الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية:
الصياح والتحديق والابتسام والخرير والتقليد أحداث طبيعية في مجرى النمو الإنساني، بمعنى أنها تظهر تلقائيًا في سلوك الرضيع، وينظر بعض السيكولوجيين المتأثرين بأعمال جون بولمبي J. Bowlby؛ "1958" الطبيب النفسي الإنجليزي لهذا الظهور أو الانبثاق التلقائي لتلك الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية بأنها بمثابة ردود فعل غريزية تعزز بقاء الأنواع، ويشير بولمبي إلى أن الرضع يشبهون أي حيوان آخر يحتاجون إلى ذخيرة سلوكية فطرية لكي يحافظوا على أنفسهم ويتعلموا كيف يعولون ويقون أنفسهم، والسلوك الإشاري والتوجيهي نجده يحافظ على النوع الإنساني لأنه يجذب انتباه الوالدين أو الراشدين الآخرين الذين يطعمون الرضيع ويقدمون له الرعاية والعناية.
وعلى الرغم من أننا لا نستطيع البرهنة بأن الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية للرضع والأطفال الصغار تميل إلى استثارة استجابات مساندة ومدعمة من الآخرين إلا أن الرضع العاديين ينمو لديهم هذه الأنماط السلوكية المعبرة في الاستجابة إلى ما يستمعون إليه، وما يرونه وما يشعرون به، وبمجرد ظهور هذه الأنماط السلوكية عندهم، فإنها تتأثر بصورة كبيرة بواسطة الطريقة التي يستجيب بها الآخرون إليهم.
ويشير Weisberg؛ "1963" أن الدراسات التجريبية مع الرضع فيما بين 2-7 شهور توضح أن التفوه ونطق الرضع للألفاظ والكلمات يمكن أن يزداد عن طريق الابتسامة التي تصدرها الأم لرضيعها، وكذلك تشجيعها ومناوشتها له، وأيضًا الأفراد الآخرون المحيطون بالرضيع، فالترتيب تحت ذقن الطفل أو بلمس بطنه وصدره أثناء قرقرته أو هديله كل ذلك يزيد الفرصة لتفوه الرضيع ونطقه لبعض الألفاظ والكلمات. ويستطرد Weisberg أنه عندما أوقفت هذه الحركات الموجهة للرضع بواسطة المجربين في هذه الدراسات، ظهر الرضع عديمو الاستجابة وفاقدو الحس والاتصال بالآخرين، ولوحظ أن هؤلاء الأطفال الصغار قد أوقفوا تدريجيًا عمل الأصوات، وغالبًا ما كانوا ينظرون في حالات الابتسام لهم والتكلم معهم وحملهم على الأيدي أو الأعناق، بالإضافة إلى أنهم كانوا يتوقفون عن
الابتسام عندما لا يستقبلون هذه الأنواع من الانتباه.
وتؤدي نتائج دراسات Yarrow ورفاقه في المعهد القومي لصحة الطفل والنمو الإنساني ما أشار إليه Weisberg حيث اتضح من الملاحظات المنزلية لمجموعة من الأطفال يتراوح أعمارهم ما بين خمسة وستة شهور، وكذلك ملاحظة أمهاتهم، اتضح أن الاستجابة تؤثر في سلوك الأطفال بصورة أكبر عندما تحدث مصادفة أو بدون توقع بمعنى أن تأتي بصورة مباشرة بعد السلوك، وتشير نتائج دراسات Yarrow أن كلام الطفل ونطقه يعتمد جوهريًا على سلوك الأم، وكذلك على مدى توجيه الاستجابة إلى ألفاظ وليدها، كما وجد يارو Yarrow ورفاقه عديدًا من العلاقات بين كمية استثارة الأم التي تعطى للوليد وبين درجة استجابته الاجتماعية كالتوجه إلى الهدف مباشرة والقبض على الأشياء والإمساك بها بالإضافة إلى ردود الفعل الدائرية الثانوية، انظر الشكل رقم1، كما توجد أدلة أخرى تشير أن الأمهات اللاتي يكنَّ مستجيبات جسميًا وانفعاليًا لوليدهن، يشجعن ليس فقط المبادأة الاجتماعية ولكنهم ينشطن كذلك استكشاف الرضيع والطفل لبيئته.
وتشير الدلائل أن الأطفال تحتاج إلى الاستثارة الاجتماعية حتى تنمو لديهم المسئولية الاجتماعية Social responsiveness.
فعندما تكون هناك فرصًا ضئيلة أو نادرة لملاطفة الأطفال وتقبيلهم وعناقهم، أو الابتسام لهم والإمساك بهم، نجد أنماطهم السلوكية المعبرة لا تكون مميزة في علاقات انتقائية متبادلة متكافئة مع الأشخاص الآخرين. ولحسن الحظ فإن هذا لا يحدث كثيرًا عند كثير من الأطفال، ولكن عند حدوث ذلك كما في حالة أطفال المؤسسات الاجتماعية، أو في حالة الإهمال الأبوي غير العادي فإن ذلك يكون خطيرًا لنمو الطفل الاجتماعي، وثمة أنماط نمائية غير عادية والمعروفة بأعراض العزلة الاجتماعية والانطواء الاجتماعي، وسوف نناقش هذا تفصيلا عند مناقشة مشكلات الأطفال، ولقد أوضحت عديدًا من الدراسات أثر العزلة الاجتماعية على كل من الإنسان والحيوان كذلك ومن بين هذه الدراسات يمكن الإشارة إلى دراسات هارلو Harlow وزملائه بجامعة وسكنسون Wisconsin وأعمال هارلو مع القردة قد أوضحت عديدًا من الاستبصارات، في النمو المبكر للعلاقات الاجتماعية. فمثلا كان صغار القردة الذين تربوا في عزلة
داخل أقفاص سلك عازلة تسمح لهم برؤية وسماع القردة الآخرين، إلا أنهم كانوا محرومين من أي اتصال جسمي، يشير ياور أن هذه القردة قد فشلت في أن تنمى لديهم الاستجابات الاجتماعية العادية، وبعد عام من هذه العزلة حاول يارو أن يجلس هذه القردة مع زملاء لها، إلا أنه لاحظ أن هذه القردة كانت تقضي معظم الوقت رابضة في جانب من القفص يهزون ويعانقون أنفسهم، كما أنهم لم يظهروا أي ميل في اللعب أو أي تفاعلات اجتماعية، وهذه التأثيرات القاسية للعزلة الاجتماعية قد استمرت كذلك عند القردة عندما كبروا ومنعتهم من القيام بأداء الأدوار الاجتماعية.
وعمومًا، فإن الاستنتاجات على الكائنات الإنسانية يجب أن تجري بحذر من الدراسات الحيوانية، ومع ذلك فإن نتائج دراسات هارلو يبدو أنها تحمل دليلا وبينة واضحة على مدى تأثير الاستثارة في تعزيز السلوك السوي المعبر سواء عند الإنسان أم الحيوان.