الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسا: العمليات المعرفية
على الرغم من أن اللغة في جوهرها عملية معرفية، ويمكن أن تدرج تحت هذا العنوان، إلا أنني أردت التعامل معها بالصورة التقليدية، ولذلك فضلت مناقشتها منفصلة، وعمومًا سوف نناقش في هذا المجال، الانتباه، والتعلم، وحل المشكلة، والتفكير الاستدلالي Reasoning، وجميع هذه العمليات يمكن ملاحظتها لدى الأطفال الصغار يستخدمونها كبشائر أو مواد تشكل منها فيما بعد الأشكال المعرفية الأكثر تقدما.
التوجيه والانتباه والتعود:
تعتبر هذه الأنماط السلوكية في طرق معينة جوانب معرفية منظمة للإدراك وبصورة عامة فإن التوجيه Orientation يعني التحرك في اتجاه حدوث مثير فجائي، فالاستجابة المروعة لصوت فجائي غير متوقع يعتبر توجيهًا غير مميز، وعندما يكون المثير عاديًا نجد الطفل ما يلتفت أو يحول انتباهه إلى اتجاه هذا المثير كأن ينظر إلى مصدر الصوت أو يلتفت إلى المنظر الجديد، ويسمى هذا بالتوجيه الانعكاسي Orientiong Reflex أو الاستجابة الانعكاسية، فإذا أراد الطفل الصغير نفسه لكي ينظر إلى أمه نتيجة سمعه صوتها فإن ذلك يعتبر استجابة انعكاسية.
والانتباه هو تركيز انتقائي لجانب معين من مجال المثير، فعالم الطفل ليس أقل من عالم الكبار مملوء بجميع أنواع الاستثارة، ففي دار الحضانة مثلا، عادة ما تكون جدرانها مملوءة بالصور وسريره مليء بدمى أو أشياء متحركة عليه، كما توجد الأصوات المعتادة لأهل المنزل، وسيلان المياه في الحمام، وفتح الأبواب وغلقها ورنين التليفون، بالإضافة إلى الأصوات الإنسانية التي يستمع إليها، فالعمليات الانتباهية تسمح للطفل بأن يركز انتباهه انتقائيا على جانب واحد دون آخر من مجال المثير، وبالتالي يستخلص المعلومات والبيانات من هذا الجانب.
والتعويد Habituation يشكل تكملة للاستجابة أو التوجيه الانعكاسي، فعندما يكون المثير جديدا، عادة ما يستجيب الطفل إليه استجابة انعكاسية، ولكن إذا كان المثير متكررا فإن الاستجابة الانعكاسية سوف تضعف وتقل، فمثلا إذا وضع فرد ما شيئًا متحركًا على سرير الطفل، فإن الطفل حينئذ سيولي ذلك انتباهًا عاليًا، ولكن بعد عدة أيام
نجد الطفل ينظر إلى هذا الشيء بين الفينة والأخرى، أو نادرًا ما ينظر إليها، وتسمى هذه العملية بالتعويد، ونستطيع أن نلاحظ أطفال ما قبل المدرسة أو الحضانة فالدمية الجديدة عادة ما تشغل بالهم كثيرًا، بحيث يبدو أنهم ليس لديهم وقتًا ليأكلوا أو يفعلوا أي شيء آخر، ولكن بعد مرور عدة أيام، فإن الدمية تلك قد ترقد مهملة على الأرض وهذه نتيجة عملية التعويد.
وعمومًا فالتوجيه والانتباه والتعود عمليات مهمة كمصاحبات لعملية النمو والتعلم، وفي ذلك يشير بوميرلو Pomerleau وآخرون "1973" أنه في مجال مثيرات الرؤيا المتكررة يصبح التعود أكثر سرعة كلما نمى الطفل، خاصة بعد ثلاثة أشهر الأولى من حياته، ويستطرد بوميرلو أن هذه العمليات الثلاثة ليست مجرد عمليات انعكاسية بسيطة ولكنها تعزى لمستوى نشاط استخدمت لكي تحدد تأثير سوء التغذية على الرضع، ويشير ميلر Miller؛ "1972" إلى ذلك بأن هذه العمليات الثلاثة قد استخدمت لكي تحدد تأثير سوء التغذية على الرضيع، فالرضع الذين كانوا تحت تأثير تغذية قصيرة كان من الصعب استثارة تلك العمليات لديهم، حيث إنها تتطلب مثيرات أكبر لكي تثير عمليات التوجيه والانتباه والتعود، وذلك إذا ما قورنوا بالرضع الذين كانت لديهم تغذية جيدة.
التعلم:
يمكن تعريف التعلم بمفهومه العام بأنه عبارة عن حدوث تعديلات أو تغيرات في الأنماط السلوكية أو الفكرية والتي يمكن ألا تعزى إلى الخبرة أو النمو والنضج
…
ومن ناحية أخرى فإن التعلم ليس مستقلا بصورة كلية عن النضج والنمو حيث إنهما يجعلان من الممكن تعلم نماذج جديدة في مستويات عمرية متقدمة، والتعلم يميل إلى أن يحدث خلال فترات قصيرة من الوقت بصورة نسبية، في حين أن النمو والنضج تميل إلى أن تحدث خلال فترات طويلة إلى حد ما، وعمومًا فأنواع التعلم والتي يمكن أن يشرع فيها الطفل تعتمد على كل من النمو والنضج، إلا أنه في أي حالة أو نمط تعلم معين فالنتيجة غالبًا ما تكون مجتمعة كوظيفة للخبرة.
وربما يكون الشكل البسيط من التعلم هو الإشراط الكلاسيكي Classical Conditioning ويشير ليبست Lipestt أن الأطفال الرضع يمكن أن
يتعلموا بالإشراط الكلاسيكي أثناء أشهر حياتهم الأولى، ففي إحدى دراساته على أطفال رضع لا يتجاوز أعمارهم أياما معدودات استطاعوا التعلم بالإشراط وذلك بإعطاء استجابة المص لنغمة موسيقية معينة "1964". ويعتقد بعض علماء النفس بوجود توال محتوم في النماذج الحسية التي تكون موضوعات للإشراط الكلاسيكي، ويشير كاساتكن Kasatkin؛ "1972" أحد الباحثين الروس أن الحاسة الأولى التي يمكن أن تكون موضوعًا للإشراط الكلاسيكي هي حاسة السمع والنظام الدهليزي الذي يرتبط بحركة جسم الرضيع، ويأتي بعد ذلك اللمس ثم الشم والتذوق والرؤيا على التوالي، وتشير بعض الدراسات الأمريكية التي قام بها كوخ Coch؛ "1968" أنه على الرغم من وجود توالي في الأنماط الحسية والتي يمكن أن يكون سلوك الطفل فيها إشراطيًا، إلا أن نظام الاستجابة قد يحدد بصورة كبيرة عن طريق الاستجابة غير الشرطية، كما هو عن طريق نموذج معين، وعمومًا فإننا يجب أن نشير في هذا المقام أن وجود نظام "سواء بمثيرات شرطية أو استجابات شرطية" يوضح العلاقة بين النمو والتعلم، فالنمو يحدد بناءات وأنواع التعلم، في حين أن التعلم يحدد المحتويات ومضامين الاستجابة المكتسبة.
ويستطرد كوخ Coch؛ "1968" أن دراسات الإشراط عند الأطفال تشير أن هذا التعلم يصبح أسهل كلما تقدم الطفل في عمره الزمني، ففي إحدى دراساته حيث كان المثير الشرطي دمية تعمل ضجة وأصواتًا، وكان المثير غير الشرطي وجه الأم وصوتها، وتشير النتائج أن الرضع الأكبر "5 شهور" قد أظهروا استجابات صحيحة "التفات الرأس" في وقت أقصر مما فعله الرضع الذين كانوا أصغر سنًا "شهران" وهذا التحسن مع تقدم العمر الزمني قد يعزى إلى الخبرة المتراكمة، بالإضافة إلى النمو الأكثر ونضج الجهاز العصبي.
وشكل رئيسي آخر من التعلم هو التعلم الإجرائي Oprant Learning فكثير من سلوك الرضع عادة ما يكون عفويًا تلقائيًا بسبب عدم قدرتنا على التعرف على أي من المثيرات الشرطية قد كانت سببًا له، فبعض سلوك الرضع يمكن أن يسمى بالسلوك الوسيلي Lnsrtulmental بمعنى أنه يخدم بعض الأغراض أو الأهداف. فالرضيع يصيح لكي يجذب انتباه أبويه، أو للنظر إلى الأحداث المشوقة في البيئة وهكذا، وبمجرد أن تحدث الاستجابة الوسيلية فإنها تتكرر فقط إذا حصلت على تدعيم، فإذا تعلم
الطفل أن أمه سوف تحضر عندما يصيح، نجده يصدر الصيحات عندما يريد جذب الانتباه إليه، وبصورة مماثلة فإن الرضيع سوف يستمر في النظر إلى الأشياء غير المألوفة ما دامت تمده أو توفر له استكشاف مثيرات جديدة، ومما هو جدير بالذكر فإن التعلم الإجرائي صورة من التعلم يستخدم بواسطة الأفراد في كل الأعمار الزمنية.
ويشير "سامروف" Sameroff؛ "1971" أنه عندما نريد أن ننظم التعلم الإجرائي يمكن أن نستخدم وسيلة الإشراط الإجرائي Operant Conditioning أو بصورة أعم عملية تعديل السلوك فعن طريق اختيار المجرب السلوك الذي يؤديه الرضيع بعفوية أو تلقيائية، ويحاول أن يعدله أو يشكله وذلك بواسطة التدعيم الانتقائي، فمثلا يمكن أن يجعل الرضيع يغير سلوك المص لديه عن طرق تدعيم الاستجابة بإعطاء اللبن بين الفينة والفينة، أو بمحلول سكر العنب، كما أن نتائج دراسات أخرى تشير إلى أنه عندما يربت الكبار على طفل الرابعة أشهر، يكون أسرع في نطق الألفاظ، كما أن كثيرًا من الأطفال الصغار ذوي العام الواحد قد عدلوا من أنماط سلوكهم عند عرض ضوء مشوق مرئي لهم.
ويشير "براكبلي" Brackbilly؛ "1958" أننا يمكن أن نستخدم الإشراط الإجرائي في تقليل مدى تكرار السلوك غير المرغوب فيه وذلك بعدم تقديم التدعيم الذي عادة ما يتبع الاستجابة، ففي إحدى دراساته عندما كانت ابتسامة الرضيع لا تدعم بواسطة الابتسامة العادية للكبار من حوله أو الانتهاج لهم، وجد أن الأطفال الرضع كانت معدلات ابتساماتهم أقل، وتسمى هذه الظاهرة بالانطفاء Extinction وعمومًا فإن دراسات عديدة أشارت إلى أن التعلم الإجزائي نمط شائع بين الرضع وبين الأطفال الصغار، وبالتالي يجب أن يستخدم على نحو ملائم ومناسب بواسطة الوالدين.