الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلواتُ فِى الإِسْرَاءِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِى أَبُو سُفْيَانَ فِى حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ يَأْمُرُنَا - يَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ. تحفة 4850
349 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِى وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِى، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِى صَدْرِى ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى فَعَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ. قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ نَعَمْ مَعِى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَمُ. وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِى عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا افْتَحْ. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ فَفَتَحَ» . قَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِى السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِإِدْرِيسَ قَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِىِّ الصَّالِحِ. قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِىِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِىَّ كَانَا يَقُولَانِ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «ثُمَّ عُرِجَ بِى حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلَامِ» . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِى خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ وَضَعَ شَطْرَهَا. فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ. فَقَالَ هِىَ خَمْسٌ وَهْىَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى
فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى. ثُمَّ انْطَلَقَ بِى حَتَّى انْتَهَى بِى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِى مَا هِىَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ». طرفاه 1636، 3342 تحفة 1556، 11901، 6573 ل - 98/ 1
يُعْلَمُ من طريقِ المصنِّف رحمه الله تعالى أنّه سمّى مجموعَ القَطْعين إسراءً، بخلاف عامَّتِهِم فإِنَّهم يُسَمُّون القِطْعة التي من بيته إلى بيتِ المقدس إسراءً، والتي منه إلى السماواتِ العُلى معراجًا، فَفَرْضِيّة الصلاة إنما هي في المعراجِ على طريقهم، ولما كانت القِطْعَتان عنده إسراءً جَعَل فرضِيَّتَها في الإِسْراءِ. ثم إنّ القرآن ذكر إحدى القِطْعَتَيْنِ في سورة النَّجم وهي ما تتعلَّقُ بسيرِ السماواتِ، والرؤيةُ فيها عندي رؤيةُ ربِّه جلَّ سبحانهِ كما اختاره أحمد رضي الله عنه، وذَكَرَ أُخْرَاها في سورة بني إسرائيل. والمِعْرَاجُ كان منامًا مرةً ويقظةً أُخْرَى، وقد مرَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم ربّما كان يَرَى منامًا ما كان يَقَعُ له في اليَقَظَةِ فَلَعَلَّهُ وَقَعَ مِثْلُهُ في قصة المِعْرَاجِ أيضًا. فرآه منامًا أولا ثم عَرَجَ بِهِ يَقَظَةً، وقد مرَّ أن صلاة الفجر والعصر عندي كانت فريضةً قبل المعراج أيضًا كما ذهبَ إليه جماعةٌ، وأما في المعراج فتكاملت خمسًا.
قوله: (وقال ابن عباس رضي الله عنه
…
) يريد أَنْ يُنَبِّهَ على أَنَّ الصلاة كانت قبلَ الإِسْرَاءِ أيضًا كما قال أبو سفيان في حديث هِرَقْلَ.
349 -
قوله: (أَسودة) جمع سواد. وترجمته «كالبد» .
قوله: (عن يمينه
…
إلخ) قال الحافظ: قال القاضي عياض: قد جاء أنَّ أرواحَ الكُفَّار معذبةٌ في سِجِّين، وأنَّ أرواحَ المؤمنين مُنَعَّمَةٌ في الجنة، فكيف تكونُ مُجْتَمِعَةً في سماء الدنيا؟ ويُحتمل أن يُقال: إنَّ النَّسَمَ المرئِيّة هي التي لم تدخل الأجسادَ بعدُ، وهي مخلوقةٌ قبلَ الأجسادِ، مُسْتَقَرُّهَا عن يمينِ آدم وشمالِهِ، وقد أَخْبَرَ بِمَا سيصيرونَ إليه فلذلك يَسْتَبْشِرُ إذا نَظَرَ إلى مَنْ عن يمينه، ويَحْزَنُ إذا نظر إلى مَنْ عن يسارِهِ. ثم قال الحافظ: أما ما أخرجه ابن إسحق والبيهقي من طريقه في حديث الإِسراء: «فإذا أنا بآدم تُعْرَضُ عليه أرواحُ ذرِّيَّتِهِ المؤمنينَ، فيقولُ: روحٌ طَيِّبَةٌ ونَفْسٌ طَيِّبَةٌ اجعلُوها في عِلِّيِّيْنَ، ثم تُعْرَضُ عليه أرواحُ ذريته الفُجَّار، فيقول: روحٌ خبيثةٌ ونَفْسٌ خبيثةٌ اجعلوها في سِجِّينَ» . فهذا لو صَحَّ لكانَ المصيرُ إليه أولى من جميع ما تَقَدَّمَ، ولكن سنده ضعيف.
قلت: ولا بأس به في مثل هذه الأمور، والجوابُ عندي على ما هو التحقيق عند أربابِ الحقائِقِ: أن الجِهَات تنقلبُ في الآخرة، فتصيرُ العاليةُ يمينًا والسافلةُ شمالا، ولا يَبْقَى هناك فوق ولا تحت، ولما كانت تلك الواقعة في عالم يُشْبِهُ الآخِرَة لم يَبْعُدْ كونُ الأرواح الخبيثةِ التي مُسْتَقَرُّهَا في سِجِّين تحت الأرض على شمالِ آدم عليه الصلاة والسلام، وكذلك لا بُعْدَ في كون الأرواح الطيبةِ التي مستقرّها عِلِّيِّيْنَ على يمين آدم عليه الصلاة والسلام، لأن اليمينَ هناك والشمالَ هو الفوقُ والتحتُ عندنا الآن، فالأرواح التي مستقرُّهَا فوقَ السماواتِ أو تحتَ الأَرضينَ ظهرتْ على يمينه أو شِمَالِهِ.
ثم تِلْكَ الأَرواحُ هل هي التي لم تدخل في الأجساد أو التي تجرَّدَتْ عن أجسادِهَا بعد
الموتِ؟ فالجواب: كما مر عن «الفتح» روايته
(1)
: ثم ليعلم أن الرُّوحَ المُجَرَّدَ ليس بمكانيَ وليس له تَعَلُّقٌ بالمكانِ المخصوصِ، بخلافِ حالِ الجَسَدِ فإِنَّه لا يوجد إلا بالمكانِ، والبدنِ المثالي بَيْنَ بَيْنَ. قال الصَّدْرُ الشِّيرَازي: إنَّ النَّفْسَ الناطقةَ مُنْغَمِسَةٌ في شوائبِ المادةِ، ثم تصيرُ بعد الرياضاتِ مجرّدةً تدريجًا، ثم إن الروحَ والنَّسَمَةَ، والنَّفْسَ والذَّرَّ كلَّها أشياءٌ متغايرةٌ وليست حكايةً عن معنىً واحد، ولذا ترجم ابن سيناء الحيوانَ «جان» والروح «روان» ففيها فروق.
ولم يتكلم التُّورِبِشْتِي لما مرّ على شرحِ أحاديث الذَّرِّ إلا بالذَّرِّ، ولم يُغَيِّر هذا اللّفظ ولم يَضَعْ مكانَه لفظًا آخرَ، ففهمتُ أنّه لا يُتْرَك هذا اللّفظ لهذه الدّقيقة، والذّرّ وإن كان قريبًا من الروح لكنّه أُطلق على الجسد أيضًا. قال ابن دقيق العيد رحمه الله: لو وُجِدَتْ تضانيفُ هذا الفاضِلِ لَنَفَعَتِ الأمة جدًا، ولكنّها تلفت في فتنة التتار. وزعم الناس أنّه شافعي رحمه الله تعالى. قلتُ: بل هو خلاف الواقع وهو حنفي تلميذ البغوي متقدِّم على الإِمام الرازي، وإنما تَوَهَّم من تَوَهَّم لذكره في طبقات الشافعية، وكونِهِ محدثًا.
قوله: (سماء) أَنْكَرَ وجوده المُتَنَوِّرون، وقالوا: ليس فوقنا إلا جوهرًا لطيفًا غيرَ متناهٍ، والنجومُ تجري فيها سابحةً بنفسها. قلت: ولا دليل عليه عندهم، لِمَ لا يجوز أن يكونَ هذا الجَوّ على طبقاتٍ، كلُّ طبقةٍ منها تسمّىِّ سماءً، حتى تكونَ سبعَ سماواتٍ كما أخبر به النص.
قوله: (سماء الدنيا) واختار الشاه عبد القادر: أنَّ النجومَ كلَّها في سماءِ الدُّنْيَا.
قوله: (إدريس) واعلم أن نوحًا عليه الصلاة والسلام عُدَّ من أجدادِهِ صلى الله عليه وسلم اتفاقًا، وعَدَّ الجمهور إدريسَ عليه الصلاة والسلام أيضًا منهم لكونه متقدِّمًا على نوح عليه الصلاة والسلام أيضًا، فإذا كان نوح عليه الصلاة والسلام من أجدادِهِ فَإِدْرِيسُ عليه الصلاة والسلام بالأَوْلَى. وتردَّدَ فيه البخاري وقال: بل هو نبي من الأنبياءِ بعدَ نوح عليه الصلاة والسلام، ولذا ذَكَرَ أَوّلا نوحًا عليه السلام، ثم ذكر إلياسَ عليه السلام، واحْتَجَّ من كلام ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه وابنِ عباسٍ رضي الله عنه، أنَّ إلياسَ عليه السلام هو إدريسُ عليه السلام، ولا ريب أن إلياسَ عليه السلام نبي من أنبياء بني إسرائيل، فثبت تأخُّرُ إدريسَ عليه السلام عن نوحٍ عليه السلام. وتمسك بلفظه الأخ الصالح للنبي صلى الله عليه وسلم.
قلتُ: ولا دليل في ذلك لجوازِ أن يكونَ ذلك توسعًا، لأنه لم يواجِهْهُ أحدٌ من الأنبياء عليهم السلام بلفظِ الابنِ إلا آدمَ عليه السلام وهو أبو البشر، وإبراهيم عليه السلام وقد أعلن بأُبُوَّتِهِ هو في الدنيا ونَسَبَهُ إليه بنفسِهِ، فينبغي لهما أن يخاطِباه بالابنِ. ثم إنهم اختلفوا في أن إدريسَ عليه السلام وإلياسَ عليه السلام نبي واحد أو اثنان؟ والذي سَنَحَ لي أنهما اثنان، وإدريسُ عليه السلام نبيُّ متقدِّمٌ على نوح عليه الصلاة والسلام، بخلاف إلياسَ عليه الصَّلاة
(1)
قلتُ: ولا يَظْهَر أَنَّ تلكَ الأرواح هي التي دَخَلت في الأجساد، أو لم تدخل بعد، والذي فَهِمْتُهُ من كلامِ الشيخ رحمه الله تعالى: أَنَّها التي الآن في الأجسادِ على الأرضِ، إلا أنَّه كَشَفَ له عنها مع كونِهَا على الأرض، ولا يَسْتَلْزِم أنْ تكونَ على السماءِ إذ ذاك اهـ. منه.
والسَّلام، فإنَّه نبي من أنبياء بني إسرائيل عليهم الصَّلاة والسَّلام، لكنَّه أُطْلِقَ هذا الاسم على إدريس عليه الصلاة والسلام أيضًا، فالتُبِسَ
(1)
الأمر لهذا، وراجِعِ التفصيلَ من «شرح المواهب» وابن كثير في تفسير قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1].
قوله: (صريف الأقلام) وهي صوتُ أقلامِ الكرامِ الكاتِبِينَ، كانوا يأخذون النَّقْلَ عن اللّوحِ المحفوظِ.
قوله: (وهي خمسون) وقد ذكر في المقدّمة أنَّه ليس بنسخٍ، بل إلقاءٌ للمراد بعد دفعاتٍ.
ونظيرُهُ قصّةُ ليلةِ البعير مع النبي صلى الله عليه وسلم وجابر رضي الله عنه حيثُ قال له النبي صلى الله عليه وسلم «بِعْنِي بعيرَكَ» فأجابه جابر: إني قد بِعْتُهُ منك، فراجعه النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك وأجابَهُ كذلك، وقد وَقَع ذلك مرارًا، ثم انكَشَفَ الأمرُ حينَ بَلَغَ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أَنَّ غَرَضَهُ لم يكن شراءَهُ منه، ولكنّه كان يريدُ أن يَمُنَّ به عليه ويَزِيدَهُ، فرَدَّ بعيرَهُ ورَدّ ثَمَنَهُ. وكقولِهِ صلى الله عليه وسلم «أترضون أنْ تَكونُوا رُبْعَ أَهلِ الجنَّة؟
…
» إلى أن قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟
…
» وكقوله صلى الله عليه وسلم عند البخاري في باب فضلِ السّجود في ذكر رجلٍ يكونُ من آخرِ أهلِ الجنَّةِ دخولا، وفيه: «لك مثلُ الدنيا وما فيها، ومثلُهُ ومثلُهُ
…
» حتى عدَّ عَشْرَ مراتٍ، كل ذلك من هذا الوادي.
وأما ما ذَكَره الراوي ههُنا، أنّه وَضَعَ عنه شَطْرَهَا في المرةِ الأولى ففيه إجْمالٌ، وكذلك ما في بعضِ الألفاظ أنّه وَضَعَ عَشْرًا في كلِّ مرةٍ. والأصلُ أنّ التخفيفَ كانَ خمسًا خمسًا حتى إذا بَقِيَتْ منها خَمْسُ فقد استحى من ربِّهِ أنْ يُراجِعَهُ بَعْدَهُ؛ لأن حاصلَ المراجَعَةِ في تلك المرَّةِ لم يكن إلا أنْ يَعْفُوَ عنه رأسًا، فإنّه إذا عفى عنه خمسًا في كل مرةٍ ولم يَبْقَ عليه إلا خمسُ، فلو راجَعَهُ بعدَهُ أيضًا لكانَ المعنى التخفيفَ عن هذه الخمس أيضًا. ومآله رَدٌّ لما أَمَرَهُ الله به والعِيَاذُ باللَّهِ؛ لأنَّه لمّا سَمِعَ في المرّة الأخيرة أنّه لا يُبَدَّلُ القول لديّ، عَلِمَ أنّ بقاءَ الخمس هو المرضي لربِّهِ عز وجل، فاستحى منه أن يُراجِعَهُ في أمرٍ عَلِمَ رضاءَهُ فيه. وكنت حَقَّقْتُهُ من قبلُ، ثم رأيتُ السُّهَيْلِيَّ رحمه الله تعالى قد سَبَقني به في «الرَّوْضِ الأُنُفْ» ، والسُّهَيلي من العلماءِ المالكيةِ دقيقُ النَّظَرِ جدًا.
وأمَّا سِدْرَهُ المُنْتَهَى فقرَّرَ الحافظُ رحمه الله تعالى أنَّ أَصْلَهُ في السماءِ السادسةِ، وفروعَهُ في السابعةِ، فَصَحَّ كونُهَا في السادسةِ والسابعةِ معًا. قالوا في وجهِ تَسْمِيَتِهِ بسدرةِ المنتهى، أنّهَا تَنْتَهِي إليها أعمالُ الناسِ، وما تَبَيَّنَ لي يَقْتَضِي تمهيدَ مقدمةٍ وهي: أن السّماواتِ السبع مع الأرضينَ كذلك كلَّها عِلاقَةُ جهنمَ عندي، والجَنّةَ عِلاقَتُهَا فوقَ السّماواتِ السبعِ، وسَقْفُها عرشُ الرحمن، إذا عَلِمْتَ هذا فاعلم أن أَصْلَهَا في عِلاقةِ جهنَّمَ، وجِذْعُهَا في عِلاقةِ الجنةِ لكونِهِ فوقَ السّماواتِ السبع، ونَصَّ القرآن على أنَّ {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم: 15]، فعُلم أن علاقة
(1)
وتفصيله: أن الالتباس إنما جاء من حيث اشتراك الاسم، فإدريس اسمه الأصلي عليه السلام وأُطلق عليه إلياس بالمعنى الوصفي، لأنه بالعبرانية عبد الله، وكذا إلياس اسمه الأصلي، ويقال له إدريس أيضًا، فالأقرب أن يُؤَيّدَ قول الجمهور ويُؤَوَّلُ قول البخاري.
الجنة تبتدأ مِنْ هناك، وتنتهي عِلاقة جهنمَ، ومنه سُمِّيَتْ سِدْرَةُ المُنْتَهَى عندي يعني لكونِهَا على مُنْتَهَى عِلاقةِ جهنمَ ومبدأ عِلاقةِ الجنةِ، والله تعالى أعلم. وأما ما غَشِيَهَا مِنَ الألوانِ فَلَعَلَّهَا كانَتْ ملائكةُ الله يَفِدُون على تَجَلِّيَاتٍ رَبَّانِيّةٍ هناك، وفي رواية عند مسلمٍ فراشٌ من ذهب.
قوله: (حبائل من لؤلؤ) أي أسلاكُ اللُّؤلُؤِ المنظَّمة يُرْخُونَهَا على الغُرَفِ في زَمَانِنَا لأجل التَّزَيُّنِ.
350 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِى الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِى صَلَاةِ الْحَضَرِ» . طرفاه 1090، 3935 - تحفة 16348 - 99/ 1
350 -
قوله: (فأقرت صلاة السفر) وهذا صريحٌ للحنفيّة في أنّ القَصْرَ في السفرِ رُخْصَةُ إسقاطٍ لا رخصةَ ترفِيه، وأجاب عنه الشافعيّة بوجُوه ردّها الحافِظُ رحمه الله تعالى كلِّها، ثم أجَابَ مِنْ عِنْدَ نفسه وقال: والذي يظهر لي أنَّ الصّلواتَ فُرِضَتْ ليلةَ الإسراء ركعتين ركعتين، ولا المَغْرِب - ولعلّه إلا المَغْرِبَ - ثم زِيْدَت عَقِبَ الهِجْرَةِ إلا الصبحَ كما روى ابن خُزَيمَة عَنْ مَسْروق عن عائشة رضي الله عنها قالت:«فُرِضَتْ صلاةُ الحضرِ والسفرِ ركعتينِ ركعتينِ، فلما قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأنَّ زِيدَا في صلاةِ الحضرِ والسفر ركعتانِ ركعتانِ، وتُرِكَتْ صلاةُ الفَجْرِ لطولِ القراءةِ، وصلاة المَغْرِبِ لأَنّهَا وِتْرُ النهار» اهـ.
ثم بعد أنْ استقرَّ فرضُ الرُّبَاعِيّة خُفِّفَ منها في السفر عند نُزُولِ الآيةِ السَّابِقَةِ. وقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وحينئذٍ المرادُ بقولِ عائشة فَأُقِرَّتْ صلاةُ السفرِ، أي باعتبار ما آل الأمرُ إليه من التَّخْفِيف لا أنَّها استمرتْ كذلك منذ فُرِضَتْ، فلا يَلْزَمُ من ذلك أنَّ القصر عزيمةٌ. انتهى مختصرًا.
وحاصل جوابِهِ: أنَّ بناءَ استدلالِ الحنفيّة على أنَّ الصلاةَ في الأصلِ لم تكنْ أرباعًا قَطْ، فما يصلِّيها المسافرُ ليست قصرًا لِيُتَوَسَّع فيها بالإِتمام، وإنما هي على أصلِهَا كما كانتْ، وحينئذٍ الإتمامُ لا يكون إلا زيادةً، وذا لا تَجُوز. ولما عَلِمْتَ أنَّها صارَتْ أربعًا وإنْ كانت في الأصل ركعتينِ، ثم نَزِلَتْ فيها الرُّخْصَة فَسَدَ المَبْنَى، وَظَهَرَ أنَّ صلاتَهُ قَصْرٌ، وحينئذٍ لا يكونُ الإتمامُ زيادةً، بل يكونُ القصرُ للتَّرفيه لقوله تعالى:{لَاّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فمن شاء قَصَرَ ومن شاءَ أَتَمّ.
قلتُ: وفيه نظرٌ: لأنَّه يَلْزَمُ على ما اختارَهُ النّسْخُ مرَّتينِ، الأول: من الركعتينِ إلى الأَرْبَع. والثاني: من الأربعِ إلى الركعتينِ، وليس عندَهُ دليلٌ على قولِهِ هذا غيرُ قولِ العلماءِ، أنَّ آيةِ القَصْرِ نَزَلَتْ في السنةِ الرابعةِ، فاسْتُنْبِطَ منه أنَّ المسافرينَ كانوا يُصَلُّون أربعًا في تلك المدةِ، وليس عندَهُ نَقْلٌ خصوصيٌّ على أنَّ المسافِرِينَ كانوا يُتمُّون صلاتَهُمْ في هذه الأيَّام سِوَى هذا الاجتهادِ، ولهذا لم يُشَدِّدْ فيه، وأَلانَ الكلامَ.
قلتُ: ولي فيما اسَتَدلَّ به الحنفيةُ أيضًا نَظَرٌ، لكنْ لا لِمَا قَالَهُ الحافِظُ كما عَلِمْتَ، ولا لِمَا قَالَهُ بعضُهُمْ أنَّه لو كان الأمرُ كما قالتْ به عائشة رضي الله عنها، لِتَواتَرَ به النَّفْلُ مع أَنَّهُ لا يَنْقُلُه أَحَدٌ غيرُهَا؛ لأنَّه إذا نُسِخَ واستَقَرَّ الأَمْرُ بِخِلافِهِ كيفَ يَبْقَى التواتُرُ بأمرٍ قد نُسِخَ؟ فانْقِطَاعُ