الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما نوع هذا النمط من البرامج الذي يكون أكثر مناسبة لهؤلاء الأطفال الصغار؟ والإجابة على هذا السؤال حقيقة صعبة ليس فقط لأن النتائج في هذا المجال لم يقطع ويبت فيها، ولكن بالإضافة إلى أن الأطفال يختلفون كثيرًا في خلفيتهم وشخصيتهم، فالبرامج التي تكون مناسبة لطفل معين قد لا تكون كذلك بالنسبة لآخر، وبإيجاز فإن برامج الأطفال الصغار لا يمكن أن توصف بأنها جيدة أو رديئة في حد ذاتها ولكن بالأحرى يمكن وصفها بأنها مناسبة أو غير مناسبة لأطفال معينين، فالطفل الذكي مثلا قد يستفيد من البرنامج الذي تتوفر فيه كثير من الفرص التعليمية، والطفل الخجول على نقيض ذلك قد يستفيد بصورة أكبر من برنامج يؤكد على عملية التفاعل الاجتماعي وعلى نمو الشخصية.
موجز القول فإن سنوات ما قبل المدرسة تعتبر سنوات مهمة لكل من النمو العقلي ونمو الشخصية، والبرامج التربوية يمكن أن تسهل هذا النمو إلا أنها لن تعجل في سرعته وأي من البرامج يمكن الحكم بأفضليته بالنسبة لطفل معين، يجب أن يحدد فقط في ضوء حاجات الطفل الخاصة وقدراته المتاحة.
الشخصية والنمو الاجتماعي:
ما بين سن الثانية والخامسة نجد الأنماط السلوكية التعبيرية Experssive والتي اكتسبت في مرحلة الرضاعة تبدأ في التبلور داخل نماذج فردية بالإضافة إلى أن الأطفال تنمو لديهم كثير من الاتجاهات المتميزة والتفضيلات وطرق الأداء والعمل، وأول هذه الأشياء نجد أطفال هذه المرحلة يصبحون على دراية متزايدة بأنفسهم كأفراد، وبالتالي يبدءون في تكوين اتجاهات إيجابية أو سلبية نحو ذواتهم ثانيًا، اتساع دائرة الاتصال والتفاعل مع الأفراد، وكذلك يخبر الطفل الكثير من التفاعلات الجديدة، وثالثًا فإن فترة الطفولة المبكرة فترة حاسمة للانضباط المتنوع وظهور نشاطات لدور النمذجة والتي عن طريقها ينقل الآباء عناصر ثقافتهم إلى أطفالهم.
الوعي بالذات واتجاهات الذات:
أحد النتائج الهامة لنمو الأطفال الجسمي والمعرفي، نجدهم يصبحون على دراية متزايدة بأنفسهم ويكونون اتجاهات جديدة لذواتهم وعلى وجه الخصوص نراهم يظهرون دراية بأجسامهم وبذوغ أحاسيس التمكن والسيطرة.
الوعي بالجسم:
أثناء العامين الأولين نجد الرضع يمكنهم إدراك أنهم أشخاص متميزون ذوو أجسام منتمية إليهم، ويتعلمون بأن لهم أطرافًا وأعضاء خاصة بهم ويرجع ذلك لتحكمهم في حركات هذه الأطراف والأعضاء كرفع الأذرع، أو غلق العينين بالإضافة إلى تأثرهم بما يحدث لهذه الأعضاء والأطراف كالإحساس بالألم عند لمس شيء ساخن، وأطفال ما قبل المدرسة قد حصلوا هذا التعرف الرئيسي بأن لهم أجسام، ويصبحون حينئذ على دراية بالتغيرات التي تحدث فيها، كما أنها تختلف عن أجسام الآخرين.
وأطفال ما بين 2-5 سنوات عادة ما يعبرون بالفخر والاهتمام بأحجامهم "انظر كيف أصبحت كبيرًا، انظر كيف أصبحت طويلا، انظر كيف أصبحت عضلاتي قوية، هل سأكون كبيرًا مثل بابا" كما نجدهم شغوفين بمعرفة مقاسات أطوالهم وأوزانهم سواء داخل المنزل أو عيادة طبيب أو في دور الحضانة، كما ينزعجون في حالة الإصابة بالخدوش أو الرضوض أو الكدمات أو العض وبالأحوال الوقتية الأخرى التي تؤثر في أجسامهم فمثلا قد نسمع بعضهم يقول:"انظر كيف أصبحت أصابعي مجعدة بعد الحمام".
ويبدأ أطفال ما قبل المدرسة في التعرف على الاختلافات الجنسية الجسمية، وينمو بالتالي الإحساس بهويتهم كذكور أو كإناث، ويشير Rutter أن معظم أطفال 2.5 سنة لا يكونون إيجابيين في التعرف على جنسهم ولكن في الثالثة تقريبًا نجد أن ما يقرب من ثلثي الأطفال يدرك ما إذا كان ولدًا أم بنتًا، كما أن الألعاب التي تتضمن فهما أو استكشافًا جنسيًا تكون شائعة عامة في سن الرابعة وعادة ما نجدهم ما بين الرابعة والخامسة يوجهون لآبائهم تساؤلات تتصل بالأمور الجنسية، فقد يسأل الذكور سبب عدم تمكنهم أن يكون لديهم أولادًا، وقد تسأل الإناث لماذا لا يكون لهن عضو جنسي ذكري عندما ينمون.
ويشير كون وكانر Conn، j. & Kanner؛ "1974" أن الأطفال الصغار يميلون إلى التكلم عن الإصابة بالأذى أو الضرر لأجسامهم أو افتقار أعضاء من أجسامهم، ومن جانب آخر قد نجد أطفال آخرين الذين يتسمون بالخوف والحذر قد يصبحون في قلق وانزعاج بافتقاد أسنانهم أو أظافرهم، وغالبًا ما يبالغون في النتائج المحتملة للإصابة بالاضطراب والتهيج، وتشير الدراسة السابقة أن الإناث يكن أقل ميلا من الذكور في اهتماماتهن بالإصابة أو فقدان بعض أجزاء معينة من أجسادهن، يعتقدون أن البنت كانت لها أعضاء تناسلية شبيهة بما عندهم إلا أنها انتزعت، وبالتالي قد يعانون من مصير مشابه، ويسمي المحللون النفسيون هذا الخوف بقلق الخصاء Castation Anxiety الذي يعتري الأولاد الذكور.
وردود الفعل السلوكية التي يؤتيها الآباء نحو تزايد الوعي الجسمي لأطفالهن يميل أن يؤثر في اتجاهات الأطفال نحو ذواتهم فالآباء الذين يعبرون بالفرحة بنمو أطفالهم يساعدونهم على الشعور بالاعتزاز والثقة بالنفس كما أن اتجاهات الذات الإيجابية لدى الأطفال الصغار تعزز عندما يمكن للآباء الاستجابة لتساؤلات أطفالهم المرتبطة بالجنس دون ارتباك أو اضطراب بالإضافة إلى تقديم المعلومات التي تناسب مستوى فهم وإدراك الطفل، ومن جنب آخر فإن الآباء الذين يتجاهلون ميول أطفالهم واهتماماتهم العادية في النمو الجسمي، يمكن أن يجعلونهم حمقى تافهين وغير ذات أهمية كما أن الآباء الذين لا يشجعون الاستكشاف الجنسي للأطفال، ويعتبرون هذا شيئًا غير مرغوب فيه ويعاقبون أطفالهم عليه يمكن أن يعززوا اتجاهات السلبية عندهم والقلق والاضطراب فيما يتعلق بالجنس.
إحساس السيطرة أو التمكن:
إن مشاعر الأطفال وأحاسيسهم بالسيطرة والتمكن تبدأ في التكوين منذ الطفولة المبكرة حيث يشعرون بإشباع ومتعة بكونهم قادرين على التحكم وضبط بيئتهم المحيطة بهم، فلقد لوحظ الأطفال يهدلون ويغمغمون ويبتسمون وحتى يضحكون عندما يسيطرون على ثمن أعمال تعليمية معينة كتشغيل لعبة ما "سيارة مثلا" وبالتالي فبسبب سيطرتهم وتمكنهم من مهارات جديدة يمدهم بالمتعة والسعادة، وكذلك
يشجعهم إلى عمل محاولات أخرى للسيطرة والتحكم في عناصر البيئة من حولهم، وبهذا المعنى يتصف بالنشاط الذاتي المستمر.
ومما هو جدير بالذكر، توجد ثمة طرق يستطيع الآباء تعزيز محاولات أطفالهم المبكرة في السيطرة أو التمكن، وتشير نتائج دراسة ابليتون وآخريثن Appleton & Others أن الأطفال بصفة عامة، وكذلك الأطفال الصغار جدًا يميلون إلى أداء محاولات أكثر للسيطرة والتحكم في حالة تلقيهم تشجيع الآباء ومساعدتهم والثناء عليهم لكونهم يعملون بصورة استقلالية، ومثال ذلك عندما يحاولون إطعام أنفسهم.
وأطفال ما قبل المدرسة عادة لا يكون لديهم إحساس ثابت بالإنجاز، إلا أننا نجد أنه عندما يسمح لهم نموهم المعرفي التعرف على الاختلاف بين معدلات أو مستويات المهارة الماضية والحاضرة، وبالتالي القدرة على تطبيق معايير التفوق لسلوكهم الخاص، أي يمكنهم التحقق بأن أداءهم الحاضر أحسن من أدائهم السابق، فإن ذلك ينتج لديهم بعض من الخبرات كالإنجاز Achievement، وتلك الخبرات الأخيرة تبدأ بدورها في توليد أحاسيس التمكن والسيطرة، وبالتالي تؤثر بصورة كبيرة على إحساس الطفل بكفايته الشخصية.
وهذا الجانب من نمو الشخصية يزداد بصورة سريعة فيما بين 2-5 سنوات، حيث أن ازدياد معارف الأطفال ومهاراتهم الحركية أثناء هذه السنوات تمكنهم من أداء أفعال أكثر لأنفسهم مما كانوا يستطيعونه من قبل، وهذا يوسع فرصتهم في أن يختبروا إحساس التمكن أو السيطرة، وبالإضافة إلى ذلك نجد مهاراتهم اللغوية تمكنهم من اكتساب مفهوم أفضل لمدى تأثير قدراتهم على البيئة إذا ما قورن بتأثيراتهم السابقة، وللآباء كذلك دورًا مهما في مساعدة أطفال ما قبل المدرسة لكي ينمو أحاسيس ومشاعر قوية بالتمكن والسيطرة، ولقد وضح هذا التأثير في دراسات دافعية الإنجاز، والكفاية الأولية، وتقدير الذات، وهذا ما سنتعرض له في ثنايا الصفحات التالية.
دافعية الإنجاز Achievement Motivation:
نشير إلى مدى ميل الشخص للنضال أو الكفاح لبلوغ النجاح، والقدرة على أن يخبر اللذة أو المتعة Pleasure لكونه ناجحًا،
وتشير نتائج دراسات كل من ديفيد ماكيلاند McClelland وجون اتكنسون J. Atkinson في أصول دافعية الإنجاز إلى ما يلي:
أولا: تعزز دافعية الإنجاز ويعجل بها أثناء سنوات ما قبل المدرسة بواسطة تشجيع الآباء لإنجازات أطفالهم والمصاحبة بمطالب معتدلة للاستقلالية والدفئ وتتمثل في العلاقة الأبوية المدعمة والمشجعة للطفل وبمعنى آخر إن أطفال ما قبل المدرسة الأكثر نقاشا ومساعدة للآخرين في أن يعملوا بقدر ما يستطيعون يكونون أكثر ميلا في أن يصبحوا أفرادا واثقون بأنفسهم يستجيبون بتوق إلى تحديات الخبرات الجديدة.
ثانيًا: نمو دافعية الإنجاز يرتبط بصورة مباشرة بكمية التدريب النوعي في النشاطات الإنجازية والتي يوفرها الآباء لأطفالهم أثناء سنوات ما قبل المدرسة.
الكفاية الأدوية Instrumental Competence:
عرفت ديانا بامرند D. Baumrind الكفاية الأدوية في سلسلة من دراساتها بأنها سلوك يتسم بالمسئولية والاستقلال من الناحية الاجتماعية حيث أشارت نتائج إحدى هذه الدراسات لأطفال ما قبل المدرسة وآبائهم أن الأطفال الذين كانوا أكثر تعويلا واتكالا على أنفسهم، ولديهم قدرة التحكم على أنفسهم، ولديهم ميول استكشافية، ويشعرون بالرضا والإشباع كان لديهم آباء يتصفون بالمسئولية الاجتماعية، والثقة في النفس ومؤكدون لذواتهم، كما أنهم كانوا يضعون حدودًا معينة على سلوك أطفالهم، ولكنهم في نفس الوقت كانوا يتصفون بالدفئ والتقبل، حيث كانوا راغبون في تفسير مبادئهم السلوكية، وكانوا في نفس الوقت يشجعون أطفالهم على مناقشة هذه المبادئ والاقتناع بها.
وتشير النتائج كذلك أن الأطفال الذين اتصفوا بعدم الرضا، والانسحاب وعدم الثقة، كان لديهم آباء منفصلين عنهم يتسمون بالديكتاتورية، حيث كانوا متحكمين وصارمين بصورة كبيرة لأولادهم ويحيطون أبناءهم بالحماية والوقاية، تاركين مجالات وفرص قليلة للمناقشة والاختلاف في الرأي، وينكرون أو لا يحبذون الفرص لأطفالهم لأخذ المخاطر في محاولة أشياء جديدة وفي عمل القرارات، والمجموعة
الثالثة من الأطفال والتي كانت لها آباء تتصف بالتساهل واللامبالاة كانت أقل ثقة بذاتها وأقل استكشافًا وضبطًا لذواتهم، وبمناقشة أحد أطفال هذه المجموعة وجد أن الآباء كانوا يفشلون في وضع أي معايير محددة لأطفالهم والتي عن طريقها يمكن أن يحكم الأطفال بواسطتها على مدى تناسب أنماط سلوكهم، كما أنهم فشلوا في تشجيع الأطفال على تقبل أي تحديات تواجههم، والجدول "1" يوضح نتائج هذه الدراسة:
ونتائج هذه الدراسة السابقة، ونتائج دراسات متشابهة أخرى كذلك، تشير إلى التناسق والتساوق مع ما تعلم بالفعل عن أصول دافعية الإنجاز، بمعنى أن الآباء الذين يحفزون أطفالهم ويستحثونهم على الإنجاز بقدر ما يستطيعون وفي نفس الوقت يجمعون مجهوداتهم بواسطة المديح والتشجيع، نجدهم ينتجون لدى أولادهم مستويات من الكفاية الآدوية.
تقدير الذات Self Esteem:
تتمثل في القيمة التي يضعها الأفراد لذواتهم، ومدى توقعهم النجاح فيما يفعلونه، ومن أكثر الدراسات شمولا وتكاملا في العوامل التي تؤدي إلى تقدير الذات دراسة كوبر سميث Cooper Smith؛ "1967"، والتي كانت نتائجها متسقة مع نتائج الدراسات في دافعية الإنجاز والكفاية كانت نتائجها متسقة مع نتائج الدراسات في دافعية الإنجاز والكفاية الأدوية، حيث أشارت النتائج أن الأطفال الذين كانوا يتصفون بتقدير الذات كان لديهم آباء يتسمون بالدفء والتقبل، والذين يضعون حدودًا واضحة محددة لسلوك أطفالهم، إلا أنهم في نفس الوقت يسمحون لهم بحرية العمل والاختيار داخل هذه الحدود، ويشير كوبر سميث متفقًا في ذلك مع باومرند بأن آباء الأطفال ذوي التقدير العالي لذواتهم يميلون إلى أن يكونوا متزنين نشطين واثقين بذواتهم مشبعين وراضين بصورة نسبية.
ومما يجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أن هناك فروقًا جنسية بين الأولاد والبنات في الإحساس بالبراعة والتفوق، فقد وجد في بعض الدراسات الواسعة التي كانت تهدف إلى التعرف على الفروق الجنسية في الإنجاز، حيث كان الأولاد يدفعون إلى الإنجاز بصورة أولية عن طريق النضالات المتفوقة المتمكنة، في حين كانت البنات يدفعن للإنجاز نتيجة الحاجة إلى الاستحسان الاجتماعي Hoffmann؛ "1972"، وهذه الفروق الواضحة الظاهرة أدت إلى بعض المقولبات عن دور الجنس، حيث تؤكد نتائج دراسة هوفمان، تلك المقولبات التي تشير أن الأطفال الذكور قد يكونون أكثر عدوانية واستقلالا وتنافسًا، في حين نرى البنات أكثر سلبية، وأكثر اعتمادية، وأكثر تعاونًا، وعلى ذلك فعادة ما نجد الأفراد في الحماية والعناية بالبنات وعدم تشجيعهن على القيام بالمهام أو الأعمال الصعبة، وبالتالي نجدهم غالبًا ما يتصفن بأنهن أقل ثقة في ذواتهن وأقل إنتاجية، وأقل نجاحًا في النشاطات من الأولاد المتساوين معهم في قدراتهم.