح أمريكي "1977" أن المراهقين الأمريكيين الذين يتراوح أعمارهم ما بين 12 و 18 سئلوا لماذا يستخدم الشباب الكحول والمخدرات، وكانت استجاباتهم التي اتسمت بتكرارية هي "أثر ضغوط جماعة الرفاق، التطابق مع جماعة الرفاق 29% الهروب من ضغوط الحياة والمجتمع 26%، قضاء وقت سعيد للشعور بالنشوة ومن أجل الطرب 15% وبسبب المشكلات المنزلية مع العائلة 11% ليكون هادئ غير انفعالي 10%، ولأسباب أخرى مثل تقليد الكبار والسأم والتمرد واللامبالاة من قبل الوالدين.

وعموما فإن هؤلاء المراهقين الذين يستخدمون تلك العقاقير وبالتالي يعتمدون عليها، قد يشير ذلك إلى اضطراب انفعالي لديهم، ودرجات متنوعة من العنف وعدم القدرة على مسايرة مطالب المعيشة أو

ص: 555

لكي يجد معنى لهويته الشخصية، كما أن البعض يشير إلى أن هؤلاء كثيرا ما يظهرون مشاعر النقص، وعدم التقبل، العزلة العاطفية، الرفض الأبوي أو عدم المبالاة، وتقدير أقل للذات، وبالتالي شعروا بحاجة إلى إخفاء تلك المشاعر وراء دفاعات من التظاهر والبرود الذي تجلبه تلك المخدرات والعقاقير، كما أن بعض الشباب الذين استخدموا الكحول والمخدرات باستمرار منذ مرحلة المراهقة، اعترفوا بأنهم لم يعرفوا من قبل أي طريقة أخرى لكي يتعاملوا مع القلق والسأم واليأس والخوف من الفشل وفقدان المعنى والهدف.

وبالتالي يجب أن يكون من الأهداف الرئيسية لأي برنامج إرشادي علاجي لهؤلاء الشباب هو التركيز على مساعدة المرهقين والشباب في تعلم كيفية التعامل مع مشكلاتهم الشخصية، وبناء صداقات حقيقية مع الرفاق وتعليمهم كيف يأخذون المتعة من الحياة ونشاطاتها، فالكثير من هؤلاء الشباب لا يعرف كيفية الحصول على المتعة بدون استخدام تلك المخدرات.

كما أن المجتمع يقع عليه مسئولية تجاه هؤلاء المراهقين والشباب، فكثير من الشباب يواجهون المستقبل بدون أمل وقد يواجهون التمييز الاجتماعي، وظروف المعيشة القاسية، والأمرض الجسمية أو انهيار البيئة الاجتماعية مع عائلاتهم، فتحت هذه الظروف فإنه ليس بمستغرب أن بعض المراهقين أو الشباب قد يتوقفوا تماما عن البحث عن معنى ومفهوم لهوية الأنا، وبالتالي يلجئون إلى الهروب تحت ستار العقاقير والمخدرات التي قد تساعد على النسيان.

الجنوح Delinquncy:

يشير مصطلح الجنوح إلى الأفراد الصغار عادة ما يكونون تحت السادسة عشر أو الثامنة عشر الذين يتورطون في السلوك الذي يعاقب عليه القانون، وجدير بالذكر فإن مصطلح الجنوح في جوهره مصطلح قانوني بالإضافة إلى كونه مصطلح نفسي، فإن ما يعتبر حدثا في وقت وزمان معينين قد يكون مدانا قانونيا في وقت ومكان آخر، والجنوح ليس ظاهرة جديدة فقد أشار إليها كثير من الفلاسفة اليونان والمسلمين وأيضا فلاسفة العصر الحديث، وقد تكون نسبة الجنوح بين الذكور أعلى من نسبتها لدى الإناث كما أن الجنوح عند كل منهما يختلف فالجانح قد يتضمن سلوكه عدوانية أكبر كاللامبالاة والسرقة والسلب والنهب أما الأنثى

ص: 556

فتميل إلى ثمة أنماط سلوكية كالهروب من المنزل والفساد وعموما فإن مخالفات الذكور عادة ما تعلو مخالفات الإناث في هذا المضمار.

التغير الاجتماعي والحرمان والجنوح:

قد يعزو البعض الارتفاع الملحوظ في الجنوح إلى التغيرات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع، فالتقدم المادي والصناعي وبالتالي التفاوت في الطبقات الاقتصادية قد يتبعها تمزق في الأنماط الثقافية والروابط العائلية، وعدم التنظيم الذي يحدث في كثير من العواصم ونقصان الشعور الواضح بالهدف والمعنى والاهتمام بالمشكلات الاجتماعية وعموما فإن نتائج الدراسات النفسية والاجتماعية تشير إلى أن اضطرابات المراهقين والشباب عادة ما تكون أكثر احتمالات للحدوث عندما يتزايد الشعور الاجتماعي بالوحدة والغربة والتفكك الأسري.

وقد يعن علينا سؤالا مؤداه لماذا يصبح مراهق معين جانحًا، بينما نجد مراهقا آخر يخضع لنفس الظروف البيئية ولا يصبح جانحا؟ فلقد أجريت عديدا من الدراسات الاجتماعية والنفسية للإجابة عن مثل هذا السؤال وغيره من التساؤلات المرتبطة بالشخصية الجانحة وقارنوا فيها بين الجانحين وغير الجانحين من حيث الخلفية الثقافية وخصائص الشخصية وعلاقات الأب بالابن في أعمار مختلفة، وأشارت النتائج أن الجانح اتضح أنه أقل ذكاء من غير الجانح، إلا أننا لا يمكن أن نرجع إلى انخفاض الذكاء في معظم حالات الجنوح، والنتيجة الأكثر أهمية من ذلك حيث اتضح أن الجانحين أكثر ميلا إلى التوكيدية الاجتماعية والجرأة والعدائية، والشكوكية، والتدمير، والتهور، وينقصهم التحكم في النفس وضبطها وكل هذه المفاهيم تعكس مفاهيم الذات المعاقة المضطربة ومشاعر عدم الكفاءة، والرفض العاطفي وإحباط الحاجات للتعبير عن النفس.

ويميل الجانح أن يرى نفسه شعوريا ولا شعوريا، كسولا، سيئا، وتبعا لمفهوم الجانح عن ذاته يشعر بأنه غير مرغوب فيه غير محبوب وغير محترم من الآخرين، كما أن مفاهيم الجانحين عن أنفسهم عادة ما تكون مختلطة وغير واضحة، متناقضة، غير ثابتة، وتشير بعض الدراسات إلى أن التباينات بين الجانحين وغير الجانحين في السلوك الاجتماعي وخصائص الشخصية من المحتمل أن تظهر في صورة مبكرة من حياتهم على الرغم من أن السلوك الجانح الواضح قد لا يظهر إلا في وقت متأخر،

ص: 557

وبغض النظر عن طبقة الجانح الاجتماعية، ومعدل ذكائه، ومهنة والده، فإنهم قد اتسموا بعدم مراعاة شعور الآخرين، وأقل عدلا وإنصافا في تعاملهم مع الآخرين، أقل مسئولية، وأكثر تهورا، وأكثر عداء للسلطة، وأقل حبا وتقبلا من قبل نظراتهم وبالنسبة لأعمالهم المدرسية فإنهم كانوا أكثر ميلا للتشتت كثيري الأحلام -أحلام اليقظة- والجدير بالذكر فإن هذه المشكلات الاجتماعية والعملية كانت تعكس مشاكل عاطفية كامنة.

علاقة الوالد بالابن الجانح:

تشير الدراسات النفسية أن العامل الأكثر أهمية في جنوح المراهقين يتمثل في علاقات المراهق بوالديه، وتوضح هذه الدراسات التكنيكات. والوسائل المبكرة المنتظمة التي أخضع لها الجانحين، فعادة ما تكون صارمة متضمنة العقاب الجسمي، وذلك بدلا من المنافسة مع الابن بخصوص سوء تصرفه، وقد تتسم علاقة الأب والابن الجانح بالعدونية المتبادلة، وافتقاد الترابط الأسري والرفض الأبوي وعدم المبالاة أو فتور الشعور، وقد يكون آباء الجانحين ذووا طموحات مزدوجة للأبوة بالنسبة لأبنائهم، فقد يكونوا عدوانيين أو غير ميالين تجاه المدرسة، أو قد يكون لديهم مشكلات شخصية متنوعة خاصة بهم، وعموما فقد اتسم هؤلاء الآباء بالقسوة والإهمال والميل إلى توبيخ أطفالهم خاصة الذكور، كما اتصفوا بعدم الود والتعاطف تجاه أولادهم، وبالتالي فإن المراهق في هذا الجو الأسري قلما تكون له روابط وثيقة بأبيه وبالتالي يفتقد المثل الأعلى والقدوة في حياته.

كما أن أمهات المراهقين الجانحين عادة ما يتسمن بالإهمال، وعدم القدرة على الإشراف لأطفالهن ومراهقيهن، والعدوانية واللامبالاة، ولا يتسمن بالعاطفة والود تجاه أولادهن، كما إن البيوت المنشقة المتصدعة أي التي فصل الطلاق فيها بين الزوج والزوجة وجد أنه عاملا هاما في جنوح الأطفال والمراهقين.

وبمجرد أن يبدأ المراهقون أخذ الموعد مع الجنس الآخر فقد يجابهون بمشكلة أخرى وهي كيف يتعاملون معه، وتشير نتائج دراسات Berger & Simon؛ "1976" أن المراهقين عادة ما يخبرون الصراع فيما يتعلق بالأمور الجنسية فأي منهما "المراهقون أو المراهقات"، يجب عليه أن يبدأ في التعرف على الآخر، والمخاطرة التي يكتنفها رفض أحد الجنسين

ص: 558

إلى الجنس الآخر، وعموما فإن هذه الأمور عادة ما تتأثر بتوقعات جماعة المراهق من جهة، وكذلك بمعايير الآباء من جهة أخرى، وكلما كانت القيود الأخلاقية التي يحياها المراهق أكثر شدة وصرامة، كلما كانت محاولاتهم في استكشاف الجنس الآخر مشوبة بالقلق والتوتر، أو قد يفضح أمرهم أو يشعرون بالذنب في كونهم يفعلون شيئا منافيا للأخلاق العامة.

وعندما نتأمل مصادر تعلم المراهقين للأمور الجنسية، ففي عام "1975" أشارت نتائج دراسة Thornburg أن ما يقرب من 40% من المراهقين الذين أجريت عليهم الدراسة اتضح أنهم قد حصلوا معلوماتهم الأولى عن الجنس من جماعة الرفاق، وما يقرب من 20% قد حصلوا من القراءة. والجدول رقم "4" يشير إلى هذه المصادر التي يستقي منها المراهق معلومات الأولية عن الجنس بالنسبة للذكور والإناث، ويتضح من هذه البيانات أن المراهقات يتلقون أغلب معلوماتهن عن الجنس من أمهاتهن أكثر مما نجد ذلك بالنسبة للمراهقين، وهذا يتضمن المعلومات التي تشير بها الأمهات إلى بناتهن عن نزول الطمث الأول، ويستطرد ثورنبرج أن بيانات دراسته لا تختلف كثيرا عن نتائج الدراسات التي أشارت إلى مصادر معلومات المراهقين والمراهقات عن الجنس منذ عشرين أو ثلاثين سنة مضت.

جدول رقم "4"

يوضح مصادر المعلومات الأولية عن الجنس بالنسبة للمراهقين والمراهقات "بالنسبة المئوية".

إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ص: 559

الجنسية والأمن والألفة:

لقد وصف هاري ستاك سوليفان Sullivan؛ "1953" الضغوط والتوترات الجنسية الغيرية في مفهومه عن الحاجات المتفاعلة للجنسية والأمن والألفة، فتشير الجنسية إلى الحوافز الجنسية، كما يشير الأمن إلى الحرية من القلق، وتعزى الألفة إلى العلاقات القوية المشتركة بين الأفراد، ويشير سوليفان أن تعلم إشباع هذه الحاجات الثلاثة يشكل أهمية خاصة للنمو والتي تقوم في جوهرها داخل العلاقات والتفاعلات البيشخصية "بين الأشخاص"، وذلك بدون حدوث الإهمال لأي من هذه الحاجات أو التصارع مع حاجات أخرى.

الجنسية في مقابل الأمن:

يشير سوليفان أن الشكوك الجنسية التي تبدأ في منتصف فترة المراهقة عادة ما تظهر صراعات بين الحاجة للجنس والحاجة إلى الأمن، فمعظم المراهقين قد يتعلمون التعامل مع الجنس بواسطة طريق لا تسبب لهم القلق، حيث يتم ذلك بالنسبة لأغلبهم في مجرى خبراتهم للالتقاء مع الجنس الآخر، ومع ذلك فإننا نجد المراهقين الذين يتسمون بعدم الأمان في التعبير عن حوافزهم الجنسية قد يتجنبون الجنس الآخر أو يسعون لبناء العلاقات الأفلاطونية وهي نماذج من العلاقات الأخوية مع الفتيات. وجدير بالذكر فإن الأشخاص التي تستمر معهم هذه الصراعات بين الجنسية والأمن أثناء مرحلة الرشد غالبا ما يميلون إلى عدم الزواج، كما أن تجمعاتهم عادة ما نجدها تخلو من العناصر النسائية.

وأحد جوانب الجنسية والتي غالبا ما تسبب القلق بين المراهقين هي الاستمناء Masturbation "أو العادة السرية"، وتشير نتائج دراسة Gagnon؛ "1970" أن ذلك قد يكون منتشرا بين مراهقي المدرسة الثانوية أكثر من انتشاره بين المراهقات، كما يشير الجدول رقم "5"، ويعزى سبب ذلك إلى اختلاف نوعية الخبرة التي يخبرها كل من المراهقين والمراهقات عند البلوغ، فبالنسبة للذكور عادة ما نجدهم يميلون إلى التفكير بصورة أكبر في نضجهم الجسمي عن طريق النشاطات الجنسية المتنوعة في حين نجد الإناث يملن بصورة أكبر إلى التفكير الرومانسي والحب Gagnon & simon؛ "1972"، وعلى الرغم من أن ما يقرب من 80% من الذكور موضوع الدراسة أشاروا إلى أنهم يمارسون العادة السرية مرتين أو أكثر أسبوعيا، إلا أننا يجب أن نشير أن عدد المرات ليس مهما بقدر ما يصبح المراهق منهمكا ومشغول البال بهذه العادة لدرجة أنه لا يستطيع أداء أي شيء آخر سواها.

ص: 560

جدول رقم "5"

يوضح مدى تكرار الاستمناء أو العادة السرية بين تلاميذ وتلميذات المدرسة الثانوية

إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وهذه النقطة سابقة الذكر تحتاج إلى بعض من التوضيح، فالاستمناء أو العادة السرية كانت وما تزال موضوعا من موضوعات المنع أو التحريم الديني، ومصدرا من مصادر الخوف، وكذلك الخوف من الضعف الشديد وفقدان حيوية الجسم، وكذلك التحذير العنيف الذي يشير بأن فاعلها سوف ينتهى به الحال إلى الجنون، فبهذه الخرافات والتحذيرات التي تكتنف هذه العملية، ومع محاولة منع الآباء مراهقيهم من إتيان هذه العادة السرية فإن كثيرا من أجيال المراهقين قد عانوا من الشعور بالذنب والقلق تجاه هذه المسألة Kneil، N؛ "1964"، بالإضافة إلى المؤشرات الدينية التي تكون مصدرا من مصادر قلق المراهقين والمراهقات، وعموما فإننا نستطيع القول بأنه لا يوجد أي دليل قاطع يشير أن الاستمناء أو العادة السرية يسبب أي نوع من الأضرار الجسمية أو النفسية، باستثناء مشاعر الذنب التي تستحوذ على الشخص بأنها شيء سيئ ومن الخطأ ارتكابها.

الألفة أو المودة في مقابل الجنسية:

المودة والألفة تكون ذات أهمية كبيرة في العلاقات الجنسية الغيرية أثناء فترة المراهقة المتأخرة، وعلى الرغم من الميل المتزايد للجنس الآخر قبل هذه الفترة، إلا أننا عادة ما نجد للمراهقين أصدقاء مقربين إليهم مؤتمنين على أسرارهم من نفس نوع جنسهم وفي هذه الفترة نجد كلا من المراهقين والمراهقات يميلون إلى أن يكونوا أصدقاء، ويتقاسم كل منهم في الهوايات والمخاوف ويلجأ كل منهم إلى الآخر للراحة والتدعيم.

ص: 561

ويأملون استمرار علاقاتهم في المستقبل، وعندما يتمكن كل من المراهق والمراهقة أن يكون الصديق المفضل بالنسبة لكل منهم الآخر بالإضافة إلى الثقة به حينئذ يشير إريكسون بأنهم يحصلون قدرة ناضجة للألفة أو المودة للجنسية الغيرية.

وأثناء نمو هذه الخاصية نجد المراهقين الأكبر قد يمرون بعملية تبديد وصرف الصراعات التي تنتابهم بين المودة، أو الألفة من جانب وحاجاتهم الجنسية والأمن من جانب آخر، ففي وقت مبكر من خبرتهم للجنسية الغيرية غالبا ما يعمل المراهقين تمييزا بين النماذج الجنسية، فهناك الشخص الذي يود المراهق أن تكون بالقرب منه لاحترامه لها، وهناك الأخرى التي لا يعجب بها ولكنه يصادقها لأي غرض ما، ولكن سرعان ما تنتهي هذه العلاقة بالحصول على الهدف أو الغرض الذي يسعى إليه، ولكن عندما يرافق المراهق أو المراهقة شخص آخر والذي حقيقة يهتم به ويحترمه، فإن علاقاتهم عادة ما تكون علاقات نظيفة وثابتة، وعموما فإن حل هذا الصراع الذي ينتاب المراهقين يتأثر بطبيعة الحال بالقيم الاجتماعية بالإضافة إلى تأثره بنمو شخصية المراهق أو المراهقة بمعنى أنه كلما كانت نظرة المجمع للعلاقات الجنسية فيما قبل الزواج كعلاقات دنسة محرمة كلما وجدنا المراهقين يعملون تمييزات سريعة بين العلاقات الطاهرة والأفلاطونية والعلاقات الجنسية الدنسة.

ويشير إريكسون أن المراهقين والمراهقات الذين لم يتمكنوا من دمج الجنسية والمودة أو الألفة في علاقة مع شخص ما من الجنس الآخر قد نجدهم يدخلون مرحلة الرشد بتمزق نفسي Split فيما يتعلق بهذا الأمر، فكثيرا ما نجد راشدين يكون لديهم حياة جنسية نشطة إلا أنهم لا يتزوجون أبدا أو يتزاوجون ولكن يكون لديهم حياة جنسية محدودة جدا، أو قد يكون لهم زيجات كن شركاء لهم في حياة جنسية قبل الزواج، وبالتالي لا يحترمونهم أو يميلون إليهم.

الألفة أو المودة في مقابل الأمن:

لكي تتحد الألفة أو المودة للجنسية الغيرية من حاجاتها الأمنية، فيجب على المراهقين إعادة توجيه ارتباطاتهم الحميمة المبكرة نحو أعضاء من الجنس الآخر، فالمراهقون الذين كان لديهم علاقات صداقة حميمة قليلة قد لا يشعرون بالراحة في قربهم من أفراد الجنس الآخر، وحيث

ص: 562

أن المودة أو الألفة تهدد أمنهم نجدهم بالتالي يشعرون بالمعاناة النفسية من الابتعاد هذا، ومن الانعزالية والعلاقات السطحية مع عدد كبير من الأفراد، وقد نجدهم يعملون صداقات عاطفية قوية مع عدد قليل جدا من الأصدقاء المقربين أو ما يسمى بالصديق أو الصديقة المتفرد.

وقد يشعر مراهقون آخرون بالأمن في العلاقات الحميمة التعاونية مع أعضاء من نفس جنسهم، إلا أنهم يفتقدون العلاقات مع الجنس المغاير لهم، والمراهق الذي لا يصل إلى حل هذا النمط من الصراع قد يصبح راشدا إذا تزوج أو تزوجت، لا يمكن أن ينظر إلى قرينه على أنه صديق حميم مقرب إليه مؤتمن على أسراره، ولكن نجد هؤلاء الأفراد يقصرون العلاقات الزوجية على الجنس وأعمال المنزل وأدوار تربية الطفل وفي نفس الوقت يعتمدون على آبائهم أو الإخوة والأصدقاء من نفس نوع جنسهم يناشدون تقديم يد العون والنصح والمشاركة ومناقشة أمورهم الشخصية.

الاتجاهات نحو الآباء:

كلما أصبح المراهقون أكثر استقالا وأكثر نضجا اجتماعيا، نجد اتجاهاتهم نحو آبائهم عادة ما تتغير، فالميل المتزايد والتعاطف الذي يعطيه المراهق لجماعة الأقران ولنشاطات الجنسية الغيرية خاصة عندما يبدأ في الارتباط الثنائي بصورة شديدة، هذا يعني بأن المراهق ليس لديه إلا القليل لكي يعطيه لأبويه، وبالتالي يجب على الآباء أن يتعلموا التخلي عن بعض عواطفهم تجاه أطفالهم، ومن جانب آخر فعندما يتحقق المراهق أن أبويه يشعرون بالاستياء والتضرر نتيجة استبدالهم بموضوعات حب أخرى نجد عادة ما يشعر بالذنب وبالتالي يحاول أن يبرر لذاته أسباب الارتباط النامي الذي يحدث له خارج المجال الأسري.

وتشير نتائج دراسة Joseph؛ "1969" أن المراهقين قد يتصورون في بعض الأحايين أسباب مقبولة ظاهريا في الانصراف عن آبائهم، فكثيرا ما نسمع منهم بأن آباءهم قد أصبحوا غير ذي جاذبية لهم، كما نجد بعض المراهقين خاصة في منتصف فترة المراهقة قد يصبحوا ناقدون بصورة شديدة لنهر آبائهم من الجنس الآخر، فقد نجد الذكور يتذمرون أو يدمدمون عن هيئة شعر أمهاتهم وملابسهن، ووزنهن ومكياجهن، كما قد نجد الإناث يتذمرن بأن آبائهن قد فقدوا شعورهم أو أصبح لديهم بطن كبير أو أنهم يلبسون ملابس عتيقة الطراز أو مهملة.

ص: 563

كما قد يجد المراهقون كثيرا من الأفعال الخاطئة أو غير الصائبة في أنماط سلوك آبائهم، فقد يشيرون إلى أن آباءهم يدخنون بكثرة أو أنهم يمارسون ضبطا وتحكما عليهم أكثر من اللازم، أو أن لهم أصدقاء غير متحضرين، أو أنهم أصبحوا لا يتسمون بالجاذبية، وأنهم يحولون الحياة إلى حياة مملة سئيمة، وهكذا، وهذه الانتقادات لا تعني بالضرورة تقليل حب المراهق لأبويه، إلا أنها تعني إشارة المراهق إلى أن أبويه قد أصبحوا من جيل مختلف عن جيله وأن لهم نظرة مختلفة، وبالتالي فإن الآباء يجب ألا يشعروا المراهق بالإحساس بالذنب في بحثه وسعيه لارتباطات رومانسية مشبعة والاستمتاع بها داخل جيله أو جيلها.

وبالإضافة فإن هذه الانتقادات الظاهرية لا تعني أن قيم المراهقين الأساسية متعارضة مع قيم الآباء، أو أنها تعني تقليل تأثير الآباء على المراهقين، وكما أشرنا فيما سبق أن المراهقين يتطابقون بصورة كبيرة لتأثير رفاقهم خاصة في المراهقة المبكرة، إلا أن هذا التطابق والتماثل يميل إلى الانخفاض التدريجي من سن 12: 21 تقريبا، وعلى الرغم من أننا نجد المراهق في فترة مراهقته الوسطى قد يقضي وقتا أطول مع جماعة الرفاق إلا أنه يصبح أقل تأثرا بهم عن ذي قبل، وجدير بالذكر فإن المراهقين الذين يسيرون على صورة متناقضة مع هذا الميل العام، ونلاحظ استمرارية تأثرهم بجماعة الرفاق يمكن أن نفسر سلوكهم هذا لأحد الأسباب الآتية كما تشير نتائج دراسة Mc Ghee وآخر "1967".

أ- قد يشعرون بعدم تقدير ذواتهم، وبالتالي يلجئون إلى جماعة الرفاق لكي يحظوا بما افتقدوه داخل أسرهم.

ب- أو قد يشعرون بأن الآباء لا يمدونهم بالتوجيه والإرشاد الكافي. وبالتالي تجدهم يعتمدون على جماعة رفاقهم لكي يملئون هذا الفراغ الأبوي.

وتشير نتائج دراسة Von & Others؛ "1969" أن تأثر المراهق بأبويه يختلف إلى حد ما مع الموقف، فمثلا فإنه يميل بصورة أكبر إلى الاستماع لأبويه أكثر من جماعة رفاقه في بعض الأمور الخاصة بمستقبله التربوي، وأهدافه وتخطيطه المهني، بالإضافة إلى كيفية تعامله مع العلاقات الشخصية المتبادلة بينه وبين الآخرين، ومن جانب آخر نجده يميل

ص: 564

بصورة أكبر إلى جماعة الرفاق في ثمة أمور كالملبس وكيفية التعامل مع الأقران، وكيفية قضاء وقت الفراغ، وكلما تدرج المراهقون في عمرهم الزمني نجد انخفاض تأثير كل من الوالدين والرفاق عليهم، حيث يصبحون أكثر ثقة بذواتهم، وفي قدراتهم في عمل القرارات، ونجدهم في نفس الوقت يهتمون بتقييم آراء رفاقهم وآبائهم والراشدين من حولهم. وعموما فالمراهقون الأكبر سنا عادة ما نجدهم يفكرون بصورة متزايدة بأنفسهم ويثقون في أحكامهم، وثمة استقلالية قد صورها مراهق أثناء فترة مراهقته الأخيرة إذ يقول:"إن التطابق والتماثل مؤداه أن تفعل لكي تحتفظ بأبويك من التذمر أو الشكوى منك، بينما تقرر بعقلك ماذا تريد أن تقوم به حقيقة".

تكامل الهوية الشخصية:

أشرنا في الفصول السابقة إلى عملية تكوين الهوية منذ فترة الرضاعة حيث يتعلم الرضع التعرف على ذواتهم كأشخاص مميزين عن الأشخاص والأشياء الأخرى من حولهم، وأثناء سنوات ما قبل المدرسة عندما يصبح كل من الذكور والإناث على دراية باختلافاتهم الجسمية الجنسية، وفي فترة الطفولة الوسطى حيث يتبنى الأطفال الأدوار المميزة لنوع جنسهم، كما يتعرفون على قدرات كل منهم ومواهبهم وميولهم؛ ولكن نجد في فترة المراهقة عملية تكوين تصور واضح يكون متسقا لذات الفرد يصبح على درجة من الأهمية الكبيرة خاصة أثناء فترة المراهقة المتأخرة، وتأوج هذه العملية في تكامل شعور الهوية الشخصية للمراهق.

ويعتبر إريكسون من أوائل العلماء الذين أشاروا إلى دور تكوين الهوية في نمو المراهقة حيث عرف نهاية فترة المراهقة بأنه الوقت الذي يصبح فيه المراهقين متأكدين بصورة معقولة فيما يعتقدون فيه بالإضافة إلى وضوح بصيرتهم فيما يريدون عمله في حياتهم فالإحساس بالهوية الشخصية يعتبر نتاج كل ما تعلمه المراهقون عن أنفسهم في أدوارهم المختلفة كتلاميذ، كأبناء، كرياضي، كموسيقى، كصديق، كعضو في جماعة دينية ككاتب في متجر، وهكذا، وبمجرد أن يحصل المراهق هذه النظرة المتكاملة لأدواره ولميوله ولقدراته واتجاهاته بالإضافة إلى تأثير الأشخاص الآخرين، كل ذلك يعطي المراهق الإحساس بالاستمرارية مع ماضيه ويساعده على الإعداد لمستقبله.

ص: 565

ولا يعني ما سبق ذكره أن المراهقين في فترة مراهقتهم المتأخرة يعملون اختيارات ثابتة ودائمة لأهداف الحياة المتنوعة ونظم قيمهم، وعلى النقيض من ذلك فالهوية الشخصية في جوهرها عملية نامية تتغير كلما تقدم العمر الزمني حيث يتعلم الفرد أشياء جديدة، ويجد أدوارا مختلفة، ويشير إريكسون Erikson؛ "1956" أن فترة المراهقة المتأخرة تعتبر بمثابة الوقت الذي يكون فيه المراهق الإحساس بهويته، بغض النظر في كونها قد تتغير فيما بعد، إلا أنها تبدأ في اتخاذ الشكل الاتساقي والتي تعطي الإحساس للمراهقين، وكذلك توفر لهم المعنى والتوجيه لحياتهم. وفي نمو الإحساس بتكامل الهوية، عادة ما نجد المراهقين يقضون سنوات عديدة في التفكير والتأمل ويحاولون سلسلة واسعة من الأدوار والأيديولوجيات فقد نجدهم يفكرون في أنماط أعمال مختلفة وإمكانياتها أو احتمالات المهنة، كما يعقدون صداقات عديدة مع أشخاص مختلفين، ويتأملون مثاقب فلسفات اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية مختلفة. وبسبب التصينف السريع الذي يفعله المراهقين وغير المتروي لأنماط العمل وللأصدقاء ولرفاق الحياة ولفلسفة الحياة التي يريدون الارتباط والتمسك به، إلا أنهم دائما ما يغيرون تفكيرهم فيما يحبونه أو يريدون القيام به، والأشخاص الذين يحبون أن يكونوا معهم وكذلك في استجاباتهم للمواقف المختلفة، وعلى ذلك فإن الأنماط السلوكية في فترة المراهقة عادة ما تكون متنبأ ضعيفا عما سيفعله المراهق، إذا قورنت بفترة طفولته المتأخرة وعادة ما نجدهم يتسمون بعدم التأكد فيما يبحثون عنه أو يقصدوه كنموذج متسق للحياة.

والحقيقة التي مؤداها أن المراهقين يقضون سنوات عديدة حتى يتم لديهم نمو هوية متكاملة أدى ذلك إلى اعتقادين واسعين، إلا أنها في جوهرها تعميمات غير مناسبة لنمو المراهقين وهما:

أ- أن المراهقين العاديين يمرون خلال أزمات للهوية، وعادة ما ينتج عواصف وغضب وضغط أثناء محاولاتهم لتحقيق هويتهم.

ب- وبسبب هذا الاضطراب والاهتياج النفسي، نجد استمرارية ضعيفة بين ما يحبه الأشخاص كمراهقين وبين ما يحبونه أو يميلون إليه كراشدين.

ص: 566

وقد أشار إريكسون وكتاب في التحليل النفسي وآخرون: إن المراهقين يجب أن يخبروا اضطراب أو اهتياج داخلي عظيم لكي يصبحوا راشدين متكيفين بصورة جيدة ويبلغوا النصح النفسي Freud white.R.B؛ "1973"، إلا أن وجهات النظر هذه عادة ما تبنى على الخبرة الإكلينيكية مع المراهقين المضطربين والذين يلتمسون العلاج لمشكلاتهم السيكولوجية، إلا أن الدراسات الأخرى على المراهقين الذين اختيروا بطريقة عشوائية سواء كانوا بالمدارس الثانوية أو العالية وليس من هؤلاء الذين كانوا تحت المعالجة السيكاترتية، أشارت إلى صورة مختلفة في أن أغلب المراهقين يتقدمون في نموهم بطريقة هادئة نحو تكامل هويتهم بدون أن يخبروا أزمات كما توجد الاستمرارية الفعلية بين شخصياتهم كمراهقين وكراشدين.

تحقيق الهوية وأزمة الهوية:

ساعدت دراسات James Msrcia؛ "1966-1970"، وزملاؤه على تفسير عملية تكوين الهوية، فعادة ما يوصف مركز الهوية، فعادة ما يوصف مركز الهوية عندما يعمل الشخص تعهدا أو وعدا ذا معنى لعمل ما أو تجاه نظام من القيم أو نحو أيديولوجية معينة، ويمكن إيجاز ذلك على النحو التالي.

تحقيق الهوية Identity Achievement:

تتمثل في تعهد الشخص بأداء عمل من الأعمال قد اختاره من بين احتمالات عديدة ذات اعتبارات بالنسبة له، كالارتباط والتعهد لأيديولوجية معينة بعد إعادة تقييمها، وحل المعتقدات السابقة، ويشير ذلك إلى أن الشخص قد أصبح الآن حرا بصورة حقيقية في أن يفعل أو يؤدي أي عمل من الأعمال.

تعويق الهوية Identity Foreclosure:

وتتمثل في الوعد أو العهد غير الناضج للأهداف والمعتقدات التي اقترحت بواسطة أشخاص آخرين "وعادة" ما تكون عن طريق الآباء، وذلك بدون أن يكون للشخص خيارات معينة وكذلك دون الوضع في الاعتبار الخيارات الممكنة الخاصة به أو بها.

انتشار الهوية Identity Diffusion:

والشخص الذي يتسم بانتشار أو تشتت الهوية عادة ما يتصف

ص: 567

بالتقدير المنخفض لذاته، وكذلك بالعلاقات الشخصية السطحية مع الأشخاص الآخرين.

توقيف أو تعليق الهوية Identity Moratorium:

يتصف هذا الشخص بالقلق والتقدير المنخفض للذات والعلاقات السطحية مع الآخرين ويتسم بعمل الوعود والتعهدات الأعلى من إمكاناته الشخصية ولقد أشارت نتائج كروس وآلان Cross J. & Allen؛ "1970"، والتي طبقت على الطلاب الجدد بالكليات الجامعية، أن هذه المراكز الأربعة سابقة الذكر كانت موزعة بالتساوي بين طلاب الكلية، بالإضافة إلى ارتباطها ببعض الاختلافات في وظيفة الشخصية، فالطلاب ذوو الهوية الإنجازية مالوا إلى الأداء الجيد في المهام والواجبات العقلية كما كانوا أكثر ثقة بذواتهم وتعويلا عليها، وأقل قلقا، كما كان لديهم قدرة أكبر لإقامة العلاقات الشخصية التبادلية الوثيقة مع الآخرين، إذا ما قورنوا بالمجموعات الثلاثة الأخرى، الذين كانوا عادة ما يضعون أهدافهم مرتفعة لأنفسهم وغير واقعية، كما كانوا يميلون إلى القسوة والصرامة وبالتالي وجد أن مستوى أدائهم كان أقل من المجموعة الأولى، حيث كانوا أقل فعالية في إنجاز المهام والواجبات العقلية، وعادة ما يقدمون تقديرا لذواتهم مبالغا فيه والذي ينهار عند مجابهتهم التحديات وبالتالي يصبحون متورطين في علاقات مقولبة سطحية مع الآخرين، وعموما فإن الطلاب الذين كانوا يتصفون بتعليق الهوية MORATORIUM عادة ما كانوا أكثر قلقا من المجموعات الأخرى، كما أن الطلاب الذين كانوا يتسمون بانتشار الهوية كانوا متشابهون إلى حد ما مع مجموعة الهوية المعوقة FORECLOSURE بتقديرهم المنخفض لذواتهم والعلاقات البيشخصية السطحية.

وتشير نتائج دراسة WATERMAN & OTHER؛ "1971" إلى أنه على الرغم من أن مراكز الهوية تساعد على تفسير السلوك اللاحق في أي وقت، إلا أنها تعتبر بمثابة طور أو مرحلة PHASE لنمو شخصية المراهق ولا تعتبر سمات دائمة، فمثلا قد يظهر المراهق هوية إنجازية فيما يتعلق بالمهنة المستقبلة، وفي نفس الوقت يظهر هوية متوقفة فيما يتعلق بأنظمة المعتقدات العامة، كما أن المراهقين قد يغيرون مركز هويتهم أثناء مرحلة دراستهم الجامعية، وعادة ما يميل المراهقون إلى التحرك نحو الهوية الإنجازية وتوضح نتائج هذه الدراسة مدى التغيرات التي حدثت في مركز

ص: 568