الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعامل الآخر الذي يتطلب تكيفا من الآباء، هو أن يقروا مقدار الحرية والاستقلالية التي يجب أن تعطى لأطفال سن المدرسة، وبالتالي يجب توفيرها لهم، فالأطفال في هذا السن يحتاجون إلى استقلال كاف لنعمل على تشجيع تفردهم ومبادأتهم من جانب آخر، ولكنهم في نفس الوقت في حاجة إلى إشراف كامل لحمايتهم من الأخطار الجسمية ومن التأثيرات النفسية غير المرغوب فيها، وتشير الدراسات أن أطفال سن المدرسة الذين يحيون داخل منازل حياة كابتة قاسية بصورة مفرطة من آبائهم قد يصبحون متسمون بالانسحابية والامتثال الأكثر من اللازم فاقدون الحماس والابتكار، غير تلقائيين لا يشعرون بالسعادة غير منفتحين للأفكار الجديدة، أو قد يصبحون عدوانيين ثائرين رافضين لمبادئ وقيم آبائهم، كما أن الأطفال الذين يكونون في بيئة متساهلة بإفراط ويتسم الآباء بالتساهل كلية غالبًا ما يفشلون في تنمية ضوابط داخلية مناسبة ويميلون إلى الاندفاعية والتهور، وعادة ما يكونون غير مراعين لحقوق ومشاعر الآخرين بالإضافة إلى أنهم قد يتسمون باللااجتماعية Antisocial، أو معادون لمصلحة المجتمع Feshbach؛ "1970".
وعمومًا فإن ثمة أوامر "افعل" أو "لا تفعل" البسيطة التي كان الآباء يدربون بها طفل ما قبل المدرسة، ويجب أن تستبدل بصيغ أكثر تركيبًا أثناء مرحلة الطفولة الوسطى فالآباء يجب عليهم أن يقرروا مثلا إن كان في مقدور طفلهم ركوب دراجته في الشارع، أو يذهب للاستحمام في البحر أو النادي أو الذهاب بمفرده إلى السينما
…
إلخ. أي يجب على الآباء أن يقيموا الحريات، وبقدر ما يستطيع الآباء إجراء هذه التحديات كمبدأ عام، فإن أطفال سن المدرسة عادة ما يستفيدون بصورة أكبر من إعطائهم حرية كبيرة كمكافأة لهم للتكيف الجيد الذي عرضوه ولتحمل المسئولية التي أبدوها في المواقف السابقة.
سادسا: إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم
عادة ما نجد أطفال سن ما قبل المدرسة ينظرون إلى آبائهم على أنهم نماذج للفضيلة والقوة المطلقة والمعرفة الزائدة، وأفضل من أي آباء آخرين، إلا أننا نجد أطفال سن المدرسة الابتدائية يتحققون من أن آباءهم ليسوا إلا كائنات بشرية، حيث لا يمكنهم الإجابة عن كل تساؤلاتهم بالإضافة إلى أنهم لا يستطيعون تزويدهم بالأمور والأشياء الدنيوية التي غالبًا ما تتوق إليها قلوبهم فالآباء لا يتحكمون بصورة كاملة في
مصائرهم، ويتركونهم بمفردهم للعالم المحيط بهم، كما أن لآبائهم التزامات معينة، ومسئولون أمام القانون ورجال البوليس، كما أنهم قد يكونون معتمدين على بعض من أصدقائهم أو على آبائهم، كما أن طفل المدرسة الابتدائية يدرك أن الآباء قد يعوزهم في بعض الأحيان التفكير السليم، ويفقدون ضبط النفس ورباطة الجأش، كما أنهم في أحايين أخرى قد يكتئبون أو تدمع أعينهم في الاستجابة إلى بعض من الإحباطات الخفيفة وخيبة الأمل، كما قد يفشلون في تقييم ثمة أشياء مهمة في الحياة.
وكلما تمكن أطفال سن المدرسة من إدراك هذه الحقائق الحياتية، كلما ساعدهم ذلك على التحرر من وهم الآباء، أي أن تصورهم يصبح فاقد البريق ولا يتصفون بالود وقد يدركون أنهم بمثابة عائق أمامهم، وفي هذا السن عادة ما يعقد الطفل المقارنة بين أبويه وآباء الأطفال الآخرين مثل قوله: إن والد "س" أكثر تسامحًا من والدي وأكثر نجاحًا وبريقًا، أو إن والد "أ" يسمح له بالذهاب إلى السينما أو النادي، فلماذا لا يسمح والدي بذلك؟
وجدير بالذكر فإن تحرر أطفال الطفولة الوسطى من وهم الآباء نادرًا ما يتجاوز المستوى اللفظي، فأطفال المدرسة الابتدائية بصورة عامة يحبون آباءهم ويحترمونهم على الرغم من انتقادهم لهم ودائمي الشكوى من الآباء، ونادرًا ما يسمحون لأي فرد أن يفعل ذلك، فأطفال سن المدرسة كثيرًا ما ينبرون للدفاع عن آبائهم إذا سمعوا أي فرد يقول أي شيء مهين عن آبائهم أو يهاجمهم، وعمومًا فإن ولاءهم وإخلاصهم ونعتهم بصفات حسنة تشير إلى وجود اختلاف بين ما قد يقوله هؤلاء الأطفال الصغار وعما يشعرون به حقيقة نحو آبائهم.
وعمومًا فأن تحرر أطفال مرحلة الطفولة الوسطى من وهم الآباء وإلى حد ما مع الراشدين من حوله بصورة عامة عادة ما يظهر بصورة جلية في مرحلة المراهقين وتسمى بفجوة الجيل Generation Gap إلا أن حب معظم الأطفال الضمني لآبائهم واحترامهم إياهم يستمر كذلك في فترة المراهقة، إلا أن فجوة الجيل أكثر وضوحًا في الفترة الأخيرة وذلك كما سيتضح لنا فيما بعد.