الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: نظريات المراهقة
وقبل أن نتعرض إلى أهم جوانب النمو في فترة المراهقة نود أن نلقي عجالة على بعض النظريات التي قيلت في سيكولوجية المراهقة فالمراهقة يمكن أن توصف بأنها مرحلة من مراحل الحياة كما يمكن أن يطلق عليها نتاج تاريخ الخبرات المتعلمة، كما أن المراهقة في مجتمعنا ترتبط بمشكلات معينة تختلف عن تلك الموجودة في مجتمعات أخرى. وعمومًا فلقد نظر إلى مرحلة المراهقة من عدة اتجاهات يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1-
اتجاهات المرحلة المعتمدة Stage- Dependent Approaches:
يشير علماء نظرية المرحلة المعتمدة أو التابعة أن هذه الفترة تتمركز حول بحث المراهق المستمر عن هويته Identity أو ذاتية "أريكسون" Erikson، ويشير كوهلبرج Kohlberg؛ "1970" أنها تومئ إلى انتقال المراهقة إلى الأخلاق التقليدية "أي المتفقة مع قواعد العرف والسلوك المرعية" في عمل القرارات.
ويشير Keniston؛ "1970" إلى المشكلات الرئيسية للمراهق كالتوتر الذي ينمو بين الذات والمجتمع، ورفض تقبل المسئولية والخوف من النمو، إلا أن جماعة المراهق الثقافية Peerculture تعمل على التخفيف من حدة المشكلات التي تواجه المراهق وتشبع حاجاته إلى الانتماء والقرب، ويستطرد Keniston أن المراهقين في حاجة إلى الانتباه والرعاية من ثقافة الراشدين، وبواسطة الانتباه إليهم وتدعيمهم تمكنهم من العثور على ذواتهم ويتقدمون إلى مرحلة الرشد التالية بسلام.
2-
مناحي أو اتجاهات التعلم Leaening Approavhes:
تتصف المراهقة بالانسحاب من معايير ثقافة الراشدين، وتبعًا لنظرية التعلم فإن هذا الانحساب غالبًا ما يحدث عن طريق سلوك لا اجتماعي غير مرغوب فيه، وقد يظهر من خلال تقبل ثقافة جماعة الرفاق والتي تعتمد على خبرات تعلم الفرد وكما سنرى فيما بعد عندما نتكلم عن مشكلات المراهقة، أن السلوك الاغترابي والجناح أثناء فترة المراهقة عادة ما يرتبط باتجاهات والديه القاسية وعدم الاتساقية من قبل الوالدين وعمومًا فإن هذه النماذج الوالدية بالإضافة إلى وسائل الإعلام يمكن أن تسهم في تعلم السلوك غير المرغوب فيه للأطفال الصغار وكذا للمراهقين، فالأمهات اللاتي يتسمن بالعقاب المستمر للأطفال يملن إلى تعويق النمو السوي لدى أطفالهن، كما أن الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلا في مشاهدة نماذج البرامج التليفزيونية العنيفة والعدوانية يميلون بصورة أكبر إلى استخدام
نفس هذه النماذج العدوانية فيما بعد عندما يشعرون بالإحباط في المواقف الحياتية، ولقد أشار بعض السيكولوجيين أن السلوك العدواني الذي يتعلم بهذه الطريقة عادة ما يكون مستقرًا بدرجة عالية بمرور الوقت، فدراسة Eron، Et al؛ "1974" تشير إلى أن الطفل العدواني يميل إلى أن يكون مراهقًا عدوانيًا، وبصورة مماثلة نجد الطفل الذي يتسم بالخجل ولا يشعر بالإشباع أو لا يكون سعيدًا، يميل إلى أن يصبح مراهقًا منسحبًا غير سعيد.
3-
منحى الاتجاهات الثقافية:
هل سلوك المراهق الذي نشاهده يعتبر بمثابة جزءًا ضروريًا للنمو في سائر المجتمعات؟ أم أنه انعكاس لخبرات تعليمية خاصة للمراهقين داخل ثقافة معينة؟ ولقد أشار الأنثروبولوجيون الثقافيون مثل Mead & Benedict إلى أن المراهقة ليست فترة أزمة في كل المجتمعات، ففي المجتمعات التي نجد فيها مبادئ قواعد الكبار محددة بوضوح، وحيث لا توجد فيها مجالا كبيرًا للاختيار أمام المراهق، فإننا نجد الآباء والمراهقين يميلون إلى تقاسم نفس القيم والقرارات فيما بينهما، وتشير نتائج دراسات ronfenb renner؛ "1967" أن الأطفال والمراهقين الروس يتقاسمون قيم متشابهة مع آبائهم أثناء هاتين الفترتين بصورة أكبر مما وجد عند الأطفال والمراهقين الأمريكيين.
ويرجع السبب الأساسي في هذا الاختلاف إلى أن سلوك المراهقين الذين ينمون في مجتمعات تكون فيها أدوارهم المستقبلية محددة سلفًا يختلفون بصورة جوهرية في سلوكهم عن سلوك المراهقين الذين يكون لديهم مجموعة كبيرة من الخيارات، وتعدد لأدوار التي يؤدونها وقد يبدو أنه كلما تدرج المجتمع نحو التصنيع ووفر الفرص الأكثر لأدوار مهينة مختلفة، فإن التوترات بين الآباء والأبناء أثناء فترة المراهقة يبدو أنها تزداد، ويشير Levy؛ "1949" أن قدرة الشباب على العثور على فرص عمل خارج المنزل نتيجة التمدين الحضاري التي نعيشها وجد أن المراهقين قد أصبحوا أقل اعتمادًا على الأسرة.
ومصدر آخر من مصادر الصراع للمراهقين، تبعًا لمواجهة النظر الأنثروبولوجية هي غياب ما يسمى بالشعائر Rites of Pessage كما يشير كل من Bendict؛ "1938" Knepler؛ "1969" حيث
نجد الآباء يتصفون بثنائية المشاعر Ambivalent نحو مراهقيهم، نحو مركزهم الاجتماعي والسلوك الفعلي لأولادهم، فمثلا قد يشير الآباء لمراهقيهم بأنهم قد كبروا بصورة كافية لكي يحملوا بعضا من المسئولية حول شئون الأسرة، وفي نفس الوقت يرفضون إعطائهم بعض الأشياء كالسيارة مثلا، أو أن يمكثوا في حفل ما إلى منتصف الليل، وكثير من الدراسات النفسية قد أشارت أن المراهقين على الرغم من إعطائهم الحرية في التفاعل مع جماعاتهم، إلا أنهم يعاملون من جانب آخر كأطفال داخل منازلهم Kandel؛ "1969".
ولقد أشارت بعض الدراسات أن هناك اهتماما زائدا بنبذ الاعتمادية وتعزيز الاستقلالية عند المراهقين، إلا أن ذلك قد يؤدي بالمراهقين إلى الشعور بالإحباط، فأثناء هذه الفترة يتعلم المراهق أن المركز الاجتماعي يأتي فقط من خلال العمل والكفاءة الذاتية، وقد يشعرون بالإحباط لعدم دخولهم ميدان العمل بعد، وبالتالي يؤدي بهم إلى نبذ قيم الراشدين من حولهم.
ويشير Conger وآخرون "1971" إلى أننا في حاجة إلى أن ننظر بصورة ملية إلى العلاقات الأسرية المتغيرة والأدوار الوالدية المعاصرة والتغير الاجتماعي السريع، فإن ذلك سيؤدي إلى تفهم عميق للمراهق والراشد، مؤداه إلى أننا يجب أن نبدأ منذ البداية، ويجب أن ندرس الطفولة واحتياجاتها ونلاخظ كل خطوة في نمو الطفل وتفاعله مع عالمه المحيط به، وبهذه الطريقة فقط يمكننا أن نحل كثيرًا من غموض وألغاز الأنماط السلوكية الإنسانية في فترة المراهقة.
بعد هذه المعالجة في نظريات المراهقة، نبدأ الآن في تأمل أهم التغيرات الجسمية والعقلية التي تطرأ على المراهقين، فعادة ما نجد أثناء فترة المراهقة المبكرة "من سن 11، 14" حدوث تغيرات جسمية وفسيولوجية وعقلية تحول الأطفال إلى راشدين صغار، ويلي ذلك فترة تسمى بالمراهقة الوسطى "14، 18" سنة نجد أثناءها يتكيف المراهقون لذواتهم الجسمية والعقلية الجديدة وكذلك إلى وقائع حياة المراهقة يلي ذلك المراهقة المتأخرة أو الشباب والتي عادة ما تبدأ "من سن 18، 21 تقريبًا" وتعتبر بمثابة فترة انتقال يصبح أثناءها المراهق عضوًا في مجتمع الراشدين.
وسوف تتمركز مناقشتنا التالية على المراهقة المبكرة، حيث إنها من أكثر الفترات التي بحثت من النواحي النفسية والعقلية والشخصية، ومع ذلك فسوف نلقي الضوء كذلك على الصورة العامة للمراهقة الوسطى والمتأخرة وما نود أن نؤكده هنا أن فترة المراهقة فترة نمو حق معقدة مركبة ذات مراحل فرعية والتي تختلف كثيرًا الواحدة منها عن الأخرى، كما وجدنا ذلك في مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة والطفولة الوسطى.