الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: الطرق التمايزية
Differential methods
عندما يكون التساؤل موضع اهتمام الباحث يتمركز حول اهتمامه في العمل مع الطفل كشخص منفرد، وليس العمل مع مجموعة من الأطفال فإنه عادة ما يستخدم الطرق التمايزية، حيث تتضمن استخدام الاختبارات النفسية والعقلية، ووسائل تقرير الذات، والطرق الإسقاطية وملاحظات اللعب، وخلال استخدام الباحث لهذه الوسائل فإن الشخص دائمًا ما يقارن بمجموعة معيارية سواء كان ذلك ضمنيًا أو بصورة جلية واضحة، حتى يمكن تحديد المدى الذي يكون فيه الفرد متشابهًا أو مختلفًا عن المعيار المستخدم، وتتمركز إحدى المشكلات الهامة في استخدام الطرق التمايزية في التأكد بمدى تناسب المجموعة المعيارية التي نقارنها أو نقارن بها طفلا معينًا.
ولا يمكن أن نقول بأن جميع المعايير يجب أن تكون موضوعية، في هذه الطريقة فحتى في حالة المعايير الذاتية يمكن أن تكون ذات فائدة، فالأخصائيون الإكلينيكيون الذين لديهم خبرة كاملة طويلة في الاختبار، قد يبنون معايير شخصية يمكن أن تكون مفيدة في عمل التشخيصات والمعالجات فأحد الباحثين قد أشار مرة بأن الأطفال المتأخرين عادة ما نجدهم يضحكون أو يبتسمون على المواقف الأولى لاختبار الذكاء، والتفسير المحتمل لذلك في أن الطفل المتخلف يخاف أن يظهر قلقه من الاختبار، وكذلك يخاف في أن يكشف تخلفه، فالمواقف الأولى والتي عادة ما تكون سهلة تكون لحظات ارتياح حيث تجعل الطفل الصغير يبتسم أو يضحك لكي يتحرر من قلقه وتوتره، ويمكن أن نضيف المعايير الشخصية الإكلينيكية إلى المعايير الموضوعية التي نحصل عليها ببعض من الحذر.
1-
اختبارات الذكاء:
عادة ما تستخدم اختبارات الذكاء جماعات كبيرة لتقنين المواقف وعملية التقنين تعني ببساطة أن صعوبة الموقف تتحدد عن طريق نجاح أو إخفاق جماعات كبيرة من الأطفال الذين استجابوا لهذا الموقف.
والجماعات المعيارية للاختبارات واسعة الانتشار كاختبار بنية ووكسلر لذكاء الأطفال، عادة ما يحصل عليها بواسطة أخذ عينات من الأطفال من المناطق الريفية والحضرية والبدوية وكذلك من طبقات اجتماعية واقتصادية، وحتى بعد إجراء ذلك يجب عند إعطاء هذه الاختبارات المقننة على البيئة المحلية، إلى طفل معين يجب أن نفسرها بحذر شديد، وللمزيد في ذلك يمكن الرجوع إلى اختبار بنيه الذي قنن على البيئة المصرية، وكذلك اختبار وكسلر للأطفال الراشدين، لتعرف مدى أهمية هذه المشكلة.
2-
وسائل تقرير الذت Self-report techniques:
وتتضمن هذه الطريقة مجموعة كبيرة من الأدوات، يطلب من الأطفال أن يجيبوا عن أسئلة تتصل بذواتهم أو البيئة المحيطة بهم، ففي دراسة تقدير الذات يطلب من الأطفال الاستجابة إلى قوائم صفات للذات هل تنطبق عليهم أو لا تنطبق، والطفل الذي تشير إجاباته عن صفات إيجابية أكثر من الصفات السلبية يقال: إن لديه تصورا إيجابيا لذاته والعكس صحيح أي إن الطفل الذي يشير إلى صفات سلبية أكثر من وصفه لذاته يقال: إن لديه تصورا سلبيا لذاته.
ولقد استخدمت قوائم تقرير الذات لتحديد الاتجاهات نحو المدرسة، وقلب الامتحانات، والميول المهنية، وهذه الوسيلة عادة ما تثير تساؤل المرغوبية الاجتماعية Social desirability بمعنى إلى أي مدى تكون استجابة الطفل متلائمة مع ما يعرفه من خصائص متقبلة اجتماعيًا، وإلى أي مدى تكون استجابته انعكاس أمين لاتجاهاته ومشاعره؟ وإحدى الطرق التي يمكن التغلب بها على هذا العيب، هي أن تتضمن هذه القوائم مقاييس للكذب، وتعتبر هذه المواقف متطرفة للغاية مثل، أنا دائما شخص طيب، أو "أنا دائمًا شخص شرير"، والطفل الذي يوافق عليها يشير إما إلى التزييف، أو التظاهر بالطيبة، وإما إلى التظاهر بالسوء والشر، وعن طريق هذه المواقف في قوائم الصفات تساعد الأخصائي أن يهمل درجات عالية معينة، والذين استجابوا بصورة أساسية تبعًا لما يسمى بالمرغوبية أو اللامرغوبية الاجتماعية.
وجدير بالذكر أن هذه الوسيلة تمدنا بمعلومات وبيانات قيمة ومفيدة في تفهم الحالة، إلا أن تحديد مدى صدق وأمانة استجابة الحالة ما يزال موضع تساؤل، ويعتبر بمثابة مشكلة في وسائل تقرير الذات بصورة عامة.
3-
الطرق الإسقاطية Projective Methods:
تختلف هذه الطرق عن طرق تقرير الذات في أننا نجد الحالة في تقرير الذات عادة ما يكون لديها بعض الأفكار التي تكشف عن ذاته إلا أننا في الطرق الإسقاطية لا نجد على هذا المنوال، وتتضمن هذه الوسائل اختبار الروشاخ المعروف باختبار بقع الحبر، واختبار تداعي المعاني TAT وكليهما للكشف عن الجوانب الخافية للشخصية فالحالة التي
تستجيب لاختبار بقع الحبر مثلا لا يكون لديها فكرة عن كيفية تقدير الاستجابات أو كيفية تفسيرها، وقيمة النتائج تعتمد إلى حد كبير على مهارة وخبرة الشخص الذي يقوم بتطبيقها وتفسيرها.
وتوجد وسائل إسقاطية متنوعة، ويمكنها التغلب على مشكلة التفسير والتأويل، فمنذ سنوات مضت اكتشف علماء الفلك ما يسمى بالمعادلة الشخصية peesnal equation ومؤداها أن الملاحظين يختلفون في مدى ردود الفعل وبالتالي يسجلون أوقات مختلفة لأحداث النجوم، وهذا يعني ظهور الاختلافات الفردية التي يؤديها الأشخاص حتى في الأعمال البسيطة، مثل الضغط على زرار معين عندما تكون النجوم في حالة تداخل، ووسائل متشابة تسخدم الآن لتقييم الأنماط المعرفية، ففي اختبار الأشكال المطمورة للأطفال مثلا، يطلب منهم العثور على أشكال صغيرة وبسيطة مطمورة في شكل أكثر تركيبًا، والأطفال الذين يتمكنون من إجراء ذلك بسرعة يطلق عليهم صفة الاستقلال الميداني، حيث يستطيعون التعامل مع المثيرات المحيرة أو التي تصرف الانتباه، والأطفال الذين يوجد لديهم صعوبات في هذه المهمة يطلق عليهم صفة الاعتماد الميداني، وعادة ما يكونون سريعي التأثر، وذوي حساسية عالية لتأثير المثيرات البيئية.
وعمومًا فعلى الرغم من وجود ثمة طرق تتجنب بعض مشكلات ووسائل تقرير الذات، إلا أنها تحوي مشكلات جديدة للتفسير، فمثلا كيف يحدد الموقف المعروض تكوين هذه النماذج؟
4-
ملاحظات اللعب Play Observations:
تمثل أحد الطرق التمايزية والتي عادة ما تستخدم مع الأطفال، وفي بعض جوانب هذه الطريقة تكون مشابهة للاختبارات الإسقاطية، وذلك بسبب أن اللعب قد يمكن الأطفال لأن يكشفوا جوانب معينة عن أنفسهم والتي تكون لاشعورية بصورة كلية، وفي معظم ملاحظات اللعب عادة ما يكون الأطفال في حجرة مع عدد من الدمى والألعاب والمكعبات والقوالب، وما إلى ذلك، حيث يسمح لهم باللعب بها، وفي موقف اللعب البنائي يطلب من الأطفال اللعب مع دمى معينة، وفي مواقف اللعب غير البنائي يلعب الطفل مع أي دمية يختارها.
ويمكن استخدام ملاحظات اللعب في الأغراض التشخيصية. فمثلا
عندما نريد تقييم مشكلة انفعالية لطفل ما، فقد يجلس هذا الطفل في موقف لعب بنائي حيث يوجد فيه منزل صغير، وأشخاص من الدمي وأثاث، فإذا وضع أباه وأمه وأخته الصغرى في حجرة ووضع نفسه في حجرة أخرى فقد يعني ذلك أنه يحس النبذ من أبويه، أو الانعزال عن باقي أفراد الأسرة، وفي معظم ملاحظات اللعب التي استخدمت لأغراض تشخيصية طلب من الأطفال أن يقصوا قصة عن نشاطاتهم في اللعب أو أدوارهم فيما يقصونه، أو الاستجابة إلى تفسير الممتحن لتنظيمهم أدوات اللعب.
وعلى الرغم من أن ملاحظات اللعب تعتبر طريقة تمايزية، إلا أننا نجد "أريكسون" Erikson؛ "1951" قد استخدمها للإجابة عن تساؤلات ارتباطية، حيث طلب من الأطفال بناء أبراج بواسطة قوالب معينة، وبعد ذلك لاحظ بناءاتهم ولقد وجد اختلافات جنسية جديرة بالملاحظة، إذ لاحظ أن الأولاد كانوا يميلون لبناء أبنية طويلة، في حين وجد البنات كن يملن إلى بناء مساحات مغلقة وضيقة ومن الصعب الدخول فيها، ويشير "أريكسون" أن الرمزية الجنسية قد تكون أقل أهمية في تفسير ذلك، إذ إن الأولاد والبنات قد اختلفوا بصورة كلية في التوجيهات المكانية ويرجع إلى الاختلافات الجسمية في أعضائهم الجنسية.
وجدير بالذكر، فإن ملاحظات اللعب الحر للأطفال في الملاعب والفصول الدراسية، وأي مكان آخر يعتبر مصدرًا غنيًا للمعلومات والبيانات، وملاحظات اللعب عمومًا مثل أغلب الملاحظات الأخرى مفيدة للغاية في بداية البحث ولا فحص، إلا أننا يجب أن نحصل على معلومات أكثر نوعية عن الأفراد والجماعات بواسطة أدوات أخرى، وعلى ذلك فإن بيانات ملاحظات اللعب يمكن توحيدها مع بيانات وسائل تقييمية أخرى، وللأغراض الارتباطية فإن ملاحظات اللعب يمكن أن تكون مصدرًا خصبًا للافتراضات التي يمكن أن تقاس بدقة عن طريق الوسائل التجريبية.
وكما أشرنا في مناقشة ملاحظات اللعب، فإن الارتباطات بين التساؤلات والطرق ليست ملزمة، وعمومًا فإن الطرق التمايزية غالبًا ما تستخدم للإجابة عن التساؤلات الارتباطية كما رأينا في مثال "أريكسون" السابق، ومن جانب آخر فإن الطريقة التجريبية هي الطريقة الوحيدة، الملائمة للإجابة عن التساؤلات السببية، وبإيجاز فإن بعض التساؤلات تتطلب أكثر من طريقة معينة للبحث والاستقصاء في حين أن أخرى لا تتطلب ذلك.