الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك المحاولة والخطأ العشوائي، وبالتالي كان اختلاف الرضع في حل المشكلة واضحًا ظاهرًا في هذا العمر المبكر، ومنذ ثلاثة أشهر الأولى وصاعدًا أظهر بعض الرضع منحى ترتيبيًا منظمًا لحل المشكل في هذا الموقف التعليمي البسيط.
ويستطرد بابوسيك أنه في مهام أكثر تركيبًا وتعقيدًا، لم يظهر أسلوب حل المشكلة بصورة نظامية ترتيبية إلا في عمر متأخر، وهذا يعكس مرة أخرى التفاعل بين النمو والتعلم، ففي إحدى الدراسات أعطي لأطفال يتراوح أعمارهم ما بين 12-24 شهرًا مهمة الحصول على دمية محببة إليهم ولم تكن في متناول أيديهم، ولكي يحصلوا عليها يجب عليهم تحريك رافعة معينة وعند دورانها حينئذ يحصلون على هذه الدمية، أشارت النتائج أن الأطفال الأكبر سنا أمكنهم الحصول على الدمية عن طريق تشغيل الرافعة بمعدل أكبر من الأطفال الأصغر سنًا.
سادسًا: التفكير
يعتبر التفكير في جانب من جوانبه تعلمًا حيث يسمح لنا من استخلاص المعلومات والبيانات الجديدة من أخرى متواجدة حاضرة وذلك بتطبيق واستخدام قواعد ومبادئ معينة، فمثلا إذا عرفنا أن كل الحلوى حلوة المذاق، وأن هذه الكرة المستديرة قطعة من الحلوى يمكن أن نستنتج حينئذ أنها حلوة المذاق دون أن نتذوقها، وهذا التفكير الذي ينتقل من العام إلى الخاص يسمى بالتفكير الاستدلالي Deductive Reasoning، وفي حالة تذوقنا عددًا من قطع الحلوى نستخدم ما يسمى بالتفكير الاستقرائي Lnductive حيث انتقلنا من الخاص إلى العام.
والتفهم الذي لدينا اليوم عن نمو التفكير لدى الرضع والأطفال يرجع في جزء كبير منه إلى الأعمال البارزة الهامة للسيكولوجي السويسري الشهير جان بياجه Jean piaget فلقد أصبحت دراساته على أولاده الثلاثة في سنتيهم الأوليين، أصبحت من الدراسات الكلاسيكية فيما كتب في علم النفس الطفل وكانت كذلك من العوامل الرئيسية في إجراء العدد الهائل من الدراسات النفسية على الرضع منذ عام 1960، ووجهة
نظر بياجيه في الذكاء الإنساني، خاصة التفكير يشير إلى أنه يبدأ عند الرضع مبكرًا فيما يسمى بالمرحلة الحسية الحركية Sensorimotor، ويستطرد بياجيه بأنها تكون كافية وتساعد على ربط الرضيع في تعامله مع العالم المحيط به.
ويسمى "بياجيه" العامين الأولين من حياة الرضيع بالفترة الحسية الحركية مشيرًا إلى وجود ثمة تغيرات في تلك الفترة تبدأ من الحركة وصاعدا أظهر بعض الرضع منحى ترتيبيًا منظمًا لحل المشكلة في هذا الموقف الانعكاسي إلى التفكير الواقعي، ويستطرد "بياجيه" أن الرضيع يستطيع التفكير إن تمكنا نحن من توفير الخبرات العقلية له، وهي الأفعال البسيطة التي تندرج على مقياس صغير بسيط قبل أن يؤديها بالفعل، ولقد استطاع "بياجيه" التعرف على مراحل معينة تميز نمو تفكير الأطفال الرضع.
فأثناء المرحلة الأولى والتي تبدأ منذ الميلاد حتى نهاية الشهرين الأولين، نرى الرضيع خلالها يغير ويعدل أفعالا انعكاسية معينة، وكما أشرنا سابقًا أن الوليد يمتلك من النماذج الانعكاسية، والتي يمكن أن تظهر بواسطة بعض من المثيرات المناسبة، وهذا التعديل والتغيرات يتضمن فيما نراه في تكييف الرضيع لفمه لشكل وحجم حلمة ثدي الأم أو الرضاعة ويطلق "بياجيه" على هذه العمليت التكيفية ما يسمى بالمواءمة Accomodation.
وبمرور الوقت والتدريب نرى الرضيع يتعلم التمييز بين أشياء مختلفة تكون قابلة للامتصاص أو الرضاعة، حيث نجده يمتص بقوة وبنشاط حلمة الثدي أو الرضاعة حيث تدر له اللبن، إلا أنه يرفض أصبع الراشد الذي لا يوفر له ذلك، وهذا الرفض أو القبول لمثيرات البيئة تبعًا لحاجات الرضيع الخاصة يسميه "بياجيه" بعملية التمثل assimilation، ويشير إلى أن كلا من عملية المواءمة والتمثل ما هي إلا صيغ يتفاعل بواسطتها الرضيع مع الواقع ويتكيف له بمستويات مختلفة من النمو.
ويتعلم الرضيع أثناء الفترة الأولى من المرحلة الحسية الحركية في استعمال انعكاساته لأغراض جديدة، فالرضاعة مثلا يمكن أن تستخدم للتعرف على الموضوعات التي يمكن أن تمتص والأخرى التي لا يمكن
امتصاصها بالإضافة إلى تصنيف تلك الموضوعات، كما أن الرضيع يميز كذلك بين الموضوعات التي يمكن أن تمتص في أوقات مختلفة، وبين امتصاص المواد الغذائية وغير الغذائية، فالرضيع المشبع الذي يرفض حلمة ثدي أمه، قد يتقبل مع ذلك امتصاص أصبعه أو السكاتة "وهي حلمة يلهو بها الطفل".
ومنذ الشهر الثاني إلى الشهر الرابع يبدأ الرضيع في توحيد أفعاله الانعكاسية المتبدلة في طرق مختلفة متنوعة، ويطلق عليها "بياجيه" بالمخططات Schmes وتعزى الاتحادات الأولى إلى ما يسميه "بياجيه" بردود الفعل الدائرية Serculotor Reactons فعند حدوث تتابع لمخططات معينة بطريقة الصدفة، قد يضع الرضيع إبهامه داخل فمه ويرضعه، ويجد ذلك ممتعًا أو سارًا إليه، فإن سقط إبهامه خارج فمه، سوف يحاول أن يضعه في فمه مرة أخرى، وتناسق مخططات الرضاعة بمخطط حركة الإبهام بشكل نظام عال لمخطط امتصاص داخل الفم يؤدي إلى الامتصاص والرضاعة والذي يؤدي إلى وضع الإبهام داخل الفم حيث يؤدي إلى الامتصاص "الرضاعة"، وهكذا.
وعلى الرغم من أن رد الفعل الدائري يعتبر خطوة أعلى من الفعل المنعكس، إلا أن له دلالة معرفية قليلة، إذ تعتبر بطريقة ما اتساع اتفاقي بصورة عالية والذي يؤدي إلى حدوث المتعة أو الراحة، فالرضيع لا يكون مهتمًا بإبهامه سوى لأنه موضوع للامتصاص. ويشير "بياجيه" بأن الرضيع أجرى نوعًا من التمثل الوظيفي للموضوع إلى الذت، وأما التمثل المعرفي فهو التعرف على الموضوع بسبب صفاته المميزة والتي ستأتي فيما بعد.
ومن الشهر الرابع حتى الشهر الثامن يدخل الرضيع في المرحلة الثالثة من الفترة الحسية الحركية ويبدي الرضيع ما يسميه "بياجيه" بردود الفعل الدائرية الثانوية Tertiary Circular Reactions وهذا يعني أن ردود الفعل الدائرية الأولية تتضمن فقط مخططات جسمية، قد اتسعت لتتضمن أحداثا وموضوعات خارجية.
ويشير "بياجيه" إلى ذلك بقوله، عندما كان ابنه يرفس برجليه وضرب الدمية بطريق الصدفة التي كانت معلقة على سريره، ويستطرد بأن ولده قد حصل على نفس القدر من المتعة بمشاهدة الدمية تتحرك وهذا معادل للمتعة التي يحصل عليها عند امتصاصه لإبهامه، وهكذا فإنه يرفس بقدميه مرة أخرى لكي تتحرك الدمية مرة أخرى.
وهنا نجد أن فعل الرفس قد نشطت، والتي نشطت بدورها النظر إلى المخطط، وهذا بالتالي أدى إلى تعزيز الرفس وهكذا، وكان "بياجيه" مهتمًا في ملاحظاته للتأكد أن رفسات ولده ليست مجرد إثارة أو اهتياج عشوائي بسيط عندما ينظر إلى الدمية، ولكنها استجابة انتقائية موجهة، ويمكن للفرد أن يلاحظ أثناء هذه المرحلة بدايات الأفعال المقصودة المتعمدة.
وإحضار الموضوعات أو جذبها داخل نطاق حركة الرضيع عن طرق ردود الفعل الدائرية الثانوية، تؤدي إلى مواءمة نفسه إلى تلك الموضوعات وصفاتها المميزة، بالإضافة إلى أنه يكون على دراية بالاختلاف بين الذت والموضوعات، وجدير بالذكر فإن ردود، الفعل الثانوية تلك ما تزال محدودة حيث إنها لا تعكس مفاهيم الواقع، وبالتالي فإذا اكتشف الرضيع استبصارًا مشوقًا يكون ذلك مصادفة وفوق ذلك فإنه لا يستطيع أن يبتكر أحداثًا مشوقة.
وأثناء الشهور الأخيرة من السنة الأولى وهي المرحلة الرابعة عند "بياجيه" يبدأ الأطفال في تنسيق مخططاتهم المكتسبة السابقة لكي يحصلون على أهدافهم الخاصة، ويعني ذلك أن مقاصدهم في هذه المرحلة تبدأ في أن يكون لها السبق على أفعالهم، ولا تكون تابعة لها كما في الشهور السابقة، ففي هذا السن يبدأ الطفل في أن يزيل العوائق والصعاب حتى يحصل الموضوعات التي يرغب فيها، فمثلا نجد الرضيع يتحرك لكي يحصل على الساعة الموضوعة تحت الوسادة، فالرضيع في فعله هذا نجده يجري تنسيقا بين مجال ما شاهده وبين جذبه للوسادة وكذلك بين مخطط القبض والإمساك بما يريد أن يحصل عليه.
وجدير بالذكر فإن تناسق المخططات تجعل من الممكن أداء أنماط ومستويات سلوكية جديدة، وقد تكون المحاكاة أهم هذه الأنماط، فأثناء
الشهور الأخيرة من السنة الأولى يبدأ الطفل في محاكاة الأفعال التي يؤديها الكبار، والواقع أن الطفل عندما يحرك الوسادة التي وضعت بواسطة الكبار داخل الأسرة، يعتبر هذا السلوك نوعًا من المحاكاة العكسية ومن وجهة نظر بياجيه أن المحاكاة تومئ إلى مستوى جديدًا من النشاط العقلي، ويسبق وجود أي نوع من النشاطات الأخرى بما فيها اللغة.
وفي بداية السنة الثانية، يظهر الطفل ما يسميه بياجيه بردود الفعل ذات الصورة الثالثة Tertiary Circular Reactions وهي تميز المرحلة الخامسة في الفترة الحسية الحركية، ويبدأ الأطفال في تلك المرحلة توجيه مقاصدهم وبحثهم عن الأشياء كما يبتكرون أشياء جديدة غير مألوفة، فقط مجرد التكرار بعد اكتشافها عن طريق الصدفة كما كانوا فيما سبق، فالطفل في ذلك الوقت يسير بصورة نشطة الموضوعات لكي يكتشف خصائصها وسماتها، وبهذه الطريقة يبدأ الطفل في أن يرى نفسه كوسيلة مسببة كما أنه يتمسك بمفاهيم معينة للسبب والنتيجة.
ورد الفعل الدائري ذو الصورة الثالثة نشاهده عند ملاحظة الطفل بعض الأشياء خارج سريره، ويتضمن رد الفعل التمسك أو التعلق بالأشياء أو تحريره لمخططات الرؤية والمشي، وكذلك للمخطط السمعي لسماعه صوت الشيء يرتطم بالأرض، وبعد أن يكون هذا الشيء قد استرد "وغالبًا ما يكون بواسطة الآباء" نجد الطفل يكرر هذه العملية حيث يسقط أشياء أخرى "لكي يرى ما الذي سيحدث لها" أو أن يسقط نفس الشيء من ارتفاع مختلف وبقوة مختلفة حتى يرى كيفية تأثير هذا التنوع على الشيء.
وعمومًا فإن ردود الفعل ذات الصورة الثالثة تمكن الأطفال من تعلم أن التغير في سلوكهم يمكن أن ينتج تغيرًا مساويًا مع التغير في الأحداث الخارجية، كما يبدءون تفهم أن بإمكانهم التعامل والتحكم في بعض عناصر بيئاتهم بواسطة أفعالهم الخاصة، ويتعلمون كذلك أن سلوكهم يمكن أن يضبط بواسطة الآخرين "وقد يرجع ذلك لكونهم يسيرون بخطى قصيرة قلقة ويقعون في ضرر أو أذى"، كما يتعلمون بالإضافة أن بعض الأشياء غير المألوفة التي يؤدونها لا تسبب رضا الوالدين.
وأثناء منتصف السنة الثانية يظهر الأطفال ما يسميه بياجيه ببدايات
التفكير مميزة للمرحلة السادسة والأخيرة من الفترة الحسية الحركية، وفي هذا الوقت يؤدي الأطفال ما يسميه بياجيه بالاختيارات العقلية بمعنى أنهم يجربون أفعالا معينة، في رءوسهم قبل أن يجرونها في الواقع فإذا أراد الطفل في تلك المرحلة أن يحل مشكلة ما إلا أنه لا يستطيع ذلك عن طريق المحاولة والخطأ، فإنه قد يستعمل مخططًا آخر قد تعلمه في أنشطة مختلفة.
والأطفال في ذلك يفعلون ما كان يفعله قرد كوهلر داخل القفص في ربطه اثنان من عصا الخيرزان واستعمالهما كعصى طويلة للوصول إلى ما بخارج القفص أو لإحضار الموز قريبًا منه.
ويصف لنا بياجيه هذه المرحلة بمحاولات ابنته في تحريك سلسلة جميلة من صندوق مفتوح جزئيًا بحيث استطاعت أن ترى منه السلسلة إلا أنها لم تستطع أن تدخل يدها من خلال فتحة الصندوق الصغيرة لتحصل عليها، وفي محاولة حل هذه المشكلة فإنها قد استخدمت المخطط الذي كان ذو فعالية فيما مضى، وذلك بمحاولة وضع أصابعها داخل الصندوق لتحصل على ما تريد ولكن ذلك لم يجد، وعندما كانت تتأمل وتفكر في المشكلة، لاحظ أنها تفتح وتغلق فمها، وكل مرة كانت أوسع قليلا منها وأخذت السلسلة الموجودة بداخله، ويمكن أن نشير أن حركات الفهم والعينان كانت كنوع من الأفعال التمهيدية الاستكشافية التي يمكن أن تكون ذات جدوى في التأمل إلى الصندوق.
ويشير بياجيه أن الاختبارات العقلية في تلك المرحلة لا تستفيد من اللغة ويرجع ذلك إلى أن لغة الطفل في هذا السن لا تكون متقدمة بصورة كافية حتى تمكنه من وصف المشكلة لفظيًا وعلى الرغم من أن الطفل يمكن أن يقلب الأشياء وأن يوصل رغباته إلا أن لغته تنغمر في مضمون من الإشارات والإيماءات والتنغيمات، وعمومًا فالاختيار العقلي يعتبر بدايات الفكر والتفكير التي تسبق أداء فعل معين.
وشكل التفكير الذي يكون ميسرًا لطفل العامين عادة ما يكون محدودًا للغاية، حيث يتعامل وفقًا لمبدأ هنا والآن Here & Now بالإضافة إلى العلاقات بين الأشياء وحيث إن التفكير يكون محدودًا بأنواع الأفعال