الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: النمو العقلي
إن التغيرات المثيرة التي تحدث في النمو أثناء فترة المراهقة المبكرة غالبًا ما تقترن بتغيرات مثيرة متساوية تحدث في النمو العقلي، ويصف بياجيه هذا النمو العقلي خاصة مع بداية المراهقة بما يسمى بالعمليات الصورية Formal Operations فالمراهقين الصغار عادة ما يكونون قادرين على التعامل مع متغيرات كثيرة في نفس الوقت، ويكون في مقدورهم إدراك المجاز والاستعارة والتعبير بالابتسام ويفكرون في الأمور والأشياء ويبنون الأمثلة لأنفسهم، بالإضافة إلى إمكانهم تفهم المعكوسية للأشياء والأشياء المتناقضة مع الحقيقة، ويمكنهم تفهم الوقت التاريخي للثقافات المختلفة، وهذه التغيرات التي تحدث في قدرات المراهق العقلية يمكن وصفها بصورة كيفية وكذلك بصورة كمية، فمن الجانب الكمي فهناك مؤشران يبدوان على أهمية خاصة.
أ- ما يسمى بالقدرة على التمييز أو المفاضلة.
ب- تقدم مجرى النمو العقلي، والذي كان يعتقد في أنه يصل إلى ذروته في فترة المراهقة وبعدئذ يميل إلى الانخفاض التدريجي.
كما أن الجوانب النوعية في تفكير المراهق لم تكتشف بصورة مكثفة كما هو الحال في فترة الطفولة، حيث نجد أعمالا تجريبية قليلة في النمو اللغوي والتذكر والإدراك في فترة المراهقة، إذا ما قورنت بمثيلتها في فترة الطفولة، كما أن كثيرًا من الدراسات التي أجريت على تفكير المراهقين قد ركزت على نمط التفكير السببي للمراهقين وكذلك على حل المشكلة، وسوف نتأمل سويًا في ثنايا الصفحات التالية بعضا من هذه الدراسات بالإضافة إلى بعض المسائل المتعلقة بالتفكير الإجرائي الصوري وسوف نختتم بالإشارة إلى بعض النتائج ذات الفعالية في التوصل إلى نمط التفكير الإجرائي الصوري.
اختبارات الذكاء:
مما يجدر الإشارة إليه، أن المراهقين عادة ما يكون لديهم خبرة في إجراء الاختبارات، كما أن أداءهم إلى الاستقرار والثبات بصورة واضحة، وذكاء المراهق يمكن مع ذلك أن يسبب في بعض الأحيان مشاكل معينة، فالمراهق الذي يتصف بالذكاء المرتفع قد يفسر أسئلة اختبار الذكاء بصورة أكثر تركيبًا مما هي عليه بالفعل أو قد يستخدم مواقف الاختبار للتعبير عن موقف اجتماعي أو سياسي معين.
وعمومًا فعند قياسنا النمو العقلي عادة ما نطرح تساؤلين.
أ- ما مدى قدرات الشخص أثناء فترة المراهقة؟
ب- ما طريقة نمو القدرات العقلية أثناء فترة المراهقة وبعدها؟
العمر التمايزي:
إحدى وجهات النظر لفهم طبيعة القدرات العقلية تسمى بنظرية العمر التمايزي الافتراضي Age Differentiation Hypothesis وتشير إلى أن قدرات الطفل العقلية في جوهرها منفصلة غير مترابطة، إلا أنه أثناء الطفولة المبكرة نجد هذه القدرات تصبح تدريجيًا متكاملة ومترابطة داخل عدد من قدرات قليلة منظمة بصورة عالية، وأثناء فترة المراهقة تصبح القدرات العقلية مرة أخرى متصلة بالتمايزية، وبالتالي تصبح قدرات أساسية بصورة أكبر مما كانت عليه أثناء مرحلة الطفولة كما يشير بعض الباحثين كذلك FitzGerald، J.& Others إلى وجود مرحلة تمايزية أخرى أثناء مرحلة الرشد المتأخرة، حيث تصبح القدرات العقلية ملتحمة إلى حد ما داخل نموذج أقل تمايزًا.
وهذا العمر التمايزي الافتراضي لا يعتبر بمثابة اهتمام أكاديمي فقط ولكنه ينعكس كذلك في مناهج مدارسنا، فنجد أطفال المدرسة الابتدائية يأخذون عددًا من القدرات كالحساب والقراءة والعلوم والدراسات الاجتماعية، ولكننا نجد في المدارس الثانوية يصبح لدى المراهقين مدى أوسع لفرص الاختيار حيث يتضمن المنهج اللغات الأجنبية والدراسات الأدبية والرياضيات والإحياء وما إلى ذلك.
وما زال يوجد تضارب بين نتائج الدراسات، فبعضها يشير إلى وجود التمايز أثناء فترة المراهقة، في حين يعتقد آخرون بعدم وجوده في قدرات المراهق Horn، J.L؛ "1976" وجدير بالذكر فإن كل من هاتين الوجهتين المختلفتين يمكن أن تسهم وتؤدي إلى مناهج ووسائل تعليمية مختلفة، وجدير بالذكر فإن العمر التمايزي الافتراضي لا يمكن أن يتقبل بصورة كلية، أو ينبذ بصورة كاملة، ففي رأينا أنه توجد احتمالية حدوث بعض أنواع التمايز إلا أنها ليست للمدى الذي أشار إليه Baletes وآخرون "1972".
تقدم النمو العقلي:
تشير دارسات النمو العقلي، أن القدرات العقلية في الزيادة طوال الحياة، ولكنها تصل إلى ذروتها أثناء فترة المراهقة الوسطى وبعد ذلك تأخذ في الانخفاض التدريجي Terman، L؛ "1916" ووجهة
النظر هذه اعتمدت على المعايير الأولية لاختبار استانفورد بينية حيث يظهر أن الذكاء يبلغ ذروته في سن السادسة عشر تقريبًا، ولقد طبقت عديدًا من الاختبارات أثناء الحرب العالمية الأولى على الجنود وتشير النتائج أن معدل ذكاء الجند والضباط لم يحدث فيه تغير عما كان عليه في سن الثامنة عشر.
وظهرت دراسات مناقضة لما أتت به نتائج تيرمان بينيه حيث يشير كل من Baltes & Others؛ "1972"، Schaie، k؛ "1972" أن الذكاء لا ينخفض بتقدم العمر الزمني ولكنه قد يتحسن كذلك، وإحدى التفسيرات التي يعزى إليها هذا التناقض لنتائج دراسات الذكاء يمكن أن يعزى إلى منهج الدراسة، فتلك الدراسات التي أشارت إلى أن الذكاء ينخفض بعد المراهقة، غالبًا ما اعتمدت على طريقة المقطع العرضي Cross-Sectional حيث اختبرت بواسطتها أفرادًا في مستويات عمرية مختلفة في نفس الوقت، وبالتالي أشارت نتائج دراسات هذه الطريقة أن الراشدين قد يكونون في مستوى منخفض في معدلات أدائهم على الاختبارات العقلية من المراهقين، إلا أننا يجب أن نشير إلى أن إخفاق الكبار في الدراسات السابقة لا يرجع إلى النمو العقلي لديهم بقدر ما يرجع إلى أنهم لم يحظوا بنفس التعليم الذي حظي به المراهقون في الوقت الحديث، وعلى نقيض ذلك نجد دراسات أخرى قد أشارت أن الذكاء يستمر في الازدياد من خلال النضج الذي يطرأ على الكائن الإنساني، وهذه الدراسات عادة ما كانت تعتمد على الطريقة الطولية والتي يختبر فيها نفس الأفراد بصورة متكررة عبر الوقت.
وهناك تفسير آخر لتعارض النتائج في دراسات النمو العقلي مؤداه أن اختبارات الذكاء عادة ما تقيس نمطين من الذكاء، واحد منهما يصل إلى ذروته أثناء فترة المراهقة في حين الآخر يستمر في الزيادة مع ازدياد العمر الزمني Horn، JL؛ "1970" Cattel، R؛ "1970" ويسمى النوع الأول بالذكاء السلس أو المرن Fluid Intell وهو يتضمن العمليات العقلية الضمنية "كالتي وصفها بياجيه" والتي يمكن أن تعزى إلى كل من الوراثة والنضج، بالإضافة إلى الخبرة والنمط الثاني والذي يعرف بالذكاء المتبلور "محدد الشكل" Crystalized Intell ويشتمل على المعرفة والمهارات التي تكون متطلبة أثناء عمليتي التطبيع الاجتماعي والتثقيف Acculturatin.
وتشير نتائج دراسات Cttel، R؛ "1971"، Horn، J؛ "1970"، Horn، J؛ "1975" أن الذكاء المرن أو السلس يصل إلى ذروته أثناء فترة المراهقة وبعد ذلك يميل إلى الانخفاض في حين نجد الذكاء المتبلور "محدد الشكل" يستمر في الازدياد بصورة عامة، والشكل رقم "2" يوضح ذلك تبعًا لوجهة نظر Horn، J. L؛ "1967".
وجدير بالذكر فالتعميمات عن الذكاء المرن أو السلس والذكاء المتبلور "محدد الشكل" يجب أن تحدد كذلك، ولا تؤخذ بصورة عامة، فالقدرات الخاصة والمعرفة التي يمكن للفرد الوصول إليها من خلال النضج تعتمد على مستوى قدرات الشخص العقلية، ومدى قدرته على الابتكار، وكذلك على عمله ومهنته بالإضافة إلى حالته الصحية العامة حيث تشير نتائج دراسات Horn؛ "1976" أن الأشخاص الأذكياء يحتفظون بمعدل عقلي وظيفي بصورة أطول من هؤلاء الأشخاص الذين لا يتسمون بالذكاء، كما أن الأشخاص الذين كانت مهنهم أكاديمية مصبوغة بصبغة عقلية، عادة ما يحتفظون بمهاراتهم العقلية واللفظية بصورة أطول من الأشخاص الذين يعملون في ميادين أخرى، وكما أشار هويتهد Whitehead.
"إن التخيل عادة ما يكون أكثر فعالية وتأثيرًا ونشاطًا ما بين سن التاسعة عشر والخامسة والثلاثين، ونحن غالبًا ما نحتفظ بالسير به قدمًا بعد ذلك، بغض النظر عما نخبره بعد من إخفاق"، والتاريخ الإنساني حافل بذلك فالأعمال الابتكارية الأصلية لثمة رجال مثل بياجيه وفرويد وروسو وراسل تؤيد أن هناك كثيرًا من الناس لهم غزارة في العطاء وفيض من المعرفة العقلية الجياشة بعد أن تخطوا الخامسة والثلاثين من عمرهم.
التفكير الصوري الإجرائي ومظاهره:
ينبثق التفكير وفقًا لبياجيه من التذويت التدريجي للأفعال وعلى ذلك فإن التفكير الحقيقي "بمعنى التعامل العقلي أو التجريب لمعطيات البيئة" لا يظهر حتى سن السادسة أو السابعة من عمر الطفل، عندما تصبح الأفعال مذوتة بصورة كاملة، وكما أشرنا فيما سبق أن نمط تفكير الأطفال منذ السادسة أو السابعة وحتى حوالي العاشرة أو الحادية عشر
يسمى بنمط تفكير العمليات العيانية أو المحسوسة Concrete Operations، وهذا النمط يختلف بصورة جوهرية عن نمط التفكير الذي ينبثق أثناء فترة المراهقة "ما بين الحادية والرابعة عشر" والذي يسمى بالتفكير الصوري.
وسوف نتأمل سويًا التفكير الصوري المنطقي، وبعد ذلك سنرى كيف يظهر في تفكير المراهقين، كما سنتأمل بعض تطبيقات التفكير الصوري الإجرائي في المعارف الاجتماعية للمراهقين، ومفاهيمهم عن ذواتهم ووجهات نظرهم في الأفراد الآخرين.
منطقية التفكير الصوري الإجرائي:
من المفيد أن نتأمل نمط التفكير الصوري الإجرائي داخل محتوى العمليات العيانية أو المحسوسة، فإن نظام العمليات الحسية العيانية يشبه التفكير المنطقي ما دامت توجد به مجموعة من العناصر "كالموضوعات أو العلاقات أو الصفات"، بالإضافة إلى وجود بعض العمليات "كالإضافة إلى الجمع، والطرح وهكذا"، مع مجموعة من المبادئ أو العناصر المتحدة، وأحد هذه المبادئ يسمى بالاستبدال Commutivity وبغض النظر عما إذا كانت عناصر الموقف تتحد أم لا، فإن النتيجة سوف تكون نفسها، فمثلا، أ + "ب + جـ1" = "أ + ب" + جـ.
والمبدأ الثاني يتمثل في الهوية Identity أو التماثل فلكل عنصر في موقف ما يوجد عنصر مماثل له مثل: أ - أ = صفر، أو أ = أ، والمبدأ الثالث يتمثل في التركيب Compostion، ويعني أن اتحاد عنصرين في موقف ما سوف ينتج عنصر ثالث مثل، أ + ب = جـ، والمبدأ الرابع يتمثل في التناول العكسي للموضوعات أو المعكوسية Reversibillty ومؤداه أن كل عملية في الموقف توجد عملية أخرى معكوسة ثانية والتي يمكن أن تبطل كلية تأثيرات الأولى، ولكي نوضح ذلك أ + ب = جـ، ولكن ج - أ = ب، ج - ب = أ.
ويمكن أن يقال أن الطفل لا يكون على دراية بنظام العمليات العيانية إلا أننا يمكن أن نستدل عليها من أدائه، وينطبق نفس الشيء بالنسبة للنظام الإجرائي الصوري، وفي الحقيقة فإن مفهوم بياجيه عن الذكاء
اللاشعوري متشابه إلى حد ما مع مفهوم فرويد عن اللاشعور الوجداني Affective فلقد وجد فرويد أن كل شخص يعيش حياة غنية بالرغبات والدوافع والتخيلات، ويكون على حد أدنى من الدراية بكل هذه الأشياء، ويشير بياجيه إلى مفهوم قريب من مفهوم فرويد، في أن الشخص يعيش حياة معرفية، غنية، ويستخدم فيها أنظمة مركبة من العمليات المنطقية بدون دراية فعلية منه.
وبمجرد أن يحصل الطفل العمليات العيانية "الحسية" نجده يستطيع استخدامها داخل فئات معينة، فمثلا إذا عرف الطفل أن عدد الأطفال يساوي جمع عدد الأولاد + عدد البنات، أو أن ج = أ + ب "جمع" حينئذ سيعرف تلقائيًا أن جـ - أ = ب "معكوسية" ويعني أن أ - أ = صفر "هوية" ويعني أ + ب = جـ، وهي نفسها مثل ب + أ = جـ "استبدالية" ودلالة هذا التحليل المنطقي لتفكير الأطفال نجد أنه يمكننا من التنبؤ بالموقف الكامل للأدوات المترابطة المتفردة للشخص.
عندما ننتقل إلى نظام العمليات الصورية، فإن المنطق يصبح أكثر تركيبًا وتعقيدًا، وفي الحقيقة يصبح منطق خبري أو افتراضي Propositional Logic وهذا النوع من المنطق يعتبر بمثابة النظام المنطقي الثاني والذي يستفيد من النظام الأول ويمدنا بمدى أكبر ومرونة أعظم في التفكير، ومنطق العمليات الصورية عادة ما يكون دالا للمنطق الإجرائي والذي يستخدم في الجبر والرياضة، كما أن كلا من المنطق الإجرائي والرياضيات تعتبر بمثابة وسائل تمكن الفرد من التفاعل مع موضوعات العالم الخارجي، كما أن العمليات المنطقية الصورية والجبر من جانب آخر تعتبر بمثابة وسائل وأدوات تمكن الفرد من التفاعل الرمزي، وهي خطوة أسمى من العالم الواقعي.
وبواسطة العمليات الصورية كذلك يمكن أن يكتسب الفرد عن طريقها مستوى جديدا من الإحساس أو الشعور، وعلى الرغم من أن المراهقين قد لا يكونون على دراية بالمنطقية التي تكون وراء عمليات تفكيرهم النامي، إلا أنهم يمكنهم أن يعكسوها ويصوروا أفكارهم وعمليات تفكيرهم كذلك، حيث يمكنهم التفكير في التفكير، وعلى ذلك فإن المراهقين يمكنهم تفهم التعبير عن اتحادات أو تركيبات كثيرة والتي قد لا تحدث في الواقع ويشير كل من lnhelder & Biaget؛ "1958" أن
الشخص يكون قادرًا على بناء الاحتمالات والأمثلة المتناقضة مع المواقف الحقيقية الواقعية، والتي قد تكون منطقية إلا أنها ليست واقعية.
ولكي نوضح احتمالات أو إمكانيات التفكير الصوري الإجرائي تفترض أنك دخلت مطعمًا، وقدمت لك قائمة الطعام، حيث تحتوي على المشهيات وأطباق رئيسية، وأصناف حلوى وأنواع شراب، حينئذ يكون لديك عدد من البدائل الاختيارية والتي يمكن أن تقدم كما يلي.
"يأمر بشيء واحد":
1-
لا يأمر بشيء.
2-
يأمر بالمشهيات فقط.
3-
يأمر بالطبق الرئيسي فقط.
4-
يأمر بالحلوى فقط.
5-
يأمر بالشراب فقط.
"يأمر بشيئين":
6-
يأمر بالمشهيات والطبق الرئيسي.
7-
يأمر بالمشهيات والحلوى.
8-
يأمر بالمشهيات والشراب.
9-
يأمر بالطبق الرئيسي والحلوى.
10-
يأمر بالطبق الرئيسي والشراب.
11-
يأمر بالحلوى والشراب.
"يأمر بثلاثة أشياء":
12-
يأمر بالمشهيات والطبق الرئيسي والشراب.
13-
يأمر بالمشهيات والطبق الرئيسي والحلوى.
14-
يأمر بالمشهيات والشراب والحلوى.
15-
يأمر بالطبق الرئيسي والشراب والحلوى.
"يأمر بأربعة أشياء":
16-
يأمر بالمشهيات والطبق الرئيسي والحلوى والشراب.
وقدرة الفرد أن يضع في اعتباره كل هذه الاتحادات السابقة تتطلب
تفكيرًا إجرائيا صوريًا، وأحد المشكلات التي يجابهها الأطفال في المطاعم تتمركز في وجود بدائل وخيارات كثيرة يجب عليه التعامل معها، وعادة ما يفضل الأطفال قوائم الطعام البسيطة حيث يكون من السهل أن يتعاملون معها.
والمراهق بدوره يمكنه استخدام العمليات الصورية مع إشارات لفظية والتي قد يكون لها مراجع واقعية أو لا يكون لها ذلك، وعمومًا فإن القدرة على تركيب واتحاد الاقتراحات أو الافتراضات يكشف عن إمكانات هائلة للتفكير حيث تكون متطلبة لجميع المساعي والمحاولات العملية وعلى ذلك فعندما يريد الباحث بناء نظرية أو إجراء تجربة ما، فعليه أن يضع في اعتباره كثيرًا من المتغيرات في وقت واحد، ويفكر في تغيير بعضها بينما يحتفظ بالأخرى في حالة ثابتة وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكن الباحث من أن يصبغ الافتراضات بصورة تجريبية.
اللغة والذاكرة:
لم تجر دراسات تصنيفية كثيرة على النمو اللغوي وقدرات التذكر عند المراهقين إذا ما قورنت بالدراسات التي أجريت على الأطفال، وفيما يتعلق بالنمو اللغوي فيمكن افتراض أن النمو يستمر في عدد المفردات والجمل والتركيب البنائي للجمل وكذلك في استعمالات الجمل المتعددة على الأقل حتى فترة المراهقة الوسطى "بناء على مقاييس بينيه ووكسلر للذكاء"، بالإضافة إلى ذلك فالمراهقون نتيجة نمو العمليات الصورية عندهم يبدءون في تفهم الجوانب الصورية للغة، وبعد ذلك تفهم القواعد اللغوية وبناء الجمل أو الإعراب وتشير نتائج دراسات Munsnger & Douglass؛ "1976" على التوائم المتماثلة بوجود ازدياد مضطرد في فهم تركيب وبناء الجمل في مرحلة المراهقة المبكرة.
وأحد جوانب النمو اللغوي عند المراهقين التي درست كذلك هي مدى فهم الاستعارة والتشبيه في اللغة، ويبدو أن هاتين العمليتين تتطلبان تفكيرًا صوريًا إجرائيًا حتى يمكن فهم الاستعارة أو المجاز حيث تعتبر بمثابة رمزًا لرمز، وبالتالي تكون العلاقة فيها تصورية أو مجردة، وجدير بالذكر فإن المراهق عادة ما يستطيع تفسير الاستعارة أو المجاز اللغوي حيث تشير نتائج بعض الدراسات أن أطفال ما قبل المراهقة تمكنوا منها بالإضافة إلى أن نجاحهم فيها كان مرتبطًا بصورة عالية بنجاحهم في
اختبار التفكير الصوري الإجرائي، ولقد أيدت نتائج دراسات كل من Ash، Nerlove؛ "1960"، Polio & Polio؛ "1974" ما أشارت إليه نتائج الدراسة السابقة.
ولقد أجريت دراسات قليلة نسبيا على نمو الذاكرة عند المراهقين إذا ما قورنت بالدراسات التي أجريت على الأطفال، وتشير دراسات Mandler وآخر "1967" أنه كلما تقدم الأطفال في أعمارهم الزمنية فإنهم ينمون بصورة متزايدة مخططات تذكرية جيدة وذات فعالية، ويبدو أن هذا الميل يستمر في المراهقة حيث نجد العمليات الصورية عادة ما تستخدم لتطوير المخططات التذكرية، وجدير بالذكر فإن اتساع مدى الذاكرة يزداد بصورة ملحوظة أثناء فترة المراهقة، والذاكرة الأحسن والأقوى سواء كانت عند المراهقين أو الراشدين عادة ما تعزى إلى القدرة الأفضل على التصنيف وتنظيم المعلومات.
السلوك الاحتفاظي Consevation Behavior:
إن مفهوم ثبات وبقاء الأشياء "كالحجم والعدد والطول والكمية والمسافة والجوانب وهكذا، عادة ما نجد الأطفال يتمكنون منها في فترة الطفولة المتأخرة عند وصولهم إلى مستوى العمليات الحسية للتفكير، إلا أن بعض المفاهيم الأخرى مثل الكتلة Volume يبدو أنها تتطلب عمليات صورية عالية، ولقد وجد كل من بياجيه وانهلدر أن الأطفال لا يمكنهم تفهم الاحتفاظ بالكتلة حتى سن الحادية عشر أو الثانية عشر.
وتشير دراسات Elkind، D؛ "1962" أن نسبة كبيرة من المراهقين وطلاب الجامعة لم يتمكنوا من التوصل إلى تفهم الاحتفاظ بالكتلة، ولقد دعمت دراسات أخرى أجراها Hobbs، S؛ "1973" النتائج سابقة الذكر، حيث طبق على مجموعات من المراهقين والراشدين، بالإضافة إلى أن اكتساب العمليات الصورية أو على الأقل تطبيق هذه العمليات على جوانب معينة للواقع ويجب أن نشير أن مفهوم الكتلة له مستويات عديدة من التجريد، وأن تلك الدراسات التي أجريت على المراهقين والراشدين قد فاقت أغلب المستويات التجريدية حيث تعاملت مع مبدأ استمرارية الكتلة Continous volume وهي الفراغ المملوء بمادة متصلة أو مستمرة مثل السوائل أو الصلصال، إلا أن الكتلة غير المتصلة Discontinuous وتعتبر بمثابة الفراغ المملوء بواسطة مبدأ الاحتفاظ أو الثبات، وعموما فإن مفهوم
الكتلة يشبه المفاهيم الأخرى يمكن أن تفهم على مستويات متعددة، وفي فترة المراهقة عادة ما نجد مفهوم الاحتفاظ بالكتلة المستمرة أو المتصلة في متناول المراهقين.
التفكير التجميعي أو التوحيدي Combinatorial Thining:
أحد الأشكال الجديدة للتفكير والتي تصبح ممكنة مع التفكير الإجرائي الصوري مثل قائمة المأكولات التي قدمت في مثالنا السابق ولكي نتأمل كيف ينمو هذا النمط من التفكير لدى الأطفال والمراهقين انظر الشكل رقم "4"، والذي يمثل مثالا عمليا من أعمال بياجيه وانهلدر الأصلية، وسنورد فيما بعد مقتطفات من تفكير الأطفال في مستويين عمريين مختلفين التي قدم إليهم هذه المشكلة.
ولقد قدم كل من انهلدر وبياجيه كثيرا من الأمثلة من هذا النوع موضحين أن الأطفال عادة ما يكون لديهم صعوبة في إجراء العمليات الصورية المتعددة Multiple، حيث إنهم يفكرون في تركيب أو تجميع سائلين، إلا أنهم لا يفكرون تلقائيا في اتحاد ثلاثة سوائل مختلفة مرة واحدة مع "ج"، وحتى عند اقتراح هذه الوسيلة عليهم نجد لديهم صعوبة في التعامل مع اتحادات متعددة بطريقة منتظمة، وعموما فإن الصغار في مستوى العمليات الإجرائية الصورية يمكنهم تفهم أن سائلين أو ثلاثة سوائل يمكن أن تتحد في وقت واحد، فالعمليات الصورية إذن تمد الشخص بطرق للاكتشاف أو بناء الفروض بالإضافة إلى طرق لاختيار الفروض، إلا أننا نجد في فترة المراهقة أن كلا من طرق الاكتشاف وكذلك طرق التحقق أو الإثبات تصبح موحدة.
وجدير بالذكر فإن نتائج كل من انهلدر وبياجيه سابقة الذكر قد دعمت بنتائج دراسات أخرى، ففي دراسة طولية أجراها Neimark "1972" على أطفال ومراهقين في توقع الاتحادات أو التركيبات الممكنة لأربع أعمدة ملونة مختلفة أخذت "صفر"، "1"، "2"، "4". وعلى الرغم من أن معظم المراهقين تجاهلوا احتمالية "صفر" إلا أنهم تمكنوا من إدراك مجموعة ما لموضوعات غير المتصلة أو غير المستمرة عادة ما تكون أسهل.
إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ويوضح الرسم مسألة المواد الكيميائية اللونية وعديمة اللون، حيث توجد أربعة قارورات متشابهة تحتوي على سوائل عديمة الرائحة، وهي:
1-
حامض كبريتي مخفف بالماء.
2-
ماء.
3-
مادة ممزوجة بالأكسجين.
4-
سلوفات.
وتقدم للحالة كوبان أحدهما يتكون من سائلي القارورة 1 + 2. والكوب الأخرى تتكون من السائل رقم "2". وتلاحظ الحالة أن الفاحص يضيف عددا من نقاط سائل القارورة "ج" إلى كل من هذين الكوبين، والسائل الذي يتكون بالكوب 1 + 2 يصبح عندئذ أصفر اللون، ويطلب من الحالة أن تعيد إنتاج اللون مستخدمة كل القارورات الخمسة أو بعض منها.
اخلط قارورة رقم "4" + ج، وبعد ذلك 2 + ج، 1 + ج، 3 + ج، وأعطيت الحالة الأكواب مرة أخرى وأعاد تكرار خلط السوائل 1 + ج، 2 + ج
…
إلخ، وأعطي له كوب آخر متسائلين هل يمكن أن يفعل شيء آخر، وخلط 1 + 4 + ج، وبعد ذلك 2 + 2 + ج، وعندما أشيرت على الحالة أن لديه أشياء أخرى يمكن تركيبها، وضعت الحالة السائل 1 + ج في الكوب، وفي محاولة أخرى لتركيب اللون وضع السائل 2 + 4 + ج وبعد ذلك أضاف إليهم السائل 3 وحاول مرة أخرى مع 4 + 2 + ج، الخمسة عشرة الاحتمالية الباقية كانت أن الأطفال الصغار وجد أن في إمكانهم إحداث التغير الأساسي في ترتيب الأشياء، وبالتالي يمكنهم تنظيم العناصر الهامة والعناصر غير الهامة. والحالات التي كانت في دراسة نيومارك، كانت في الصف الرابع وأمكنها إنتاج اتحادات وتبديلات خاصة في الترتيب، وفي الصف السادس وجد أن نصف الأطفال أمكنهم إنتاج اتحادات ولكن لم يحدث ذلك في تعديل أو تبديل ترتيبات الشيء.
الوعي بالتبديلات التصورية:
يبدو من المعقول أن نفترض أن الأطفال الصغار عند مستوى العمليات الإجرائية الصورية في التفكير يتصورون عالمهم بصورة مختلفة إلى حد ما عما نجده لدى أطفال العمليات ما قبل الإجرائية أو العيانية، الحسية، فأطفال ما قبل الإجرائية يميلون إلى رؤية الأشياء عن طريق سماتها الدالة مثل قولهم "الدراجة الهوائية لها عجلات"، والأطفال الذين يمرون بمستوى العمليات العيانية يميلون إلى أن يصوروا الأشياء عقلانيا عن طريق كيفية وظيفتها كقولهم مثلا "الدراجة للركوب"، وأخيرا يميل المراهقون إلى التفكير عن الأشياء بلغة المفاهيم العامة "الدراجة مركبة ذات عجلتين".
وجدير بالذكر فإن الإنسان عادة ما يميل إلى التفكير في المستوى الأقل وبالتالي فإننا لا نفكر دائما في المستوى الأعلى الذي يمكننا أن نصل إليه فالراشدون الذين يمكنهم التفكير بصورة تصورية غالبا ما نجدهم يفكرون بصورة إدراكية أو وظيفية، ويعجب كثير من الدارسين كيف أن الأطفال والمراهقين كذلك يغيرون بسهولة من نمط التصور المهيمن والسائد على تفكيرهم إلى طريقة أدنى في بعض الأحيان وإلى طريقة أعلى في أحايين أخرى، وعمليا فإن الأطفال الصغار قد يكونوا غير قادرين على التحور والتبدل إلى المستوى الأعلى لأن ذلك يتطلب قدرات لا يمتلكونها،