الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ وَقَالَ «لَا يَنْبَغِى هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» . طرفه 5801 - تحفة 9959
قوله: «فروج» كوك: وعند مسلم: «صلى في قَبَاء دِيبَاج ثم نزعه، وقال: نهاني عنه جبريل عليه السلام» فدل على أن صلاته تلك كانت قبل تحريم الحرير، ولعله نزعه لكونه بعين الرضا منه تعالى.
17 - باب الصَّلَاةِ فِى الثَّوْبِ الأَحْمَرِ
واعلم أن في الثوب الأحمر اختلافًا وانتشارًا في كتب المتأخرين، ولو صادفنا «تجريد القدوري» لاقتصرنا عليه. والحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى يأخذ بقول الحنفيةِ من هذا الكتاب، فدل على اعتباره عنده. وحاصل ما لخصتُ في تلك المسألة: أن اللونَ إن كان من الزَّعْفَرَان أو العُصْفُر كُره تحريمًا للرجال، وغيرهما إن كان أحمرَ قانيًا كُره تنزيهًا وإلا لا، وإن كان مخططًا بخطوط حمراء بلا كراهة. وقال بعضهم باستحبابه. وجاز الكلُّ للنساء، ثم إن تلك المسألة في الثياب دون الأَدَم.
376 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالاً أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالاً أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِى حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَىِ الْعَنَزَةِ. أطرافه 187، 495، 499، 501، 633، 634، 3553، 3566، 5786، 5859 تحفة 11816
376 -
قوله: (حلة حمراء) قالوا: إنها كانت مخططة. قلت: ووجدتُ له روايةً بعد تتبُّعٍ بالغٍ في «أحكام القرآن» لابن العربي.
376 -
قوله: (مشمِّرًا) أرسى هوثي.
18 - باب الصَّلَاةِ فِى السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجَمْدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ. وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الإِمَامِ. وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ.
جمع سطح، أي سقف.
قوله: (والمنبر) موضعٌ مرتفعٌ، يُجْلَسُ عليه لإِلقاء الوعظ، فهذه هيئة.
قوله: (والخشب) وهذا مادة. وحاصلُ الكلِّ أن السجدةَ وقعت على غير الأرض، سواء كان على هذه الهيئة أو تلك المادة، فأجاز الصلاةَ على غير جنسِ الأرض، وتجوز عندنا على
السرير بدون عذر، لأنه يُتصوَّر عليه إلقاء الجبهة وهو الشرط. وإنما لا تصح على القطن لأنه لا تستقرُ عليه الجبهة، فلا يتحققُ معنى السجدة، وكذلك على الثلج، لأنه لا يتأتَّى فيه الطرحُ والإِلقاء إلا بالاستمساك، واستمساكُ الجبهة ليس بسَجْدةٍ، بل هو مَسَاس، لا طرحٌ وإلقاءٌ، والشرط هو هذا دون ذلك، فافترقا، فمن قاس السريرَ على الثلج فكأنه لم يراع ما قُلنا.
قوله: (الجمد).
قوله: (والقناطر) وإن جَرَى تحتَها بولٌ، وهذا على عادتهم في البلادِ الباردة، أنهم كانوا يذهبون بمواشيهم تحت القناطر، فتبول، ويجري البولُ من تحتها. وظهر منه أن حملَه على بولِ ما لا يؤكلُ لحمه بعيدٌ كلَّ البُعد، بل هو بول ما يؤكل لحمه، فدل على نجاسته عنده، كما هو مصرح عند الطحاوي عن الحسن: أنه كره أبوال الإِبل والبقر والغنم. ثم في «الدر المختار» عن «حاوي القدسي» : أن الصلاةَ على سطح الاصْطَبل مكروهةٌ، والظاهر أن الوجه فيها الروائح الكريهة. وليس فيه مسألةُ الصلاة على سطحٍ تحته نَجِسٌ، وذلك لأنه خصَّ الاصطبل بالذكر، وفيه تكون ذلك.
قوله: (إذا كان بينهما سترة)
…
إلخ يعني به طهارة موضع المُصلى، ومختارُ الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى في طهارة المكان: طهارةُ مواضِعِ السجودِ فقط، فلو صلى وبحذاءِ صدرِهِ نجاسةٌ، صحت صلاتُهُ وإن كره، وفيه أن النجاسة المفسدة هي التي ينسب حملها إليه، وإلا لا.
قوله: (وصلى أبو هريرة رضي الله عنه انتقل إلى مسألة أخرى، وهي أن الإِمام إذا كان تحت السقف، والمأموم فوقه، هل تصح صلاته؟ فتصح عندنا إذا علم انتقالاتِ الإِمام، سواء كان بينهما منفذ، أو لا.
377 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَىِّ شَىْءٍ الْمِنْبَرُ فَقَالَ مَا بَقِىَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّى هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ عُمِلَ، وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كَبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ، فَهَذَا شَأْنُهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَنِى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ فَقُلْتُ إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كَثِيرًا فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ قَالَ لَا. أطرافه 448، 917، 2094، 2569 - تحفة 4690 - 106/ 1
377 -
قوله: (اثل)(جهاؤ) وهذه الشجرة على نحوين: العظيمةُ منهما تُسمَّى أثلا، والصغيرة طَرْفَا.
قوله: (الغابة) موضعٌ معروف من عَوَالي المدينة. واختار الحافظ رحمه الله تعالى أن المنبرَ عُمِلَ في السنة التاسعة. وعندي رواياتٌ تدُل على أنه متقدِّمٌ بكثير، وإنما عارضتُ فيه الحافظَ رحمه الله تعالى، لأنه يُعْلَمُ من بعض الروايات أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قام متكئًا بجذعٍ في المسجد في واقعة ذي اليدين - وكانت تلك الجذعُ هي الأَسطُوانة الحنَّانة، كما أشار إليه القاضي عياض، وقد دفنت حين عُمِلَ له المنبر - فيدل على أن واقعةَ ذي اليدين متقدمةٌ جدًا. وهذا ينفعُ الحنفية في مسألة نسخِ الكلام كما لا يخفى، بخلاف ما اختاره الحافظ رحمه الله تعالى، فإِنه يمكن أن يكونَ واقعة ذي اليدين في السنة الثامنة مثلا، وكان قيامُهُ بتلك الجذع لأنه لم يُعمَل له المنبرُ إذ ذاك، فيدلُ على تأخُّرِ هذه القِصة جدًا. وسَهْلُ بن سَعْد هذا آخرُ الصحابة المدنيين وفاةً.
قوله: (ثم رجع القَهْقَرَى)، قلت: إنما كان ذلك بخطوتين وهو عمل قليل، لأن منبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم عُمِلَ بثلاث درجات، فلو كان قيامُهُ على الدرجة الثالثة أمكنَ نزوله عنها بخطوتين، وهذا عمل قليل. وحقق ابن أمير حاج: أن المشي الكثير أيضًا غير مفسدٍ إذا كان متفاصلا. ثم في الحديث دليل على جواز كون الإِمام أعلى من القوم، ونهى عنه عند أبي داود. قال النووي: كراهة الارتفاع إنما هي عند عدم الحاجة، فإِن كان لحاجةٍ بأن أراد تعليمَ الصلاة لم يُكره، بل يستحبُّ لهذا الحديث، وكذا إن أرادَ المأمومُ إعلامَ المأمومين بصلاة الإِمام، واحتاج إلى ارتفاع. انتهى مختصرًا.
قلتُ: وكذا في «الدر المختار» عن «الاختيار» : أنه يجوز للإِمام إذا احتاج إليه، إلا أن لي فيه ترددًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه طردُ الدين وعكسُهُ، وأما مَنْ بعدَه فلا أرى أن يُسوَّغَ له ذلك؛ لأنه ليس اليوم أحدٌ منهم يتقصرُ عليه التعليم، فليقصر عليه صلى الله عليه وسلم ولا يوسَّعُ به في حق سائر الأئمة، لأن الضرورة تحققت في حقه صلى الله عليه وسلم خاصة.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل كذلك لأنه لم يتفق لهم رؤية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قبله، إلا لمن كان في الصف الأول، فأراد أن يشاهدوا جميعَهم مرةً ليتعلَّموا صلاتَه، ويحفظوا عنه، كما هو عند مسلم:«يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتَمُّوا بي، ولتَعَلَّمُوا صلاتي» ، كأنهم قبل ذلك لم يشاهدوا صلاةَ النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أْتَمُّوا به بواسطة الصف الأول، فأراد أن يكون الجميع سواءً في رؤية صلاته والائتمام به، وهذا سائغ للشارع. أما من كان إمامًا كسائر الأئمة، فلا أرى له هذا التوسيع. والله تعالى أعلم.
ثم التَّحيُّرُ من ابن حَزْم حيث مرَّ على هذا الحديث، وادَّعى أن تلك الصلاةَ كانت نافلةً، وتمسك بالجماعة في النافلة، وشدَّدَ على من أنكرها، مع التصريح في الصحيح أنها كانت صلاةُ الجمعة. ثم لا يذهبُ عليك أنَّ الراويَ لا يذكرُ للمقتدين ههنا قراءةً، ولا يقول: فقرأ وقرأ الناس معه، وذلك لأنه لا قراءةَ في الجهرية مع الإِمام، وليست في «الأم» عند الشافعي رحمه الله تعالى، غير أن المُزَني يحكي عن الربيع روايةَ القراءة في الجهرية عن الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى، فاحفظه ولا تغفُلْ.
وابنُ حَزْم هذا كان أُجلي من بلده. من سعي المالكية، وتوفي في البرية ولم يكن معه أحد. وصنف عشرة آلاف من الأوراق، وجاء منها «المحلى» مطبوعة، وعليه حاشيةٌ لبعض غير المقلدين، وتتبَّع على أغلاطِهِ الحافظ قطب الدين الحلبي الحنفي من المئة الثامنة.
قوله: (إنما أردت)
…
إلخ وفاعله أحمد بن حنبل، لا علي بن المديني كما حرره شيخ الإِسلام بين السطور، وهو حفيدٌ لمولانا عبد الحق الدِّهلوي رحمه الله تعالى. وله حاشيةٌ على الجلالين يُسمَّى ب:«الكمالين» ، وهو أحسن من حاشية علي القاري «الجمالين» وكنت أرجُو أن تكون حاشيتُهُ لطيفةً لكونه قارئًا، فلما رأيتُها وجدتُها سطحيةً، أما في باب الأحاديث فقد رأيتُهُ يرتكب الأغلاط كثيرًا. أما حاشيةُ ذلك الحفيد فلا ريبَ أنه جيدٌ حتى أظنه أعلمُ من جدِّه.
قوله: (قال: فقلت)
…
إلخ أي قال علي بن المديني.
قوله: (قال لا) قال الحافظ رحمه الله تعالى: وهذا صريح في أن أحمد بن حنبل لم يسمع هذا الحديث من ابن عُيَيْنَة، وقد راجعت «مسندَه» فوجدتُهُ قد أخرج فيه عن ابن عُيَيْنَة بهذا الإسناد من هذا الحديث، قولَ سَهْل:«كان المنبر من أَثْلِ الغابة» فقط، فتبيَّن أن المنفي في قوله:«فلم نسمعه منه قال: لا» جميعُ الحديث لا بعضه، والغرض منه ههنا، وهو صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر داخلٌ في ذلك البعض، فلذلك سأل عنه علي بن المديني اهـ.
قوله: (سقط عن الفرس) قال ابن حبان: وهي وَاقعةُ السنة الخامسة. وقال الحافظ في المجلد الثامن: وحاصله: إنها في التاسعة. قلتُ: وهو قطعي البطلان، وأتعجَّبُ من مِثْلِ هذا الحافظ أنه كيف غَفَلَ عنه. ولعله دَعَاه إليه ذكر إيلاءِ النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الواقعة، وكان في السنة التاسعة، فجعل سقوطَ الفرسِ أيضًا فيها. والذي تحقق عندي أن قِصةَ السقوط عن الفرس وإيلاءِه صلى الله عليه وسلم واقِعَتان في عامين مختلفين، وإنما جمعهما الراوي في حديثٍ واحدٍ لجلوسِهِ صلى الله عليه وسلم في المَشْرُبة فيهما. أما في السقوط فلأن أصحابَه يجيئون لعيادته، وأما في قصة الإِيلاء فللتخلي والتجنب عنهنَّ قصدًا.
378 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِى مَشْرُبَةٍ لَهُ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَهُمْ قِيَامٌ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا» . وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ «إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» . أطرافه 689، 732، 733، 805، 1114، 1911، 2469، 5201، 5289، 6684 تحفة 811
378 -
قوله: (آلى من نسائه) وهذا إيلاءٌ لغويٌ لا شرعيٌ. قال الشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى: إن الإيلأَ اللغويَّ جَائِزٌ. واضطرب فيه الشافعية، فلعله لا يجوز عندهم. قيل: المُهَاجَرَةُ
فوق الثلاث ممنوعٌ، فكيف هاجرهنَّ شهرًا؟ قلتُ: إن المُهَاجَرَةَ إلى الثلاث مباحٌ، وأزواجُه كنَّ تسعةً أو إحدى عشرة، فحصل بضربِ التسعةِ في الثلاث شهرًا، فكأنه لم يهاجر كلهن إلا ثلاثًا، أما التناوب في المهاجرة فكان ركيكًا، فهاجرهنَّ معًا.
قوله: (يعودونه) وهذا في واقعة السقوط، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليلا في قِصة الإِيلاء. وفي البخاري عن عمر رضي الله عنه في قصة الإِيلاء، أنه قال:«صليت الفجر خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المسجدِ» ، بخلافِ قصة السقوط، فإنَّ قدمه كانت انفكت، على ما في بعض الروايات، فلم يكنْ يحضُر المسجد في تلك الأيام، وهذا كله يدُل على المغايرةِ بين القِصتين، فكيف غَفَلَ عنه الحافظ رحمه الله تعالى وجعلها في السنة التاسعة؟
قوله: (إنما جعل الإِمام)
…
إلخ وهذا يدُل على شدَّةِ الربط بين صلاةِ الإمام والمقتدي، واعتبره الحنفية رحمهم الله تعالى، بخلاف الشافعية فإنه عندهم عبارةٌ عن الاتِّباع في الأَفعال فقط، حتى إنهم جعلوا التسميعَ على المقتدي، وليس معهم في تلك المسألة عن السلف إلا رجلٌ أو رجلين. وسنعود إلى تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله: (فإذا كبر فكبروا) وقد مر مني أن الفاءَ عندهم تُستعملُ في التعقيب الذاتي أيضًا، ولا تنحصرُ في التعقيب الزماني، وحينئذٍ لا يدلُ على التعقيب في الأفعال، كما رامه الشافعية رحمهم الله تعالى، ويصدق على مذهبنا أيضًا، فإن المختارَ عندنا المقارَنةُ في جميع الأفعال. وعند الشافعية: التعقيب في جُملتها. وعند الصاحبين: المقارَنةُ إلا في التكبير والتسليم.
وروي في بعض طرقهُ: «إذا قرأ فأنصتوا» أيضًا، وعلله المحدثون، وقد كشفتُ حقيقتَه في رسالتي «فصلُ الخِطَاب» أن هناك حديثان: الأول ما في واقعة السقوط، ويرويه مَنْ كان منهم في السنة الخامسة، وليس فيه تلك القِطْعَةُ، لعدم الحاجة إليه فيه، لأنه سِيْقَ لبيانِ المشاكلةِ بين الإِمام والمقتدي، وسائرُ الأجزاءِ ذُكرت فيه تبعًا، والحديث الثاني يرويه مَنْ جاء منهم في السنة السابعة، وفيه تلك القِطعة، ويجيء بسطه أزيد من هذا.
واعلم أن صلاةَ القائمِ خلفَ القاعدِ جائزةٌ عندنا وعند الشافعية. وعند أحمد رضي الله عنه لا تجوز، بل يجب على القوم أن يقعدوا أيضًا وإن لم يكونوا مَرْضى، لأجل هذا الحديث. ثم قالوا: إن قعودَ الإِمام إن كان طارئًا يسعُ للقومِ أن يقوموا. وعند مالك: لا يجوز اقتداؤه مطلقًا. فذهب الحنفيةُ والشافعيةُ إلى نسخه، وإليه ذهب البخاري، وصرح به في موضعين من كتابه. قلتُ في جوابه: إن حاصل الحديث استحبابُ المشاكلةِ بين الإِمام والمأموم، لأن الإمامَ جُعِلَ لِيُؤتمَّ به، ولم يرد في بيان تفاصيل جواز القيام والقعود أنه متى يجوز ومتى لا يجوز، فليكله إلى الخارج كما قرره الشارعُ في موضعه.
ومحصَّلُه عدمُ ابتغاءِ الاقتداءِ بالإِمام القاعد، فإن اقتدَوا به فالمطلوبُ المشاكلةُ مهما أمكن. هذا في الحديث القولي. وأما وجه ما رواه أبو داود من واقعةٍ جُزئيةٍ، فالجواب عنه أن القومَ كانوا متنفلين؛ لأن الظاهرَ من حالهم أنهم صلوا الظهرَ في المسجد، لأنه بعيدٌ كلُّ البعدِ أن تبقى المساجدُ في تلك الأيام معطلةً عن الجماعة، ثم جاؤوا لعيادتِهِ صلى الله عليه وسلم فوجدوه يُصلي