الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأذان كان بقول عمر رضي الله، فأجاب عنه الحافظ رحمه الله: أن هذا الأذان لم يكن بالكلمات المعروفة، بل أراد به مُطْلَق الإعلام. وثَبَتَ عن بلال رضي الله عنه: أنه كان ينادي بالصلاة جامعة إلى أيام، حتى رأى عبد الله بن زَيْد رُؤْيَاه، وحينئذٍ شُرِعَ الأذان المعروف. وأيَّدَه بأثرين، وَوَجَدْتُ لهما مُتَابِعَا آخر. فهذا الشَّرْحُ هو المختار عندي، وإن نَازَع فيه العَيْنِي رحمه الله تعالى.
603 -
قوله: (فَأُمِرَ بلالٌ)
…
إلخ، هكذا يُرْوَى بصيغة المجهول في جميع الطُّرُق. وأراد الحافظ رحمه الله أن يعيِّن الفاعلَ والآمرَ مَنْ هو؟ فأتي بروايةٍ تَدُلُّ على أنه النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وعلَّلها أبو حاتم، وقال: إن هذا اللفظ وَهْمٌ، فتفكَّرْتُ فيه إلى سنين حتى تبيَّن لي حقيقةَ الحال، وهو: أن أنسًا رضي الله عنه لم يكن حاضرًا عند أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلالا رضي الله عنه بالشافعية والوِتْرِيّة، وإنما رآه فيما بعد يُوتِرُ ويُشْفِع في أذانه، فَحُمِلَ على أنه لا يمكن إلا أن يكون فيه عنده أمرٌ من جهة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلفَّ الفاعل لهذا. ولو حَضَرَ عند أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلالا رضي الله عنه وشاهده، لأَسْنَدَ إليه البَتَّة، ولكنه لمَّا لم يشاهده يأمره، وإنما هو أمرٌ فَهِمَه من عند نفسه وإن كان صوابًا، احتاط فيه، وأحبَّ أن لا يَنْسِبَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما لم يشاهده به، فأتى بالمجهول لهذا.
والغرض من هذا التحقيق أنه لو أَظْهَر الفاعل، لكان دليلا صريحًا على أن أذانَ بلال رضي الله عنه وإقامتِهِ، كان على أذان الملك النَّازِلِ من السماء وإِقَامتِهِ لكونه عِقِيْبَه بِأَمْرِه. ولمَّا لم تكن عنده مشاهدة بأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ ذاك صراحةً، وإنما شاهده يؤذِّنُ ويقيم فيما بعده بزمنٍ، فحكاه كما شاهده، أمكن أن يكونَ على خلاف شاكلته أيضًا
(1)
.
تَرْجِيْعُ الأَذَانِ وإِفْرَادُ الإِقَامَةِ
واعلم أن الكلامَ في الأذان في موضعين: الأول في كلماته، والثاني في صفته. وهي عندنا: خمسةَ عشرَ كلمةً بتربيع التكبير وحَذْفِ التَّرْجِيع، وعند الشافعية رحمهم الله تعالى: تسعةَ عشرَ كلمةً مع التربيع والتَّرْجِيع، وعند مالك رحمه الله: سبعةَ عشرَ مع تَثْنِيَة التكبير وترجيح الشهادتين. ويُرْوَى تثنية التكبير عن أبي يوسف رضي الله عنه أيضًا، كما في «الدُّرِّ المختار» .
قلت: أمّا تَثْنِيَة التكبير، فقد رُوِيَ عن أبي يوسف كما عَلِمْتَ. وأمَّا التَّرْجِيع، فصرَّح صاحبُ «البحر»
(2)
أنه ليس بسنةٍ ولا مكروهٍ، وبه أُفْتِي. وفي «ملتقى الأبحر»: أنه مكروهٌ، والصواب كما في «البحر» .
(1)
قلتُ: فافهم مَدَارِك الشيخ رحمه الله تعالى، وذُقْ أذواقه، ولا تُسْرع في الرَّدِّ والقَبُول. فإن كنتَ لا تستطيع أن تَدْخُلَ في مثل هذه الأمور من عند نفسكَ، فخُذْهَا عَمَّن رَزَقَهَا الله، فوالله إنها لعلمٌ، فلا تَمْتَرُنَّ بها.
(2)
قال في "البحر": الظاهر من عباراتهم أن التَّرْجِيعَ عندنا مباحٌ فيه، ليس بسنةٍ ولا مكروهٍ
…
إلخ. قال مولانا عبد الحي رحمه الله تعالى: والذي يَظْهَرُ لي أنه خِلَافُ الأوْلى، وعليه يُحْمَلُ القول بالكراهة، أي كراهة تنزيه. وسبقني بمثله صاحبُ "النهر"، فنشكره.
والتَّرْجِيْعُ عبارة عن خَفْضِ الشهادتين مرَّةً، ورفعها أخرى. وأمَّا التَّرْجِيْعُ بمعنى تَرْجِيع الصوت كصوت الغناء، فإنه لحنٌ ممنوعٌ، ولا شكَّ أن الأذانَ بمكة كان بالتَّرْجِيع حتى تسلسل إلى زمان الشافعي رحمه الله تعالى، فاختاره لهذا، فلا يمكن إنكاره، ولا يُسْتَحْسَن تأويله، كيف، وقد كان يُنَادَى بهِ على رؤوس المنائر والمنابر، فلا خلاف فيه عند التحقيق إلا في الأفضلية، وإن كان التأويل أيضًا ممكنًا، ذكره الطَّحَاويُّ
(1)
، وصاحب «الهداية» ، وابنُ الجوزي بثلاث عبارات، ومآلها إلى أمرٍ واحدٍ، فإن شِئْتَ، فارْجِع إليه.
قال عامة الحنفية: إن حُجَّتَنا في تَرْك التَّرْجيع: أذان بلال رضي الله عنه، وفي شفع الإِقامة: إقامة أبي مَحْذُورَة. قلت: والأجودُ عندي ما عبَّر به صاحب «الهداية» : أن حُجَّتَنا أذان المَلَك النازل من السماء وإقامته، وما في بعض طُرُقه من الإِيتار يُحْمَلُ على الاختصار ولا بُدَّ، فإنه قد ثَبَتَ عنه الشَّفْعُ، وذلك لأنه الأصلُ في الباب.
نعم، ولنا أذان بلال أيضًا، فإنه أذَّن بمحضر النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مسجده إلى عشر سنين بلا تَرْجِيع، وذلك هو أذانه بعدما رَجَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من فتح مكة شرَّفها الله تعالى، وقد كان علَّم هناك أبا مَحْذُوْرَة التَّرْجِيع، فلو كان التَّرْجِيعُ أفضل لعلَّمه بلالا رضي الله عنه أيضًا، ولكنه تَرَكَ الأَمرَ على ما كان، ولم يُحْدِث في أذانه شيئًا جديدًا، فَعَلِمْنا أن السنةَ في الأذان هي التركُ، ولعلَّه كان بمكة لكونه أليق بحالهم، إذ كان المسلمون لا يَقْدِرُون بها أن يؤدُّوا صلواتهم جِهَارًا، فكيف بالنداء؟ فلمَّا فَتَحَ اللَّهُ مكةَ نَاسَبَ أن يُعْلِنَ بالشهادتين جِهَارًا ومِرَارًا ليُعْلَمَ أن الزمانَ قد انْقَلَبَ إلى هيئته بالأمس، فاسْتَحْسَنَ فيها التَّرْجِيعَ لهذا. ولو كان التَّرْجِيعُ من سنَّة نفس الأذان لَمَا تركه في مسجده أبدًا، لا سِيَّمَا بعدما أَلْقَاه على أبي مَحْذُورَة وعلَّمه، ولكنه استمرَّ العملُ في مسجده على الترك.
وخَرَجَ منه أصلٌ مهمٌ، وهو: أن الشيءَ الوجوديَّ قد يكون من جِنْسِ العبادات كالشهادتين، ثم قد يترجَّح تركه على فِعْلِهِ، ولا يتأتَّى فيه أن يُقَال: إن الوجوديَّ عبادةٌ، فَتَرْكُه تَرْكٌ للعبادة، فلا يكون إلا مفضولا كما رأيت في التَّرْجِيع، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَّحَ التَّرْكَ. ونحوه
(1)
قال الطَّحَاوِيُّ في "معاني الآثار": فاحتمل أن يكونَ التَّرْجِيعُ الذي حكاه أبو مَحْذُورَة رضي الله عنه إنما كان لأن أبا مَحْذُورَة لم يَمُدَّ بذلك صوته على ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:"ارجع فامدد من صوتك". وأجاب عند الدَّبُوسِي في "الأسرار"، وَتَبِعَهُ الأكمل، وغيرُهُ من شُرَّاح "الهداية" من أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمره بذلك لحكمةٍ رُوِيَتْ في قصته، وهي: أن أبا مَحْذُوْرَة كان يَبْغُضُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإِسلام بُغْضًا شديدًا، فلمَّا أسلم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعَرَكَ أذنه، وقال له:"ارجع وامدد بها من صوتك"، ليعلم أنه لا حياءَ من الحق، أو ليزيده محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتكرير كلمات الشهادتين، وتعقبه العَيْنِي رحمه الله تعالى.
وأجاب عنه صاحب "الهداية": أنه صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أبا مَحْذُورَة بالتكرار حالة التعليم، ليحسن تعلُّمه، كما كان عادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه إذا علَّم أحسن في التعليم، فظنَّه أبو مَحْذُورَة رضي الله تعالى عنه تَرْجِيعًا، وفيه ما فيه. وأجاب عنه ابن الهُمَام رحمه الله تعالى: أن التَّرْجِيْعُ لم يُذْكَر في أذانه عند الطبراني في "الأوسط"، فتعارضا، وهو أيضًا مخدوشٌ، كذا في "السعاية". اهـ ملخصًا.
أقول في رفع اليدين: إنه وإن كان شيئًا وجوديًا، ونَقَلُوا في فضائلِهِ أشياء، إلا أنه يمكن أن يترجَّح تركه كترك التَّرْجِيع، فلا يُقَال: إن تركَ الرفع كيف يكون راجحًا مع كونه ترك عبادة؟ والسرُّ فيه: أن الفَضْلَ إنما هو فيما استمرَّ عليه عملُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو انتهى إليه سواء كان وُجُوديًا أو عدميًا، فإن الانتهاءَ عند النهيِ عبادةٌ كالائتمار عند الأمر، مع أنه وَرَدَ عن أبي مَحْذُورة التركُ أيضًا، والكلامُ فيه مُطْنَبٌ، تركناه لانجلاء ترجيح الترك عند المصنِّف
(1)
.
وأما صفته: فسُنَّ الوقف فيه على كلمة كلمة، غير أن التكبيرَ مرتين بمنزلة كلمةٍ واحدةٍ. والمراد من الوقف: هو الاصطلاحي، والمأثور
(2)
في كلماته سكون أواخرها. وعن المُبَرَّد: الله أكبر - بفتح الراء أيضًا - ولا تُسَاعِدُه الرواية.
ثم هذا الوقف تَرَسُّل، أي أداء كل كلمةٍ في نَفَسٍ غير التكبير هو سنةُ الأذان، فلو حَدَرَ فيه وجمع بين كلمتي الأذان، اختلف فيه المشائخ: وفي «قاضيخان» : أنه يعيده، وهو المختار عندي. وفي عامة كُتُبنا عدم الإِعادة، ثم إن محمدًا رحمه الله تعالى كَشَفَ عن معنى الترسُّل حين ناظر أهل المدينة في تثنية التكبير، فقال: إن المراد بها التثنية في النَّفَس دون الكلمات. والحَدْرُ: أن يَجْمَعَ بين الكلمتين في نَفَسٍ، فَيَجْمَعُ التكبير أربع مراتٍ في نَفَسٍ، ثم صَرَّح أن خلافَه خلافُ السُّنة.
قلت: وبه يُشْرَحُ قوله صلى الله عليه وسلم «وأن يُوتِرَ الإِقامة» ، أي الإيتار في النَّفَسِ والصوتِ، لا في الكلمات، إلا أنه يَخْدِشُهُ الاستثناء إلا الإِقامةَ، كما في بعض الروايات. وحينئذٍ يَلْزَمُ أن تكونَ السُّنةُ في لفظ:«قد قامت الصلاة» : أن يتلفَّظَ به في نَفَسَيْن، وليس كذلك، ولم يتوجَّه إلى جوابه أحدٌ.
قلت: والجواب عندي: أنه ليس باستثناء مما يُفْهَمُ من الظاهر، بل هو استثناء من مفهوم
(1)
قلتُ: ولي من عند نفسي ههنا شيءٌ:، وهو: أني لا أحْفَظُ في واحدٍ من أحاديث إجابة المؤذن الترجيعَ مع ذكر جميع كلمات الأذان فيها من الأول إلى الآخر، وأكثرها أحاديث قوليَّة، فبناؤها على الترك، ولم أرَ أحدًا تنبَّه له، فلو ثَبَتَ هذا في جميع الأحاديث لكان قويًا، وعُذْر الاختصار فيه عذرٌ باردٌ.
(2)
قال مولانا عبد الحي في "السعاية" بعدما بَسَطَ الكلام فيه: إن الحاصل فيه أربعة أقوال: الفتح كما هو مختار الدَّمَامِينِي وهو مختار صاحب "الروضة"، وتَبِعَهُ الحَصْكَفِي. والضم كما هو مختار ابن هشام في "المغني"، ومَالَ إليه القُهْسَتاني. والسكون بغير حركة على ما هو ظاهر كلام الشُرُنْبُلالي والزَّيْلَعِي. والتخيير بين أن يضم وبين أن يجزم كما نقله صاحب "البحر" عن "جامع المضمرات"، واختاره السيد الطَّحْطاوي في حواشي "الدر المختار".
والحق هو: القول الأول.
وقد صنَّف الشيخ عبد الغني النَّابُلْسِي في هذه المسألة رسالةٌ سمَّاها: "تصديق من أَخْبَر بفتح راء الله أكبر". خلاصة ما ذكره فيها: أن السُّنة أن يُسَكن الراء أو يصِلَها، فإن سكنها كفى ذلك، وإن وَصَلها نَوَى السكون فحرَّك الراء بالفتحة، فلتُرَاجَع. فإن قلتَ: لِمَا اخترتِ الفتح، فما معنى الحديث المشهور: الأذان جَزمٌ
…
" الحديث. فإنه بظاهره يُؤَيِّد ما يُسْتَفَادُ من كلام الشُّرُنْبُلالي. قلتُ: معناه: أن لا يَمُدَّ كما ذكره الرافعي، وُيؤَيِّده روايته: "جذم"- بالذال المعجمة.
فرعٌ: يقف على حيَّ على الصلاة، هكذا سُمِعَ، وكذا على حيَّ على الفلاح. كذا في "المضمرات". اهـ من باب الأذان.
الكلام، وهو أنه لا فرقَ بين كلمات الأذان والإِقامة إلا بالشَّفْعِيَّة والوِتْرِيَّة غير:«قد قامت الصلاة» ، فإنه ليس في الأذان. فالاستثناء مما يُفْهَمُ من الاتحاد بين كلماتهما، على أن المالكية حَكمُوا عليه بالإِدراج، والله تعالى أعلم بالصواب.
بقيت الإقامة، ففيها أيضًا خِلافٌ، فقال الإمامُ الأَعظمُ: إن كلماتها مثل الأذان، وقالت الثلاثةُ: بالإيتار فيها إلا بقوله: قد قَامَت الصلاةُ، وعند مالك رحمه الله تعالى: الإِقامة أيضًا مرةً. فينبغي عند مالك رحمه الله تعالى: عشر كلمات، وعند الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى: إحدى عشر كلمة، وعندنا: سبعة عشر كلمة. ولنا فيه ما رُوي عن أبي مَحْذُورَة، فإنه كان يُقِيْمُ مَثْنَى مَثْنَى. وكذلك كانت إقامة المَلَك عند أبي داود. وما في بعض طُرُقه من الإفراد، فيُحْمَل على أنه إحالةٌ على المعهود، ولا بُدَّ، لأنه واقعةٌ واحدةٌ.
وطريقُ الاختلاف مسلوكٌ كما عند مسلم عن عمر رضي الله عنه في جواب الأذان، وهو محمولٌ على الاختصار عندهم جميعًا، وهذه صورته: عن جدِّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قال المؤذنُ: الله أكبر الله أكبر، قال أحدُكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهدُ أن محمدًا رسول الله، قال: أشهدُ أن محمدًا رسول الله» ، وهكذا إلى آخر الأذان بإفراد الكلمات. على أنه أخرج الطَّحَاوِيُّ عن بلال التَّثْنِيَة في الإِقامة أيضًا، وأقرَّ به الشيخُ تقي الدين ابن دقيق العيد، ورَاجِعْ له «تخريج الهداية» للزَّيْلَعِي رحمه الله تعالى. قال الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى: ادَّعى الطَّحَاويُّ التواترَ في تَثْنِيَة الإِقامة عن بلال رضي الله عنه.
قلت: ولم أجده في «معاني الآثار» ، نعم يُسْتَفَاد منه التواتر على ترك التَّرْجِيع، فيُمْكِن أن يكون قد اختلط عليه، فكان التواترُ بترك التَّرْجِيع، فَنَقَلَهُ في تَثْنِيَة الإِقامة، إلا أن يكون في تصنيفٍ آخر له غير «معاني الآثار» ، فإن الطحاويَّ كثيرُ التصانيف، وأكبرُ ظني أنه في ترك التَّرْجِيع، والله تعالى أعلم.
وقال الشيخ نور الدين الطرابلسي
(1)
- وهو متأخِّرٌ عن الشيخ ابن الهُمام رحمه الله تعالى:
(1)
وَصَنَّفَ الطرَّابُلْسِي متنًا في الفِقْه أولًا، ذكر فيه فِقْهَ المذاهب الأربعة، غير أنه أَشَار إليهم بطريق الرمز، كصاحب "الكنز". وإن كان بين رمزيهما فرقٌ. ثم شَرَحَه ولَخَّص فيه أحاديث من كتاب الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى، وسمَّاه:"البرهان شرح مواهب الرحمن". ولا جَرَمَ أن الكتابَ مفيدٌ، ذَكَرَ فيه من الجزئيات والدلائل قدرًا كافيًا.
ويوجد في الهند مخطوطًا. وكذا الطَّيبي أيضًا يوجد، وهو أحسن الشروح باعتبار النكات العربية، وإن لم يكن "مصنفه" حافظًا. أما فضل الله التوربِشْتِي شارح "المصابيح" فمن كبار الحفَّاظ، وهو حنفي لا كما زُعِمَ.
وبالجملة: الإيتارُ جائزٌ عندنا، ومختارٌ عندهم. بقي التَرْجِيع، فهو عندنا ليس بمستحبٌ ولا مكروهٍ، وما ذُكِرَ في مُلتقى الأبحر" من الكراهة، فلا يُعْتَمَدُ عليه، والصواب كما في "البحر الرائق". وهكذا الخلاف في جهر آمين، ورفع اليدين، فإنه ليس في الجواز فإنه متفقٌ عليه كما صرَّح به السيد الجُرْجَاني الحنفي في "حاشية الكشاف"، والشيخ محمد البِرْكِلي في "تفسير سورة الفاتحة"، ونور الدين في "البرهان"، وإن قال غيرهم بكراهة الجهر. ومثله أقول في رفع اليدين، ففي "البدائع": إنه مكروهٌ، والصواب عندي كما في "أحكام القرآن": أن الخلافَ فيه أيضًا يَرْجِعُ إلى الاختيار لا إلى الجواز، كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.