المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: بعض نظريات النمو - علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة

[عادل الأشول]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات:

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول:‌‌ مدخللدراسة علم نفس النمو

- ‌ مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره

- ‌الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو:

- ‌تطور علم النفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الأطوار غير العلمية

- ‌ثانيًا: بداية علم نفس النمو الحديث

- ‌الصورة العامة لتطور النمو:

- ‌مفهوم المراحل في علم نفس النمو:

- ‌الفصل الثاني: محددات السلوك الإنساني

- ‌مدخل

- ‌النضج

- ‌مطالب النمو:

- ‌مبادئ النمو:

- ‌مراحل النمو

- ‌مدخل

- ‌ مساهمات "جيزل وآلج وآمز

- ‌ نظرية بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نظرية كولببرج في نمو التفكير الخلقى

- ‌نظرية "فرويد" في النمو:

- ‌نظرية "أريكسون" النفسية الاجتماعية:

- ‌تفسيران بيئيان لتعلم سلوك الأطفال:

- ‌نظرية الدوافع:

- ‌هرمية "ماسلو" للحاجات:

- ‌أنماط تعلم الأطفال:

- ‌ الوراثة

- ‌الفصل الثالث: طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الطرق الترابطية

- ‌ثانيًا: الطرق السببية

- ‌ثالثًا: الطرق التمايزية

- ‌رابعًا: الطرق التتبعية

- ‌خامسا: الدراسات المعيارية:

- ‌الباب الثاني: الطفولة

- ‌الفصل الرابع: النمو قبل الولادة

- ‌مدخل

- ‌تطور الجنين:

- ‌النمو غير العادي للجنين:

- ‌الحمل:

- ‌تفاعلات الأم والجنين:

- ‌الفصل الخامس: الوليد والفطيم

- ‌أولا: النمو الجسمي والحركي

- ‌الرضيع في السنة الأولى:

- ‌السنة الثانية:

- ‌ثانيا: النمو العقلى

- ‌الجوانب الكمية للنمو العقلى

- ‌ الجوانب الكيفية للنمو العقلي:

- ‌ثالثا: السمع

- ‌الحواس الأخرى:

- ‌رابعًا: اللغة

- ‌مراحل التعبير عند الطفل:

- ‌خامسا: العمليات المعرفية

- ‌حل المشكلة:

- ‌سادسًا: التفكير

- ‌المفاهيم الرئيسية لطفل العامين:

- ‌تعليم الآباء استشارة الرضيع

- ‌الأنماط السلوكية التوجيهية:

- ‌العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية:

- ‌الارتباطات مع الأشخاص الآخرين

- ‌مدخل

- ‌الأنماط السلوكية المدعمة للأرتباط

- ‌قلق الغرباء:

- ‌قلق الانفصال:

- ‌نظريات أصول الارتباطات المتبادلة:

- ‌الانفصال والتفرد:

- ‌تأثير الأطفال على العناية التي يتلقونها:

- ‌تطبيقات لتنشئة الرضيع:

- ‌التأثيرات طويلة وقصيرة المدى للعناية بتدريبات الأطفال:

- ‌الفصل السادس: الطفولة المبكرة "سنوات ما قبل المدرسة 2: 5

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو العقلي

- ‌مدخل

- ‌قياس الذكاء:

- ‌مقياس ديفيد وكسلر:

- ‌اختبار القدرة اللغوية المصور

- ‌النمو الإدراكي:

- ‌التذكر:

- ‌التعلم التمييزي:

- ‌السلوك الاحتفاظي

- ‌الاستدلالات الانتقالية:

- ‌ثبات العدد

- ‌النمو اللغوي:

- ‌اكتساب اللغة:

- ‌نظريات التحصيل اللغوي:

- ‌مهارات الاتصال المرجعية:

- ‌العالم التصوري للطفل الصغير:

- ‌التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة

- ‌مدخل

- ‌دور الأب:

- ‌العلاقات مع الإخوة والأخوات:

- ‌مقدم طفل جديد:

- ‌التفاعلات مع الإخوة والأخوات الأكبر:

- ‌التفاعلات مع الصحبة والنظراء:

- ‌التطبيع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التدريب أو فرض النظام

- ‌تساوق التدريب أو النظام:

- ‌التدريب المرشد

- ‌السلوك التدريبي الموجه:

- ‌التقمص

- ‌الفصل السابع: الطفولة الوسطي

- ‌‌‌النمو الجسمىوالعقلى

- ‌النمو الجسمى

- ‌النمو العقلي:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌العالم التصوري للطفولة الوسطى:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دخول المدرسة

- ‌ثانيًا: الاهتمام المتزايد بجماعة الرفاق

- ‌ثالثًا: هوية دور الجنس

- ‌رابعًا: العلاقات الأسرية

- ‌خامسا: الآباء لطفل المدرسة

- ‌سادسا: إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم

- ‌سابعًا: النمو وتكامل الشخصية

- ‌نظريات النمو

- ‌أولا: مفهوم دورة حياة الإنسان

- ‌ثانيًا: بعض نظريات النمو

- ‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها:

- ‌الممارسات المدرسية ودورها في توجيه النمو:

- ‌الباب الثالث: المراهقة

- ‌مدخل

- ‌أولا: نظريات المراهقة

- ‌ثانيًا: التغيرات الجسمية والفسيولوجية

- ‌ثالثًا: النمو العقلي

- ‌النمو الخلقي:

- ‌دلائل التفكير الإجرائي الصوري:

- ‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية

- ‌استمرار نمو الشخصية:

- ‌نماذج نمو المراهقة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌سادسا: الإرشاد النفسي للمراهقين

- ‌الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌القلق:

- ‌اكتتاب المراهق

- ‌توهم أو وسواس المرض

- ‌الاضطرابات السيكوفسيولوجية:

- ‌اضطرابات الأكل:

- ‌العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين:

- ‌الباب الرابع: مرحلة الرشد

- ‌مرحلة الرشد المبكرة

- ‌مرحلة الرشد الوسطى

- ‌الباب الخامس:‌‌ الشيخوخة

- ‌ الشيخوخة

- ‌نظريات الشيخوخة:

- ‌المجال الاجتماعي:

- ‌الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة

- ‌مدخل

- ‌الخرافة الأولى أكثر تشابها:

- ‌الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفا:

- ‌الخرافة الثالثة: الشيخوخة فترة الصفاء

- ‌الخرافة الرابعة: انعدام القدرة الجنسية

- ‌الخرافة الخامسة: الجمود وعدم المرونة

- ‌الخرافة السادسة: عدم الابتكارية وعدم الإنتاجية

- ‌الخرافة السابعة: صعوبة تعلم مهارات جديدة

- ‌الخرافة الثامنة: غرابة الأطوار أو الخبل

- ‌الخرافة التاسعة: الوحدة

- ‌الخرافة العاشرة: أكثر تدينا

- ‌الخاتمة

- ‌‌‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌عملية الموت:

- ‌نظرية كويلر -روس

- ‌الإنكار

- ‌الغضب

- ‌المساومة

- ‌الاكتئاب

- ‌التقبل

- ‌نمو مفهوم الموت:

- ‌المراجع:

الفصل: ‌ثانيا: بعض نظريات النمو

كليهما، كما يحدث تحقيق لكثير من الإنجازات التي كان يتمنى الفرد تحقيقها خلال هذه المرحلة، وعلى الرغم من أن هذه الأحداث النمائية الهامة التي تمثل السنوات الوسطى -فترة الرشد- إلا أننا لا نجدها مرتبطة بصورة مؤكدة بالعمر الزمني، فقد تتأثر بالتوقعات الاجتماعية، مثل الوقت الملائم للزواج أو تغيير الوظيفة أو المهنة، أو كون الفرد قد أصبح جَدًا، وتشير نتائج دراسة نيوجارتن إلى أن الراشدين غالبًا ما يكون لديهم حدس في تمييز فترة وسط العمر حيث تختلف نوعيًا عن فترات العمر الأخرى.

ويحدث حدثان مهمان في مرحلة الوسطى وهما انقطاع الطمث وبلوغ سن التقاعد، فتوقف الحيض وانخفاض إفراز هرمونات الجنس يحدث عند النساء ما بين 45-55 سنة، وعادة ما يحدد من الناحية الفسيولوجية، أما التقاعد أو الإحالة إلى المعاش على النقيض من ذلك حيث يحدد اجتماعيا ويعتبر معلمًا هامًا لمرحلة الرشد الوسطى، وغالبًا ما يحدد عن طريق قوانين الدولة "سن الستين أو الخامسة والستين"، وقد ينظر إلى السنوات الأخيرة من الحياة بحدوث أحداث هامة كالإحالة على المعاش وأن يصبح الفرد جَدًا، وتشير نتائج الفرد دراسة نيوجارتن "1974" أن هذه الفترة قد تعتبر بالنسبة للبعض فترة صحية جيدة، وأمن اقتصادي نسبي، والتخفف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية.

ص: 438

‌ثانيًا: بعض نظريات النمو

تحاول نظريات النمو لدورة حياة الإنسان تفسير طبيعة عملية النضج ونماذج التغير التي تحدث عند الفرد منذ الميلاد حتى الموت، وتشير تلك النظريات إلى أن الراشدين يستمرون في النمو والتغير بعد فترة المراهقة وحيث إنه يفترض أن النمو يحدث في صورة تقدم متوال، فإن هدف تلك النظريات ينصب على تفهم طبيعة هذا التوالي، وتفسير سبب اضطراب النمو بالطريقة التي يحدث بها، بالإضافة إلى أننا نجد كثيرا من نظريات النمو تسعى إلى التعرف على الموضوعات العامة التي تندرج تحت تلك النماذج من النضج الإنساني بالإضافة لجميع الأفراد في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، وغالبًا ما تشير تلك النظريات النمائية إلى صورة تسلسل المراحل النمائية والتي يتبع كل منها الآخر في توال معين.

ص: 438

وتتركز معظم نظريات النمو على عملية التفاعل بين عديد من العوامل حيث إن النمو الإنساني يتضمن العديد من التأثيرات البيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية، إلا أننا نجد أن معظم نظريات النمو تصف عملية النمو عن طريق بعض المصطلحات العامة بصورة نسبية، كما أنها لم تستطع التوصل إلى تفسير قاطع، يرجع إليه تسلسل النمو في تلك النماذج التي وصفتها هذه النظريات، وبالتالي فلا توجد نظرية شاملة يمكنها إلقاء الضوء على سبب حدوث ثمة تغيرات معينة في النظام والصورة التي تحدث فيها، أو كيف يكون مدى تأثر التغيرات التي تحدث بالعوامل الاجتماعية والبيولوجية أو العوامل الفسيولوجية وبالإضافة إلى ذلك فإننا عادة ما نكون غير متأكدين، مما إذا كانت تلك التغيرات تحدث عند الأفراد في كل الثقافات أم لا، وعمومًا فإن هذه النظريات -على أحسن حال- قد تمكنت من وصف تفاعل النمو الثقافي والبيولوجي والنفسي.

وسنناقش في ثنايا الصفحات التالية أربع نماذج لنظريات مختلفة لنمو دورة حياة الإنسان، وهي نظرية بوهلر Buhler، ويونج Jung وأريكسون Erihson، وريجل Riegel، ويجب أن تشير ابتداء إلى أن تلك النظريات على الرغم من أنها قد اعتمدت على الاستدلالات التي اشتقت من الملاحظات الإكلينيكية والتجريبية، إلا أنها مع ذلك لم تختبر بصورة دقيقة بواسطة الدراسات والمنهج التجريبي، غير أنها قد أشارت إلى أبعاد هامة لدورة حياة الإنسان، كما أنها جذبت الانتباه إلى نقاط التحول الهامة أثناء سنوات مرحلة الرشد، وقد تشير الأبحاث والدراسات اللاحقة أي من هذه النظريات أو اتحاد منها يكون ذا فائدة بصورة أكبر لتفهم النمو الإنساني، أو على الأقل سنوات أي مرحلة من مراحل الحياة، وسوف نشير كذلك إلى الكيفية والطرق التي تؤثر بها بعض المتغيرات على عملية النمو، مثل تأثير الثقافة والطبقة الاجتماعية.

1-

نظرية بوهلر في النمو الإنساني:

درست شارلوت بوهلر Charlotte Buhler وتلاميذها دورة حياة الإنسان من خلال السير الذاتية التي جمعت في عام 1930، وطورت وتلاميذها طريقة لتحليل هذه السير الذاتية، للكشف عن التقدم المنتظم لمراحل الحياة على أساس التغير الذي يحدث في الأحداث والمهام والإنجازات أثناء دورة حياة الإنسان.

ص: 439

ولقد اهتموا كذلك بتأمل وفحص التماثل بين سياق الحياة -التي كشفت عنها دراسة سير الحياة- والسياق البيولوجي للحياة، وتمخضت هذه الدراسات عن كشف خمس مراحل بيولوجية.

1-

النمو التقدمي أو التصاعدي، يستمر من الميلاد حتى سن الخامسة عشر.

2-

استمرار النمو، ويتمثل في انبثاق القدرة على التناسل الجنسي وتقع في الفترة ما بين 15 سنة، 25 سنة.

3-

ثابت عملية النمو، وتقع ما بين 25 سنة، 45 سنة.

4-

فقدان القدرة على التوالد الجنسي، وتقع ما بين سن 45، 65 سنة.

5-

النمو التقهقري والضعف البيولوجي، ويحدث من سن 65 سنة.

وأشارت "بوهلر وتلاميذها" إلى خمس مراحل للحياة وذلك نتيجة لدراسة أربعمائة سيرة لحياة الأفراد، تتساوق مع تلك المراحل البيولوجية الخمس السابقة وهي.

ص: 440

إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ص: 441

وجدير بالذكر، أن تلك الأعمار الزمنية المشار إليها في الجدول بمثابة أعمار تقريبية، وتعكس -بصورة جزئية- بعض الأعمار الاجتماعية المرتبطة ببعض الأحداث كالتقاعد أو الإحالة إلى المعاش في سن الستين، ويشير وصف فرنكل Frenkel أحد تلاميذ بوهلر للتدرج النمائي للإنسان كما يلي.

إن الشخص اليافع، بمجرد أن يمر بمرحلة الطفولة، نجده يحاول أن يضع أول تخطيط لحياته، ويتخذ القرارات الأولى في مرحلة المراهقة أو بعدها بقليل، وفي هذا الوقت تبدأ المرحلة الثانية من الخبرة وتتصف بالواقعية، حيث نجده يرغب أن يتفاعل مع الواقع المحيط به، فهو يجرب مع زملائه الآخرين، وأيضًا يستكشف بعض المهن، كما يحدث توسيع وامتداد لمجال شخصيته، كما تتسم اتجاهاته بالاستقرار المؤقت خاصة في تحديد حياته المستقبلية.

وفي نهاية المرحلة الثانية، عادة ما نجد اتجاهات الأفراد أكثر تبلورًا ووضوحًا نحو الحياة، كما نجد الحيوية والنشاط، أثناء المرحلة الثالثة ما تزال في أعلى درجاتها، كما يحدث في هذه الفترة عملية التخصيص والتعيين وبالتالي فإن هذا الوقت عادة ما يكون فترة ذروة بالنسبة للخبرات الشخصية للفرد.

وقد تبدأ الأزمات أثناء الانتقال إلى المرحلة الرابعة، حيث نجد قدرات أو قوى الفرد النامية والمترعرعة تصبح في حالة من حالات التجمد أو التوقف، كما يجب عليه التخلي عن كثير من النشاطات، خاصة تلك التي تعتمد على القوة الجسمية أو المرتبطة بالحاجات البيولوجية، وعلى النقيض من تدهور الجانب البيولوجي والخبرات المرتبطة به، نجد تصاعدًا ذو فعالية لميول جديدة مرتبطة بالجوانب الانتاجية في الحياة.

وفي نهاية المطاف، أثناء المرحلة الخامسة، نجد التقدم في العمر الزمني يرتبط بهواجس الموت، والشكوى من العزلة، وغالبًا ما يكون الفرد منشغلا بالتساؤلات والاستفسارات الدينية، وتتضمن هذه المرحلة الأخيرة خبرات ذات طبيعة استرجاعية وبعض الآراء ووجهات النظر المرتبطة بالمستقبل وعادة ما تكون متمركزة حول اقتراب الموت واسترجاع الحياة السابقة، كما أن استمرار التساوق والتوافق مع الحياة غالبًا ما يكون ضعيفًا أو متوقفًا Frenkel؛ "1936".

ص: 442

وبصورة عامة، فإن وجهة النظر السابقة تشير إلى التوازن أو الاتساق بين العمليات البيولوجية للنضج، والتقدم نحو النهاية حيث يحدث اتساع لنطاق العمليات النفسية والاجتماعية، ثم بلوغ الذروة، ثم التقلص أو الانكماش في الأنشطة، والإنجازات، وغالبًا ما يكون العامل البيولوجي في قمة أو طليعة نمو الفرد النفسي والاجتماعي، ويصدق ذلك -بصورة خاصة- عندما يسمح الاعتماد على القدرات العقلية للشخص في الاستمرار أو مواصلة الكم المرتفع من الإنتاجية لعديد من السنوات بعد أن تكون القدرة الجسمية قد بدأت بالفعل في التدهور، وجدير بالذكر فإنه يحدث تباينات وتنوعات فردية هامة، حيث قد يصبح فرد ماذا إنتاجية عالية، أكثر مما يحدث في الفترة الأخيرة من حياته، ويصل إلى مرحلة الذروة النفسية والاجتماعية بعد سنوات عديدة من بلوغه فترة ذروته البيولوجية.

والتعديلات التي أدخلتها، "بوهلر""1968" على نظريتها تشير وتؤكد على عملية صياغة الفرد لأهداف معنية "وبالتالي فإن هذا التتابع النمائي ينظر إليه أيضًا على أنه يعكس وجهات نظر مختلفة في وضع أهداف الفرد للمراحل المختلفة في ذروة حياته، فمثلا إن الأهداف تتخذ صورة الثبات التدريجي أثناء العشرين سنة الأولى من حياة الفرد، والتي تؤدي بالتالي بصورة نموذجية إلى تحقيق الذات أثناء فترة الذروة، كما أن بعض الأفراد الذين يتسمون بالحيوية، قد يعيدوا فحص وتأمل هذه الأهداف ويسعون إلى تحقيق أهداف جديدة أثناء المرحلة الرابعة من حياتهم، وعمومًا تميل الأهداف إلى الاستقرار والثبات بالنسبة لمعظم الأفراد، خاصة في النصف الثاني من الحياة، ولقد أوضحت دراسة كاهلن Kuhlen وجونسون Johnson؛ "1952" تبدل الأهداف أثناء السنوات الوسطى لدى مجموعة من مدرسي المدارس العامة، وأوضحا وجود اختلافات جنسية وكذلك اختلافات عمرية، كالحصول على عمل مختلف، أو الترقي في التعليم مثلا.

ويوضح "كوهلن Kuhlen؛ "1964" في نظريته لنمو الإنسان فترة الذروة والانكماش بطريقة مختلفة إلى حد ما، حيث يفترض أن دوافع اتساع نطاق النمو "مثل الإنجاز، والسلطة، والابتكار، وتحقيق الذات" عادة ما يهيمن على سلوك الفرد أثناء النصف الأول من حياته، كما أنها يمكن أن تتغير خلال حياة الفرد بسبب إشباعها نسبيًا "كالحاجة إلى النجاح أو الحاجة إلى الجنس"، وكذلك بسبب انتقال الفرد إلى مراكز اجتماعية

ص: 443

جديدة "كأن يصبح أبا أو أمًا أو مديرًا لمؤسسة

إلخ"، ويشير "كاهلن إلى أن التقدم في العمر الزمني يحدث عملية تحول من الإشباعات المباشرة للحاجات إلى نوع آخر من الإشباعات يحصل عليها بطريقة غير مباشرة أو بطريقة بديلة، وعلى ذلك فإن دورة حياة الإنسان من الممكن وصفها بواسطة منحنى الاتساع ومنحنى الانكماش.

ويصبح القلق والخوف -في النصف الثاني من الحياة- أهم مصادر الدافعية في نموذج "كاهلن"، وقد يبدأ ذلك في منتصف العمر عندما يشعر الإنسان بانتهاء عملية التوسع أو الامتداد، وتقلص نشاطاته وبالتالي يبدأ في التأثر بالتدهور والفقدان الذي لا يمكن الفكاك منه؛ "كالأمراض الجسمية، وموت الأصدقاء، افتقاد فرص العمل"، ولقد أشار "كاهلن" إلى عديد من الدراسات التي أوضحت أنه مع التقدم في العمر يشعر الأفراد بأنهم أقل سعادة كما ينظرون إلى ذواتهم بصورة أكثر سلبية، ويشعرون بفقدان الثقة بأنفسهم ما تتميز هذه المرحلة بازدياد أعراض القلق بين الأشخاص المسنين، ولقد أشارت النتائج أيضًا إلى أن المسنين عادة ما يكون تأثيرهم أضعف على النساء، كما أن المسنين من الطبقات الاقتصادية المرتفعة عادة ما يكون تأثيرهم أقل على النساء من الرجال المسنين في الطبقة الاقتصادية والاجتماعية الأقل.

وبإيجاز فإن وجهة النظر هذه لنمو الراشدين تشير إلى أن دورة حياة الفرد يمكن أن ننظر إليها عن طريق اتجاهين عامين وهما، اتجاه امتداد أو اتساع النضج، واتجاه تقلص أو انكماش النضج، وقد ينظر إلى مرحلة الحياة الوسطى -في بعض الأحيان- بأنها تعتبر نقطة تحول رئيسية بين هذين الاتجاهين المتناقضين، ويحدد بوهلر Buhler نقطة التحول أثناء فترة تقييم الذات، والتي تقع في مرحلة الذروة أو الأوج في منتصف حياة الشخص "ما بين سن الأربعين وخمسة وأربعين"، وجدير بالذكر فإن "كوهلن" لم يوضح نقطة التحول هذه بصورة واضحة، حيث أشار إلى أنها قد تنتج من إشباع دوافع النضج الامتدادي أو الاتساعي المبكر والتي تؤدي إلى ظهور دوافع أخرى، كما أنها قد تنتج عن الفقدان الجسمي أو الاجتماعي أو من الانغلاق في الموقف أو حتى تجاه وجهة النظر المتغيرة الناتجة من أنه قد عاش أكثر من نصف حياته، كما أنها قد تنتج من تفاعل العوامل الاجتماعية والعوامل البيولوجية والعوامل النفسية والتي قد تؤثر على الرجال والنساء، بصور مختلفة، كما تؤثر في الأفراد

ص: 444

من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة بطرق متباينة، والجدير بالذكر فإن "بوهلر" يشير أنه كلما حدث تبدل في الأهداف الموضوعة أو في الدافعية، فإن الإحساس بعدم تحقيق هدف معين يكون أكثر فعالية وأهمية من التدهور البيولوجي والجسمي، في استثارة سوء التكيف والتوافق عند المسنين، ولذلك فإن التعامل مع القلق والخوف أو التهديد عادة ما تكون واضحة -بصورة أكبر- في النصف الثاني من الحياة بينما دوافع النضج واتساع نطاق النمو قد تكون أكثر وضوحًا وبروزًا أثناء النصف الأول من الحياة وعمومًا فإن إحساس الفرد بأنه قد حقق "أو لم يحقق" أهدافه يؤدي به إلى إحساس التكامل والإشباع والعكس بالعكس،

ومن الجدير بالذكر فإنه يجب الإشارة إلى أن كثيرا من جوانب نظرية "بوهلر" ونماذج نظرية كهلن متشابهات بصورة كبيرة مع نتائج الدراسات المعاصرة في النمو التي تناولت فترة الشباب وفترة الرشد الوسطى، وأزمات فترة منتصف العمر.

2-

نظرية بونج لمراحل الحياة:

يجب الإشارة إلى أن وجهة نظر "بوهلر" في مراحل الحياة كانت نتيجة الدراسة التصنيفية والنظامية للسير الشخصية، كما أن مفاهيم "كوهلن" قد اعتمدت على الدراسة الأمبريقية الواسعة، إلا أن وجهة نظر "يونج" لمراحل الحياة قد اعتمدت -بصورة جوهرية- على أعماله الإكلينيكية ونظريته النفسية، فهو يبدأ مناقشته لمراحل الحياة بفترة الشباب، وهي الفترة التي تمتد من بعد المراهقة إلى السنوات الوسطى من الحياة "ما بين 20، 25 سنة"، ولقد كان "يونج" مهتما بالمشكلات النفسية، وعلى الرغم من أنه قد يبدو من المستغرب إلا تتضمن نظريته فترة الطفولة، إلا أننا نجده يشير لتفسير ذلك أنه بينما يكون الطفل بمثابة مشكلة لوالديه ومعلميه والأطباء، إلا أنه لا يكون لديه أنماط من الشك وعدم الثقة في ذواتهم، ففترة الشباب تتضمن التخلي عن أحلام الطفولة، والتعامل مع الغريزة الجنسية ومشاعر الدونية، ويحدث في أثناء هذه الفترة اتساع أفق الحياة، كما يحدث التغير الهام الثاني في حياة الفرد تبعًا ليونج فيما بين 35، 40 سنة، ويوضح يونج وجهة نظره بقوله "أن التغير الذي يحدث في تلك الفترة غالبًا لا يكون تغيرًا شعوريًا أو عامًا، ولكنه بالأحرى أمارات وإشارات غير مباشرة والتي تبدو أنها تحدث داخل

ص: 445

اللاشعور وغالبًا ما تصاحب ببعض الأمور كالتغير البطيء في خصائص الفرد، وقد تظهر في ثمة حالات أخرى، سمات معينة تكون قد اختفت منذ فترة الطفولة، أو قد تبدأ ميول ورغبات في الضعف وأن تحل محلها رغبات أخرى جديدة، وكثيرًا ما تبدأ مبادئ الفرد وتحريمات التعلق أو التدلل خاصة المبادئ اللاأخلاقية أو التحريمات الأخلاقية، غير مرنة، كما تنمو بصورة جامدة حتى يشارف الفرد الخمسين من عمره، وبالتالي يعيش الفرد فترة جمود وحساسية مفرطة، وإذا وجدت تلك المبادئ الجامدة عادة ما تعرض الفرد للخطر وبالتالي يكون من الضروري التدخل الإرشادي والعلاجي لهذه الحالات.

ولقد نظر إلى الاضطرابات العصابية أثناء سنوات مرحلة الرشد، كمؤشر لنقل الفرد والمتاعب السيكولوجية من فترة المراهقة إلى سنوات مرحلة الرشد، مثلما تعكس الاضطربات العصابية في فترة الشباب، عدم قدرة الفرد على تجاوز فترة الطفولة وتخطيها، ويشير "يونج" إلى حدوث تغيرات غريبة مميزة وعميقة الجذور لدى المسنين، فقد يوجد الميل عند بعض الأفراد في التغيير إلى النقيض خاصة في الجوانب النفسية فمثلا قد يصبح الرجل المسن أكثر أنثوية، وقد تصبح المرأة المسنة أكثر ذكرية، ويستطرد يونج بقوله إلى وجود عملية تجمد أو عناد داخلي" تقدم وتقوي تقليص أو انكماش نشاطات حياة الفرد، وبصورة عامة فإننا لا نستطيع أن نحيى في خريف العمر تبعًا لنمط حياة فترة شباب العمر، حيث تصبح الأشياء التي كانت مهمة وعظيمة الأشياء التي كانت حقيقة في شباب العمر، ستصبح سرابًا خادعًا في خريف العمر.

وعمومًا يجب أن يكون هناك بعض الأغراض والأهداف في حياة الفرد، تستمر معه حتى السنوات الأخيرة من حياته، كالاهتمام والرعاية بالأطفال الصغار، ولكن ماذا تكون غرض وغاية الحياة بعد تحقيق ذلك؟ هل يكون غرض الحياة هو التنافس مع الشباب كما يحدث في كثير من الأحيان في المجتمع الحديث؟ ويشير يونج في الإجابة على ذلك السؤال المطروح، أننا نجد في المجتمعات البدائية غالبا ما يكون الأشخاص الكبار مصدر الحكمة وحفظة الأسرار والقوانين، حيث يعبر الميراث الثقافي للقبيلة عن ذلك، وعلى النقيض من ذلك نجد كبار السن في المجتمعات المتقدمة حيث يحدث لديهم فقدان الإحساس الواضح بمعنى وغرض الحياة، وبالتالي يتثبتون على مرحلة شبابهم بدلا من الانتقال على مراحل الحياة

ص: 446

التالية، ويشير يونج أن كثيرًا من المسنين يصلون إلى هذه المرحلة النمائية بمطالب غير مشبعة، ولا يستطيعون مقاومة الارتباط بالماضي، ولكن من الضروري أن يكون لهم هدف وغاية لمستقبل أيامهم، ولهذا يشير إلى أن الأديان السماوية عادة ما تقدم الأمل في حياة أخرى بعد الموت، وبالتالي تجعل الإنسان يحيى النصف الثاني من حياته بآمال وأهداف كما هو الحال في النصف الأول من الحياة. ويستطرد يونج بقوله: إن بعض الأفراد بسبب عدم اعتقادهم بوجود حياة بعد الموت، وعلى الأقل في الشك فيها، قد أصبحوا عرضة للقلق والوهن، مثل بعض الشباب الذين لا يستطيعون تطويق الحياة ومعانقتها، وبالتالي فإن الإيجابية تقتضي أن يكتشف الإنسان أن الموت هو غاية الحياة والنهاية الحتمية للإنسان، ويجب بالتالي أن يتحرر من الخوف والذعر منه، ويتخلص من الاعتقاد بأنه شيء غير عادي أو غير صحي يسلب الغرضية والغاية من النصف الآخر من حياة الإنسان، وسنلقي الضوء على ذلك في الفصول الأخيرة من هذا المؤلف إن شاء الله.

ويستطرد يونج بقوله: "إننا عادة ما نرى أن اهتمام الفرد في النصف الثاني من الحياة يتحول إلى صورة أو اتجاه روحي، أو إلى داخل الإنسان ذاته، وهذا التفجير الداخلي قد يساعد الأفراد على التوصل إلى تفهم معنى الحياة، وكمالها وبالتالي يجعل من الممكن بالنسبة لهم تقبل فكرة الموت، وسنرى تفصيل ذلك في الفصل الأخير من هذا المؤلف.

ص: 447

3-

نظرية فرويد للنمو النفسي الجنسي:

منذ أن فجر "فرويد" أفكاره في أن البواعث الجنسية -بالمفهوم الشامل- موجودة منذ الولادة، وبالتالي استمرارية النمو النفسجنسي، حيث وصف المراحل العديدة للنمو النفسي الجنسي باستفاضة وتفصيل كبير في كتابات التحليل النفسي، إلا أنني أود أن أشير إلى بعض الملامح الرئيسية الهامة في النظرية العامة للتحليل النفسي، وذلك قبل إلقاء الضوء على مراحل نظرية "فرويد" في النمو النفسجنسي.

1-

إن اللذة الجنسية ليست فقط محدودة بالنشاط الذي يرتبط بصورة مباشرة بالأعضاء التناسلية، حيث توجد مناطق أخرى من الجسم تسمى بالمناطق الشبقية Erogenous Zones. وعند تلقيها للمثير المناسب فإنها بالتالي تعطي الإحساس بالمتعة الجنسية "كالغشاء المخاطي في الفم، وكالشرج".

2-

في كل فترة زمنية من نمو الفرد، نجد أن هناك منطقة واحدة من الجسم تميل إلى أن تحل محل المناطق الأخرى كمصدر للذة، فمن خلال المراحل النمائية السوية المختلفة للكائن البشري، نستطيع أن نرى تتابعًا مرتبًا كلما انتقل الفرد، من منطقة إلى أخرى، وذلك للحصول على غايته الجوهرية وهي اللذة، وجدير بالذكر أن هذا الترتيب متشابه عند جميع الأفراد، إلا أن توقيت ذلك يختلف فيما بينهم.

3-

إن السمات الشخصية للفرد يتأثر تكوينها ونموها بطبيعة تكوينه ونموه النفسي الجنسي، وهكذا فإن فشل الفرد في إحلال منطقة من الجسم المنطقة التالية في التتابع كمصدر للذة سيكون لذلك نتائج هامة على سمات شخصيته عند البلوغ.

وبصفة عامة فإننا نستطيع أن نلقي الضوء على معنى هذه المبادئ العامة، وذلك عن طريق وصف المراحل النفسية الجنسية في ترتيبها العادي من حيث الظهور.

أ- المرحلة الفمية Oral Stage:

لقد أكد "فرويد" أن الطفل يزاول عملية الرضاعة ليس فقط

ص: 448

ليحصل على الغذاء، ولكن لأن عملية الرضاعة لذة في حد ذاتها، ومتعة وفي الحقيقة فإن عملية الرضاعة من صدر الأم، يقال: إن لها سمة جنسية لكل من الطفل الرضيع وأمنه، الجنس إذن بالمعنى الفرويدي الواسع نستطيع أن نتعرف عليه أولا عن طريق الفم وليس الأعضاء التناسلية "وبمعنى آخر إن الجنس يتماثل أو يتطابق مع عملية الرضاعة"، وذلك حتى استثارة أغشية الفم في غياب التغذية، إذ إن الطفل الرضيع سيمتص تقريبًا أي شيء يصل إلى فمه، وبظهور الأسنان والتي تعطي الطفل القدرة على العض حينئذ يمكنه الحصول على اللذة من العض العدواني، وكذا من الامتصاص الحسي.

ب- المرحلة الشرجية:

فيما بين السنة الأولى والسنة الثالثة من حياة الوليد البشري، نجد أن النشاط الفمي يقل في أهميته النسبية نوعًا ما، ويصبح النشاط الشرجي أكبر من حيث الأهمية، ولقد أشار "فرويد" أن الطفل يتمتع بكل من عملية الطرد أو الاستبقاء ما بداخل أحشائه، ويستطرد "فرويد" بقوله إن الناشط الشرجي ممتع بصورة مباشرة، أو ممتع فسيولوجيًا، أي أن استثارة نهايات العصب الحساس في الأمعاء وحول فتحة الشرج تخلق أحاسيس لذيذة لدى الطفل، ولكن النشاط الشرجي يصبح أيضًا مركزًا للتفاعل بين الوالدين والطفل، فمثلا عن طريق تدريب الطفل على عملية التبرز، فإن الوالدين قد يزيدا من حساسية الطفل لهذه المنطقة، وقد يحصل على متعة إما بطرد أو استبقاء البراز وذلك يرجع إلى الاستجابات الوالدية لتدريبات تبرزه، والتبرز بصورة مناسبة ربما يجلب المكافأة وذلك عن طريق الثناء من والديه، أما إذا تبرز في وقت أو مكان غير مناسب "أو لم يتبرز على الإطلاق، فقد يكون ذلك بمثابة إحدى الطرق القليلة التي يعبر بها الطفل عن العداء لهم.

ج- المرحلة القضيبة Phallic Stage:

إن المرحلة الشرجية تمهد الطريق بدورها إلى تقوية الاهتمام بالأعضاء التناسيلة كمصدر أولي للإحساس بالمتعة، حيث إن السنوات ما بين ثلاثة إلى خمس أو ست سنوات لها تأثير في تقوية الإشباع الجنسي عن طريق لمس الطفل لأعضائه التناسلية، إذ إننا نلاحظ خلال هذه الفترة أن الطفل يجد متعة أساسها المداعبة باليد، حيث إنه لم ينضج فسيولوجيًا إلى الحد الذي يجعله قادرًا على الإيفاء بالممارسة للفعل الجنسي مع أفراد

ص: 449

الجنس الآخر، ومع الأهمية المتزايدة في استثارة الأعضاء التناسلية تنشأ ظروف سيكولوجية معينة، حيث إننا يجب الآن أن نضع في الاعتبار ما يسمى بقلق الخصاء، وحقد القضيب، وعقدة أوديب "عشق الابن لوالده من الجنس الآخر".

قلق الخصاء هو خوف الصبي، عندما يكتشف اللذة من الاستمناء Masturbation من أنه قد يفقد قضيبه وذلك باستئصاله عقابا له، إن الوالدين في محاولة منع الصبي من العادة السرية قد يكون عن طريق تخويفه وقد يدرك تحذيراتهم على أنها تحذيرات أو وعود بالخصاء.

والخصاء كإمكانية واقعية تتجسد في عقل الصبي عندما يلاحظ أن البنت ينقصها عضوا للذكورة، ويستنتج أنها قد عوقبت باستئصال أعضائها وربما يحدث ذلك بالنسبة له.

والبنت الصغيرة تبعًا لآراء "فرويد" على عكس ذلك، تتأثر بحسد القضيب وذلك عن طريق ملاحظتها أنها تنقصها مصدر اللذة الذي هو عند الصبي "عضو ذكورته"، ومن ثم فإنها تصبح حاسدة، إنها قد تستنبط أيضًا بأن أعضاءها قد استؤصلت بسبب بعض الأفعال الخاطئة التي أتتها.

وجدير بالذكر أنه إذا ما كون الصبي قلق الخصاء، أو أصيبت البنت بحسد القضيب، فإن سلوكهما قد يتأثر بصورة عميقة.

وخلال المرحلة القضيبية، فإن عقدة أوديب "أو عقدة أليكترا عند البنت" وحل كل منهما، يلعب دورًا جوهريًا في تحديد مجرى التكوين النفسي في المستقبل، هذا المفهوم معقد للغاية، ولكن الفكرة الجوهرية فيها يمكن إيجازها فيما يلي، إن الصبي يميل جنسيًا نحو أمه، وتميل البنت نحو أبيها، وبما أن مزاولة أو تحقيق مثل هذه العلاقات المحرمة من المحال، فإن الطفل يجب أن يتخلى عن الموضوع ويصبح موجه جنسيًا نحو شخصيات غير أبوية، وكيف يعمل الصبي أن يتداول مع مشكلته في هذا المجال، وجدير بالذكر أن هذا الأمر على أهمية كبيرة بالنسبة للنمو النفسي في المستقبل لدى "فرويد".

د- مرحلة الكمون Latency Stage:

مع اقتراب نهاية مرحلة الحضانة تتقلص الدوافع الجنسية في أهميتها تبعًا لوجهة نظر "فرويد" حيث تكبت الدوافع أو البواعث

ص: 450

الشهوانية نحو الوالدين، ويلقي الصبي بنفسه في تنمية مواهبه ومهاراته والتي تكون خالية نسبيا من التورطات الجنسية، ولقد كان اعتقاد "فرويد" أن هذه المرحلة من الكمون هي جزء من نمط بيولوجي فطري، إلا أن الدراسات التالية فشلت في تأكيد هذا الرأي، والواقع أن هناك أدلة تستحق الاعتبار والتي تشير إلى أن قدرًا كبيرًا من حب الاستطلاع والاستكشاف الجنسي تستمر خلال سنوات المدرسة الابتدائية، إلا أننا نرى أن الأطفال يصبحون مهرة جدًا في إخفاء هذا النشاط عن الآباء والمدرسين المعارضين لهذا النشاط.

هـ- المرحلة التناسلية Genital Stage:

بدخول الطفل مرحلة البلوغ، فإنه بذلك يدخل فترة نأمل أن تتوج بتكيف في النضج الجنسي الغيري، والشخص الذي يصل إلى هذه الحالة فقد وصل بتعبير "فرويد" بالتوافق النفسي الجنسي للمرحلة التناسلية، مثل هذا الشخص لا يحصل على الإشباع الأولي من الممارسات الفمية الشرجية، أو الإهاجة الذاتية، وأنه غير مقيد بقلق الخصاء أو بحسد القضيب، وغير قادر على إقامة علاقات جنسية مثلية شاذة وذلك بسبب حل عقدة أوديب أو عقدة ألكترا حيث يصل إلى لذته ومتعته الجنسية العميقة عن طريق المعاشرة الجنسية مع شريكه من الجنس الآخر والتي يحبها ويحترمها.

4-

نظرية أريكسون:

تعتبر نظرية "أريكسون" من أول النظريات التي تتعامل مع ارتقاء الفرد من الطفولة حتى الشيخوخة، وهي نظرية نفسية اجتماعية، ويبني "أريكسون" أفكاره على نظرية "فرويد" في التحليل النفسي ويعتبرها بمثابة حجر الأساس الذي يبني عليه كل ما تقدم في هيكل نظريته الكاملة، حيث يهتم "أريكسون" وكذلك "فرويد" بالعلاقة العاطفية بين الأفراد أكثر مما يهتما بالشخصية كما هي.

إن اضطراب الشخصية يعتبر اختلالا في التوازن اللبيدي في كل أهل المنزل، ومع نضج الطفل يؤثر على الأسرة بقدر ما تؤثر عليه، والمجتمع في حاجة المواليد من أجل استمراره، كما أن الوليد في حاجة للمجتمع من أجل تغذيته، إن الطفل الوليد يشعر بالمجتمع الأول مرة من خلال

ص: 451

جسمه، فالملامسات الجسمية ذات الدلالة هي أولى الأحداث الاجتماعية التي يواجهها الرضيع، وهي تكون بداية الأنماط النفسية لسلوكه الاجتماعي في المستقبل.

وعمومًا فإن نظرية "أريكسون" ركزت على ما يلي:

1-

ركز "أريكسون" على منطقة الـ"أنا" Ego التي أشار إليها "فرويد" في نظرية التحليل النفسي أكثر من تركيزه على منطقة الـ"هي" ID، واهتم بصراع الإنسان من أجل الكفاح والسيطرة، ولكنه لم يعط نفس القدر من الاهتمام للغرائز كما فعل "فرويد".

2-

قدم "أريكسون" الطفل في علاقته بوالديه داخل الإطار الأسري، وركز اهتمامه على التفاعل بين أفراد الأسرة، بينما قدم "فرويد" الطفل في إطار واقعية مثلث الطفل، الأم، الأب.

3-

اهتم "أريكسون" بتحديد فرص النمو لدى الفرد لتعينه على التصدي للأزمات النفسية في الحياة، حيث ركز على الحل الناجح لأزمات النمو، وأن كل أزمة سواء كانت نفسية أم شخصية أم اجتماعية تؤدي إلى نضج الفرد في حين اهتم "فرويد" باللاشعور وبالمكبوتات وحذر من التدهور الاجتماعي للفرد إذا ما ترك فريسة للضغوط الداخلية الكامنة في اللاشعور والتي يكون لها دور أساسي في تحديد الأسباب المؤدية للمرض النفسي.

وبذلك يصف أريكسون نظريته في ثمة مراحل متتابعة من مراحل النمو، وتقع المراحل الثلاثة الأخيرة منها في مرحلة الرشد والشيخوخة والمراحل الخمس الأولى هي أساسًا إعادة تشكيل وامتداد لمراحل النمو النفسي، الجنسي لدى فرويد.

غير أن هذه المراحل بالنسبة لأريكسون هي مراحل دائبة الحركة، حيث إن الفرد لا يملك شخصيته أبدًا، بل هو دءوب على إعادة تنمية شخصيته.

ويركز "أريكسون" في كل مرحلة على كلمة حاسة Sense وذلك

ص: 452

لأن الشعور بالإنجاز أي تحقيق إحساس إيجابي بالفعل يعتبر من أهم العوامل الحاسمة لتحقيق مطالب النمو في المراحل التالية.

كما أن مفهوم الأزمة Crisis يلعب دورًا مهمًا في نظريته حيث إن كل مرحلة من مراحل النمو توجد بها فترة أزمة "أي نقطة تحول" Turning Point وهذه النقطة إذا ما تم التعامل معها بنجاح فإن المريض يبرأ ويشفى من سقمه، وبالتالي إذا ما تعامل الوالدان بنجاح مع طفلهما عند هذه النقطة فسيصلون به إلى بر الأمان ويتكون لديه إحساس إيجابي بانجاز مطالب نمو مرحلته التي يعيش فيها ويعمل على تحقيق مطالب النمو للمراحل التالية.

ويمكن اعتبار أن لكل مرحلة أزمة رأسية تنتهي بحل نفسي اجتماعي فردي، وأزمة أفقية تتطلب حلا على المستويين الفردي والاجتماعي لمشكلة القوى الدافعة، كما أن حياة الفرد تتخللها فترات خاصة من الأزمات أو نقطة تحول سواء كانت نقطة التحول في حياتنا أو في نمونا حيث تمر لحظات من التردد واتخاذ القرار في اتجاه النضج والتقدم والتكامل أو النكوص والتأخر.

ولقد استخدم "أريكسون" كلمة ضد Versus أو في مقابل للدلالة على وجود صراع حيوي بين قوتين متضادتين يولد تحديات للأنا لتنشط وتجد حلا ناجحًا مشتركًا لفض هذا الصراع في كل مرحلة من مراحل النمو، وتتولد حركة تصاعدية في معدل نضج الفرد، وهكذا ينتقل الفرد من مرحلة إلى مرحلة أخرى في تسلسل منتظم من النمو.

وقد تناول بعض المتخصصين نظرية "أريكسون" ومراحل النمو فيها باعتبارها نظرية نفسية، اجتماعية، في التحليل النفسي، وتناولها بعضهم مقارنة بمراحل النمو في نظرية "فرويد" للتحليل النفسي كنظرية نفسية جنسية في النمو.

ص: 453

مراحل النمو عند "أريكسون":

أولا: مرحلة المهد "أو الرضاعة" Infancy

الثقة مقابل فقدان الثقة Trust Versus Mistrust:

إن الأطفال الرضع في هذه المرحلة "خلال السنة الأولى من ميلادهم ينمون إحساسات نسبية بالثقة أو عدم الثقة في العالم المحيط بهم ويكون ذلك من خلال الأم حيث تلعب خبراتهم الأولى دورًا حاسمًا في هذه المرحلة، فالطفل يقابل المجتمع بفمه حيث يتلقى ويعطي الحب بفمه من خلال السلوك الانضمامي مع الأم حين تبرز البيئة من خلال ثدي الأم أو زجاجة الرضاعة البديلة، حيث إن الحب والدفء والحنان وبهجة الاعتماد تنتقل إلى الطفل عندما تضمه وتحتضنه أمه، فيشعر الوليد بالدفء والابتسامة العذبة، ويتنامى شعوره بالأمان.

كما يتم اختبار العلاقة بين الطفل وأمه مرة أخرى من خلال مرحلة العض وإحداث الألم مع بداية ظهور أولى الأسنان، والعض على ثدي الأم مما قد يسبب انسحاب الأم، ويتولد لدى الطفل إحساس جديد للإمساك والعض بحدة وبشكل أشد، ورغم ذلك فإن الأم تستجيب له ولاحتياجاته وتقوم برعايته.

ومن هنا، فإن كل نتيجة ناجحة لثقة الطفل بأمه نتيجة لكفاءتها في رعايته تؤدي إلى ثقته بنفسه وبالعالم من حوله، مما يؤدي إلى توليد توقعات أخرى مقبولة لخبرات ثقة جديدة.

ولذلك تكون حاسة الثقة الأساسية لدى الطفل بالتعارض أو مقابل حاسة فقدان الثقة الأساسي، وهي نقطة التحول إلى الفترة الحرجة في مرحلة نموه الأولى، وتقابل هذه المرحلة، المرحلة الفمية Oral Stage عند فرويد، وقد تحدث بعض المشكلات الشخصية لدى الفرد ويكون أساسها هو المرحلة الفمية المصية أو بلغة "أريكسون" مرحلة الإحساس بالثقة التي تكون الأم المؤثر الأساسي فيها.

ص: 454

2-

الطفولة المبكرة، الاستقلال الذاتي مقابل الخجل والشك:

Early Childhood-Autonomy Versus Shame and Doubt:

الأطفال في هذه المرحلة "من 2-3 سنوات" يرتقي لديهم النضج العضلي ويصاحب ذلك قدرتهم على الإمساك بالأشياء، وتركها، حيث إن الطفل في هذه المرحلة يتفاعل مع العالم من خلال إمساك الأشياء وإسقاطها، وكذلك أيضًا من خلال عمليات التدريب على التحكم في الإخراج، وتكون بذلك المنطقة الشرجية محورًا لجهود الطفل الجسمية والنفسية والاجتماعية، حيث إن التدريب على الإخراج يعكس العلاقة بين الطفل ووالديه، من حيث كيفية تأسيس القواعد المتفق عليها من الجانبين.

وهذا لا يتأتى من خلال قيام الأم بوظيفتها كما يجب نحو رعاية طفلها وثقتها فيه وموافقتها على الوقت والمكان المناسبين لتصريف فضلات طفلها وتقابل هذه المرحلة الشرجية Anal Stage عند فرويد.

كما أن الطفل في هذه المرحلة يجد صعوبة بالغة إذا وجد داخل حدود معينة محددة لنشاطه، فهو يريد أن يستطلع كل ما حوله بنفسه ويحقق إنجازات جديدة، ولذلك يركز "أريكسون" على النمو السوي للأنا التي تسمح للطفل بإدراك الحياة وتكامل استقلاله الذاتي، حيث إن تدريب الوالدين للطفل على نظام التواليت يؤدي إلى إحساسه بالثقة والسيطرة على النفس والاعتزاز بها دون أدنى فقدان لكرامته وبالتالي ينبع لديه إحساس قوي ودائم بالكبرياء والاستقلال الذاتي، وعلى عكس العجز العضلي والشرجي للطفل الذي يفقده السيطرة على نفسه ويولد لديه إحساسا بالاعتماد المفرط على الوالدين والذي يتبعه إحساس دائم بالخجل والشك.

ولذلك فإن المسئولية تقع على عاتق الأبوين من حيث معرفتهم وفهمهم لحدود نمو طفلهم وما يفترض منه أن يعمله وما لا يعمله لأنه لا يزال قابلا للتشكيل، وكذلك متى يمنحونه الحرية في بعض الجوانب ومتى يتشددون في جوانب أخرى، فينعكس ذلك على إحساس الطفل بالتسامح وتأكيد الذات وأيضًا منحه استقلالا تدريجيًا يؤدي إلى أن يكون نموه أكثر صحة.

ويرتبط إحساس الخجل أيضًا بخبرات الطفل عندما ينتصب واقفا لأول مرة ويجد نفسه صغيرًا، مترددًا بلا قوة في عالم الكبار.

ص: 455

وفي هذه المرحلة يطعم الطفل نفسه ويمشي ويرتدي ملابسه ويفتح الأشياء ويغلقها بمفرده، ويوضح "أريكسون" أن ميلاد طفل جديد على الطفل الموجود في الأسرة يعتبر منافسًا له ويقابله بالغيرة، ولذلك لأن هذا المولود الجديد الدخيل سوف يتطلب قدرًا كبيرًا من رعاية واهتمام الوالدين به، وبخاصة الأم.

3-

سن ما قبل المدرسة، المبادأة مقابل الذنب:

The Preschool Age-Initiatve Versus Guilt:

الأطفال في هذه المرحلة من "3-6 سنوات" يمرون بخبرات كثيرة تتعلق بالقابلية للحركة، فيتحركون كثيرًا، ويمشون، ويجرون، ويقفزون وبعض الآباء والأمهات يحدون حركة الأبناء خوفًا من إفساد ترتيب المنزل.

وترتقي اللغة والخيال بالطفل ويتعلم أن يخطط وينفذ ما خططه، ويتحرك من خلال اتجاهاته وأهدافه، فهو الآن يتعرف على الفروق بين الجنسين، ويطرح أسئلة كثيرة وبخاصة للوالدين، ويبدأ في خلالها في فهم الكثير من أسرار الحياة الماضية واللاحقة.

وهذا بالتالي يؤدي إلى توسيع دائرة مجالات أنشطته وخيالاته وخاصة إذا وجد الإجابة على أسئلة لدى الوالدين.

ومن هنا فإن النمو النفسي في هذه المرحلة يتركز على أن منظمات الهو والأنا والأنا العليا تعمل جاهدة على أن يكون هناك توازن متبادل داخل الفرد حتى يصير وحدة نفسية متكاملة، وشخصية لها حقوقها.

وينعكس ذلك على علاقة الطفل بوالديه لأن شعور الطفل النامي يتكون من خلال الأنا العليا للوالدين ومن تراثهما الثقافي الاجتماعي المنبثق من ثقافة المجتمع، وبالتالي ينمي الطفل ضميرًا واتجاهًا والديا يعمل على ملاحظة الذات وتوجيهها وكذلك عقابها حتى يحافظ على اتزانه.

إن ارتقاء الطفل الآن يساعده على القيام بأشياء كثيرة عما كان يقوم به من قبل وبالتالي يتولد لديه إحساس بالإنجازات الحقيقية، وأحيانا يتعرض للحظات يتولد فيها الخوف من الخطر والإحساس بالذنب.

ص: 456

وتقابل هذه المرحلة القضيبية Phallic Stage عند فرويد، وتظهر العقدة الأوديبية على المستوى اللاشعوري من خلال حب الولد لأمه، وكذلك عقدة ألكترا وهي حب البنت لأبيها، ويؤدي حب الطفل لأبيه من الجنس المخالف لأن ينشأ إحساس بالتنافس لدى الطفل مع أحد الوالدين من نفس جنسه، وسرعان ما يخاف الطفل ما تنافس هذا الوالد من أن يفقد حبه فيتوحد به ويتخذه نموذجا للذات العليا أو الذات المثالية محاولا تحقيق طموحات هذا الأب أو هذه الأم.

وكذلك يحتاج الطفل إلى أصدقاء يشتركون معه في التنفيس عن أزمات حياتهم من خلال مختلف الألعاب.

ومن هنا فإن وعي الوالدين وفهمهم لطبيعة نمو أطفالهم في هذه المرحلة يساعدهم على اختيار السلوكيات التربوية السليمة أثناء تنشئة الأبناء وذلك من أجل تحقيق مطالب نموهم "على سبيل المثال لا الحصر تصفية العقدة الأوديبية" كي يجتازوا أزمة هذه المرحلة بنجاح.

4-

سن المدرسة، الاجتهاد مقابل الشعور بالنقص أو الدونية:

The School Age-Industry Versus lnferiorit:

يميل أطفال هذه المرحلة من "6-12" إلى نشاط متزايد نحو بذل أقصى جهد في انتاج أي عمل يقومون به، حيث إن إحساس الطفل بأنه لا يزال طفلا وأنه شخص غير كامل النمو كالكبار وأنه ليس على قدم المساواة معهم يولد لديه إحساس بالنقص.

إن سرعة النمو الجسمي تقل في هذه المرحلة ويعرف الطفل جيدًا حدوده النفسية والاجتماعية "وأنه كائن حي ينمو" والتي يتعامل من خلالها مع واقعه الذي يعيش فيه دون أن يفقد كرامته أو احترامه لذاته لأنه في هذا السن يكون قد تغلب على صراعه مع القوى الأوديبية، وهذه المرحلة تقابل مرحلة الكمون Larency Stage عند فرويد.

ويصل الطفل للنجاح الذي ينشده ويسعى إليه من خلال إحساسه بإجادة وإنجاز أي عمل يؤديه على أكمل وجه، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال مسئولية الوالدين نحو تشجيع أبنائهم لإنجاز الأعمال التي يقومون بها وعلى درأ الفشل وتحويله إلى نجاح وإنجاز.

ص: 457

في هذه المرحلة تنتقل حركة اللعب إلى الإحساس بالعمل، حيث إن الطفل كان يلعب خلال نشاطاته ولم يوجه اهتمامه نحو النتائج، أما الآن فإنه يحتاج إلى القيام بالأشياء بشكل جيد حتى ينمي لديه إحساسه بالرضا عن أي عمل يؤديه، وإلا سوف تولد لديه إحساس بالنقص، فالطفل يدرأ الفشل بأي ثمن، فالخوف الكامن لديه من الفشل يؤدي إلى مضاعفة الجهد في العمل من أجل النجاح.

وطالما أن هناك توازنًا متبادلا بين الهو، والأنا، والأنا العليا، عند الطفل، فإنه يستطيع السيطرة الناجحة في حدود سنة على مهام الأنا، فسوف تظل الهو والأنا العليا في أمكان وداخل حدود آمنة.

في هذه المرحلة يميل الجنسان "أي كل من الأولاد والبنات" إلى الانفصال فيما يختص بعادات اللعب، كما أن اللعب يفقد أهميته عند الطفل في نهاية هذه المرحلة، وتتميز هذه المرحلة أيضًا بزيادة قدرة الطفل على الاستدلال والاستنتاج.

ويتخذ عالم الأقران أهمية كبرى بالنسبة للطفل، فهم ضروريون من أجل احترام الذات، وهم المعيار الذي يقيس به الطفل مدى نجاحه أو فشله ومن خلالهم أيضًا يحقق الطفل ذاته خارج نطاق الأسرة.

وباعتبار الوالدين هما المؤثر الأساسي على الطفل، فسلوكيات الإفراط الزائد في التدليل والاعتمادية الكلية عليهم ستتحول إلى الاعتمادية على المدرسة والمؤسسات الاجتماعية التي تساهم في تنشئة الأبناء.

5-

المراهقة الهوية مقابل اختلاط الهوية:

Adolescence-ldentity Versus Role Confusion:

المراهقون والمراهقات في هذه المرحلة من "12-18" سنة يعملون على إحداث تكامل وتنظيم للخبرات السابقة في شكل كل جديد، ولذلك فهم يتساءلون على أدوار ونشاطات من كانوا يتوحدون معهم ويتخذونهم نماذج يحتذى بها، فهم الآن يحاولون جاهدين القيام بأدوار جديدة، ومن ثم ينمو لديهم إحساس جديد بالهوية الذاتية مع العلم أنه توجد بعض الحالات المبالغة في التوحد "إلى فقدان الهوية" مع بعض الأبطال أو نجوم السينما أو القادة الموجودين في ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد، إن إحساس الفرد بذاتيته وهويته يساعده في سيطرته على مشكلات الطفولة التي تعرض لها.

ص: 458

وعندما ينضج الطفل تزداد سرعة نموه جسميًا في هذه المرحلة، والتغيرات النضجية الجديدة التي يتعرض لها تؤدي إلى تغيرات نفسية وبيولوجية، وحينئذ فإن ثقته في جسمه وسيطرته على وظائفه تتزعزع لأنه قد حدث خلل في التوازن بين منظمات الـ"هو" والـ"أنا" والـ"أنا العليا" ولذلك يجب على الفرد أن يستعيد هذا التوازن تدريجيًا بإعادة تقييم نفسه وإدماج قوى نفسية جديدة تساعده على إعادة توازنه.

ويطمئن الفرد لتقييمه لنفسه من خلال أقرانه الذين يمرون مثله بحالة تغير مستمر، وكل منهم يبحث عن ذاته وهويته، حيث أن تكرار المراهق لبعض الأشياء أثناء حديثه مع فرد من نفس جنسه "على سبيل المثال لا الحصر فمن الممكن أن يكرر الحديث الذي تم بين اثنين مراهقين أثناء رجوعهم من المدرسة أيضًا في التليفون بمجرد وصول كل فرد منهم إلى منزله وأيضًا اللغة الجديدة التي يبتدعونها بينهم وهي اللغة المخالفة للغة المقبولة في المجتمع الذي يمشون فيه، يعتبر هذا من قبيل وسائل البحث عن الهوية.

وهذه المرحلة تقابل المرحلة التناسلية Genital Stage عند فرويد.

ومن هنا فالعلاقة بين الفرد ووالديه هي علاقة عابرة، فالوالدان لا يدخلان في حياة الفرد في هذه المرحلة إلا بحكم تاريخهما الاجتماعي والنفسي المشترك، وفيما عدا ذلك يظلان هما الكبار الذين لهما أهميتهما في حياة الفرد.

إن الإحساس بالذاتية والهوية يشتمل على قدرة الفرد على إحداث تكامل بين خبراته الماضية واستعداداته ومهاراته التي نمت وكذلك الفرص المختلفة التي يقدمها له المجتمع، والثقافة من أجل الوصول إلى هذا التكامل، ولذلك فصعوبة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة ثم إلى الرشد تتأثر بشكل قوي بالقيود والإمكانات المطروحة من قبل المجتمع والوالدين.

ويعاني الفرد في هذه المرحلة من اختلاط واضطراب الأدوار الخاصة بجنسه "هل هو طفل، طفلة، أو ذكر كامل، أنثى كاملة؟ "، وتتألق جاذبيته وهويته أمام الجنس الآخر، ويشعر بالعزلة والفراغ والقلق والتردد.

ص: 459

وله فلسفته وعقيدته الفكرية الخاصة به، ويعتبر مظهره هو مصب اهتمامه.

ومن هنا فإن المسئولية تقع على عاتق الوالدين في مساعدة أبنائهم لتحديد هويتهم وشغل أوقات فراغهم وكيفية اتخاذ القرار والبعد عن العزلة.

6-

الرشد المبكر الألفة مقابل العزلة:

Young Adulthood-Intimacy Versus Isolation:

يرى "أريكسون" أن تحقيق النضج النفسي للأفراد "الشباب البالغ" في هذه المرحلة "15-35 سنة" يتطلب نموًا نفسيًا واجتماعيا مستمرًا وخاصة الألفة الاجتماعية مع الجنس الآخر تمهيدًا لاختيار شريك الحياة في العلاقة الزوجية، ليس هذا فقط بل أيضًا تكريس الجهود في اختيار الحياة في العلاقة الزوجية، بل واختيار المهنة المناسبة، فإذا لم تشبع هذه الجهود في الزواج أو اختيار العمل المناسب لقدرات الفرد أدى ذلك إلى أزمة نمو وإحساس بالانعزال في كل من مجالات الحب والعمل.

ففي هذه المرحلة تبلغ قوة هوية الأنا ذروتها النهائية عند التقاء القرينين، بحيث تكون هوية الأنا في أحدهما أكثر تجسيدًا لتكملة الآخر في بعض النقاط الأساسية المشتركة بينهما.

ومن هنا يكون القرينان قادرين على المشاركة معًا والالتزام والانتماء وتكوين علاقات اجتماعية إيجابية مع الآخرين وكذا علاقات حب ومودة بينهما تتوج بالزواج، وبدون مشاعر الالتزام هذه وكذا مشاعر الحب الحميمة بين القرينين يصبح الفرد منعزلا في بقائه أعزبًا وعاجزًا عن الإتيان أو الاحتفاظ بعلاقات إيجابية مع الآخرين لفترة طويلة، وهذه المرحلة تقابل استمرار المرحلة التناسلية عند فرويد Genital Stage Con-tinues.

7-

منتصف العمر، الانتاجية مقابل الركود:

Midle Age-Generativity Versus Stagnation:

يرى "أريكسون" أن التزام الأفراد في هذه المرحلة "منتصف العمر" من "25-60 سنة" بمشاعر الحب الحميمة تساعدهم على تأسيس وحدة

ص: 460

جديدة تقوم على الثقة والألفة المتبادلتين بين القرينين فيشمل ذلك المشاركة في إعداد منزل الزوجية لبدء دورة جديدة من النمو، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال المشاركة في تقسيم العمل وتحديد المسئوليات داخل منزل الزوجية المشترك.

كما أن الانتاجية تشمل أيضًا اهتمام الزوجين ورعايتهما لأطفالهما، ولا تتوقف الانتاجية عند هذا الحد، بل تشمل أيضًا الاهتمام بالأفكار والنواتج الأخرى التي أنتجها الزوجان.

الإنتاجية مهمة للزوجين ولنا جميعًا من أجل الاحتفاظ بصحتنا وأفكارنا، وكذلك من أجل مثلنا ومبادئنا، وإذا لم يشترك الزوجان معًا في إعداد منزل الزوجية وفي اتساع دائرة اهتمامهما وإنتاجيتهما معًا سيقعان في براثن الملل والركود، وهذه المرحلة تقابل استمرار المرحلة التناسلية عند فرويد.

8-

السن المتقدم، التكامل مقابل اليأس:

Later Life-Integrity Versus Despair:

في هذه المرحلة من العمر "60 سنة فما فوق" عندما ينجب الراشد ويقوم برعاية الجيل الجديد يكتسب رؤية وإحساسا بالتكامل، حيث يتقبل الراشد دورة الحياة الجديدة والفريدة بما فيها من إيجابيات وسلبيات من انتصارات وهزائم بما فيها من مظاهر تفوق ومظاهر رسوب، إن هذا يفضي ويعكس إحساسًا بالنظام والمعنى لديه وإلى تقبل الذات وتوافقه وتكيفه.

كما إن عدم توصل الراشد إلى درجة مقبولة من تقبل ذاته والتكيف معيًا فاحتمالات سقوطه في براثن اليأس تتزايد، ويشعر في هذا الوقت وتكيفه.

كما أن عدم توصل الراشد إلى درجة مقبولة من تقبل ذاته والتكيف معها، فاحتمالات سقوطه في براثن اليأس تتزايد، ويشعر في هذا الوقت بأن الحياة قصيرة، وينعكس ذلك على خوفه من الموت، ومدى احتقاره ورفضه للقيم وأساليب الحياة الأخرى، وهذه المرحلة أيضًا تقابل استمرار للمرحلة التناسلية عند فرويد.

وتتميز هذه المرحلة النهائية بتزايد وعي المرء بمحدودية الحياة، واقتراب الموت، والعمل الهام الذي يحدث أثناء تلك المرحلة هو تقييم الفرد لحياته ولإنجازاته، وليؤكد الفرد لذاته بأن حياته كانت عبارة عن خبرة أو

ص: 461

مغامرة ماضية أو مجموعة من الأحداث الماضية، وقد يكون ذلك شعور التكامل، ونقيض ذلك يتمثل في الإحساس باليأس والاشمئزاز، وهو الشعور أو الإحساس الوجودي باللامعنى، وإحساس المرء بأن حياته الكاملة كانت مفقودة أو مضيعة، أو يجب أن تكون على نقيض ما كانت عليه، والنضال الديالكتيكي بين هذين الإحساسين المتناقضين يتمثل في وجود التكامل في هذه الفترة، والإنتاج المعرفي، إن الشخص الذي يتسم بالتكامل والاهتمام النشط بالحياة نفسها في مواجهة الموت نفسه، عادة ما يصل إلى تكامل الخبرة وذلك على الرغم من تدهور الوظائف الجسمية والعقلية التي يشعر بها.

5-

بيك، وصقل وتنقيح نظرية "أريكسون":

قد يشار إلى أن المرحلتين الأخيرتين من مراحل نظرية "أريكسون" تتضمنان معظم السنوات الوسطى والأخيرة من دورة حياة الإنسان، وفي هذا المعنى فإنهما يميلان إلى أن يكونا أكثر عمومية في تركيزهما أو اهتماماتهما إذا ما قورنتا بالمراحل السابقة وعلى الرغم من أننا يمكن أن نقسمهما إلى مرحلة مبكرة وأخرى متأخرة بناء على عملية التداخل التي تحدث في كل مرحلة إلا أنهما مع ذلك سطحيتان وعامتان بصورة كبيرة، وهذه الأسباب جعلت بيك Peck يحاول تحديد المؤشرات والدلائل الحاسمة لفترة منتصف العمر وفترة الشيخوخة بصورة أكثر دقة، حيث اقترح سبعة مؤشرات رئيسية في هاتين المرحلتين، وتتمثل في التحديات الآتية:

1-

أهمية الحكمة في مقابل أهمية القوة الجسمية.

توجد نقطة تحول أثناء الأربعينات من العمر، حيث يشعر الأفراد الذين يتعلقون بالقوى الجسمية بالإحباط كلما تدهورت هذه القوى إلا أن الأفراد الذين يهتمون باستخدام قدراتهم العقلية كمصدر أولي يبدو أنهم يعيشون بصورة أكثر إيجابية ونجاحًا.

2-

التنشئة الاجتماعية في مقابل الجنسية في العلاقات الإنسانية:

إذا أعيد تقويم الرجال والنساء كأفراد وكأزواج أو رفقاء تبعًا للعامل الجنسي نجدهم أقل فعالية إذا ما قورنوا بالمراحل السابقة، وبالتالي فإن العلاقات الشخصية المتبادلة قد تحدث حينئذ على مستوى أعظم من العمق في الفهم ويحدث تدعيمًا للعلاقات الزوجية خاصة أثناء تلك الفترة التي يترك فيها الأبناء المنزل ويستقلون بأنفسهم.

ص: 462

3-

المرونة النفسية في مقابل الجمود النفسي:

نقصد هنا تبدل أو تغير الانفتاح الانفعالي والعاطفي، فعندما يموت الآباء ويتفرق الأصدقاء، ويستقل الأبناء بذواتهم يمكن للأفراد أن يوسعوا من مجالات اهتماماتهم وفرصهم لتوسيع دائرة أصدقائهم، وأن يحاولوا تكوين علاقات عاطفية جديدة مع أبنائهم.

4-

المرونة العقلية في مقابل الجمود العقلي:

هل يمكن للفرد أن يستمر في الانفتاح والتقبل للخبرات والتفسيرات الجديدة، أم إن خبرات الفرد الماضية تملي عليه مجموعة من القواعد غير المرنة والتي تجعل الفرد متعلقًا في بحثه عن ثمة إجابات جديدة أو مختلفة للمشكلات الحالية.

يشير "بيك" Peck إلى حدوث مؤشرات ثلاثة رئيسية لدى المسنين.

أ- تمييز الأنا في مقابل الاستغراق في دور العمل، وتتمثل المهمة هنا في بناء مجموعة متنوعة من الأنشطة ذات القيمة، وبالتالي فإن في بناء مجموعة متنوعة من الأنشطة ذات القيمة، وبالتالي فإن افتقاد عمل معين "عند الإحالة على المعاش مثلا" أو افتقاد دور معتاد للفرد "كما في حالة استقلال الأبناء" يسمح لأنشطة أخرى هامة بالظهور حيث تمدهم بأحاسيس الرضا والإشباع.

ب- السمو الجسمي في مقابل الانشغال أو الاستغراب الجسمي، عادة ما نجد معظم المسنين يعانون من المرض وبدرجات متزايدة من الألم وعدم الراحة، ومع ذلك نجد بعض الأفراد ما يزال قادرا على الاستمتاع بالحياة بصورة كبيرة، والشعور براحة كبيرة في التفاعل الإنساني أو خلال الأنشطة الابتكارية والتي تؤدي بهم إلى تجاوز الضعف أو التدهور الجسمي للمسنين بمعنى من المعاني.

سمو الأنا في استغراق الأنا:

يحدث ذلك من خلال الأبناء والمساهمات الثقافية والعملية، ومن خلال الأصدقاء حيث تمد الأفراد إلى ما وراء نطاق ومدى حياتهم، والموت يحدث في نهاية المطاف كشيء محتوم متعذر الاجتناب "وقد يدرك كبار السن هذا المعنى لأول مرة في حياتهم" إلا أن بعض الأفراد يرون أن حياتهم كانت حياة مشبعة ويظهر ذلك في مستقبل أسرهم ولأفكارهم أو للأجيال المقبلة للأنواع الإنسانية.

ص: 463

5-

تحليل "ريجل" الديالكتيكي للنمو:

وجهة نظر مختلفة في طبيعة النمو الإنساني قدمت في المنحى الديالكتيكي الذي اقترحه كلوس ريجل Klaus Riegel؛ "1976"، فبينما كانت معظم النظريات الأخرى للنمو والتي نوقشت تنظر إلى النمو كانت معظم النظريات من المراحل يتقدم الفرد خلالها، نجد ريجل يركز على العمليات النمائية للتغير، بمعنى أنه بدلا من افتراض أن النمو الإنساني يمكن تفهمه عن طريق دراسة فترات التوازن والاتساق، فقد أشار إلى أننا يمكننا دراسته أيضًا عن طريق التغير واللاتوازن.

ويرفض ريجل تفضيل السمات الثابتة، والقدرات، أو الكفاءات ويرفض كذلك تفضيل التوازن والاتساق أو الاستقرار، غالبًا ما توجد في ثنايا دراسات النمو الإنساني، ويشير ريجل إلى أنه يجب علينا أن نكرس على الأقل تأكيدات ومجهودات متساوية على قضية كيفية حدوث ونشأة المشكلات وكيفية تولد التساؤلات والاستفسارات، ولذلك نجده يركز على دراسة الأفعال والتفسيرات بدلا من دراسة عملية التوازن والاتساق في النمو، ونظر إلى العمليات النمائية بأنها حالة تدفق دائم غير متقطع، بدلا من النظر إليها بأنها عمليات تجريدية مستقرة ساكنة.

كما أنه يوافق على وجهة النظر التي تنادي بأن الكائنات الإنسانية ليست مجرد حزم أو مجموعات ثابتة مستقرة في توازن معين، ولا أنهم مجرد ردود فعل سلبية لميكانزمات شرطية، ولكنهم بالأحرى كائنات متغيرة في عالم متغير، وبالتالي فإن تحليل الوقت والتغير خلال الزمن تبعًا لوجهة نظر ريجل تعتبر شيئًا ضروريًا.

ويشير ريجل إلى وجود أربعة أبعاد رئيسية للنمو الإنساني هي، البعد البيولوجي الداخلي، والبعد السيكولوجي الفردي، والبعد السوسيولوجي الثقافي، والبعد المادي الخارجي.

وهذه الأبعاد تتفاعل باستمرار مع بعضها البعض، ومع عناصر أخرى داخل البعد الواحد، وبالتالي فإن كل منها قد يحدث تغيرًا ويثير مشكلات وتساؤلات ويؤدي إلى تحولات في دورة حياة الإنسان، وحيث إن النمو يتضمن التقدم خلال الزمن، فإننا نجد الفرد ينتقل في وقت واحد على طول هذه الأبعاد الأربعة الرئيسية أثناء دور الحياة، وجوهر المنحى

ص: 464

الديالكتيكي يتمثل في دراسة التزامن الذي يحدث لتلك الأبعاد الأربعة كلما درج الإنسان في مدارج النمو، وفي ذلك يشير ريجل بقوله.

إن التعاقب البيولوجي الداخلي يؤدي بالفرد، إلى الخروج خارج المنزل إلى العمل والزواج والأبوة ومعظم هذه الأحداث سواف تتزامن -بصورة كبيرة- مع التقدم أو التعاقب على طول الأبعاد الأخرى، فمثلا نجد كثيرًا من الأفراد يتزوجون عندما يبلغون درجة كافية من النضج، وعندما تكون إمكاناتهم النفسية تؤهلهم لذلك، ويكونون عازمين عليه، وعندما توجد الظروف الاجتماعية المناسبة فإنها بالتالي تساعد على إحداث ذلك وفي ثمة حالات أخرى قد لا يتحقق مثل هذا التزامن فقد يتزوج الفرد بدون أن يصل إلى مستوى من النضج الكافي، وقد يحقق البعض الآخر مستوى مناسب إلا أنهم يخفقون في إيجاد الشريك المناسب لهم، ولذلك فإننا نجد أن التعاقد البيولوجي الداخلي والبعد الفردي النفسي لا يكونان متزامنان -بصورة دائمة- مع الظروف الثقافية الاجتماعية، أو مع الظروف الخارجية المادية -فعلى سبيل المثال- مع التقاليد والقوانين الخاصة بالزواج، أو نقص الفرص المتاحة للزواج بعد الحرب مثلا.

وبصورة متشابهة، فإن تزامن هذه الأبعاد قد يدرس في تفاعل شخصية أو أكثر، مثل الأسرة أو في العلاقات بين الأفراد والجماعات الاجتماعية، وحتى الكوارث الطبيعية "البعد المادي الخارجي" وقد تنتج وتحدث فوضى لتزامن هذه الأبعاد بالنسبة للأفراد والجماعات والمجتمعات، والتي قد ينظر إلى كل منها بأنها تنمو بمرور الوقت.

وبسبب أن هذا التقدم أو التوازن الرباعي مركب ومعقد بصورة واضحة، كما أن التغير في بعد واحد لا يكون متزامنًا -بصورة دائمة- مع التغيرات التي تحدث في الأبعاد الأخرى، كما أنه عادة ما يوجد درجات من الصراع بين تلك الأبعاد، بالإضافة إلى ذلك فإن التغيرات الرئيسية التي تحدث في أي بعد من هذه الأبعاد سوف تودي إلى مواجهة أو تصادم بين ذلك البعد والأبعاد الأخرى، فإذا أدت تلك المواجهة إلى إعادة تنظيم الأبعاد الأخرى، حينئذ يمكن النظر إليها باعتبارها فترة من التحول النمائي، ولذلك فإن فترة التزامن النسبي عبر الأبعاد الأربعة قد تتبع بتغيرات هامة في واحد أو أكثر من هذه الأبعاد، وهذا يحدث عندما

ص: 465

لا يوجد بين هذه الأبعاد تزامن نسبي، وبالتالي يؤدي ذلك إلى محاولة لإعادة بناء التزامن، وعندما يكون ذلك ممكنا حينئذ تكتمل عملية التحول وبالتالي تكون تلك المرحلة مستقرة، ومهيئة لتحول جديد كلما بدأ بعد من تلك الأبعاد الأربعة المتفاعلة مرة أخرى لإحداث تقدم مع أي من الأبعاد الأربعة، ويوضح ريجل وجهة نظره بقوله.

تحدث التغيرات الحاسمة كلما -حدث صراع بين اثنين من هذه التعاقبات أو التتابعات، أي عندما ينهار الاتساق ولا يحدث التزامن وهذه الظروف المتناقضة تكون أساس التعاقبات النمائية، وتحدث الهضاب المستقرة من التوازن والاتزان والاستقرار عندما تكتمل المهام أو المطالب النمائية أو التاريخية إلا أن تلك المطالب سواء النمائية أو التاريخية لا تكتمل أبدًا.

ففي اللحظة التي يبدو فيها أن الاكتمال قد تحقق حينئذ تنشأ تساؤلات جديدة وشكوك وتساؤلات داخل الفرد وداخل المجتمع، فالكائن الإنساني والمجتمع وحتى الطبيعة الخارجية لا تكون أبدًا في حالة استقرار أو سكون وحتى في حالات اللااستقرار هذه فإنها نادرًا ما تكون في صورة تزامن كامل وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التزامن يبقى هو الهدف المأمول، حيث يمكن أن يتحقق فقط من خلال المجهودات الإنسانية المستمرة، حيث لا يوجد اتساق ثابت مكون بصورة قبلية.

ولقد توفي ريجل قبل أن يتمكن من إثبات هذه المفاهيم والأفكار المثيرة إلى ما وراء صياغتها الأولية، وبدأ علماء آخرون في القيام ببعض من الدراسات التمهيدية على هذا التحليل الديالكتيكي للتغير والتزامن الذي يحدث في الأبعاد المتنوعة داخل عملية النمو مثل Daran & Reese؛ "1977"، إلا أن هذا المنحى ما يزال في حاجة إلى عديد من الدراسات الأخرى حتى يمكن التأكد منه واعتباره إطارًا مفيدًا في تحليل النمو الإنساني، وعلى أي حال فإن إطار رجيل قد أمدنا بوجهة نظر هامة لدراسة النمو الإنساني بالإضافة إلى إشارته، إلى أن وجهة النظر التقليدية للنمو باعتباره تسلسل من المراحل قد يكون غير مناسب لتفهم الطبيعة المركبة لعمليات النمو، خاصة أثناء مرحلة الرشد.

ص: 466