الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنماط السلوكية التوجيهية:
يجرى الأطفال الرضع اتصالات اجتماعية من خلال عدة أنماط سلوكية إشارية توجيهية، وهذه الأنماط هي.
- التحديق أو النظرات المحدقة.
- الخرير.
- التقليد أو المحاكاة.
ومع تدرج الطفل في نموه، نجد كلا من هذه الأنماط السلوكية يتأثر بخبرات الطفل، وكل منها يصبح متجهًا نحو الأفراد وليس إلى موضوعات أو أشياء، وكذلك نحو أفراد معينين دون سواهم.
الصياح Crying:
يعتبر صياح الرضيع من الناحية الواقعية أول تأثير يعملونه في بيئاتهم، وخلال الأشهر الأولى من حياة الرضيع نرى الصياح يعتبر بمثابة الطريق الأساسي الذي يشير به إلى حاجاته، ويختلف الصياح عن باقي الأنماط السلوكية الاجتماعية الأخرى في وجهين أساسيين، فالتحديق والخرير والابتسام والتقليد أنماط سلوكية تبادلية مرغوب فيها حيث نجد التشجيع من الآباء، بالإضافة إلى استمتاعهم بها، والصياح على نقيض ذلك لا يكون مشتركًا بين الرضيع ومن حوله، ولا يرضى الآباء بالإضافة إلى أنهم لا يشجعون الرضيع عليه.
والصياح أكثر من أي نشاط آخر في حياة الطفل المبكرة يجلب الآباء بجانب الرضيع، ويستحوذ على انتباههم، وهذا الانتباه يمكن أن يترجم في تغذية الرضيع، أو تغيير حفاضته، أو حمله والإمساك به، والرتب عليه وملاطفته، وكل هذه الأفعال يمكن أن توقف صياح الرضيع، ويشير Bell، أن التقاط الرضيع وحمله يوقف الصياح إذا قورن بأي نشاط آخر.
والأطفال في حياتهم المبكرة يصيحون عندما يشعرون بالجوع أو الألم، ويشير Wolf؛ "1969" أن هذين النوعين من المضايقة يثيران أنواعًا مختلفة من الصياح، إذ إن الصياح المتدرج والمتواتر والإيقاعي "أي المتكرر على نحو نظامي" عادة ما يرتبط بالجوع، أما الصياح الفجائي غير المنتظم عادة ما يعني الألم، وعمومًا فصياح الرضيع الصغير كثيرًا ما نجده لا
يوصل إحساسه، وعلى الرغم من أن الأمهات قد يعتقدن أنهن بأمكانهن معرفة ما يزعج أو يقلق رضيعهن من أصواتهم، إلا أن هذه المعتقدات عادة ما تبنى على ما يعرفونه من حالات أطفالهن في وقت الصياح "كالفترة الطويلة التي قضيت بين آخر مرة أطعم فيها الرضيع" وذلك أكثر من طبيعة الصياح الذي يسمعونه، ومن جانب آخر نجد Formby؛ "1967" يشير أن الرضع لديهم صياح مميز، كما أن كثيرًا من الأمهات قادرات على التعرف لصياح أطفالهن في صورة مبكرة جدًا من ولادتهم، أي بعد 48 ساعة من الولادة.
وأثناء السنة الأولى من حياة الرضيع يبدأ تدريجيًا في الصياح لفترة قصيرة من الوقت، ويستعمل الصياح بغرض الاتصال مع الآخرين خاصة الأم، ويشير بيل Bell واينسورث Ainswort؛ "1972" أن الرضع الذين يزيدون على ثلاثة أشهر يقضون وقتًا أطول في الصياح عندما يكونون بمفردهم إذا ما قورن ذلك بوجود أمهاتهم أمام ناظريهم، أو في حالة إمساكهم واحتضانهم، ويشيران كذلك إلى أن الرضع ما بين 9-12 شهرًا يصيحون لمدة أطول عندما يرون أمهاتهم ولا يستطيعون التعلق أو الإمساك بهن، إذا ما قورن مدة صياحهم عندما يكونون بمفردهم، وعلى ذلك فالصياح ابتداء عادة ما يجب أو يستثار بواسطة الإزعاج أو المضايقة وتكون له صيغة اجتماعية فقط بطريق الصدفة. ويصبح عند نهاية العالم الأول شكل من أشكال الاتصال، حيث يوجهه إلى أفراد معينين يكونون على مقربة من الرضيع ويميلون لإتيان استجابة اجتماعية نحو الرضيع.
ويشير بيل وانيسورث "1972" كذلك أن صياح الطفل عندما يصل سنه إلى عام غالبًا ما يكون أقل بـ50% من صياح ذي الثلاثة أشهر أي إن الرضيع يقل وقت صياحه كلما تدرج به العمر الزمني، وكلما قل الصياح كلما أصبح لدى الآباء وأطفالهم فرصة أكبر ووقت أطول لتبادل الأنماط السلوكية المشتركة والسارة الممتعة لكلا الطرفين، كالنظرات المحدقة، والابتسام، والثرثرة، والتقليد والمحاكاة، وهذا ما سنوضحه في ثنايا الصفحات التالية.
التحديق Gazing:
تعتبر النظرات المحدقة أول نمط سلوكي يتجه الرضيع به إلى عالمه، ويبدأ في أخذ المعلومات والبيانات عنه، وتشير النظرة الكلاسيكية إلى أن
الرضيع يدرك عالمه كهدير مشوش ذو طنين وأزيز، وتشير الدراسات منذ عام 1960 أن الأطفال يولدون ولديهم قدرة نامية عالية على الرؤية، كما ذكر وولف Wolf؛ "1967" أن الرضع يمكنهم تركيز أعينهم على موضوعات وأشياء بعد بضعة أيام من ولادتهم، ويستطيعون تتبع الأشياء بأعينهم، وأن يشيروا إلى الاختلاف بين الأشياء عن طريق أحجامها، وأشكالها في أسابيعهم الأولى، ويستطرد أن الرضع الصغار في أسبوعهم الأول يميلون إلى تفضيل النظر إلى الأشياء والأشكال ذت النموذج Patterned عن الأشكال المنبسطة اللمساء، وكذلك يفضلون المثيرات الغريبة غير المألوفة.
وهذه التفصيلات الإدراكية تساعد الرضع على التوجه نحو الأشخاص في عالمهم، حيث أن المثيرات الأكثر تركيبًا وتغييرًا التي يرونها هي الوجوه المتحركة لآبائهم والأشخاص الآخرين الذين يعنون بهم، ويفضل الرضيع عندما يصل إلى أسبوعه الرابع النظر إلى الوجوه أكثر من الأشياء أو الموضوعات، وفي الشهر الرابع والخامس عندما يكونون قادرين على إجراء التمييزات الإدراكية الدقيقة ينظرون إلى وجه الأم مفضلونه عن سار الوجوه الأخرى Carpenter؛ "1974"، وولف Wolf "1963".
وعندما يبدأ الرضيع التحديق بثبات على الوجه، خاصة على عيون الراشدين من حوله، حينئذ نجد نوعًا خاصًا جديدًا من العلاقة ينشأ بين الرضيع وأمه، فاتصال العين بالعين يعتبر بمثابة خبرة انفعالية عاطفية، وتقرر كثير من الأمهات أنه بنهاية الشهر الأول تقريبًا يشعرون بنظرات الرضيع الحقيقية إليهن، باعتبارهن أشخاصًا ولسن أشياء أو موضوعات، ومع بداية عملية التحديث لوجه الأم تصبح خبرة الأم محملة بكثير من المشاعر والأحاسيس القوية نحو رضيعها، وتعمل على ازدياد البهجة والسرور في نفسها وبالتالي العناية برضيعها.
وبجانب ما للتحديق من إنشاء وتعزيز العلاقات الاجتماعية، فإنه يعطي الرضيع بالإضافة إلى ذلك أول فرصة في أن يمارس الضبط والتحكم في التعامل مع الآخرين، ونرى الرضيع عندما يصل إلى الشهر الرابع تقريبًا يصبح خبيرًا في التركيز وتحويل أو تجنب عملية التحديق، ويشير White وآخرون "1964" أن التحديث يثير استجابات الآخرين حول الرضيع، وبواسطة التعلم نجده يغلق عينيه وينظر بعيدًا، ليس فقط بهدف
تنويع كمية ونوع المثيرات الإدراكية التي يستقبلها، ولكن لكي يحدد الاتصالات الاجتماعية التي يجدها ويشعر أنها تطفلية إقحامية، أو مستثارة بدرجة عالية.
الابتسام Smiling:
أ- الابتسام الانعكاسي Reflexive Similing.
ب- الابتسام الاجتماعي غير الانتقائي Unselective Social Smiling.
ج- الابتسام الاجتماعي والانتقائي Selective Social Smiling.
نجد الرضيع منذ الميلاد يبتسم تلقائيًا في الاستجابة لحالاته الداخلية المتنوعة، ويمكن أن يظهر الابتسامة خلال الشهر الأول بواسطة صوت مرتفع، وخاصة صوت الأنثى. وهذه الانعكاسات الابتسامية تكون سريعة الزوال ولا تكون مشكلة ذات نموذج معين، ومع ذلك فإنها تصدر نتيجة الدفء العاطفي أو العناية الاجتماعية.
وتتغير الابتسامة بصورة فجائية ما بين الأسبوع الرابع والسادس من عمر الرضيع، إذ نجدها تستمر لفترة أطول من الوقت، ويبتسم بصورة أكثر اتساعًا، كما تتشكل الابتسامة وتظهر على التغييرات الوجهية التي تضيء عيون الرضيع، ويشير كل من Spiz & Wolf؛ "1946" Ambrose؛ "1961" إن ابتسامة الرضيع تتغير من الابتسامة الانعكاسية في الاستجابة إلى الأصوات أو الحالات الداخلية، إذ تميل الابتسامة بالاستجابة إلى الحركة والنشاط والوجوه المصحوبة بالأصوات الإنسانية.
وهذا التعبير الدافئ في الابتسام الاجتماعي يظهر في نفس الوقت الذي نجد الرضيع يفضل فيه النظر إلى الوجوه أكثر من الموضوعات أو الأشياء من حوله، وأن يشترك في حديث متبادل مع الأشخاص من حوله، وعلى الرغم من شعور الأم وإحساسها بأن رضيعها يدرك ابتسامتها الاجتماعية في الشهور المبكرة من ولادته، إلا أن هذه الابتسامة تكون في أول مراحلها غير انتقائية بمعنى أن الرضيع يبتسم بسهولة إلى وجوه
الأغراب كما يكون الحال بالنسبة إلى وجوه أعضاء أسرته، وبعد خمسة أو ستة أشهر الأولى يستطيع الرضيع تعليم التفرقة والتمييز بين الوجوه، حينئذ تصبح الابتسامة اجتماعية انتقائية، وبالتالي نجد الرضيع في هذه المرحلة يبتسم وبصورة أكبر إلى الوجوه المألوفة لديه أكثر من الوجوه الغريبة عنه، وحقيقة وكما سنشير فيما بعد أن الرضيع عادة ما يكون على حذر من الغرباء.
الخرير Babbling:
تشير نتائج دراسات وولف Wolf؛ "1963" أن صراخ الرضيع وعويله وأنينه هي رد فعل للألم والسرور، وذلك أثناء الأسابيع الأولى من حياته، فالرضيع يبدأ فيما بين الأسبوع الرابع إلى الأسبوع السادس في الهديل Coos والقرقرة Gurgle في استجابته إلى أصوات الوجوه من حوله، ومناظر الوجوه المتحركة، وكما رأينا في الابتسام الاجتماعي، نرى أصوات الرضيع تبدأ في أن تشير إلى اهتمامات اجتماعية ويهدف إلى أن يحظى بالانتباه والتعاطف مع الآخرين، كما أن أصوات الإناث تميل إلى أن تظهر الأصوات من الرضيع، ويستطرد وولف أنه بنهاية الشهر الأول من حياة الرضيع يمكنه تعلم التعرف على بعض خصائص صوت الأم، كما أن الرضيع يمكنه الاستماع إلى الأصوات التي يؤديها وبالتالي فإن تلفظهم ونطقهم يصبح استمرارية أو ديمومة ذاتية Self Peputuating بمعنى أنها تؤدي إلى الثرثرة أو الخرير.
وتتطور الثرثرة أو الخرير خلال مراحل عديدة، وتمهد السبيل إلى النمو اللغوي فيما بعد، فمنذ الشهر الثالث أو الرابع من عمر الرضيع نجد هديله وقرقرته تبدأ في أن تتضمن أصواتا مميزة أو بعضا من الحروف الساكنة، وبحلول الشهر السادس يبدأ الرضيع في تكرار الأصوات الاتفاقية العرضية. ويشير Vetter؛ "1969" أنه بحلول الشهر التاسع أو العاشر نجد الرضيع يكرر الأصوات التي يسمعها من الآخرين حوله، كما أن خرير الرضيع يثير نماذج عامة من التقليد والمحاكاة والتي تكون في جوهرها علامة على توسيع اهتمامات الرضيع الاجتماعية.
التقليد Lmitation:
يعتبر التقليد والمحاكاة من أهم الطرق التي من خلالها يتعلم الأطفال أن يصبحوا راشدين، وسوف نرى في عديد من المواقف كيف
يؤدي تقليد ومحاكاة الصغار للكبار، في جميع مراحل نمائهم إلى اكتساب المهارات الاجتماعية، وعلى الرغم من أن الطفل الرضيع لا يكون نشطًا في تعلم المهارات الاجتماعية، إلا أننا نجده في نهاية السنة الأولى وبداية الثانية تقريبًا يبدي العديد من الأنماط السلوكية التقليدية التي تعزز تفاعلاته الاجتماعية، وتبدأ هذه العملية بالخرير أو الثرثرة التقليدية وطالما تتضمن تقليد حركات الآخرين، وحينئذ يجد الآباء أنفسهم لا يتعاملون مع طفل يبتسم وينظر إليهم فقط ولكنه بالإضافة يحاكيهم ويقلدهم فيما يصدر عنهم من أصوات، وعلى الرغم من أن تلك الأصوات الصادرة من الرضيع عادة لا تكون مفهومة، إلا أننا عادة ما نجد الآباء يستجيبون بتغيرات يملؤها السرور والتعاطف مع الرضيع والتي تثري الخبرة الاجتماعية له.
ويميل الرضيع إلى تقليد ما يراه وكذلك ما يسمعه، ويؤدي ذلك في نهاية السنة الأولى وبداية الثانية إلى ظهور نماذج جديدة هزيلة كثيرة في تفاعل الآباء مع الطفل وفي ذلك يشير Parton؛ "1976" عندما يرفع الآباء أيديهم قائلين: آه آه، نجد الأطفال الصغار يقلدون ذلك وينطقون نفس الحروف، ومن ثم تبدأ لعبة مضحكة ويستطرد بقوله، أن التقليد تعبير واضح للاهتمامات والميول الاجتماعية كما أنه وسيلة ذات فعالية للحصول على الاستجابة الاجتماعية.
والسلوك المقلد لا يسير خلال شكل غير انتقائي كما نرى ذلك في ابتسامة الرضيع، ولكنه يكون موجهًا منذ البداية إلى الانتقاء لأفراد مألوفين حيث ينمي الطفل تجاههم بعضا من الارتباطات والعواطف المعينة، وبالتالي فإن التفاعلات المتبادلة المكافئة والتي تصاحب السلوك المحاكي عادة ما تغذي وتدعم هذه الارتباطات المعبرة داخل ارتباطات وعواطف معينة، فإنه من المفيد أن نتأمل بداياتها وبعد ذلك نفحص بإيجاز بعض العوامل التي تؤثر في الأنماط السلوكية الإشارية التوجيهية التي تسبق السلوك الارتباطي.