الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع: مرحلة الرشد
مرحلة الرشد المبكرة
Early Adulthood:
تعتبر مرحلة الرشد من المراحل التي قد يصعب تحديدها وتعريفها إذا ما قورنت بفترات النمو السابقة، ويرجع ذلك إلى أنها لم تلق الاهتمام بالدراسة بنفس القدر التي درست به فترات النمو السابقة عليها. بالإضافة إلى أن مجالات حياة الأفراد عادة ما تتنوع وتتباين بصورة كبيرة أثناء مرحلة الرشد، فقد نجد بعض الشباب ممن ناهز عمر العشرين ما يزال مشغولا بدراسته الجامعية، وقد يدخل البعض الآخر سوق العمل فور تخرجهم من المدارس الثانوية أو الفنية، وقد نجد البعض قد استقل عن أسرته وكون أسرة خاصة به، كما نجد في الريف على سبيل المثال، ولذلك فإن مرحلة الرشد عادة ما يتم تعريفها في ضوء المهام والمسئوليات التي تنجز خلالها، بالإضافة إلى الأدوار التي تؤدي، أكثر من تعريفها وتحديدها بناء على العمر الزمني وحده.
وعموما فمرحلة الرشد تتمثل في تلك المرحلة من الحياة التي يبدأ الأفراد خلالها تكوين التزامات وتعهدات جادة، كما نجد الزواج يحدث أثنائها، حيث يبدأ الشباب تكوين أسر خاصة بهم ويأخذون مواقعهم ومراكزهم في دنيا العمل، وفي بداية هذه المرحلة، نجد الأفراد يقومون بتحديد علاقاتهم بمجتمعهم والأفراد من حولهم وذلك بواسطة الحب والعمل وكذلك اللعب، وتختلف عدد السنوات التي يقضيها الأفراد في تحقيق هذه المهام، جملة القول: إن الحد الفاصل بين مرحلة المراهقة ومرحلة الرشد غير قاطع أو واضح بصورة كاملة، ومع ذلك يمكننا ملاحظة بعض من التغيرات النمائية التي تحدث في هذه المرحلة من حياة الإنسان ويمكن إيجازها فيما يلي:
النمو الجسمي:
عادة ما يميل علماء النفس إلى وصف وتعريف مرحلة الرشد عن طريق النمو النفسي والاجتماعي الذي يحدث أثناء هذه المرحلة، كدخول الجامعة، أو دخول مجال العمل، أو الزواج، ومع ذلك فإننا نلاحظ أن هذه المرحلة تتميز أيضا بوجود بعض الخصائص الجسمية التي يمكن تمييزها، ففي أثناء مرحلة الرشد، أي ما بين العشرينات وأوائل
الثلاثينات، يصل الفرد إلى ذروة نضجه البيولوجي والفسيولوجي، حيث نجد بالنسبة لمعظم الأفراد أن السرعة والتناسق والقوة والتحمل الجسمي عادة ما تكون بصورة أكبر عما كانت عليه في المراحل السابقة، أو ستكون عليه في المراحل اللاحقة، فالأبطال الأوليمبيين عادة ما يقعون في هذه المرحلة العمرية، وتشير نتائج دراسة سيرز وفيلدمان Sears & Feldman؛ "1964" على سبيل المثال إلى أن أولئك الأفراد الذين يتنافسون في مسابقات العدو لمسافات طويلة أو قصيرة ومسابقات القفز والحواجز وجميع الألعاب الرياضية التي تتطلب درجة عالية من الرشاقة والسرعة والاتساق الحركي كانوا جميعا فيما بين الثامنة عشر والثلاثين من عمرهم، كما نجد المهن والأعمال التي تعتمد بصورة أساسية على المهارات الجسمية عادة ما يصل الأفراد إلى ذروة إنتاجيتهم خلال هذه المرحلة من حياتهم فمثلا عامل البناء والتشييد أو جنود المشاة أو العمال في مجال الصناعة يصل كل منهم إلى أوج قوته وإنتاجيته في الفترة ما بين العشرين والخمسة والعشرين حتى يضل إلى الأربعين من عمره، ويصدق ذلك على موديلات الموضة، فعادة ما نجد الأفراد أثناء مرحلة الرشد خاصة النساء أكثر جاذبية إذا قورن بأي عمر زمني آخر.
وعادة ما تكون القدرة على الإنجاب خاصة بالنسبة للإناث في ذروتها أثناء مرحلة الرشد فمن الناحية البيولوجية نجد أن أفضل عمر زمني لحدوث الحمل لأول مرة عادة ما يكون بعد سن العشرين، وعلى الرغم من أن كثيرا من النساء يحملن بصورة مريحة في أواخر سن الثلاثين وأوائل الأربعين، إلا أن معدل الخصوبة يبدأ في النقصان بعد سن الثلاثين من حياة المرأة، بالإضافة إلى أن الولادة قد تكون أكثر صعوبة، كما توجد احتمالية أكبر لحدوث تشوهات في الجنين.
النمو المعرفي:
لقد كان يعتقد -حتى وقت قريب- أن قمة نضج المهارات الجسمية والمهارات العقلية التي تحدث في بداية فترة مرحلة الرشد، تبدأ في النقصان أثناء فترة منتصف العمر، فتعريف الذكاء المبني على الأساس البيولوجي والذي يشتمل على ثمة عناصر كزمن الاستجابة، والقدرات المتضمنة في إدراك العلاقات المركبة، قد تصل إلى ذروتها حقا في أوائل مرحلة الرشد، ومع ذلك فإننا نجد نتائج الدراسات في هذا الميدان ما زالت موضع جدل وعدم اتفاق كبير، فكما نعرف أن الأداء المرتفع خاصة في
اختبارات الذكاء قد يكون نتيجة طريقة المقطع العرضي Cross- Sectional Method التي تتبع في دراسة هذا المجال.
ولقد قام بياجيه بتحديد بعض أنواع النمو التي تحدث أثناء فترة الرشد المبكر وكما نعرف أن مراحل بياجيه في النمو المعرفي تنتهي بمرحلة العمليات الصورية "تلك الفترة التي تتميز بالقدرة على تقديم التعليلات الافتراضية والتفكير التجريدي"، حيث يشير أن هذه المرحلة يتم التوصل إليها فيما بين سن الثانية عشر والخامسة عشر إلا أن دراسات بياجيه اللاحقة "1972" أشار فيها إلى أن مرحلة العمليات الصورية قد لا تنمو حتى وقت متأخر في فترة المراهقة، كما قد يتم التعبير عنها في حدود ضيقة عند الشاب البالغ، على نقيض ما كان بياجيه يفترضه في دراساته السابقة، فعلى سبيل المثال قد يبدي راشد قدرة على التفكير التجريدي والافتراضي في مجال تخصصه وليس في مجالات أخرى، كما قد نجد الميكانيكي الذي يعمل في إصلاح السيارات، أو طالب القانون قد يظهر كل منهما درجة عالية من التفكير التجريدي كلما قام بإصلاح سيارة ما أو صياغة مذكرة بأهم وقائع الدعوى ونقاطها القانونية، إلا أننا قد نجد كلا منهما يعجز في تطبيق تلك المهارات المنطقية على بعض المشكلات في موقف تجريبي معين، أو موقف غير مرتبط بمجال تخصصه وبالتالي فليس كل فرد يمكنه استخدام البناء أو التركيب الصوري في التعميم من ميدان إلى آخر.
جملة القول فإننا نجد في مرحلة الرشد عادة ما ينمي الأفراد ميولا وارتباطات مهنية معينة، كما أن البناءات المعرفية المختلفة قد تؤثر في تنظيم ميادين مختلفة من النشاطات وعموما فإن البناءات المعرفية غالبا ما تكون شائعة، وفي متناول جميع الأفراد في هذه المرحلة، إلا أنها تطبق بصورة متباينة بواسطة أولئك الذين يعملون في ميادين مختلفة.
ويكتسب معظم المراهقين القدرة على تجريد المعلومات وتكوين مفاهيم عنها، ويتضح ذلك في تحويل مسألة لفظية إلى معادلة رياضية والقدرات الرئيسية الأربعة لهذه المرحلة والتي تكون أكثر نضجا في مرحلة الرشد المبكر هي:
1-
القدرة على إدراك تفسيرات عديدة لنفس الظاهرة أو حلولا عديدة لمشكلة واحدة.
2-
القدرة على التعامل مع احتمالات تناقض الواقع والمواقف المتصورة.
3-
القدرة على التعامل بالرموز والمفاهيم المجردة كما في الرياضيات.
4-
القدرة على استخدام الاستعارة ورموز الرموز.
مرحلة تماسك واستقرار العمليات الصورية "مرحلة الشباب والرشد المبكر":
يصبح الأفراد الذين بلغوا مستوى العمليات الصورية أكثر ألفة وتعودا على العمل وفقا لهذا المستوى لا سيما في المجالات المتصلة بتخصصاتهم العلمية أو المهنية.
النمو الخلقي:
يهتم كثير من الشباب -بصورة مباشرة- بجانب آخر من جوانب النمو، وثيق الصلة بالجانب المعرفي، ألا وهو النمو الخلقي أو القيم. ويجب أن تتوفر للفرد قدرة منطقية معينة قبل أن يتمكن من التفكير عند مستوى خلقي معين، فعلى سبيل المثال يجب أن يصل الفرد إلى مستوى العمليات الصورية في النمو المعرفي قبل أن يتمكن من التحليل المبني على بعض المبادئ المعينة، غير أن المستويات الأعلى للنمو الخلقي تبدو في حاجة لأكثر من مجرد النمو المعرفي، حيث تتطلب أنواعا معينة من الخبرات الشخصية، فمثلا فإن الانتقال إلى البيئة الجامعية قد يعرض الشاب لقيم متصارعة ولخيارات عاطفية ولإدراك جديد للذات، وفي بعض الأحيان نجد الطلاب الجامعيين يتفاعلون بنوع مما يسمى النسبية التشككية Skeptical Relativism وتتمثل في الحالة التي يكون فيها كل ما هو صادق وصحيح، يعتبر بمثابة مسألة نسبية فقط، وبالتالي يعتمد على الشخص ذاته وحاجاته وظروفه وهكذا، ويعكس هذا الموقف وعي الطالب وإدراكه الجديد للتنوع والتباين في القيم والأفراد، وكلما حاول الطالب تقرير هويته فإنه بالتالي يحقق مستوى أعلى من الأحكام الخلقية، وقد يبدأ الفرد حينئذ في التحرك نحو مرحلة توجيه العقد الاجتماعي، ومن المحتمل نحو التوجه العالمي الخلقي المبني على مبادئ معينة وذلك تبعا للمرحلة الخامسة والسادسة لنمو التفكير الخلقي عند كوهلبرج.
وتشير دراسات كولبرج وكرامر Kohlberg & Kramer؛ "1969" إلى أن النمو الخلقي عند مستوى ما بعد العرف والتقاليد Postconventional
Level يصل إليه 22% فقط من الأحكام الخلفية التي يصدرها المراهقون في سن السادسة عشر، وتشير الدراسات التالية أن الخبرة الجامعية تعتبر حاسمة ومهمة لهذه المراحل من النمو الخلقي، فمثلا في إحدى الدراسات لم يصل أحد من الحالات الذين التحقوا بمهن الراشدين "بعد أن تجاوزوا مرحلة الشباب" إلى المرحلة الأعلى للمستوى الأخلاقي عند كولبرج، وتفترض دراسات أخرى أن الإنجاز والنضج الأكاديمي لا يعتبر عاملا حاسما، حيث إن الخبرات التي تعج بها حياة الراشدين تساعد الشخص الذي لم يلتحق بالجامعة على اللحاق بأقرانه الذين حظوا على قسط أكبر من التعليم Paplaiial & Bielby؛ "1974".
ويشير كولبرج أن أخلاقيات ما بعد العرف والتقاليد Postconventional Morality عادة ما تظهر أثناء فترة المراهقة، إلا أن المرحلة الخامسة والسادسة لا تظهر إلا في مرحلة الرشد الأولى حيث يكون الأفراد قد حققوا قدرا من الحرية في تحديد اختياراتهم، بمعنى أنه بينما ينمو الوعي المعرفي بالمبادئ في مرحلة المراهقة، فإن الالتزام والتعهد باستخدامها أخلاقيا عادة ما ينمو فقط في مرحلة الرشد، وذلك لأننا أثناء هذه الفترة عادة ما نجد الشباب يتميزون بأداء التزامات وتعهدات جادة نحو أنفسهم ونحو الآخرين ونحو المثل والأيديولوجيات.
الشباب: مرحلة اختيارية
كثيرا ما نتذكر ثمة حقيقة، عندما نبدأ في مناقشة المهام النفسية والاجتماعية لمرحلة الرشد أن الأفراد يقومون بهذه المهام على أساس جداول وفترات زمنية متباينة، فقد نجد شابة متزوجة ولها طفل في عامها التاسع عشر ولها وظيفة خارج منزلها، فهي حقيقة تقوم ببعض مهام ومسئوليات مرحلة الرشد، ولكن ماذا عن شاب في حالة نشاط معلق يقع ما بين العشرين والثلاثين من عمره؟ وكيف نصنف طالبا في الخامسة والعشرين من عمره والذي يعتمد في إنفاقه على والديه.
لقد أشار كينستون Keniston؛ "1970" إلى مفهوم مرحلة الشباب لتتناول فترة الحياة التي تقع بعد مرحلة المراهقة وتسبق مرحلة الرشد، فهؤلاء الشباب الذين استغرقوا وقتا طويلا في الاستقرار، يشار إلى أنهم دخلوا فترة نمائية اختيارية تسمى بالشباب، وتمتد هذه الفترة من الوقت الذي يعتبر فيه الفرد من حيث خصائصه الثانوية راشدا وعادة ما تكون
في سن 18" إلى الوقت الذي يتولى فعلا فيه القيام بأعمال الراشدين الكبار وأدوار الأسرة، فعلى سبيل المثال يعتبر الفرد راشدا بصورة قانونية، عندما يصل إلى سن يسمح له بالتصويت في الانتخابات، وقيادة السيارة والالتحاق بالقوات المسلحة، إلا أنه قد يعتبر نفسه قد نضج بصورة كافية تمكنه من أن يعول نفسه لعدة سنوات لاحقة.
وتاريخيا فإن فترة الشباب -مثلها مثل فترة المراهقة- تعتبر فترة جديدة نسبيا من الحياة حيث ظهرت كرد فعل للمعدلات المتزايدة للتغير التكنولوجي والذي يبدو أنه يتطلب إعدادا مستمرا من جانب العلماء والتربويين والمهنيين، فلم يبدو من قبل أنه من الصعب لغير المتخصص أن يدخل في عالم العمل -كما نجد هذا في الوقت الحاضر- والنتيجة لكثير من الشباب تمثلت في فترة تعليق أو توقيت للنشاط أثناء سنوات الدراسة الثانوية والجامعية، وكثيرا ما تشتمل على السفر والدراسة الذاتية وأنماط أخرى من السلوك الاستكشافي، وخلال السبعينات أصبح من النادر للفرد أن ينتقل بشكل مباشر من فترة المراهقة إلى فترة الرشد.
وأثناء مرحلة الشباب يبدأ الفرد بتعزيز هويته لا سيما إذا كان بصدد دخول الجامعة فإنه يميل إلى أن يحدد هويته، ويتم إعادة تأمل كثير من قيمة وصورة ذاته نتيجة للتحديات التي يواجهها أثناء عامه الأول في الجامعة، ويخبر صورة جديدة من أزمة الهوية، فبينما وجدنا المراهق يتساءل من أنا؟ يميل الشاب الراشد للتساؤل إلى أين أنا ذاهب؟ ومع من؟ وعموما فإن فترة الشباب والرشد المبكر تعتبر فترة يحسم فيها الفرد ثمة تساؤل مؤداه كيف يرتبط بالمجتمع؟ حيث يبدأ في تكوين نمط حياته، وغالبا ما تكون في صورة قرارات ثابتة يصعب تعديلها.
ويميل الشاب في هذه المرحلة إلى رفض الأفكار التقليدية الثابتة المرتبطة بالاستقرار فقد يقرر شخص -بناء على تحليلاته الذاتية- أن نظام العمل الذي يستمر من التاسعة إلى الثانية أو الثالثة يعتبر غير مناسب له، وأن الحياة الريفية أو المشروعات الخاصة ذات فائدة وقيمة بالنسبة له، وعادة ما يكون هناك وعي ودراية مفاجئة بنوع من التناسق بين الذات والنظام الثابت، وثمة حاجة جديدة تظهر لدى معظم الشباب وهي تكوين العلاقات الودية الحميمة خارج نطاق الأسرة، وربما خارج نطاق الصور التقليدية، وأخيرا ثمة حاجة أخرى تنشأ لدى الشاب في تكوين تعهدات
والتزامات نحو الأيديولوجية الأخلاقية أو السياسية أو الدينية بناء على خبراته الذاتية وليس بناء على خبرات والديه.
الهوية والألفة:
تعتبر الألفة الجسمية والانفعالية منذ بداية حياة الإنسان عملية هامة وحاسمة في النمو، فالطفل الرضيع وأمه والطفل ووالديه، والمراهق وصديقه المقرب إليه جميعها تمثل نماذج لعلاقات الألفة والمودة التي تحدث في سياق النمو الإنساني، بيد أننا نجد أثناء فترة الرشد يمكن أن توجد نوعا من الألفة والمودة تتمثل في الألفة التي تختار بحرية بواسطة فردين متساويين يخبرا سويا ما يسمى بأزمة المراهقة، ويعرفان من هما بصورة أساسية.
ولقد أشار إريكسون إلى أن قدرة الفرد على أن يصبح صديقا حميما مع الآخرين تكمن في قدرته على حل أزمة الهوية في تلك المرحلة، كما أن الباحثين الذين جاءوا بعد ذلك والذين أرادوا قياس هوية الأنا Ego Identity ومتغيرات الألفة قد أقاموا الدليل والحجة على ما أشار إليه إريكسون فعندما ينجح الفرد في تحقيق هويته المستقلة، حينئذ يمكنه أن يشعر بالأمن عند ذوبان هذه الهوية، مع هوية شخص آخر، يصدق هذا لاسيما على الألفة والمودة الجنسية بالزواج.
الألفة الجنسية:
أثناء فترة المراهقة -قبل حل أزمة الهوية- كثيرا ما نجد الفرد يبحث عن ثمة محاولات للإحساس بالألفة الجنسية "حيث يتم العطاء بشيء ما أو يحدث الاطمئنان لشخص معين"، إلا أننا نجد أن كلا من الشريكين يخشى من فقدان ذاته، ويحدث ذلك لأنهما حقيقة لا يملكان ذواتهما حتى يبدأ أي منهما في العطاء، وعلى نقيض ذلك تتسم الألفة في مرحلة الرشد بما يسمى بالتبادلية، حيث نجد الفرد يهتم بشريكه الآخر بنفس قدر اهتمامه بنفسه، ويكون نتيجة ذلك الإحساس بالتبادلية، وتتمثل في الرغبة لبذل التضحيات والوصول إلى الحلول الوسطى كما تتضمن القيام بالوظيفة الجنسية بصورة ناضجة، ونعني بطبيعة الحال تبادل ذروة اللذة، أو القدرة على بلوغها، وكما يعرفها إريكسون بأنها إشباع ينتج عن بلوغ ذروة الفائدة، الخبرة المتسامية التي تدل على انسجام شخصين بصورة تقتلع معها كل أنواع العداوة والبغضاء التي قد تنشأ عن
التناقض بين الذكر والأثنى، التناقص بين الحقيقة والخيال والتناقض بين الحب والكراهية، وأخيرا فإن الحب الجنسي Gential love، كما يعرفه إريكسون يتضمن اختيار الشريك الذي يرغب معه الفرد في تنظيم دورات النسل والإنجاب والاستجمام والعمل وبمعنى آخر فإن الحب الجنسي كما يراه إريكسون يؤثر على مكونات الحياة بأكملها في فترة الرشد وما يليها من فترات حياتية.
ولقد كان طبيعيا أن يهتم الباحثون بتحديد الوقت الذي يحقق فيه الشباب الألفة الجنسية، والعوامل المؤثرة على نتائجها، وأشارت معظم الدراسات النفسية التي أجريت خلال السبعينات أن إمكانية تحقيق الألفة تحدث بالنسبة لمعظم الأفراد أثناء فترة الشباب أكثر مما يحدث ذلك أثناء فترة المراهقة، فعلى الرغم من أن بعض الدراسات أشارت إلى أن الألفة الجنسية تحدث لبعض المراهقين، إلا أن مرحلة الشباب أو الرشد، يحدث خلالها انتقال وتغير جوهري في الألفة والخيال الجنسي لكي تصبح علاقات جنسية منتظمة مع شريك أو شريكة أخرى، وأثناء هذه الفترة أيضا تميل التوترات النفسية القديمة المرتبطة بعقدة أو أديب Oedipal Tentions إلى التوقف، فعلى سبيل المثال قد نجد الفتاة تتوقف عن ميلها الرافض قليلا لوالدها، حيث لم تعد تشعر بالدونية الجنسية أمام أمها وهكذا.
إن الشاب الراشد بعد أن يختار أزمة الهوية، فإنه يحاول صهر ذاته مع هوية شخص آخر في بوتقة واحدة، حيث ينمي ارتباطات أخلاقية في تنفيذ التزاماته وتعهداته نحو أصدقائه وزملائه من الجنس الآخر، وبالتالي ينمو في هذه المرحلة لديه إحساس التبادلية مع شريكه من الجنس الآخر فلو عمل الشخص على تجنب وتحاشي علاقات الألفة أو المودة خشية أنها سوف تهدد هويته الآخذة في النمو، حينئذ تكون النتيجة حدوث العزلة والانطواء والاستغراق في الذات، وهي المرحلة الخامسة التي أشار إليها أريكسون في نظريته النمو النفسي الاجتماعي، حيث يشعر الراشد في بداية مرحلة الرشد بأحاسيس معينة، أطلق عليها إريكسون إحساس الألفة مقابل إحساس العزلة Intimacy Versus Isolation.
الإنتاجية مقابل الركود Generativity Versus Stagnation "منتصف مرحلة الرشد".
يبدأ الشاب الراشد في أن يخبر أزمة الانتاجية في القرارات والمشاعر المرتبطة بالوالدية.
تكامل الأنا مقابل اليأس أو القنوط Ego Integrity Versus Despar "الشيخوخة".
وتشير الدراسات النفسية أن أزمات الهوية والقوة الناتجة عنها تؤثر على نوعية المودة أو الألفة الجنسية ففي إحدى الدراسات التي قام بها Orlofsky & Others؛ "1973" أشاروا إلى أن طلاب الجامعة الذين حصلوا على درجات عالية في مقياس هوية الأنا قد سجلوا درجات عالية كذلك في مشاعر الألفة والمودة مع الجنس الآخر، حيث كانوا قادرين على مشاركة أقرانهم من الجنس الآخر في نواحي القلق والتعبير عن الغضب بالإضافة إلى المشاعر العاطفية تجاه بعضهم البعض كما أن الطلاب الذين حصلوا على درجات منخفضة في مقاييس الهوية، فقد أشاروا إلى أنهم قد حاولوا تكوين بدائل لعلاقات الألفة أو المودة بعلاقات مقولبة أو بعلاقات غير شرعية كاذبة زائفة، وعموما فإن الفرد الذي يتورط في تلك العلاقات عادة ما يكون غير ناضج أو بمعنى آخر يكون مقيدا بفهمه لأدوار الجنس.
ونقيض الألفة عند إريكسون هو العزلة والانطواء حيث نجد بعض الشباب يتجنبون تكوين علاقات المودة أو الصداقة الحميمة والاتصال مع الناس، وقد يكون ذلك في بعض الحالات مؤشرات من مؤشرات الاضطراب الانفعالي فمثلا قد تكون امرأة ما قد تعرضت لصدمة نفسيه من جراء هجر أحد والديها لها لدرجة تجعلها غير قادرة على تكوين علاقات تتسم بالفاعلية مع الأشخاص الآخرين، وفي حالات أخرى قد يكون الشخص في حالة توقف أو تعليق للنشاط Moratorium State فالمشكلات التي ترتبط بعمليات التحرر من سلطة الوالدين أو اختيار المهنة، قد تجعل الفتاة أقل عرضة في التورط في تلك الأحاسيس، وجدير بالذكر فإن الإحساس الأكثر شيوعا من العزلة يومئ إلى أن الشخص الذي لا يمكنه تحقيق الألفة أو المودة في هذه الفترة من الحياة، عادة ما يتزايد اتجاهه في الابتعاد عن مواجهة تحديات الحب وبالتالي يصبح منهمكا ومستغرقا في ذاته.
عدم الألفة الجنسية:
إن الألفة في علاقات الحب الغيري ليست النوع الوحيد الذي يظهر لأول مرة في مرحلة الرشد المبكر فقد تنشأ علاقات جديدة بالأقران والأشخاص الأكبر سنا وهي ما يطلق عليها هوايت White؛ "1966" بتحرير العلاقات Freeing of Relations من توقعات الطفولة فالراشدون لم يعد ينظر إليهم في إطار النماذج المقولبة Sterotypes للوالدين، ولن يتم تقديرهم كأناس يستحقون ذلك، فقد يعبر طالب في الجامعة عن ذلك بقوله، لأول مرة أكون قادرا على التحدث مع والدي أو والدتي أو أخى الأكبر سنا، كما لو كانوا أناسا حقيقيين أو أصدقاء.
الهوية والعمل:
إن قدرا كبيرا من هوية الشخص يرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل حيث يقضي فيه ما يقرب من أربعين عاما من حياته فمرحلة الرشد المبكرة تعتبر الفترة التي يتوقع من الفرد أثناءها أن يكتشف مجال ميوله واهتماماته وأن يجدد علاقته بالمجتمع عن طريق تقريب أو تضييق فرص الاختيار المهني في حياته والالتزام بالمهنة أو الوظيفة، وعموما فإن الفترة ما بين 22 و24 سنة هي أفضل سن بالنسبة للرجل لإنهاء تعليمه وانخراطه في مجال العمل كما أن الفترة ما بين سن 24 و26 يتوقع من الفرد أن يستقر على مهنة معينة وأسلوب معين لحياته، وأحيانا قد يصل إلى الثلاثين قبل أن يصل إلى أداء العمل الحقيقي المتوقع منه، وذلك نظرا لتعقد الحياة الاقتصادية أو رغبة البعض في تكملة بعض الدراسات العليا.
والقدرة على اختيار مهنة مناسبة أثناء مرحل الرشد يبدو أن لها علاقة وثيقة بهوية الأنا الكلية، وغالبا ما يتم التعبير عن مشاكل الهوية لدى طلاب الجامعة في إطار المهنة المستقبلية كأن نسمع أحدهم يقول:"أنا لا أعرف بالضبط ماذا أريد أن أكون" ففي إحدى الدراسات التي قامت بها Marcia؛ "1966" تم تصنيف الطلاب الجامعيين على أساس طبيعة أزمات الهوية التي مروا بها وعانوا منها فيما يرتبط بالالتزام المهني وكذلك الالتزام الأيديولوجي وأشارت النتائج إلى نماذج عديدة للتغلب على مشاكل الهوية فمثلا المفحوصون الذين اتسموا بتخفيض الهوية أو إنجاز الهوية Achievement، Identity قد خبروا أزمة واتخذوا قرارا مبينا على أساس حاجاتهم الخاصة، والمفحوصون الذين كانوا يتسمون بتحديد الهوية
بتحديد الهوية Forclosure كانوا دائما يعرفون ما الذي يريدونه وبالتالي لم يعانوا إطلاقا من أزمة فيما يتعلق باختيار مهنهم، حيث كانوا ملتزمين بمهنة "عادة ما كانت من اختيار أحد والديهم"، أما المفحوصون الذين كانوا يتسمون بتوقف أو تعليق الهوية كانوا في فترة أزمة يكافحون بنشاط وحيوية لوضع وتحديد التزام معين لهم، أما الحالات التي اتسمت بخلط الهوية كانوا غير ملتزمين وغير مكترثين، ونتائج دراسة أخرى لمارتشيا Marcia؛ "1973"، أوضحت طريقة أخرى لحل مشكلة الهوية حيث أشارت إلى ما يسمى بالإنجاز المغترب Alienated Achievement والذي عبر فيه الفرد عن افتقاد الالتزام بأي مهنة، وقد يرجع ذلك إلى أسباب أيديولوجية يحياها الشاب، فهذه الأساليب المختلفة للتعامل مع مشكلة الالتزام والتعهد بمهنة وأسلوب حياة معينة اتضح أنها ذات صلة وثيقة بالمهام والواجبات النمائية الأخرى، وعلى ذلك فإن الفرد الذي يتسم بالهوية المنجزة Identity Achivement لم يظهر فقط حلا ناجحا لمشاكل المهنة ولكنه أيضا حصل على درجات مرتفعة في الاختبارات التي تقيس تقدير الذات والقدرة على الألفة والمودة مع الآخرين.
اختيار المهنة ودور الجنس:
يعتبر دور الجنس أحد جوانب الهوية التي يؤثر في اختيار المهنة، على الرغم من أن العديد من الشباب الآن قد يرى أن دخول مهنة معينة لا يحدده نوع الجنس إلا بدرجة ضئيلة، فالإناث اللائي كن يعتقدن أنهن سيدخلن مهنة أنثوية تتسم بالرعاية والحنان مثل: التدريس أو التمريض أو أعمال السكرتارية، كن يشجعن أن يعدن النظر في اختياراتهن، بالإضافة إلى قانون تكافؤ الفرص، وكان هذا يعني لبعض النساء أن يجازفن بخصائصهن ونماذج الحياة التي كان يعتبرها جيل الآباء من صميم عمل الذكور، فلقد صارت النساء عاملات في المناجم ومديرات للشركات ووزراء، ولم يخلو هذا الوضع من بعض المشاكل والضغوط الشخصية والاجتماعية، فقد تحذر الأم ابنتها المديرة بأن نجاحها في عملها قد يعوقها عن القيام بواجباتها الأسرية والزوجية، كما أن العامل الشاب في مصنع كالحديد والصلب قد يتقدم في وظيفته ويحرز فيها نجاحا بارزا، وبالتالي يسبب بعضا من الصعوبات الاجتماعية لزميلته العاملة، وكثيرا ما تشعر المرأة بصراع في اتخاذ القرار المرتبط بالمهنة، فقد تجد نفسها مترددة بين الخوف من النجاح والحاجة للإنجاز، ويشير Hoffmun "1977" إلى أنه ليس هناك دليل واضح يشير إلى أن هذا الصراع قد حل أثناء
العشر سنوات الماضية، على الرغم من الاهتمام العام بإمكانات وقدرات المرأة ويستطرد بقوله أن ما يقرب من 50% من السيدات اللاتي يعملن، أصبح أكثر شيوعا بينهن أن يحددن هويتهن في إطار العمل الذي يقمن به خارج المنزل، ويصدق هذا على السيدة التي ترأس هيئة معينة.
أما بالنسبة للرجال، فالموقف لم يتغير بصورة كبيرة فكل رجل سليم البنية يتوقع منه أن يعمل حتى سن التقاعد، ولم تتزايد الخيارات الوظيفية المتاحة للرجال فيما عدا بطبيعة الحال الفرص التي أتيحت نتيجة التقدم التكنولوجي، والشيء الذي يعتبر في حالة تغير يتمثل في المدى الذي يشتق منه الرجل هويته من وظيفته ومكانته في الأسرة والمجتمع، كما كان هناك أيضا تقبل متزايد بخصوص إمكانية العمل بالمهن من الدرجة الثانية تأكيدا بأن الهوية ليست مرتبطة ارتباطا صارما بالمهنة أو مكان العمل، وثمة ظاهرة وثيقة الصلة بهذا الموضوع تتمثل في اتجاه الرجال إلى تفضيل الوظائف والمهن التي تسمح لهم بالوقت الكافي للقيام بدور الأب في داخل الكيان الأسري.
المهنة ومفهوم الذات:
عادة ما يحصل الفرد على وظيفته في غضون سنوات الرشد الأولى، وتساعد هذه المهنة في عديد من الأحيان في تحقيق مفهوم الذات لدى الفرد فعلى سبيل المثال، نجد الفتاة التي تعتقد أن لديها خصائص المدرسة أو الممرضة، تصبح فعلا كذلك فيما بعد، ولقد أوضحت عدة دراسات تتناول قوائم السمات، أنه ثمة ارتباط عال بين مفهوم الذات لدى المرأة والصور المهنية التي تتوق للحصول عليها. "دراسات هولند Holand".
ورغم ذلك فهناك مشكلة عامة في مرحلة الرشد المبكر وهي التوفيق بين مستوى التقبل ومفهوم الذات، والتقولب المهني، فعلى سبيل المثال الشاب الذي يعتبر نفسه أديبا لامعا قد يدخل مجال العمل كمساعد محرر وتكون وظيفته الرئيسية تصحيح المقالات وتصويب الأخطاء، فإن مفهوم هذا الفرد لذاته لا يتلاءم مع هذا النوع من النشاط، وبالمثل الفتاة ذات القدرة على تولي المناصب الإدارية والتي يمكن أن ترسل إلى ميدان العمل لأول مرة كبائعة، تلك الوظائف التي لم يتوقع الفرد أن يجد فيها ذاته مطلقا، وتكون النتيجة هي إما أن يحاول التكيف وتوسيع مجال مفهوم الذات، أو يحدث عدم التوافق وتزداد أعراض الوهم والخيال لديه.
وفي بعض الأحيان يدخل الفرد القوى العاملة في وظيفة ليست لها علاقة بمفهومه لذاته، وقد يحدث ذلك في المجالات الفنية والعملية، فقد يتولى الممثلين أو الموسيقيين وظائف عادية، وبالنسبة لهؤلاء يتمثل التزامهم في العمل الذي يجب القيام به، وفي حالات نجد الشخص يجري حلا وسطا عن طريق إيجاد وظيفة وثيقة الصلة بميوله واهتماماته الأصلية وترتبط بمفهومه لذاته، فعلى سبيل المثال قد يعزف الموسيقار مع فرقة موسيقية، أو يعد مقطوعات موسيقية لشركات التليفزيون التجارية أو يعمل كمدرس للتذوق الفني، إلا أنه ينظر إلى الوظيفة في هذه الحالة على أنها وسيلة لكسب المال وتحقيق الاستقلالية، بينما نجد تحقيق الإشباع المباشر والتوفيق بين مفهوم الذات والعمل اليومي كلها ترجأ إلى مرحلة أخرى.
وقد ينظر الشاب إلى الراتب الذي يتقاضاه خاصة من الوظيفة الأولى بأنه منخفض ولا يعادل ما يبذل فيه من جهد، وبالتالي يشعر الشاب أن المجتمع لا يقدره حق التقدير وقد تكون ردود فعله في أن يسلك سلوكا غاضبا أو غير ناضج "على سبيل المثال التغيب على العمل أو التخريب في الممتلكات العامة، أو قد يسيطر عليه أوهام وخيالات تدفعه للبحث عن خطط لجمع الثروة بأي وسيلة"، وقد نجد شبابا آخرين ينتهزون فرصة الوظيفة الأولى لإعادة النظر في قيمة المال مقابل قيمة الذات، فعلى سبيل المثال إذا أصبح الشاب كاسبا لقوته، ويعمل من أجل زيادة دخله، فإن ذلك قد يمثل أزمة بالنسبة للشاب الخريج الذي تلقى تعليما عاليا، ويحل بعض الشباب هذا الصراع عن طريق تجنب الأماكن المادية، وقد يلجأ شباب آخرون نحو المهن الحرة بصورة واضحة، وعموما فالقرارات المهنية تعتبر سمة مميزة لفترة الرشد المبكر، إلا أنها ليست بالضرورة مقيدة بالنمو المهني في الحياة، فيما بعد.
الوظيفة والبطالة المقنعة:
فور التخرج من الجامعة أو المدارس الفنية يأخذ الخريجون على عاتقهم بعض مسئوليات الراشدين، وبالتالي يبدءون بالتقليل من الاعتماد على آبائهم ثم ينطلقون نحو إعالة أنفسهم ماديا وقد يواجه الشباب اليوم بعد تخرجهم وتوزيعهم على بعض الوظائف والمهن ألا يجدون ذواتهم فيها بالإضافة إلى فترة انتظارهم لهذه الوظيفة التي قد تطول في أحايين كثيرة، فكيف يسلك الشباب تجاه هذه الأمور؟ فقد يحاول بعض
الشباب الاستمرار في التعليم حتى ينال أكبر قسط منه يعينه في آخر الأمر أن يواجه المنافسة في سوق العمل، وقد يبقى البعض في الجامعة دارسا في محاولة منهم لتأخير دورهم في الصراع ضد العمل أو البطالة المقنعة لبضع سنين، ولقد تعلم البعض أن يكونوا على قدر من المرونة وألا يضعوا نصب أعينهم أهدافا مهنية جامدة لا يمكنهم تحقيقها فهم يشعرون بأنه لزاما عليهم أن يظلوا متفتحين لكل ما يأتي إليهم، فإذا لم يأت إليهم شيء حينئذ تظهر ابتكاريتهم وإبداعهم، فقد نجد الكثير منهم يتولون وظائف مؤقتة أو يعملون كمتطوعين، وقد يقبل الكثير وظائف أقل من مستوى مؤهلاتهم بكثير.
بيد أنه إذا ما أصبحت الصورة كئيبة قائمة أمام الشباب، فقد يتصرف البعض تبعا لما يراه مناسبا، وكما يشير براجنسكي Braginsky فقد يلوم البعض نفسه في بادئ الأمر لفشله في الحصول على عمل، وبالتالي يصبح غير آمن، يتسم بالخجل والانسحاب الاجتماعي وتستطرد تلك الدراسة بإشارتها بأنه إن عاجلا أو آجلا فإن هذا العامل العاطل سوف يشعر بأنه غريب عن المجتمع، وإن ذلك المجتمع معاد له، وفي النهاية يصب لومه على النظام الاجتماعي ككل الذي وعده بالمكافآت ثم فشل في تحقيق ذلك.
فالوظيفة بالنسبة للخريج الحديث، تعتبر بالنسبة له أكثر من مجرد وسيلة لكسب المال إنها الشيء الذي يساعده على بلورة كيانه وهويته الراشدة الجديدة كما أنها تعتبر المدخل لنظامنا الاقتصادي والاجتماعي فهؤلاء الذين هيئوا أنفسهم لدخول مجال العمل عادة ما يستجيبوا للفترات العصيبة بنوع من الواقعية الباردة، فطموحهم قد تم إخماده بدرجة من خيبة الأمل وعدم الثقة داخل نظام منغلق على نفسه.
العمل عبر دورة الحياة:
اختيار المهنة بالنسبة لمعظم الأفراد ليست قرارا يتم اتخاذه دفعة واحدة في مرحلة الرشد المبكرة، فدورة الحياة تفرض مهاما وواجبات متباينة في فترات مختلفة من الحياة، بمعنى أن الأفراد ينمون مهنيا، فطبقا لسوبر وآخرين super et al؛ "1956" يتضمن النمو المهني تحقيقا وتحديثا مستمرا لمفهوم الذات، وكما نعرف أن مفهوم الذات يتغير، وأن هذا التغير قد يتزامن مع أحداث نمائية أخرى، كتوسيع مسئوليات الأسرة،
وإدارة وإعالة أسرة أكبر، ولذلك فإن الفرد قد يتعهد بهوية مهنية جديدة كلما تقلصت مسئولياته العائلية.
وكما رأينا فإن فترة الرشد المبكرة تعتبر الفترة التي يتأهل الفرد أثناءها للوصول إلى الوظيفة أو الدخول في المهنة، كما تعتبر الفترة التي يعمل فيها بجد واجتهاد لتحقيق المعرفة وإحراز النجاح والمكانة الاجتماعية ويتم إعادة تقييم الكثير منها في منتصف الثلاثينات وبداية الأربعينات من العمر، وبالنسبة لبعض الأفراد تكون الحاجة لتمييز ذواتهم في مرحلة الرشد المبكرة على أشدها، ففي إحدى الدراسات الطويلة التي أجراها فايلانت Vaillant؛ "1977" كانت هذه الفترة من العمر تتميز بالعمل الجاد والمثابرة والمسايرة والاتساق وقليل من انعكاس الذات Self Reflection كما أشارت النتائج أن عددا من النساء يتبعن نفس النموذج الذي وصف سابقا.
وعلاوة على ذلك فإن فترة الرشد المبكرة تعتبر بالنسبة لكثير من النساء ذات أهمية متباينة في عالم العمل، حيث أشارت دراسة ميسلن Meislin؛ "1977" إلى أن أكثر من ثلث السيدات أمهات الأطفال الذين لم يتعدوا السادسة من العمر، كن يعملن أو يبحثن عن عمل خارج المنزل، كما أن نسبة الأمهات العاملات تتزايد سنة بعد أخرى، وبالتالي يعد ذلك تغيرا جوهريا في أنماط عمالة الأمهات والحياة الأسرية.
الزواج:
يمثل الزواج حالة اجتماعية وعاطفية قانونية تختلف عن أي علاقة أخرى، والعمر الذي يتزوج فيه الأفراد وكذلك الطرق والأساليب التي يكونون بها تعهدات والتزامات الزواج تتأثر بصورة كبيرة بالمعايير الاجتماعية.
وتعتبر التوقعات الاجتماعية ذات تأثير كبير في هذه العملية، لدرجة أن معظم الشباب عادة ما يكون على دراية بما إذا كان الزواج مبكرا أو متأخرا أو في وقته المناسب كما تؤثر هذه الإدراكات على السلوك، فعلى سبيل المثال قد تعترف امرأة في منتصف عمرها بأنها تزوجت فور تخرجها من الجامعة، وذلك لأن الزواج في ذلك الوقت كان هو الشيء المطلوب عنه، بينما قد نجد امرأة أخرى قد تصبح شديدة الاكتئاب إذا
لم تتزوج قبل الثلاثين من عمرها حيث إن هذا السن يعتبر الموعد النهائي الذي حددته لنفسها منذ سنوات مضت وتحت ضغوط مشابهة يشعر الرجل بحاجته للزواج عند بلوغه درجة معينة في حياته المهنية، حيث يريد أن ينظر الأفراد إليه في صورة من التقبل الاجتماعي يتسم بالمسئولية داخل مجتمعه، وأنه يستطيع أن يقيم العلاقة الزواجية، وتشير نيوجارتن Neugaten؛ "1965" وزملائها أن أفضل سن للزواج بالنسبة للإناث يقع ما بين التاسعة عشر والرابعة والعشرين، أما بالنسبة للذكور. فيقع ما بين العشرين والخامسة والعشرين من العمر، ويبدو أن هذه المعايير لا تزال سارية المفعول بالرغم من أنه يوجد ثمة اتفاق كبير بالنسبة للزيجات المتأخرة من بين أولئك الذين يلتزمون بإنهاء تعليمهم العالي أو إعداد أنفسهم لمهنة معينة، كما أن الظروف الاجتماعية الاقتصادية قد تلعب دورا كبيرا في تحديد السن الذي يقبل عليه الشاب على الزواج خاصة في المجتمعات النامية.
اختيار الشريك:
اختيار شريك أو شريكة الحياة من أحد المشاكل الأكثر وضوحا التي نواجهها في موضوع الزواج، وعادة ما يحدث انتقاء لمعارف الفرد وفي النهاية يميل إلى اختيار الشريك، من مجموعة محددة من الأفراد التي يشبهون بعضهم بعضا إلى حد كبير، وهناك عدد من العوامل التي تحدد اختيار هذا الشريك، يمكن إيجازها في ثلاثة عوامل رئيسية هي، الجاذبية الجسمية، تقارب الزمان والمكان Propinquity، وزواج الأقارب Endogamy.
وتشير عديد من الدراسات أن الجاذبية الجسمية Physical Attractiveness من أكثر العوامل التي تؤدي إلى تكوين علاقة بين شاب وفتاة ففي دراسة قامت بها جامعة مينسوتا تم تجميع كل شاب وفتاة في حفل بصورة عشوائية، وقام أربعة من الطلاب في الفرقة الموسيقية بعمل تقويم لجاذبية كل طالب وطالبة بصورة سرية وأشارت النتائج أنه كلما ارتفع معدل الجاذبية كلما كانت درجة الميل والحب أشد وكلما عبر المفحوص عن رغبة شديدة في رؤية رفيقته مرة أخرى. وكان معامل الارتباط بين الجاذبية والحب إيجابيا ويتضح أهمية عوامل أخرى في المرحل اللاحقة من العلاقات بين الشاب والفتاة مثل عامل الشخصية، لدرجة أنه قد يقلل من أهمية الجاذبية الجسمية.
ومصطلح Propinquity ويعني قرب في المكان أو الزمان، فالأفراد يميلون إلى اختيار شريك أو شريكة الحياة من بين أولئك الذين يعيشون أو يعملون بالقرب منهم، حيث نجد أن هؤلاء الأفراد يكونون أكثر احتمالا في الالتقاء مع بعضهم البعض ففي إحدى الدراسات التي قام بها ألفرد كلارك Alfred Clarke؛ "1952" أشارت نتائجه أن أكثر من نصف الأزواج الذين قام بدراستهم كانوا يعيشون في حي واحد عند لقاءاتهم الأولى.
أما مصطلح Endogamy فيشير إلى الاتجاه العام نحو اختيار شريك أو شريكة الحياة من داخل الجماعة أو القبيلة التي يعيش فيها الشخص نفسه، ويمكن تحديد الجماعة التي يعيش فيها الفرد من جوانب عديدة، عن طريق الدين، والطبقة الاجتماعية، والعمر الزمني، والتعليم، السلالة، والعرق، والقيم المشتركة، كما أن هذا العامل مرتبط بالعاملين السابقين "الجاذبية والتقارب في الزمان والمكان" فمثلا قد ينظر إلى المرأة التي ترتدي وتستخدم ملابس معينة ومكياج طبقة اجتماعية معينة، على أنها أكثر جاذبية من أفراد تلك الطبقة الذين يعيشون في نفس المنطقة ويجاور بعضهم بعضا ويميلون إلى أن يكونوا من نفس الطبقة الاجتماعية.
كما أن العوامل التي تحتم الزواج من داخل جماعة وقبيلة الفرد والتي يطلق عليها مفهوم عوامل Endogamous تعتبر هي نفسها عوامل متداخلة بعضها مع البعض، فمثلا قد ترتبط الطبقة الاجتماعية بالتعليم والعمر الزمني، أو أن الدين قد يكون مرتبطا بالسلالة والعرق، فالطبقة الاجتماعية تحددها أشياء عديدة منها: الدخل والمهنة والجوار والتعليم. وعندما يتزاوج الأفراد من خارج طبقتهم الاجتماعية يميل الرجال إلى التزاوج من نساء من طبقة اجتماعية أقل، بينما يميل النساء للزواج من رجال ذوي طبقة اجتماعية أعلى منهن، كما يميل الأفراد إلى اختيار شركاء حياتهم بحيث يكون هناك تقارب بين أعمارهم، وقد يتم الاختيار من نفس المستوى التعليمي، كما أن الجنس يلعب دورا في هذا الاختيار فعادة ما يفضل الإيطالي الإيطالية، والأمريكي الأمريكية، والفرنسي الفرنسية، والعربي عربية، والمصري مصرية
…
وهكذا.
التوافق الزواجي Marital adjustemnt:
يواجه الزوجان المتزوجان حديثا مهاما كثيرة على قدر كبير من
الأهمية وتشمل هذه المهام كيفية التعامل مع الصراعات، والوصول إلى نوع من التفاهم بخصوص الأمور المالية، وتنمية علاقات عملية مع الوالدين والأقارب والاستعداد لمرحلة الوالدية Parenthood، الحمل المباشر أو إرجاء عملية الحمل، جميع تلك الجوانب السابقة من التوافق الزواجي كانت المحور الرئيسي في المجالات المهنية المتخصصة بيد أنه قد نشأت مسائل جديدة أخرى تتعلق بالجوانب الخاصة بالالتزامات الجنسية وتوقعات الدور المرتبطة بدور الزوج أو الزوجة، وسنتطرق بإيجاز لبعض هذه المهام السابقة.
الإخلاص والتوافق الجنسي Sexual Adjustment and Fidelity:
قد يواجه الزوجان المتزوجان حديثا مشاكل التوافق الجنسي الناشئة عن رغبة كل طرف منهما في الإنجاب، والإخلاص الزوجي يتأثر إلى حد ما بالمعايير الاجتماعية والثقافية وكثيرا ما يكون عدم الإخلاص الزواجي من العوامل الهامة التي تؤدي إلى الطلاق، وتشير الدراسات أن الزواج الناجح عادة ما يبنى على إخلاص كل من الزوجين.
التوافق للدور وتمييز الدور:
يتخذ كل من الزوج والزوجة أدوارا اجتماعية جديدة بعد عملية الزواج، حيث يتوقع من الزوجة أن تدير منزلها، كما يتوقع من الزوج التفكير بجدية في المسئوليات الأسرية وتجنب بعض القرارات الطائشة المرتبطة بوظيفته أو مهنته، كما ينبغي أن يتكيف الزوجان اجتماعيا تجاه أحدهما الآخر، حيث يجب أن يعملا على حل المسائل المرتبطة بعملية السيطرة أو الهيمنة Dominance مقابل الاعتمادية، وتوكيد الذات مقابل الإذعان، وتقبل الذات مقابل تقبل الشريك الآخر في الحياة الزوجية، ويجب تحديد المشكلات العملية المرتبطة بعمل كل من الزوجين، وعموما فإن حل هذه المسائل قد يتطلب تغيرا شخصيا حيث أوضحت إحدى الدراسات التي أجريت في عملية التطبيع الاجتماعي الزواجي Marital Socialization تغيرات واضحة في سمات الأفراد المتزوجين في السيطرة وتقبل الذات، ولم تظهر تلك التغيرات في المجموعة الضابطة التي لم يتزوج أفرادها.
ولقد كان الاتجاه بالنسبة للنساء هو القيام بدرجة أكبر من التوافق الخاص بالدور، أما الأزواج فكان اتجاههم أن الحياة تسير كالمعتاد، وعموما
فالسيدات المتزوجات حديثا عادة ما ينتقلن من حياة معينة إلى دور جديد كربة بيت وكأم وينتج عن ذلك إما إشباع ورضا زواجي والثقة بالذات وإما نقيض ذلك، كما أن التوقعات الاجتماعية الحالية المرتبطة بأدوار الزواج نجدها أكثر مرونة عما قبل فقد يكون الرجال قلقين على زوجاتهن اللاتي يعملن بالوظيفة، ولكنهم نادرا ما يشعرون بالحرج اجتماعيا، كما كان يشعر آباؤهم أو أجدادهم من قبل، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد النساء يشعرن بأن لهن الحق في أن يطلبن من أزواجهن المساعدة في أعمال المنزل ورعاية الأطفال، وهذا يعني أن ثمة تمييز أقل في أدوار الزوجة والزوج، ويشير ذلك أيضا أن ثمة استمرارية أقل بين الأدوار بين الأجيال، وتشير نتائج دراسة ميسلن Meislin؛ "1977" أن 27% ممن يقعون في الفئة العمرية بين الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين كانوا يفضلون الزواج التقليدي على الزواج الجديد الذي يتم فيه تبادل الأدوار، وهذا في مقابل 59% من جيل الآباء.
ومن بين المسائل الهامة بالنسبة للزوجين في ريعان الشباب في فترة الثمانينات قضايا تتضمن أدوارا جنسية وأدوارا ترتبط بالعمل، فعندما يخرج كلا الزوجين للعمل خارج المنزل وهذا هو الوضع المتزايد في الزواج المبكر فإن النمط التقليدي لسيطرة وسيادة الذكر يمكن أن يقسم بين الزوجين فالمرأة التي تختار أن تكون ربة بيت تكون أقل توكيدا أكثر ثقافة وتوجيها بخصوص التربية والتنشئة والتضحية بالذات، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المرأة العاملة المتزوجة تبدو غير متمسكة بالعادات والتقاليد، ولديها ميل للمنافسة واستعدادها أقل من حيث التضحية بالذات ولقد أشارت نتائج دراسة Weir، Burke أن ربات البيوت يظهرن اتجاها أكبر نحو السلبية عن الزوجات العاملات، كما أن أزواج ربات البيوت كانوا أكثر تسلطا وسيطرة عن أزواج الزوجات العاملات، وعندما تم قياس الرضا الزواجي وجد أن الزوجات العاملات تبدو أكثر اشباعا ورضا، كما أن لديهن القدرة على الأداء بشكل أكثر فعالية من الزوجات اللائي لا يعملن خارج المنزل، وأشارت نتائج الدراسة السابقة أن أزواج الزوجات العاملات يبدون أكثر استياء وأقل رضا حيث أظهروا قدرا أكبر من الضغوط والتوتر المرتبط بالوظيفة كما كان ينتابهم القلق والاضطراب بالإضافة إلى عدم تمتعهم بصحة جسمية أو نفسية جيدة، ومن الناحية الإيجابية، فإن أزواج الزوجات العاملات يظهرون درجة أعلى من الانسجام والتوافق مع زوجاتهن فيما يتعق بالأمور الهامة كما كان لديهم استعداد أكبر لحل خلافاتهم بطريقة تتسم بالمساواة.
وثمة مشكلة من نوع خاص عند الزوجين المتزوجان حديثا وتتمثل في ربط الأدوار الزوجية بأدوار العمل، فلقد أصبح من الشائع أن نجد رجلا تحت رئاسة امرأة داخل مجال العمل وأن نجد النساء يتنافسن مع الرجال في الترقيات، إلا أن الأدوار التي يجب أداؤها داخل المنزل قد تختلف عن أدوار العمل، فقد تشعر الزوجة أن زوجها يشعر بالخوف نحو تأكيدها لذاتها خاصة في المسائل المالية، كما أن بعض النساء قد يكتشفن أن النجاح المتزايد في الوظيفة لا يختفي به من قبل الزواج.
وتوضح نتائج دراسة باري Barry؛ "1970" أن الزوج والعوامل المرتبطة به هي أكثر العوامل التي تؤدي إلى السعادة في الأسرة والتوافق الزواجي، وتستطرد بأن نتائج الدراسات الطولية على الأزواج قد أوضحت أن سمات شخصية الزوج عادة ما تكون أكثر ارتباطا بالسعادة الزوجية اللاحقة إذا ما قورنت بالسمات الشخصية للزوجة، فالهوية الثابتة للزوج والتي بدورها مرتبطة بسعادة والدية في الزواج ولارتباطه الوثيق بأبيه، كما ترتبط المكانة الاجتماعية والاقتصادية العالية والمستوى التعليمي الرفيع لدى الزوج بما يتحقق من النجاح والتوافق الزواجي. وجدير بالذكر فإن مدركات الزوجة تلعب دورا رئيسيا في التوافق الزواجي، فكلما كانت نظرة الزوجة إلى زوجها بوصفه شخص ناضج انفعاليا، كلما كان هو قريب منها وبالتالي قام بالإيفاء بدوره الثابت ثقافيا في نظر زوجته وكلما كان الزواج أكثر سعادة، فالزوجات اللائي يشعرن بالسعادة عادة ما ينظرن إلى أزواجهن على أنهم أعلى من المتوسط أو المعدل، أما لماذا يفعلن لذلك، فهذه قضية أخرى تستحق التأمل والدراسة.
وثمة قضية هامة بالنسبة للزوجين المتزوجان حديثا وهي، ما إذا كان سينظر إلى الزواج على أنه شرك أو فخ يسقط كل منهما فيه، أم سيكون فرصة ومجال لمزيد من النمو اللاحق لكلا الزوجين، ويقارن روجرز C. Rogers؛ "1972" بين تلك النظريتين للزواج قائلا: إن الزواج بالنسبة لبعض الأزواج قد يشبه صندوق رومانيتيكي يربي فيه الشخص الأطفال، صندوق سحري يوفر الأمان والأمن والهوية، بل أنه تابوتا يحوي كلا الزوجين يمثلان به، وبالنسبة لأزواج آخرين فقد يشبه الزواج بالنهر، تيار مركب من الخبرة التي فيها يكون كلا الزوجين قادرا على القيام بالمخاطر والمجازفات، يفند طموحاته ويمحصها، وأن يكيف نفسه للمباغتة والمفاجأة، ففي بداية الزواج عندما يكون الإشباع والسعادة
الزوجية مرتفعة نسبيا، ولم يتم بعد اختبار استقرار العلاقة خلال الوقت، فإن الزوجان يبدآن في تكوين نوع من التوجه الذي ينتج عنه إما الملل والسأم أو استمرار النمو في الزواج بمرور الأيام.
القيام بدور الوالدية:
أحد أقوى الحوافز لدى الكائنات الحية يتمثل في الحافز نحو حفظ النوع والمحافظة على الذرية والعناية بها، وبمرور الزمن يصبح كل إنسان تقريبا أبا أو أما، فنجد في مراحل إريكسون للنمو تظهر الوالدية كاستجابة لازمة الإنتاجية، ويشير إلى أن القدرة على العناية بالآخرين كالتزام له أهمية بالنسبة للماضي والمستقبل، ويعترف إريكسون بأن بعض الناس بسبب الكوارث أو الهبات في نواحي أخرى قد يحققون الإنتاجية بطرق ووسائل غير الوالدية، فمثلا بواسطة مهنة تهتم بالرعاية أو عن طريق تفاعل حقيقي مع الأطفال، فعالمة الأنثروبولوجي مارجريت ميد التي لم تنجب حتى سن الثامنة والثلاثين، وعالمة التحليل أنا فرويد التي لم تتزوج ولم يكن لها أطفال، يعتبران من ضمن الأمثلة الشهيرة للأفراد الذين تخطوا بنجاح أزمة الرشد من جهة الانتاجية أو التوالدية دون أن يكون لهن أطفال.
ومن ناحية أخرى فإن مجرد الرغبة أو الحصول على أطفال لا يرقى إلى التناسل أو الإنتاجية الحقيقية، فبعض الأفراد لا يقدرون على مسئولية الوالدية بسبب صعوبات مروا بها في أوقات مبكرة في فترة نموهم، فمثلا الزوجان اللذان لم يعمل على نمو القدرة على التبادلية Mutuality والتضحية في علاقاتهما، غالبا لا يكونا غير مستعدين لأن يكون لهما أطفال فبدلا من الرعاية والعناية بجيل جديد نجدهما ينهمكان في رعاية كل منهما بالآخر كما لو كان كل منهما طفل للآخر.
الدافعية نحو الإنجاب:
هل ينبغي أن يكون لنا طفل، ومتى يمكن أن يحدث ذلك، سؤالان هامان بالنسبة لمعظم الأزواج الشباب، كما يبدو أن قيمة الأطفال تختلف بالنسبة للزوجين كما تختلف الأسباب التي تكمن وراء إنجاب الأطفال.
فهناك بعض الآباء والأمهات الذين يتسمون بالمهارة في القيام بدور الوالدية، فجوانب البهجة والرضا والسرور التي يجلبها الأطفال قد توزن
وتقيم مقابل جوانب الإشباع والسرور الأخرى المرتبطة بالمهنة وأسلوب الحياة، والافتراض الذي يكمن وراء هذا يشير إلى أن تزايد الفرص التعليمية والمهنية للسيدات قد يجعل إنجاب الأطفال أقل جلبا للإشباع والإحساس بالسعادة، وأقل ضرورة للنمو الشخصي، ففي إحدى الدراسات أشارت النتائج إلى أن النساء ذوات التعليم المرتفع قد سجلن درجات أقل في جوانب الإشباع والرضا الناشئة عن أولادهن، إذا ما قورن بالنساء ذوات التعليم المتوسط، ولقد فسرت هذه النتيجة إلى أنه قد يرجع إلى أن نساء الفئة الأولى عادة ما يكون لديهن وسائل بديلة لتحقيق إشباعاتهن وحاجاتهن، وأشارت دراسة أخرى إلى أن النساء اللاتي كن يشغلن وظائف تبعث عليهن البهجة وتشبعهن كان لديهن أطفال أقل من السيدات الأخريات، وعموما فإن الإنهماك في العمل يعمل بصورة أساسية على تأجيل الإنجاب أو يحد من عدد الأطفال داخل الأسرة، فما هي الدوافع التي تدفع الزوجان إلى مرحلة الوالدية؟
أحد العوامل التي يشار إليها في هذا الصدد يتمثل في الضغط الثقافي Cultral Pressure لا سيما الضغوط التي تأتي من الأجداد، وثمة عوامل أخرى مثل البهجة والسرور التي تكمن في الأطفال أنفسهم، والرغبة نحو الرعاية المادية والإشباع الانفعالي التي يجلبها الأطفال لآبائهم خاصة في شيخوختهم، وكذلك الرغبة في الوريث الذي يمكن أن يرث ثروة الأب بعد مماته بالإضافة إلى الإحساس بأن مهنة الفرد ووظيفته ليست كل شيء في الحياة، وبالتالي نحن في حاجة إلى الأطفال لجعل الحياة ذات قيمة وتستحق أن تعاش، وكثيرا ما نسمع بعض الأسباب -خاصة في وقت الكوارث والحروب- بأن الأفراد في حاجة لشيء يخلد بعدهم.
أما الدوافع الأخرى لإنجاب الأطفال قد ينظر إليها المتخصصون في الصحة النفسية حيث نجد بعض الأزواج يقررون إنجاب طفل لكي يحسنوا ويدعموا زواجهم، أو يمنعوه من التدهور والانهيار، وقد ينظر البعض إلى الإنجاب على أنه نوع من الهروب من السأم والملل أو للهروب من مهنة غير مشبعة، وقد ينظر البعض إلى الطفل على أنه صورة من صور المنزلة والمكانة الاجتماعية، وقد تشير بعض النساء، خاصة الأرامل أو غير السعيدات في زواجهن، بأنهن يحتجن لطفل خاصة في مرحلة غياب العلاقات الجنسية أو ضعفها في فترة الرشد، عادة ما يكن في حاجة إلى شخص ما يكونون معه ارتباطا عاطفيا قويا حيث إن الاهتمام بشخص آخر يوفر لهم الإحساس بالمعنى أو الغرضية.
الوالدية كعملية نمائية:
يعتبر الحمل في حد ذاته ذا دلالة ومعنى نمائي بالنسبة للمرأة تبعا لأقوال إريكسون "1968" حيث يسميها بالفترة الداخلية المنتجة Productive Inner Space والتي تعتبر بصورة رمزية وبيولوجية مركز الإشباع الأنثوي، كما أن إنجاب الطفل له دلالة خاصة بالنسبة لكلا الوالدين، من حيث إنه قد يحيي مظاهر الصراعات المبكرة في النمو التي مرا بها.
ويشير بندكيت Benedek؛ "1958" أن الأم باسترجاعها لأحداث طفولتها وكيف كان يتم تعذيتها، كيف كانت تحتضن وتعانق
…
إلخ. فإنها تتحرر من آلام طفولتها كلما وجهت الاهتمام والرعاية لطفلها، بالإضافة إلى أن أمومتها تشتق أصلا من عملية تقمصها لأمها، إن خبرة القيام بدور الوالدية تعتبر حقيقة خبرة متكاملة وستظل هكذا ولنستمع إلى حديث إحدى السيدات في ربيع عمرها إذ تقول، إنه كما لو كان هناك مرآتين مثبتتين في زوايا معينة، فإنني أرى جزءا من نفسي في أمي، التي تقترب من الشيخوخة، وجزءا منها في نفسي، وفي المرآة الأخرى أرى جزءا من نفسي في ابنتي، حقيقة لقد اكتسبت بصيرة واستبصارا دراميا من النظر إلى تلك المرآتين.
وخلال سنوات الرشد الأولى يجب أن يصل الزوجان إلى اتفاق بخصوص توقع الحمل ومتاعبه، وكذلك اعتماد الطفل الرضيع المطلق عليهما، وتزايد الاعتماد على النفس، وأعباء طفل ما قبل المدرسة، وقد يتضمن ذلك تعلما جديدا بالإضافة إلى الضبط الذاتي للوالدين، فعلى سبيل المثال سلوك الغضب في السنتين الأوليين أو التمرد والعصيان لطفل ما قبل المدرسة، قد يجبر الوالدين وبخاصة الأم التعرف والاعتراف بالغضب، أو المخاوف التي تدور بداخلها، إلا أنها لا تستطيع أن تعبر عن غضبها كما يفعل طفلها، ولقد عبرت إحدى السيدات عن ذلك بقولها، وإنني أشعر بالضعف من الغضب أو الثورة التي تكمن بداخلي، ولكن كيف يمكن تعلم امتصاص هذا الغضب وأن أظهر الرعاية والعناية وعموما فكلما نما الطفل، تجدد نشاط الصراعات المختلفة وفرص النمو لدى الوالدين.
الوالدية كدور اجتماعي:
يعتبر ميلاد الطفل الأول بالنسبة للزوجين هاما من حيث المعايير
الاجتماعية، ففي بعض المجتمعات يحقق الزوجان استقلالا اجتماعيا كاملا ويقيمان أسرة خاصة بهما بعد أن يصبحا والدين، ويعتبر الحمل أحيانا نقطة انتقالية أكثر أهمية للمرأة من الزواج ذاته، فإن توقع وانتظار طفل يمثل أول توافق رئيسي بالنسبة لكلا الزوجين.
وبمجرد أن يصبح الحمل واضح المعالم، فإن الزوجين يحققان مكانة اجتماعية جديدة أي كوالدين في المستقبل، وبمجيء الطفل يصبحان فعلا والدين وبالتالي يكونا نواة أسرة جديدة حيث يتعهدان بتنشئة كائن بشري جديد، كما أنهما في نفس الوقت يتم تعليمهما وتنشئتهما بسببه، أي أن الأبوين يعلمان الطفل عادات الأكل والشرب وعادات التواليت وسلوك دور الجنس، وفي نفس الوقت يتعلمان كيف يتحدثان مع الطفل، وكيف يشتريان له حاجاته، وكيف يرتبطان بنماذج جديدة بكل من الجد والجدة وهكذا.
إن الانتقال إلى مرحلة الوالدية يطلق عليه "أزمة عادية" فإنها تغير من نمط شخصيات الآباء والأمهات وكثيرا ما تعوق مهنة الزوجة وعدم انتظامها، ويشير شولز Schulz؛ "1972" أن مجيء الطفل يقيد ويحد من أنشطة الوالدين خارج المنزل بالإضافة إلى خلوتهما وسريتهما داخل المنزل، وتتقلص بصورة واضحة تبادل المشاعر والأفكار.
وتشير نتائج الدراسة السابقة أن الوالدين الشابين يتحدثان مع بعضهما البعض، بقدر نصف ما يتحدث الزوجان المتزوجان حديثا، وحينئذ فإنهما يميلان أن يتحدثا عن الطفل.
وتشير دراسات أخرى أن الانتقال إلى مرحلة الوالدية قد حسن عملية التوافق الزواجي خاصة لدى الأفراد الذين يتمتعون بطرق جيدة للتواصل ولتبادل الأفكار والمشاعر، كما أن الأبوين اللذين قد خططا لإنجاب الطفل وبالتالي كانوا أقل تعرضا لظهور المتاعب والأزمات.
ويؤدي مركز الوالدية الجديد إلى نمو علاقات جديدة بين الزوجين والمجتمع، فالأمهات الجديدة يبحثن عن أمهات جديدة أخرى من أجل الصحبة والتضحية، ويظهر الكثير منهن السرور المتزايد في صحبة أمهاتهن، كما تعمل الوالدية على تجدد الاتصال بالمؤسسات التي كان يتم
تجاهلها في مرحلة ما قبل الزواج، وكلما تقدم الطفل في سنوات عمره، كلما بدأ الوالدان في تقويم المتنزهات والمكتبات والمدارس المجاورة وهكذا، وعموما فإن الوالدية معناها الاعتراف بعدم كمال الإنسان وأن يكون لديك القدرة على تحسين ما هو قائم بالفعل داخل المؤسسات في المجتمع.
دورة الأسرة:
بميلاد أول طفل وتأسيس أسرة جديدة، يصبح من المناسب التحدث عن دورة الأسرة، وتبدأ هذه الدورة -بطبيعة الحال- بالزواج وتنتهى بمراحل من الحرمان وموت أحد الزوجين، ثم بموت الزوج الآخر، ويشير دوفال Duvall إلى ثمان مراحل مع توضيح عدد السنوات التقريبية لكل مرحلة من تلك المراحل، وحيث إن الأم عندما ترسل طفلها الأول إلى المدرسة عادة ما تكون ما بين الثلاثين والخامسة والثلاثين من عمرها، فيمكننا القول بأن فترة الرشد المبكرة تقابلها -بصورة عامة- بالنسبة لكل من الزوجين كأفراد على حدة، فالزوجان اللذان يؤجلان إنجاب الأطفال قد يقضيان ست أو سبع سنوات بدلا من سنتين في المرحلة الأولى وبالتالي يؤثر ذلك على بقية الدورة، فعلى سبيل المثال ومرحلة العش الهادئ الخالي" والتي تحدث في سن المعاش ستكون أقصر، كما تحدث بعض التغييرات في هذا النظام بسبب الطلاق أو الزواج للمرة الثانية.
ومما يجدر الإشارة إليه أنه على الرغم من أننا نميل لتصوير الأسر كراشدين بالغين مع أطفال صغار "فإن مقدار الوقت الذي يقضى في المراحل الثلاثة الأولى من الحياة الأسرية يكون صغيرا -بصورة نسبية- حيث لا يزيد عن اثنتي عشر عاما من المجموع الكلي لعدد السنوات والذي قد يصل إلى خمسين عاما، وتكتمل نصف الدورة الأسرية تقريبا بعد رحيل الأبناء، ولذلك فإن أنواع التوافق التي يتم التوصل إليها في فترة الرشد الأولى ليست بالضرورة أن تكون صالحة لفترات أخرى لاحقة.
إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
شكل "1" يوضح مدة الوقت في كل مرحلة من المراحل الثمانية عند دوفال وهي:
1-
زوجان متزوجان "بدون إنجاب الأطفال".
2-
الأسر التي بها حالات "أكبر طفل يتراوح عمره ما بين أسبوع واحد حتى ثلاثين شهرا".
3-
الأسر التي بها أطفال في سن ما قبل المدرسة "أكبر طفل يتراوح عمره ما بين 30 شهرا حتى 6 سنوات".
4-
أسر بها أطفال في سن المدرسة "أكبر طفل يتراوح عمره ما بين 6 و13 سنة".
5-
أسر فيها مراهقون "أكبر طفل يتراوح ما بين 13، 20 سنة".
6-
أسر غادر شبابها واستقلوا بأسرهم "استقلال الابن الأول والأخير بأسر خاصة بهم".
7-
الوالدان في منتصف عمرهما "عش التقاعد الخالي".
8-
أفراد الأسرة في فترة الشيخوخة "من سن المعاش إلى موت كلا الزوجين".
الطلاق:
إن دورة الأسرة التي يصفها علماء النفس والاجتماع بأنها دائرة مقسمة إلى عدد من القطاعات التي يمكن التنبؤ بها، بيد أن الأحداث بالنسبة لكثير من الأفراد لا تسير على وتيرة واحدة، فقد يحدث أكثر من زواج وأكثر من دورة أسرية وأكثر من مجموعة من الأطفال، ففي بعض الحالات ينتهي الزواج في المرحلة الأولى أو الثانية أو الثالثة، ومعظم حالات الطلاق التي تحدث غالبا ما تقع في نطاق السنوات السبع الأولى من الزواج.
وقد يرجع الطلاق لعديد من الأسباب منها -على سبيل المثال- التقبل الاجتماعي المتزايد لعملية الطلاق نفسها، إذا ما قورنت بتقبلها فيما مضى وتشير الدراسات أن نسبة الطلاق قد تتزايد بين أولئك الذين تم زواجهم في سن مبكرة وهم مراهقون أما أولئك الذين يتزوجون في أواخر العشرينات من عمرهم، فإنهم أقل احتمالا لحدوث الطلاق فيما بينهم إلا أن الزواج المبكر ليس معناه بالضرورة أن يحدث فيه الطلاق، والاتجاه الذي يشير بأن الزيجات المبكرة تنتهي بالطلاق، وأن معظم حالات الطلاق تحدث في السنوات الأولى من الزواج، هذا يكشف التقارب عن مؤشر نمائي ضمني مرتبط بالنمو، فقد لا يكون الزوجان قد تخطا تماما أزمة الهوية لمرحلة المراهقة، بمعنى أن أحد الزوجين "أو كليهما" لا يكون قد نجح في تحرير نفسه عاطفيا من والديه، في تكوين نوع من الالتزام والثبات على قيمه ومهنته، فإذا لم يتمكن من إنجاز ذلك يجد نفسه من الصعب أن يقيم علاقة على أساس التبادلية مع شخص آخر، ويمكن للزوجين الالتجاء إلى طلب عملية الإرشاد الزواجي فمثلا قد تشكو زوجة أن زوجها ما يزال مرتبط عاطفيا بأمه، أي أنه ما زال طفلا صغيرا يريد من يوجهه، وقد يدعي الزوج أن زوجته كانت فعلا تبحث عن أب فإن كلا منهما يتهم الآخر بافتقاد الألفة أو المودة، لا سيما من أجل التبادل الكامل للمشاعر والأحاسيس والأفكار، وكأن كلا منهما يقول للآخر:"حبني ولكن لا تقترب مني أكثر من اللازم".
والأسباب التي تكمن وراء حالة طلاق معينة عادة ما تكون مركبة للغاية، لا يمكن الإفصاح عنها حتى من جانب الزوجين أنفسهما، وتشير نتائج دراسة هنت وهنت Hunt & Hunt إلى ثلاثة أنواع شائعة للسيناريو المرتبط بالطلاق، فبالنسبة لبعض أزواج يذبل الزوج ويبهت بصورة
نسبية، مثل صورة فوتوغرافية قديمة، أي أن الطلاق يتم بدون وعي وبلا صراعات، وكذلك فإن أي حادث عرضي مثل الانتقال المهني لبلدة أخرى أو مغازلة عابرة تكفي لأن تنهي الزواج نهاية هادئة، والنوع الثاني من السيناريو يشير إلى أن الطلاق يحدث صدمة لأحد الزوجين أو لكليهما، وقد يكون هناك أنواع أخرى من الطلاق تتم بعد معاناة وصراع طويل، وفي مثل هذا السيناريو يدرك كلا الزوجين أن الطلاق وشيك الحدوث إلا أنهما ينتظران شهورا بل وحتى سنوات لإتمام خطواته النهائية.
وعادة ما تعتمد ردود فعل الطلاق على طبيعة الأحداث ونوع العلاقات الزوجية التي تسبقه، إلا أن كلا من الزوجين عادة ما يحتاجان وقتا طويلا لاندمال الجرح وتجاوز الصدمة، ويحتاج الشخص المطلق -رجلا كان أم امرأة- إلى تسوية صراعات الهوية المبكرة وذلك عن طريق بناء نمط جديدة للحياة، فمثلا المرأة التي تزوجت في وقت مبكر قد تكون قد ربطت هويتها بهوية زوجها، أما الآن فهي ذات مكانة جديدة وبالتالي تحتاج إلى بناء هوية مهنية أو على الأقل ستحاول أن تجد وظيفة لها، وفي نفس الوقت يجب عليها أن تعيد تنقيح هويتها فقد تواجه عددا كبيرا من المشاكل العملية فالطلاق بالنسبة لمعظم الأزواج الجدد قد يسبب اضطرابات مالية وبالتالي يخفض من مستوى المعيشة، كما يجب إقامة علاقات والدية جديدة خاصة أن تمخض الزواج السابق عن أولاد، ويصدق هذا لا سيما على الأب والذي عادة لا يكون مسئولا عن رعاية الأطفال وبالنسبة لكل من الزوج والزوجة عادة ما تبدأ عملية توتر الهوية والدور الاجتماعي من جراء مطالب نمط حياة العزوبية من جديد، فقد تواجه الأب صعاب في زيارة أطفاله المبعدين عنه وفي إرسال نفقاتهم، وقد تواجه الأم هي الأخرى مصاعب في تنظيم حياتها الاجتماعية وقدرتها على تربية الأولاد، ونظرات الآخرين لها، وعلاقاتها العاطفية.
وعادة ما يتزوج الأفراد المطلقين في نهاية الأمر مرة أخرى، ويميل الرجال إلى الزواج مرة ثانية أسرع من النساء وعلى الرغم من أن نسبة الطلاق تكون مرتفعة بالنسبة للزيجات التي تتم للمرة الثانية، إلا أن أغلبية الذين يتزوجون للمرة الثانية عادة ما يستمرون في زواجهم حيث قد ينظر إلى خبرتهم في الطلاق على أنها قد تساعدهم على العثور على شريك جديد أكثر ملاءمة، ليس هذا فحسب بل أيضا قد يجدون ذواتهم الجديدة الناجحة.
اختيار شريك أو شريكة الحياة:
أشارت ميلتون وتوماس Melton & Tomas؛ "1976" في استقصاء الفروق بين الطلاب البيض والزنوج بخصوص القيم المرتبطة باختيار شريك "أو شريكة" الحياة، وافترضا أن الطلاب الزنوج والذين يحتلون كمجموعة مكانة اجتماعية واقتصادية أقل من البيض سيركزون على القيم المرتبطة بالأمان الاقتصادي "والتي يطلق عليها مصطلح القيم الوسيلية"، أما الطلاب البيض فيتوقع منهم أن يركزوا على القيم العاطفية أو ما يطلق عليه القيم التعبيرية.
وأوضحت النتائج أن الزواج من أجل الحب يعتبر حقا قيمة ثقافية واسعة الانتشار، فقد أشارت كل من المجموعتين أن دور القيم التعبيرية يعتبر أكثر أهمية "مثل التفاهم والحب والحنان المتبادل، والنضج الانفعالي، والحنان والرقة والاهتمام، وفي الحقيقة فإن الطلاب البيض والسود كانوا على اتفاق تام تقريبا في تقديرهم لهذه الخصائص المرغوب فيها.
بيد أن الطلاب السود قد أولوا اهتماما أكبر للقيم الوسيلية مثل الترقي الاقتصادي، والرغبة في امتلاك منزل، والاتفاق المادي، حيث كان الرجال السود يتعطشون خاصة لتوفر هذه القيم في زوجة المستقبل، تلك النتيجة التي يشعر الباحثون أنها تعكس الحقيقة التاريخية بأن الرجال السود لم تكن لديهم الفرص الكافية لكسب الدخل المناسب والمشبع لأسرهم، ولقد جاءت الدرجة الجامعية في ذيل القائمة التي تضم القيم المرغوب فيها بالنسبة للمجموعتين.
والجدير بالذكر فإن نتائج هذه الدراسة تشير إلى وجود اختلافات ثقافية واجتماعية واقتصادية يمكن أن تعزى إليها هذه العملية.