المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: الطرق الترابطية - علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة

[عادل الأشول]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات:

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول:‌‌ مدخللدراسة علم نفس النمو

- ‌ مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره

- ‌الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو:

- ‌تطور علم النفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الأطوار غير العلمية

- ‌ثانيًا: بداية علم نفس النمو الحديث

- ‌الصورة العامة لتطور النمو:

- ‌مفهوم المراحل في علم نفس النمو:

- ‌الفصل الثاني: محددات السلوك الإنساني

- ‌مدخل

- ‌النضج

- ‌مطالب النمو:

- ‌مبادئ النمو:

- ‌مراحل النمو

- ‌مدخل

- ‌ مساهمات "جيزل وآلج وآمز

- ‌ نظرية بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نظرية كولببرج في نمو التفكير الخلقى

- ‌نظرية "فرويد" في النمو:

- ‌نظرية "أريكسون" النفسية الاجتماعية:

- ‌تفسيران بيئيان لتعلم سلوك الأطفال:

- ‌نظرية الدوافع:

- ‌هرمية "ماسلو" للحاجات:

- ‌أنماط تعلم الأطفال:

- ‌ الوراثة

- ‌الفصل الثالث: طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الطرق الترابطية

- ‌ثانيًا: الطرق السببية

- ‌ثالثًا: الطرق التمايزية

- ‌رابعًا: الطرق التتبعية

- ‌خامسا: الدراسات المعيارية:

- ‌الباب الثاني: الطفولة

- ‌الفصل الرابع: النمو قبل الولادة

- ‌مدخل

- ‌تطور الجنين:

- ‌النمو غير العادي للجنين:

- ‌الحمل:

- ‌تفاعلات الأم والجنين:

- ‌الفصل الخامس: الوليد والفطيم

- ‌أولا: النمو الجسمي والحركي

- ‌الرضيع في السنة الأولى:

- ‌السنة الثانية:

- ‌ثانيا: النمو العقلى

- ‌الجوانب الكمية للنمو العقلى

- ‌ الجوانب الكيفية للنمو العقلي:

- ‌ثالثا: السمع

- ‌الحواس الأخرى:

- ‌رابعًا: اللغة

- ‌مراحل التعبير عند الطفل:

- ‌خامسا: العمليات المعرفية

- ‌حل المشكلة:

- ‌سادسًا: التفكير

- ‌المفاهيم الرئيسية لطفل العامين:

- ‌تعليم الآباء استشارة الرضيع

- ‌الأنماط السلوكية التوجيهية:

- ‌العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية:

- ‌الارتباطات مع الأشخاص الآخرين

- ‌مدخل

- ‌الأنماط السلوكية المدعمة للأرتباط

- ‌قلق الغرباء:

- ‌قلق الانفصال:

- ‌نظريات أصول الارتباطات المتبادلة:

- ‌الانفصال والتفرد:

- ‌تأثير الأطفال على العناية التي يتلقونها:

- ‌تطبيقات لتنشئة الرضيع:

- ‌التأثيرات طويلة وقصيرة المدى للعناية بتدريبات الأطفال:

- ‌الفصل السادس: الطفولة المبكرة "سنوات ما قبل المدرسة 2: 5

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو العقلي

- ‌مدخل

- ‌قياس الذكاء:

- ‌مقياس ديفيد وكسلر:

- ‌اختبار القدرة اللغوية المصور

- ‌النمو الإدراكي:

- ‌التذكر:

- ‌التعلم التمييزي:

- ‌السلوك الاحتفاظي

- ‌الاستدلالات الانتقالية:

- ‌ثبات العدد

- ‌النمو اللغوي:

- ‌اكتساب اللغة:

- ‌نظريات التحصيل اللغوي:

- ‌مهارات الاتصال المرجعية:

- ‌العالم التصوري للطفل الصغير:

- ‌التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة

- ‌مدخل

- ‌دور الأب:

- ‌العلاقات مع الإخوة والأخوات:

- ‌مقدم طفل جديد:

- ‌التفاعلات مع الإخوة والأخوات الأكبر:

- ‌التفاعلات مع الصحبة والنظراء:

- ‌التطبيع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التدريب أو فرض النظام

- ‌تساوق التدريب أو النظام:

- ‌التدريب المرشد

- ‌السلوك التدريبي الموجه:

- ‌التقمص

- ‌الفصل السابع: الطفولة الوسطي

- ‌‌‌النمو الجسمىوالعقلى

- ‌النمو الجسمى

- ‌النمو العقلي:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌العالم التصوري للطفولة الوسطى:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دخول المدرسة

- ‌ثانيًا: الاهتمام المتزايد بجماعة الرفاق

- ‌ثالثًا: هوية دور الجنس

- ‌رابعًا: العلاقات الأسرية

- ‌خامسا: الآباء لطفل المدرسة

- ‌سادسا: إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم

- ‌سابعًا: النمو وتكامل الشخصية

- ‌نظريات النمو

- ‌أولا: مفهوم دورة حياة الإنسان

- ‌ثانيًا: بعض نظريات النمو

- ‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها:

- ‌الممارسات المدرسية ودورها في توجيه النمو:

- ‌الباب الثالث: المراهقة

- ‌مدخل

- ‌أولا: نظريات المراهقة

- ‌ثانيًا: التغيرات الجسمية والفسيولوجية

- ‌ثالثًا: النمو العقلي

- ‌النمو الخلقي:

- ‌دلائل التفكير الإجرائي الصوري:

- ‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية

- ‌استمرار نمو الشخصية:

- ‌نماذج نمو المراهقة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌سادسا: الإرشاد النفسي للمراهقين

- ‌الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌القلق:

- ‌اكتتاب المراهق

- ‌توهم أو وسواس المرض

- ‌الاضطرابات السيكوفسيولوجية:

- ‌اضطرابات الأكل:

- ‌العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين:

- ‌الباب الرابع: مرحلة الرشد

- ‌مرحلة الرشد المبكرة

- ‌مرحلة الرشد الوسطى

- ‌الباب الخامس:‌‌ الشيخوخة

- ‌ الشيخوخة

- ‌نظريات الشيخوخة:

- ‌المجال الاجتماعي:

- ‌الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة

- ‌مدخل

- ‌الخرافة الأولى أكثر تشابها:

- ‌الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفا:

- ‌الخرافة الثالثة: الشيخوخة فترة الصفاء

- ‌الخرافة الرابعة: انعدام القدرة الجنسية

- ‌الخرافة الخامسة: الجمود وعدم المرونة

- ‌الخرافة السادسة: عدم الابتكارية وعدم الإنتاجية

- ‌الخرافة السابعة: صعوبة تعلم مهارات جديدة

- ‌الخرافة الثامنة: غرابة الأطوار أو الخبل

- ‌الخرافة التاسعة: الوحدة

- ‌الخرافة العاشرة: أكثر تدينا

- ‌الخاتمة

- ‌‌‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌عملية الموت:

- ‌نظرية كويلر -روس

- ‌الإنكار

- ‌الغضب

- ‌المساومة

- ‌الاكتئاب

- ‌التقبل

- ‌نمو مفهوم الموت:

- ‌المراجع:

الفصل: ‌أولا: الطرق الترابطية

‌أولا: الطرق الترابطية

Correlative methods

تستخدم هذه الطرق عند تساؤلنا سؤال مثل ماذا يرتبط بماذا What goes with what فمثلا إن أردنا أن نتعرف على كيفية الزيادة في المفردات اللغوية لطفل فيما بين الثانية والخامسة من العمر، فإننا قد نتساءل سؤالا ترابطيًا، بمعنى أننا نريد أن نعرف عدد المفردات اللغوية التي ترتبط بعمر زمني ومعين، وللإجابة على هذا السؤال فإننا قد نستخدم أحد من الطرق الترابطية، وأهم الوسائل التي تستخدم عادة في هذه الطرق ما يلي.

1-

طريقة الملاحظة Observation Technique:

تعتبر إحدى الطرق للإجابة عن التساؤلات الترابطية والملاحظة تعتبر المادة الخام للمعرفة العلمية، فالحقائق والقوانين العلمية عادة ما تبدأ بالملاحظة، وكان علم الفلك أول العلوم في استخدام هذه الوسيلة، فالكهنة المصريون والبابليون أول من أشاروا إلى التنبؤية في العالم الطبيعي، حيث قادتهم الملاحظة الدقيقة إلى معرفة حركة الكواكب والنجوم الثابتة، ولقد مكنت هذه المعرفة الكهنة الفلكيين من إجراء تنبؤات ميدانية مثل الموعد الذي يحل فيه فيضان النيل، وبسبب اعتقادهم في الفلك نجدهم أشاروا إلى تنبؤات قليلة الصدق.

ومنذ هذه التحقيقات الأولية، فلقد تقدمت المعرفة والعلوم إلى أن وصلت إلى حالتها الراهنة، وهذا التقدم لعبت فيه الملاحظة دورًا رئيسيًا، فالمعرفة في حقيقة الأمر قد اعتمدت على الملاحظة، وتختلف الملاحظة العلمية عن الملاحظة العادية في وجوه متعددة، فالملاحظة العلمية تصنيفية، وتوجه إلى ظاهرة معينة، وهذه الظاهرة قد تكون حركة النباتات، أو قد تكون العلاقات الاجتماعية لطفل العامين وفي كلتا الحالتين نجد الملاحظة تقتصر على موضوع واحد، أو على الأغلب على أنواع قليلة من الأحداث أو الموضوعات، حيث لا تمتد إلى جميع الظواهر، فالملاحظة العلمية تتمركز على جميع جوانب نوع معين من الأحداث، في حين نجد الملاحظة اليومية تجري على جزء فقط من أحداث كثيرة.

ولنأخذ مبدأ التحيز في الملاحظة السببية عن العلاقة بين الخصائص الجسمية والسلوك الإنساني، فقد نسمع أن الأشخاص ذوي الشعر الأحمر يتصفون بالانفعالات الحادة، والأشخاص ذوي الآذان الكبيرة يتسمون بالطيبة والسماحة؛ فإن كانت هذه الملاحظات صادقة، فإننا بالتالي يمكن التنبؤ بسهولة بالسلوك الإنساني، إلا أن هذا الميدان ينطوي على مغالطة ومخاطرة، وهذه المعتقدات تنتج من الميل الإنساني في عدم ملاحظة الخصائص أو الظواهر السلبية، فالأفراد يفضلون أن يلاحظوا تلك الأشياء

ص: 126

التي تتناسق مع معتقداتهم، فإذا حدثت حادثة متناقضة مع معتقدات يميلون إلى تناسيها أو تحريف هذا الحدث وذلك أكثر مما يغيرون من معتقداتهم، وهذا الميل نلاحظه في كثير من الدراسات التي أشار إليها رابابورت Rapaport؛ "1942"، وفستنجر Festinger "1957" في نظرية التباعد المعرفي والطريقة العلمية على نقيض ذلك تهدف إلى التأكد من الملاحظة المناسبة والاستنتاج حتى من النتائج السلبية، والملاحظة على هذا النمط تكون جوهرية وذات مغزى كبير للعلم.

وشكل آخر من أشكال الملاحظة المضبوطة وتسمى بعينة الموقف Situation samplig حيث نجد الباحث يختار مواقف مميزة. ويسجل ردود فعل الأطفال في هذه المواقف، وعادة ما تستخدم عينة الموقف في دراسة العلاقات الشخصية المتداخلة، وتفضيل اللعب، وهكذا، فمثلا قد يبني الباحث جانبا من المختبر ويضع فيه ألعابا معينة، كالدمية، مطرقة مسامير، خشب، ويسجل الملاحظ مدى تكرار ذهاب الطفل إلى مكان الدامي أو مكان الورشة التي فيها المطرقة والمسامير بالإضافة إلى كمية الوقت الذي يقضيه الطفل أو الطفلة في جانب دون الجانب الآخر، وعينة الموقف هذه تمدنان بمقياس عن كيفية استخدام الأطفال لثمة ألعاب أو تسهيلات معينة كالدمية وورش النجارة وما إلى ذلك.

وشكل من أشكال الملاحظة المنتظمة هي عينة الزمن Time Sampling والعينة الزمنية هذه تتضمن تسجيلا لعدد المرات التي يحدث فيها شكلا معينًا من السلوك خلال فترة زمنية محددة، ولتوضيح ذلك ففي دراسة أجريت بواسطة كل من Hall وآخرين "1977"، حيث كان الباحثون مهتمين بقياس هل الأطفال السود أقل يقظة وانتباها للأعمال المدرسية من الأطفال البيض، ولقد لوحظ كل طفل في عينة هذه الدراسة لمدة خمسة عشر دقيقة كما استخدم ملاحظون متعددون، وكل واحد منهم سجل للطفل أربعة أنماط سلوكية "كالانتباه إلى المدرس، اليقظة داخل الفصل، والمشاركة في النشاط، والنشاط المصاحب للقراءة، وما إلى ذلك"، وتشير نتائج هذه الدراسة إلى عدم وجود اختلافات بين الأطفال البيض والأطفال السود في مدى ارتباط سلوكهم الانتباهي بالعمل المدرسي.

وثمة طريقة أخرى لمعالجة التساؤلات الترابطية قدمها "بياجيه"

ص: 127

السيكولوجي السويسري، وسميت طريقته بالمقابلة شبه الإكلينيكية Semi clical interview، فلقد كان "بياجه" كما سنرى في ثنايا الفصول التالية مهتمًا بالإجابة عن التساؤل الترابطي في كيفية تغيير تفكير الأطفال في ثمة موضوعات متنوعة تبعًا لأعمارهم الزمنية، وأراد أن يبني طريقة متسقة دقيقة حتى يمكنه مقارنة الاستجابات لأطفال مختلفين، ومن جهة أخرى يجب أن تكون هذه الطريقة مرنة بدرجة كافية حتى تجعل من الممكن أن يتابع المقابل تفكير الطفل حتى النهاية.

والمقابلة شبه الإكلينيكية كانت نتيجة ذلك حيث جمعت بين اتساق الاختبار العقلي ومرونة المقابلة السيكاترية، وبسبب أهمية هذه الطريقة، فإن الطلاب يمكن أن يستخدمونها مع الأقارب والجيران وأخواتهم الكبار، فسوف نلقي الضوء عليها فيما بعد.

وعمومًا يشير "بياجيه" أنه من المفيد أن نبدأ بالملاحظات التلقائية عن الأطفال والتي يمكن أن تؤدي بنا إلى تساؤلات معيارية، وكذلك يمكن أن تستخدم لبداية المقابلة وأي التساؤلات التي يمكن أن يبرهن على نفعها أو فائدتها في الكشف عن المظاهر المستترة لتفكير الطفل يمكن أن نحددها بواسطة العمل الضابط Pilot Work مع بعض الأطفال وهذه العملية يسميها "بياجيه" بسبر أعماق الطفل Sondage.

ب- الملاحظة الطبيعية:

يشبه العلماء الروائيون في أنهم يحصلون بياناتهم الخام عن طريق ملاحظة الكائن الحي في المواقف الطبيعية، في المكان الطبيعي الذي يوجد فيه وليس في أي بيئة مضبوطة موضوعية قد توفر لنا بيانات ومعلومات أكثر من الملاحظة المضبوطة، وهناك عديدًا من الاتجاهات يمكن اتخاذها في الملاحظة الطبيعية للسلوك الإنساني نوجزها فيما يلي.

1-

سيرة حياة الطفل Baby Biography:

وسيلة من وسائل الملاحظة الطبيعية، فالتقارير المبكرة اليومية التي تصف سلوك الطفل ذات فائدة سواء من الناحية التاريخية أو المنهجية، وكاتب السيرة عادة ما يكون والد الطفل يكون له اهتمام بجوانب نمو الطفل، أو أحد الأقارب المهتمين بذلك، ويلاحظ سلوك طفل واحد

ص: 128

ويسجل ملاحظاته في نموذج يومي، وقد يكون القائم بالتسجيل شخص متخصص في ميدان آخر غير ميدان سلوك الطفل، فتشارلز دارون Darwin على سبيل المثال كان بيولوجيا ومع ذلك سجل سيرة حياة ولده وبالتالي يكفي الشخص ذو الميل العلمي المحب للاستطلاع والتوافق إلى المعرفة والفهم والذي يرغب في الملاحظة وتسجيل الظاهرة موضوع الدراسة، إلا أننا نجد كثيرًا من الانتقادات توجه إلى هذه الوسيلة في مدى صدق البيانات المتضمنة في سيرة الحياة، وما يلي مقتطف من سيرة حياة "دارون" عل طفله توضح نقاط.

من الصعب أن نقرر في أي عمر زمني بالتحديد يشعر المولود بالغضب، ففي اليوم الثامن بعد الولادة لوحظ تجهم وعبوس وتجعد في الجلد حول العينان قبل نوبة الصياح، إلا أن ذلك قد يرجع إلى الألم أو الانزعاج ولا يرجع إلى الغضب، وعندما وصل إلى أسبوعه العاشر، فعندما أعطى بعضا من اللبن البارد ظل عبوسًا مبديًا ذلك على جبهته طوال فترة الرضاعة، وعلى ذلك فقد كان يشبه شخصا ناضجا يقوم بعمل مجبر عليه لا يريد القيام به، وعندما وصل إلى الشهر الرابع تقريبًا فإن أمارات الغضب تبدو ظاهرة عليه سواء كان ذلك في تدفق الدم في كل وجهه ورأسه، وعندما يصل إلى الشهر السابع فإنه يعبر عن ذلك بالصراخ والصياح عندما لا يستطيع أن يقيض على كوب من اللبن أو الليمون وينسكب هذا المشروب عليه، وعندما يصل إلى الشهر الحادي عشر فإنه سوف يضرب الدمية بعنف التي تعطي له ولا يرغب فيها أو يحبها، ويشير "دارون" أن ضرب الطفل للدمية يعتبر علامة غريزية عن الغضب، ولا يدرك بطبيعة الحال أنه يمكن أن يؤذي دميته، وعندما يصل إلى سن السنتين وثلاثة شهور يصبح ماهرًا في إلقاء الكتب والعصي وما يشبه ذلك إلى أي شخص يزعجه أو يضايقه.

ولكن للأسف فلقد كانت قدرة دارون على فصل الحقائق الملاحظة عن تفسيراتها لم تكن دائمًا صائبة ناجحة، ونقطة ضعف أخرى شائعة في تلك الملاحظات "أو هذه الوسيلة" هو الميل إلى الإسقاط على الطفل انفعالات ودوافع واتجاهات الراشدين، بالإضافة إلى أنه توجد نقاط ضعف أخرى لمنحى سيرة الحياة يمكن إيجازها فيما يلي.

1-

ارتباط الملاحظات واتساقها يعتمد جزئيًا على مدى كفاية القائم

ص: 129

بالملاحظ وخلفيته العلمية ومدى تدريبه في تطبيق هذه الوسيلة وبالتالي فكثير من الملاحظات عادة ما تتصف بالذاتية بدرجة عالية، كما أن تحيزات القائم بالملاحظة قد تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأنماط السلوكية التي يسجلها وكذلك على تفسيرات لهذه الأنماط السلوكية.

2-

كما أن ملاحظة طفل معين لا يمكن أن تعتبر نموذجا حقيقيا لكل الأطفال في مثل سنه وجنسه، وهذا النقص يحدد نطاق انطباق تلك المعلومات على أطفال آخرين.

3-

كما أن الأشخاص الذين يقومون بتلك الملاحظات وتسجيلها يجب أن يتسمون بالمثابرة والصبر وبذل الجهد في عملية الملاحظة وتسجيل ما يلاحظونه بصورة موضوعية ومن النادر وجود الأب الذي يمكنه أداء ذلك.

2-

طريقة دراسة الحالة Case study method:

والاتجاه الحديث الذي أظهر تشابها كبيرًا مع طريقة سيرة حياة الطفل هي طريقة دراسة الحالة، وعادة ما تبدأ هذه الوسيلة بتجميع البيانات المتنوعة عن طفل معين، لمساعدة الأخصائي في تفهم سلوك الطفل، وعمومًا فإن الانحرافات السلوكية، والإخفاق المدرسي، والمشكلات السلوكية، حالات شائعة يمكن دراستها من خلال طريقة دراسة الحالة، كما أن التسجيلات المدرسية، والمعلومات التي تستقى من الآباء والأقارب والراشدين الآخرين، والطفل نفسه بالإضافة إلى نتائج الاختبارات والفحوص النفسية تعتبر من بين مصادر المعلومات والبيانات التي يجب أن توضع في الاعتبار في طريقة دراسة الحالة.

ونموذج طريقة دراسة الحالة التالية يشير إلى التقييم الإكلينيكي لمشكلات سلوكية لطفل معين.

ص: 130

جاءت لسيدة "أ" تسأل تقييما نفسيًا لحالة ولدها "س"، بسبب قلقها وانزعاجها للسلوك الذي يصدره ولا تستطيع التعامل معه في بعض الأحيان، بالإضافة إلى خوفها الشديد خاصة من أفعال الثائرة بصورة شديدة، وفقدها ضبطه، وكذلك فقدان انضباطه الذاتي وعدم تقبله أي قيود مفروضة عليه.

أ- مقابلة الآباء:

أشار والدا الطفل، بأنه ذكي، وزنه أكثر من الوزن العادي، له مزاج حاد، مصدر ضيق وازعاج كبير، ويعتقدون أنه حساس تجاه سمنته، حيث يمنعه زيادة وزنه من الاشتراك في المباريات الرياضية مع زملائه، وأشاروا كذلك إلى فظاظته وعنفه، وعدم رغبته في التعاون، وعدم قدرته تقبل نقد الآخرين ويشعرون بنفوره لأية قيود، فهو دائمًا ثائر متمرد مخل بالنظام ويرفض أن يظهر بمظهر جيد في ملبسه ويحب أداء الأشياء الميكانيكية كما أنه يظهر قدرًا كبيرًا من العدوان تجاه أخته البالغة ثمانية أعوام، وعادة ما يتسم بالتهور عند غضبه ويهدد دائمًا بترك المنزل.

وأشار والدا الطفل بأنه عاش طفولة سعيدة مستقرة، إلا أنهما لم يتذكرا التاريخ النمائي له، ويعتقدا أنه كان سابقًا لأقرانه في مثل سنه في أوجه نموه المختلفة، وكان نباتيًا منذ صغره، فكانت أمه تكتفي بإعطائه البقول واللبن طوال سنواته الثلاثة الأولى، ولم تستطع الأم أن تتذكر في أي وقت توقف عن عملية الرضاعة ولا كيفية حدوث الفطام، وتشير الأم أن ولدها تمكن من المشي عند بلوغه التسعة أشهر وتكلم عند بلوغه العام، ولكنها لم تستطع تذكر أول كلمات تلفظ بها وليدها، كما كان سهلا في تدريب التواليت حيث تمكن منه في منتصف السنة الثانية.

وسقط من سريره قبل أن يكتمل العامين، وكذلك سقط من فوق دراجته عندما كان سنه سنتين وأصيب في ذقنه، وفي الرابعة أو الخامسة سقط من سيارة وأصيبت أذنه وألمته، وحدثت بها إفرازات والتهاب عولج بأشعة "x" ولم تقرر الأم حدوث أية صعاب سمعية لدى وليدها.

ولم تبدي الحالة اعوجاجات نفسية، كمص الأصابع، أو أظهر دلائل لنشاط الاستمنائي ولا ظهرت عنده كوابيس، أو المشي أثناء النوم أو التبول اللاإرادي، وحصل على المعلومات الجنسية من الأولاد الآخرين على الرغم من تمكنه من الكلام في الأمور الجنسية مع والده.

ص: 131

ولقد التحق بالمدرسة الابتدائية ولم تظهر لديه أية مشكلات دراسية إلى عهد قريب، وحدث وأن نقل إلى مدرسة أخرى بسبب شغبه في المدرسة الأولى، إلا أنه لم يمل إلى مدرسته الجديدة، وتاريخه المدرسي يشير إلى أنه دائم الفوضى داخل الفصل الدراسي، وجميعها أنماط سلوكية لجذب انتباه الآخرين له.

ووصف الأبوين الطفل بأنه مولع بالعراك مع الأطفال الأصغر منه، كما أن معاملته يشوبها العنف والشدة مع الأطفال الآخرين، ويبدو في بعض الأحيان بأنه يثير كراهية رفاقة بصورة متعمدة.

ويشير والد الطفل بأنه كان دائمًا متسامحًا جدًا مع ولده بالإضافة إلى إحساسه دائما بصعوبة وضع حدود على سلوك ابنه أو محاولته تأديبه وتهذيبه، وكانت الأم من جانب آخر تشعر بأن ولدها يجب أن يتسق مع معايير معينة، وكانت دائمة المراقبة له لتتأكد من أنه يفعل أم لا.

ب- التقويم النفسي:

طبقت على الحالة ثلاثة اختبارات:

أ- مقياس وكسلر لذكاء الأطفال.

ب- اختبار بقع الحبر لرورشاح.

ج- اختبار تداعي المعاني TAT.

ح- السلوك ومظاهره الخارجية:

كان "س" في العاشرة والنصف من عمره، وكان مولعًا وبصورة كبيرة بالعدوان نحو الفاحص في المقابلة الأولى، ولقد أبدى الخوف من المجيء أول مرة للعيادة ففي الزيادة الأولى جرى خارج الحجرة والمبنى وأراد أن يعبر الشارع، وفي المرة الثانية رفض أن يدخل العيادة، وفي الجلسة الثالثة والأخيرة فقد عبر عن غضبه تجاه الأخصائي، وأشار إلى مشاعره نحوه في أنه يحب هذا العمل ويروم له، وأردف قوله بأنك لا تستطيع أن تساعدني على أية حال، ولقد أنكر أي خوف في المجيء للعيادة على الرغم من أنه

ص: 132

كان قلقًا عما سيفكر فيه زملائه عندما يعرفون أنه قد حضر إلى المعالج ابتداء فلقد أنكر وجود أية مشكلات لديه، ولكن عندما امتدت الجلسة بدأ يفسح المجال لاعترافاته بأنه غير راض عن أسرته وأشار إلى أن أمه دائمة الإزعاج له خاصة في الطعام وفي قص شعره، وأشار إلى حبه لأبيه ووصف أخته وصفًا حسنًا.

بصورة عامة فإن سلوك "س" كان يتسم بثنائية المشاعر ambivalent فقد كان متذبذبًا أو مترددًا بين الفوز بالحظوة والرضا وبين المرح والعدوانية.

د- الانطباعات والنتائج:

كانت نتائج "س" في مقياس وكسلر لذكاء الأطفال كما يلي:

الاختبار الأدائي العملي IQ؛ = 122 "نسبة ذكاء عالية".

الاختبار اللفظي للذكاء IQ؛ = 114 "نسبة ذكاء متوسطة".

الاختبار الكلي IQ؛ = 120 "نسبة ذكاء عالية".

وعلى الرغم من القدرات العقلية لـ"س" كانت مرتفعة، إلا أنه لم يستخدمها بنفس معدلها، ويرجع ذلك لاتجاهه السلبي في أداء الأعمال وميله إلى استخدام الحد الأدنى من قدراته. كما كان لديه ميلا يعكس نقص قدرته الممكنة لتحقيق الأهداف مما كان يعوق في التخطيط لبناء المستقبل.

وكان "س" يمكنه إدراك الأشياء كمعظم الناس، كما كان على وعي بالمعايير السلوكية، إلا أنه كان متمسكًا باستقلاليته والإصرار العنيد في بعض الأشياء حتى يعمل وفقًا لتفكيره، وكانت أنماطه السلوكية تضبط عن طريق حاجاته للإشباعات الفورية، وكان لدى "س" قدر كبير من القلق في تعالمه مع الآخرين، ولا يستطيع إشباع حاجاته بالتعامل مع بيئته بطريقة مقبولة اجتماعيًا، وبالتالي كان يتحاشي المواقف التي تتطلب منه الامتثال والاتساق الاجتماعي كما كان لديه صعاب في تكوين علاقات عاطفية قوية، كما كان يبدو متذبذبًا بين الاستجابات الانفعالية الظاهرية والانفجارات السريعة غير المضبوطة.

ص: 133

ولقد أشارت نتائج الاختبارات عن وجود مشاعر وأحاسيس عدوانية غير متحكم فيها بصورة قوية، ويبدو أن عدوانيته كانت بسبب إحساسه بالقلق والإحباط في إشباع دوافعه، وكان سريع الامتعاض من القيود بصورة عامة، ويشعر بأن هذه المبادئ والقواعد الاجتماعية ظالمة بالنسبة لمعظم الأفراد.

ويبدو أن اتجاهات "س" سالفة الذكر كانت مرتبطة باتجاهاته نحو أشكال الأبوة، فقد كانت استجاباته لبعض مواقف اختبار TAT التي تعبر عن أشكال الأمومة، بأنها تتدخل في كثير من مواقف الطفل وتحول دون رغباته، كما كان يخبئ مشاعر عدوانية قوية نحو أشكال الأبوة وهذا ما عبرت عنه استجاباته في مواقف الاختبارات السابق وعمومًا فإن "س" كان مضطربًا فيما يتعلق بأشكال الأبوة ويراها على أنها بمثابة أشياء مدمرة غير بناءة.

كما أن تطابق "س" وتماثله كان في البداية إيجابيًا فقد ناضل بجهد لكي يحافظ على المظهر الكاذب للذكورة، وتأكيد ميله الذكري، وكان قلقًا للغاية في اعتقاد زملائه بعكس ذلك أو إشارتهم إليه بأنه شخص مخنث.

هـ- موجز الانطباعات:

كانت حالة "س" تتسم بالاضطراب الانفعالي، كان لديه مستوى مرتفع من الذكاء، إلا أن دافعية الإنجاز لديه كانت مشتتة، وكانت أنماطه السلوكية يتحكم فيها وبصورة عالية حاجات الإشباع الفوري وخوفه وارتقاب الشر من تشكيل روابط وثيقة مع الآخرين، وعلى ذلك فإن قدراته العقلية وإنجازه كان في حده الأدنى، وهناك الدلائل التي كانت تشير بالتوجيه الذاتي نحو العدوانية المنبعثة من مشاعر الإحباط لديه، كما كانت الإثنية أو ثنائية المشاعر نحو صور الأبوة واضحة صريحة لديه.

وبالتالي كان ذلك يظهر تعويقًا في تكامله مع المعايير التقليدية والمألوفة كموجهات لأنماط سلوكية.

و الانطباع التشخيصي:

كانت حالة "س" تشير إلى التعويق السلوكي الأولي، والنمط العدواني السلبي، ولا يشير الدليل التسجيلي إلى حدوث تلف في المخ نتيجة لسقوطه

ص: 134

أكثر من مرة في أثناء طفولته الأولى، إلا أن انفجارات الغضب غير المتحكم فيها، كما أن الاختبارات العصبية والتسجيل الكهربائي للمخ قد أشارت إلى وجود ثمة معوقات لديه.

وتشير الدلائل أن فروع علم نفس الطفل قد استخدمت دراسة الحالة أكثر من أي فروع أخرى، كما استخدمها أخصائيو علم نفس الطفل الإكلينيكي إلى حد كبير، وعلى الرغم من أن دراسة الحالة تساعد على تفهم وإدراك طفل منفرد، إلا أن هذه الطريقة عانت من نفس المعوقات وأوجه القصور كما رأينا في طريقة دراسة سيرة حياة الطفل المبكرة، فمثلًا فإن صدق وثقات المعلومات التي يحصل عليها قد تكون موضع تساؤل، فهل علاقة الشخص الذي يقدم المعلومات عن الطفل تؤثر في تقديره؟ وهل التورط الانفعالي يضع تذكر الأحداث الماضية موضع شك؟ بالإضافة إلى مدى ثبات الاختبارات المطبقة على الحالة فهل درجات الذكاء تشير إلى قدرات الطفل العقلية، فمثلًا اخفاق الطفل داخل المدرسة فهل هذه الاختبارات IQ تكشف حقيقة عن إمكاناته، أو أنه يبذل القليل في أدائه هذه الاختبارات، كما أن عملية تقييم المعلمات والبيانات عن الحالة. وهل القائم بهذه العملية يمتلك من الخبرة التي تؤهله لذلك.

وأخيرًا يجب الحذر عند وضع التفسيرات فهل يكون نبذ الطفل عن طريق أبويه هو سبب انحراف سلوكه؟ أو أن التنافس بين الأخوة هو سبب الإنجاز المدرسي المنخفض، وعمومًا فإن التعميمات غالبًا ما تؤدي إلى نتائج غير ثابتة وناقصة سطحية، وبالتالي يجب أن ينظر الشخص القائم بدراسة الحالة إلى نتائجه على أنها نتائج غير نهائية وقابلة للتغير، كمنا أن تعميم البيانات والمعلومات في دراسة الحالة يكون منطويًا على ثمة مخاطر، حيث أم وراثة طفل معين أو بيئة متشابكة تختلف عن وراثة طفل آخر وبيئته وعلى ذلك فإن الأساليب التي تؤدي إلى ظهور نمط معين من السلوك في حالة معينة قد لا نتتج نفس الشيء في حالات أخرى.

ج- الملاحظة المضبوطة:

على الرغم من أن الملاحظة تعتبر وسيلة جوهرية في معظم الدراسات العلمية، إلا أننا قد وجدنا أن الملاحظة الحرة "غير المضبوطة" تتضمن كثيرًا من أوجه العيوب والنقص، وللتغلب على هذه العيوب، طورت وسائل عديدة للملاحظة المضبوطة، حتى تتيح إجراء مقارنات

ص: 135

ذات دلالة في دراسة السلوك الإنساني، وسنتأمل بعضا من هذه الوسائل في ثنايا الصفحات التالية.

عينة الموقف، يعرف "أرنجتون" Arington؛ "1943" عينة الموقف بأنها طريقة لملاحظة سلوك الكائن الآدمي تحت الظروف العادية للحياة اليومية، وتجري خلالها ملاحظات في فترات زمنية صغيرة موزعة، لكي تمدنا بعينة ممثلة من السلوك القائمين بملاحظته، وأول من استخدم هذه الطريقة Willard Olson؛ "1929" ليسجل مدى تكرار حدوث العادات العصبية لدى أطفال المدرسة، ويشير "أولسون" أن هذه الطريقة أوضحت عدد الفترات الزمنية التي كان يظهر خلالها نمطًا سلوكيًا معينًا.

وخلال سنوات خضعت هذه الوسيلة لكثير من التعديلات بهدف الرغبة في الدقة الكاملة في اختيار العينة، وفي تسجيل الأنماط السلوكية، فقد اختصرت الفترات الزمنية وأصبحت تتكون من فترات ما بين 30 ثانية إلى دقيقة واحدة، ويلاحظ أثناءها طفلا معينا وأدخلت على هذه الطريقة تعديلات أخرى كثيرة لزيادة دقتها في تسجيل السلوك وتصنيفه، ولقد تركزت معظم دراسات عينة الموقف time samblintg على السلوك الاجتماعي والتفاعلات الاجتماعية للأطفال الصغار، ومن بين الأنماط السلوكية النوعية التي درست كانت مدى تكرار اللغة، ولا سلوك المسيطر، والتفاعلات الجسمية والمشاجرات، والصراع والمقاومة، ونماذج الصداقة والسلوك التعاوني والتنافسي والعدوان.

وجدير بالذكر فإن هذه الوسيلة تتسم بموضوعية وثبات النمط السلوكي المسجل، حيث غالبًا ما يستعان بأجهزة تسجيل في ذلك، كما أن الانتباه عادة ما يكون متمركزًا حول نوع محدد من السلوك وبالتالي نجد اتفاق عدد من الملاحظين ممكن الحدوث، بالإضافة إلى أن الدرجات عادة ما تكون عن طريق تكرار النمط السلوكي، وبالتالي يمكن معالجة نتائج هذه الطريقة إحصائيًا، فمثلا مدى تكرار الشجار يمكن أن يربط بالعمر الزمني والجنس ومعدل الذكاء ومعدل التكيف وكثير من العوامل الأخرى المشابهة.

إلا أننا لا يمكن أن نستخدم هذه الوسيلة إلا عندما يكون النمط السلوكي في صورة علنية مكشوفة، كما يجب أن نغمض النظر عن الأنماط

ص: 136

السلوكية غير المتكررة، وهذه الطريقة تكون مفيدة لدراسة كثير من تفاعلات الطفل المختلفة، ومن ضمن عيوب هذه الوسيلة كذلك أن المعلومات التي يحصل عليها لا يمكن أن تمدنا بالسبب والنتيجة Cause and effect فإذا وجد طفل معين يتشاجر بمعدلات تكرارية أكثر من الأطفال الآخرين فمن الواجب البحث عن طريقة أخرى لدراسة هذا الطفل غير طريقة "عينة الموقف".

2-

طريقة المقابلة Lnterview technique:

بمجرد أن يكون الباحث مجموعة من التساؤلات عن موضوع معين فإن المقابلة يمكن أن يبدأ بها كوسيلة لإجراء دراسته، وعمومًا يجب أن يكون الطفل في مكان هادئ لا توجد به أشياء تلهيه، بالإضافة إلى الوقت الذي يطلب منه الحضور لإجراء المقابلة يجب أن يوضع في اعتبار الباحث في سياقها، فقد تخونه الذاكرة، أو قد يعول على تذكر ملاحظات سطحية، ويجب أن يكون المقابل علاقة ألفة بينه وبين الطفل "ويحدث ذلك بسهولة عندما يسأل القائم بالمقابلة الطفل بعضا من التساؤلات عن نفسه". وبعدئذ يمكن أن تبدأ المقابلة، ومن الضروري عادة أن يسأل المقابل بعضا من التساؤلات الزائدة لكي يوضع الطفل استجابته، وهذه تتطلب مهارة كبيرة لهذا الجزء من الأسئلة الحرة في طريقة المقابلة حيث يجب على الممتحن أن يوجه فكر الطفل بدون أن يقترح الإجابة عليه، كما أن اختبارات الروشاخ تعتبر وسيلة جيدة في وضع وترتيب الأسئلة الحرة التي يجب أن يوجهها القائم بالمقابلة للطفل.

وعلى الرغم من أن المقابلة عادة ما تستخدم كوسيلة إكلينيكية لتفهم حالة الفرد، إلا أنها تستعمل الآن وبصورة متزايدة كأداة للبحث للوصول إلى معلومات وبيانات للإجابة عن ثمة تساؤل معين يكون قيد الدراسة والبحث، وتنتظم المقابلة لعديد من التساؤلات مصممة لاستثارة واستنباط أنواع معينة من المعلومات، وغالبًا ما تختبر هذه التساؤلات سلفًا للتأكد عما إذا كانت حقيقة يمكن الحصول بواسطتها على المعلومات المطلوبة، وعادة ما تسجل المقابلات حتى لا يعتمد المقابل اعتمادًا كليًا على تذكرة لما حدث في سياقها، فقد تخونه الذاكرة، أو قد يعول على تذكر ملاحظات سطحية هزيلة، وعادة ما تقيم المعلومات التي يحصل عليها من المقابلة بطرق متنوعة وعلى مقاييس للتقدير rating scales وعادة ما يحدث التقدير، هذا بواسطة شخصان وبصورة مستقلة لضبط درجة اتقاقهما على شيء معين.

ص: 137

وجدير بالذكر فطريقة المقابلة يجابهها بعض الصعاب، فمثلا حاجة الأم إلى أن تصور نفسها بطريقة معينة يؤثر ذلك في تقريرها وبياناتها، كما أن نجاح طريقة المقابلة يعتمد في المقام الأول على رغبتها في سرد البيانات والمعلومات المتنوعة، بالإضافة إلى مدى تذكرها للأحداث الماضية، وتشير نتائج دراسة كل من هاجرد Haggard وآخرين "1960" حيث قاموا بمقارنة المعلومات التي أدلت بها الأمهات خلال ثلاثة مقابلات، وكانت هذه المقابلات تبدأ منذ شهر قبل الولادة، وكررت مرتان عندمات وصل الطفل ما بين 7-9 سنوات، وتشير النتائج أن درجة استدعاء الأمهات لأحداث ماضية كان مرتبطًا بنوع المعلومات أو البيانات المطلوبة، فطول الطفل وقت الولادة قد تذكر بصورة جيدة قلق الأمهات استدعى بصورة أقل ضبطًا وصدقًا، واتضح كذلك أن المعلومات المتجمعة من المقابلة قد تعكس شخصية الأم أكثر من أن تعكس الحقائق الفعلية للحالة.

وعمومًا، فإن علاقة المقابل بالحالة وجهًا لوجه تمكن المقابل الماهر أن يقدر الاستجابات الجدية الصادقة للمستجيب، وهذه الميزة لا نجدها في أي طريقة أخرى.

تفسير النتائج "الصدق":

في طريقة المقابلة من الأهمية أن نتعرف إلى أي مدى تعكس استجابات الطفل أفكاره الحقيقية، ولقد أشار "بياجيه" إلى خمسة أنواع من الاستجابات عادة ما تكون في حاجة إلى أن تميز، فعندما يكون الطفل غير مهتم بالأسئلة أو متعبًا، نجده يقول ببساطة أي شيء للاستجابة إلى المختبر يأتي على مخيلته لأجل أن يرضي الممتحن فقط، ويسمي "بياجيه" هذه بالإجابات العشوائية answers at random، وعندما يستجيب الطفل بدون تفكير واقعي عن التساؤل الموجه إليه تسمى حينئذ بالإجابة الخيالية أو الرومانسية Lomancing ومن جانب آخر فعندما يولي الطفل الانتباه إلى الأسئلة ولكن إجابته تكون نتيجة رغبته أن يرضي الممتحن، أو يوحي إليه بمعرفته الإجابة نجد "بياجيه" يسمي هذه العملية بالاقتناع الموحي Suggested Conviction وهذه الأنواع الثلاثة السابقة ذات قيمة ضئيلة للباحث، وعندما يفكر الطفل في السؤال المطروح عليه ويجيب عليه نتيجة تفكيره العميق، يسميها "بياجيه" بالاقتناع المتحرر Liberated Conviction والحالة الخامسة عندما يجيب الطفل بسرعة وبدون تفكير بسبب معرفته لمشاعره وميوله يسمى "بياجيه" هذه الإجابة بالاقتناع التلقائي spontaneous conviction.

ص: 138

وحيث أننا غالبًا ما نجد الباحث يركز اهتمامه على الإجابات الاقتناعية المتحررة والاقتناعية التلقائية، فيجب عليه أولا فصلها عن الإجابات العشوائية أو الرومانسية أو الموجهة، ويمكن إجراء ذلك على مرحلتين أثناء البحث، إحداهما أثناء المقابلة، والأخرى بعد المقابلة، فإذا كان ذلك أثناء المقابلة يمكن أن يتحقق الباحث بطرق مختلفة منها.

أ- يمكن أن يقدم الباحث إيحاءات معاكسة، لكي يرى كيف تكون إجابات الطفل ثابتة، وكيفية ارتباطها بصورة أساسية بفكر الطفل، وعمومًا فإن الإجابات وفقًا للاقتناع المتحرر والاقتناع التلقائي يمكنها بسهولة الصمود أمام الإيحاءات المعاكسة، في حين نجد الإجابات الأخرى لا تستطيع ذلك.

ب- يمكن أن يسأل الباحث الطفل عن المؤشرات أو الدلائل المرتبطة بإجابته، فإذا كانت الفكرة نابعة حقيقة من اقتناع الطفل نجد تناسبها مع نموذج من الأفكار، والذي يطلق عليه، "بياجيه" اسم المخطط scheme وعندما تتناسب أو تتساوى إجابة الطفل مع المخطط العام لتفكيره فلمن المحتمل أن تكون إجابة اقتناعية متحررة أو اقتناعية تلقائية.

والنقطة الثانية التي يمكن الباحث بها أن يحدد عما إذا كانت الإجابات تكون حقيقة اقتناعية وأصلية غير زائفة، تكون بعد المقابلة، عندما يكون قد حدث تجميع بيانات ومعلومات عن الطفل، ويحدث ذلك بما يلي.

أ- إن كان الأطفال في نفس العمر الزمني يعطون إجابات متشابهة فإن إجاباتهم بالتالي تعكس شكلا من التفكير المميز لهذا العمر الزمني، وجدير بالذكر فلن يوجد الاتساق إذا كانت الإجابات وفقًا للنموذج العشوائي الإيحائي أو الخيالي الرومانسي.

ب- إذا أظهرت الإجابات تغيرًا تدريجيا مع تقدم العمر الزمني وفي اتجاه أقرب إلى مفهوم الراشدين حينئذ نجد الإجابات تعكس ميلا نمائيًا حقيقيًا.

ص: 139

ج- كما أن التسلسل النمائي الحقيقي يجب أن يظهر استمرارية بمعنى أن يكون بين المفاهيم المجردة للأطفال الكبار، أثار للأفكار العيانية التي كانت لديهم في عمر مبكر، كالمشايعة والموالاة أو الالتحام، ومن بين تلك التعبيرات العيانية للأطفال الأصغر تمثل خطوة تسمح بامتلاك الأفكار المجردة التي سوف يمتلكونها فيما بعد.

وبالتالي فعن طريق هذه الاتجاهات يمكن للباحث التأكد من صدق البيانات والمعلومات التي يحصل عليها نتيجة لما يسميه "بياجيه" بالمقابلة شبه الإكلينكية.

تفسير النتائج، الثبات:

على الرغم من أن "بياجيه" كان مهتمًا دائمًا بصدق ملاحظاته، إلا أنه في الحقيقة تجاهل تساؤل عملية الثبات، بمعنى مدى تكرارها، وقد يكون السبب الذي أدى به إلى ذلك خلفية "بياجيه" في العلوم البيولوجية دعته إلى افتراض أن الخاصية الأساسية عند فرد ما يمكن أن توجد خلال النوع بأكمله، إلا أننا نجد هذا الافتراض وإن كان صادقًا في الكائنات الأدنى إلا أنه لا يكون صحيحًا بالنسبة للكائنات الآدمية -ومع ذلك فإننا يمكن أن نجري مقاييس الثبات على طرق "بياجيه" عن طريق إعادة اختبار الطفل في عملية المقابلة وذلك في أوقات مختلفة.

والطريقة الثانية التي يمكن أن نحصل على الثبات من خلالها تكون عن طريق تصنيف الإجابات في مراحل متوالية للنمو، بمعنى أن نقول إن من الضروري تقرير عما إذا كانت الإجابات مميزة بصورة كافية لأداء الفرد حتى يمكن تصنيفها.

وعمومًا، فإن هذه الخطوات سابقة الذكر، بالإضافة إلى معيار "بياجيه" في تحديد وشروط المقابلة الإكلينكية، عادة ما يكون مقبولا حتى بالنسبة للأخصائي التجريبي المحض.

ص: 140