الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: المراهقة
مدخل
…
الباب الثالث: المراهقة
أولا: طبيعة المراهقة
المراهقة Adolescence مرحلة من النمو تقع بين الطفولة والرشد، مرحلة نمائية يتحول فيها الطفل من عالم الطفولة إلى عالم الكبار.
ولا يعني مصطلح "مراهقة" البلوغ والشباب كمرادفات، حيث إن المراهقة تعني التغيرات المتميزة الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، التي تتم في فترة العقد الثاني من العمر "ولذا يطلق أحيانًا على المراهقين مصطلح Teen-Agers ما بين الطفولة وسن النضوج، ويعني البلوغ Puberty الجانب العضوي للمراهقة من حيث نضوج الوظيفة الجنسية، ويحدد هاريمان البلوغ بأنه مرحلة من مراحل النمو الفسيولوجي العضوي التي تسبق المراهقة، وتحدد نشأتها وفيها يتحول الفرد من كائن لا جنسي إلى كائن جنسي قادر على أن يحافظ على نوعه باستمرار سلالته، بالتالي نستطيع أن نعرف البلوغ بأنه نضج الغدد التناسلية واكتساب معالم جنسية جديدة، تنتقل بالطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الإنسان الراشد.
أما الشباب فعادة ما يتمثل في الجانب الاجتماعي للمراهقة، وخاصة في نهايتها، وقد يتسم بمناقضته للجيل الذي وصل فعلا إلى النضج الحقيقي، والشباب يعتبر بمثابة فترة من النمو يندفع خلالها الكائن الذي صار مالكًا لكل إمكانايتها نحو من سبقوه في حماس وصبر نافذ ليتخذ لنفسه مكانًا داخل مجتمع الراشدين.
وإذا كان النمو عملية متصلة مستمرة، فإن مسار النمو يأخذ من حوالي سن 12: سن 13 معدلات أسرع وتغيرات أعمق ومظاهر أكبر، فعند بدايات هذه المرحلة مع البلوغ، عادة ما يأخذ الاتزان الجسمي والنفسي في الاحتلال النسبي، وتطرأ تغيرات عضوية عميقة تعطي للجسم بنية وقوة متزايدة وأشكالا أكثر وضوحًا وتظهر الوظيفة التناسلية، وتختفي العادات الطفلية وتبرز اهتمامات وميول جديدة تشهد في وجود رغبة في توسيع أفق الحياة الذي كان يقتصر من قبل في أغلب الأحيان على نطاق الأسرة والمدرسة وتزداد أحلام اليقظة في هذه المرحلة إلى الحد الذي قد تصبح معه عائقًا لتكيف المراهق النفسي والاجتماعي.
وإذا كانت المراهقة بعد البلوغ تتسم بصفة عامة بعدم الاستقرار أو حتى القلق، وقد يعاني فيها المراهق من انحرافات مزاجية ومن عدم الاتزان الجسمي، ويشعر فيها بإحساس التقدم في تعثر نحو مستقبل غير مضمون، بواسطة التطور حيث يزداد الكيان النفسي رسوخًا، والحياة العقلية ثبوتًا، وينمو الاهتمام بنوع الدراسة أو المهنة التي يستخدها المراهق لنفسه، ويأخذ المراهقون في التحول إلى شباب يتطلع بشغف إلى المستقبل، تحركه أمال ومطامح هائلة لما يرد عليه في عالم الكبار الراشدين.
ونظرًا لما تتصف به هذه المرحلة من خصائص ومستويات متميزة للنمو، أبرزها أنها مرحلة تغير جذري وسريع وينسحب على كافة مظاهر النمو، وأنها مرحلة انتقالية حرجة، فقد اختلفت نظريات علماء النفس في محاولة تفسير طبيعتها وحقيقتها.
فالمراهقة هي الميلاد النفسي وهي الميلاد الوجودي للعالم الجنسي، وهي الميلاد الحقيقي للفرد كذات متفردة، وهي مزاج من شيء في سبيله إلى الخلع والانتهاء وهو الطفولة ونقيض في سبيله إلى الارتداد والنماء وهو الرشد، وإذا نظرنا إلى الأجيال في تعاقبها لرأيناها تتواصل يقطعها بين الجيل والجيل مفصل المراهقة، وهو مفصل واصل فاصل معنا، والمراهق في مرحلته الانتقالية هذه يتحدى طفولته في ثقة مطلقة بالذات، ويثور على عالم الكبار محاولا تجريد الراشدين وآراءهم من كل ثقة، فيرفع الاستقلالية المسرفة في وجه التبعية والتسلطية ليصل إلى تبعية متبادلة، والبلوغ في نظرة تدفق لمدد هائل من الطاقة الجنسية الغامرة التي تصبغ العالم بالجنسية، ومن ثم فهو صدمة تحطم الاتزان النفسي وينشأ عصاب صدمي يبرز عدة أعراض انفعالية مثل سرعة القابلية للتهيج ونوبات الغضب وسرعة القابلية للتعب دون جهد يذكر وعدم القدرة على تركيز الانتباه ونوبات القلق وأحلام اليقظة، ويحاول المراهق إقامة الاتزان النفسي من جديد مجربًا كل الإمكانيات وكافة الحلول ويناوب الدفاع والإشباع فيمر بمرحلة من التوافق الكاريكاتوري المتخبط وبين السطحية والضحالة والضدية يقف عند البطولية الرجولية والخلاعة الأنثوية.
وعمق، ومن أن هناك خصائص عامة ثابتة تميز الأفراد في هذه المرحلة نموهم ومن بينها مثلا تمردهم على آبائهم وثوراتهم على مدرسيهم وعلى أنها فترة عصبية في النمو يشوبها القلق والتوتر والأزمات النفسية الحادة بالنسبة لجميع المراهقين، ولذا يعتبرها "مندوس" فترة من الحياة المتشنجة، ويعتبرها بوهلر فترة سلبية.
وكان لكتابات "ستانلي هول" خاصة، التي وصف فيها المراهقة بأنها فترة عواصف وتوتر وشدة، وأنها مرحلة ميلاد جديد" أكبر الأثر في إشاعة هذه النظرة المتشائمة المستسلمة إلى المراهقين ومشكلاتهم.
ولكن ما شهده علم النفس من اتساع في نطاق البحوث والمشاهدات التي أجريت على المراهقين في حضارات وثقافات متعددة، قد أوضح أن للمراهقة أشكالا وصورًا متعددة، وأنه ليس بالضرورة أن تأخذ المراهقة هذا الشكل المتأزم المضطرب، فلا تكاد توجد خصائص عامة ثابتة لسلوك جميع المراهقين، وإنما هناك ظواهر سلوكية تتأثر باتجاهات العصر والثقافة المحيطة وثقافة مجموعات المراهق الخاصة، إلى جانب عوامل أخرى يختص بعضها بالمراهق نفسه والآخر لظروفه وعلاقاته الاجتماعية.
وتشير الدراسة الرائدة لصمويل مغريوس عن "المراهق المصري" أن هناك أربعة أشكال عامة للمراهقة في مصر.
المراهقة المتكيفة:
وتكون أميل إلى الهدوء النسبي والاتزان الانفعالي، وعلاقة المراهق بالآخرين طيبة، ولا أثر للتمرد على الوالدين أو المدرسين، وحياة المراهق غنية بمجالات الخبرة بالاهتمامات العملية الواسعة التي يحقق عن طريقها ذاته وحياته المدرسية موفقة في أغلب الأحيان، وهو يشعر بمكانته في الجماعة وبتوافقه فيها، ولا يسرف في أحكام اليقظة أو غيرها من الاتجاهات السلبية، ولا يكثر التهم أو يطيل التفكير في مشكلات ذاتية. ولا تستولي المسائل الدينية والفلسفية على تفكير المراهق إلا في النادر، وأما الشكوك الدينية وموجات التردد، فلا تأخذ صورة حادة وقد لا يتعرض لها إطلاقًا، فالمراهقة هكذا تنحو نحو الاعتدال في كل شيء ونحو الإشباع المتزن وتكامل الاتجاهات.
ومن العوامل المؤثرة في هذا الشكل للمراهقة، المعاملة الأسرية المعقولة التي تنطوي على سماح الوالدين بنصب وافر من الحرية، وعلى تفهم حاجات المراهق واحترام رغباته، وقد نجح آباء هؤلاء المراهقين في توفير جو من الثقة بينهم وبين آبنائهم بحيث تسنى للمراهق أن يصارح أباه عن بعض مشكلاته الانفعالية، فيوجهه أبوه في حدود استطاعته، وهنا كان يشعر المراهق بتقدير أبويه واعتزازهما به، وقد اقترن هذا التقدير بالتقدير في مواطن أخرى، مثل مجموعة الأقران أو الأصدقاء أو المدرسين أو أهالي القرية أو الحي، واحتل النشاط الرياضي الاجتماعي مكانة خاصة في حياة هؤلاء المراهقين فكان دعامة أساسية في جعل مراهقتهم سعيدة مشبعة، وكان النجاح الدراسي من مصادر رضا المراهق عن نفسه وتقدير الآخرين له، وفي حياة هؤلاء المراهقين قدر واف من المسئولية الاجتماعية وفرص كافية للاستقلال والاعتماد على النفس والتخفف من رقابة الأسرة.
2-
المراهقة الانسحابية المنطوية:
المراهقة في هذا الشكل أسيفة مكتئبة بالإنطواء، والعزلة والشعور بالنقص وليس للمراهق مخارج ومجالات خارج نفسه، عدا أنواع النشاط الإنطوائي مثل قراءة الكتب الدينية وغيرها، وكتابة المذكرات التي يدور أغلبها حول انفعالاته وتقدمه للصور المحيطة، والمراهق مشغول بذاته ومشكلاته، كثير التأمل في القيم الروحية والأخلاقية وإلى نقد النظم الاجتماعية والثورة على تربية الوالدين وتنتابه الهواجس الكثيرة وأحلام اليقظة التي تدور حول موضوعات حرمانه من الملبس أو المأكل أو الجنس أو المركز المرموق، وهو يسرف في الاستنماء تخلصًا مما يشعر به من ضيق وكبت ونتيجة لعدم ميله إلى مجالات عملية خارج نفسه كالرياضة أو النشاط الاجتماعي.
3-
المراهقة العدوانية المتمردة:
كثيرًا ما تكون اتجاهات المراهق ضد الأسرة والمدرسة وأشكال السلطة، وتتسم كذلك المحاولات الانتقالية ومخاولات التشبه بالرجال والأساليب الاحتيالية في تنفيذ رغبات المراهق ومآربه، وقد يلجأ في ذلك إلى التدخين وتصنع الوقار في المشي والكلام وإطلاق الشارب واللحية أحيانًا واختراع قصص المغامرات، والهروب من المدرسة، والمحاولات الجريئة مع الجنس الآخر، ويقترن بذلك شعور المراهق بأنه مظلوم وبأن مواهبة وقدراته غير مقدرة ممن يحيطون به.
وتتفق العوامل المسئولة عن هذين الشكلين "2، 3" فالمراهقة في التربية الضاغطة المتزمتة يمكن أن تنتج شخصية منكمشة منطوية على نفسها أو شخصية ثائرة عدوانية.
4-
المراهقة المنحرفة:
وتأخذ صورة الانحلال الخلقي التام أو الانهيار النفسي الشامل وتتفق عوامل هذا الشكل مع الشكلين السابقين، مع اشتداد في درجة هذه العوامل ومع إضافة عوامل أخرى كما أن بعض المراهقين قد مر بخبرة شاذة مريرة أو صدمة عاطفية عنيفة لونت تفكيرهم ووجدانهم لبعض الوقت بلون قاتم متشائم، وانعدام الرقابة الأسرية وتخاذلها وضعفها والقسوة الشديدة في معاملة المراهق وتجاهل رغباته وحاجاته والتدليل الزائد، وتكاد الصحبة السيئة أن تكون عاملا مشتركًا، واقتران التوحد مع جماعة الرفاق بعيوب التربية في المنزل والمدرسة.
والنظرية المقبولة في المراهقة والتي تتفق مع نتائج هذه الدراسة هي أن المراهقة تتأثر في تكيفها بنوعين من الاعتبارات.
أ- اعتبارات النمو الفائق السرعة والتغيرات المختلفة المرتبطة بالتطور نحو الرجولة أو الأنوثة.
ب- اعتبارات الثقافة المحيطة وثقافات المجموعات التي يدور المراهق في فلكها، بما يميزها من قيم ومثل وأنواع الضوابط الاجتماعية، وعلى نتاج التفاعل والاحتكاك بين هذين النوعين من الاعتبارات أي بين مراهق متطور وبيئته الاجتماعية، تتوقف سمات المراهقة ومعالمها في حالة فرد معين، ويتأثر هذا التفاعل بطبيعة الحال بعناصر من خبرات المراهق السابقة وبنائه الجسمي النفسي.