الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
13 - كتاب العِيدَين
1 - باب فِى الْعِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ
948 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِى السُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» . فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» . وَأَرْسَلْتَ إِلَىَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ» . أطرافه 886، 2104، 2612، 2619، 3054، 5841، 5981، 6081 تحفة 6845 - 20/ 2
وعندنا شرائِطُهما شرائِطُ الجُمعة، وكذا تكبيراتُ التشريق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، خلافًا لصاحبيه، فإِنه يكبِّرُ في القُرى أيضًا.
948 -
قوله: (من إِسْتَبْرَقٍ) وهو الحريرُ الغليظ، ويقال للرقيق السُّنْدُس. وقد علمت أن المِلْك يعتمد على الاستمتاع في الجملة، والحريرُ جائزٌ للنِّسَاءِ فلا بَأْسَ بِبَيْعه وشرائِهِ.
2 - باب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ
949 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِىَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِى وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ «دَعْهُمَا» فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا. أطرافه 952، 987، 2907، 3530، 3931 - تحفة 16391
949 -
قوله: (جَارِيَتَانِ تَغَنِّيَانِ) وقد مرَّ معنا أن النَّظر إلى الأجنبية: وجهها وكَفَّيها يجوزُ في المذهب عند الأمن من الفتنة، ويُمْنَع عنه في الفتوى سدًّا للباب. وفي «الخارج»: أنهما كانتا تدففان أيضًا.
949 -
قوله: (فَاضْطَجَع على الفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ) وفي رواية: أنهما اتَّقَتَا الدُّفَّ لما دخل عمرُ
رضي الله تعالى عنه. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «إن الشيطانَ لا يدخُلُ فَجَا دَخَلَ فيه عمر
(1)
رضي الله تعالى عنه»، أو كما قال. واستُشْكِل أنه إذا أباح غناءهن أولا، فكيف عدَّه من الأمور المُنْكَرة التي تَحْضُرُها الشياطين آخِرًا.
قلتُ: وليعلم أن المُغَنِّي يُسمَّى مَنْ يَنْشُد بتمطيطٍ، وتكسير وتهييج، وتشويق بما فيه تعريضٌ بالفواحش، أو تصريحٌ بها. وفي الحديث الآتي عند البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها:«وَلَيْسَتَا بِمُغْنِّيَتَيْنِ» . قال القُرْطُبِي في «شرحه» : لَيْسَتَا مِمَّنْ يعرفُ الغِنَاء كما تعرِفْه المغنياتُ المعروفات بذلك. ولا أرى المُحَدِّثين يبيحون الغناءَ. أما المعازف فَنَقَل قومٌ الإِجماع على تحريمها. ونَقَل العيني رحمه الله تعالى في «شرح الكنز» عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في: باب ردّ الشهادة حُرْمَةُ التغني مطلقًا، ولي جَزْمٌ بأنه ليس نَفْيًا للأصل، بل بِحَسَب الأحوال. وأَبَاحَهُ ابنُ حَزْم، وإليه مال الغزالي في «الإِحْيَاء». ثم حُرِّر أن بعضَ المباحات تصِيْرُ صغيرةٍ بالإِصرار على نحو ما قالوا: إن الصغيرةَ تصيرُ بالإِصرار كبيرة.
قلتُ: وهو تحقيقٌ جيدٌ أَحْرى بالقَبول. وأيُّ بُعْدٍ في صيرورةِ المباح صغيرةً إذا كان بعضُ المباحات أَبغضَ عند الله تعالى، كما عند ابن ماجه:«أن أبغض المباحاتِ عند الله الطلاقُ» ، فوَصَفَ الطلاقَ المباح بكونه مبغوضًا، وحينئذٍ لا بُعْد في بلوغه مرتبةَ الصغيرة بالإِصرار.
ومن هذا الباب ما عند أببي داود: «مَنْ سَرَّه أَنْ يَتَمَثَّل له الناسُ قيامًا فليتبوأ مقعدَهُ من
(1)
قلتُ: وهكذا في قِصة لَعِب السودان، وتَزَفنِ الحبشية، ونَظَرِ عائشةَ رضي الله عنها إليهم، فإِن قلت: ما الفرقُ بين قصَّةِ عائشة رضي الله عنها حيثُ أُذِن لها أَن تَنْظُر إلى لعب الحبشية وبين قوله: "أَفَعَمْياوَانِ أَنْتُما" حينَ دَخَل ابنُ أمِّ مكتوم في بيت أم سَلَمة رضي الله عنها وأَمَرَها بالحِجاب؟ فقالت: "يا رسول اللهِ إِنه أعمى" قلتُ: أما الاعتذار بكون عائشةَ رضي الله عنها صغيرةً، أو كان ذلك قبل نزولِ الحجاب فقد ردَّهُ الحافظ رحمه الله تعالى فالوجْهُ على ما يخطر بالبالِ أن الطبائعَ السليمةَ تحكم بالفرق بين كونِ امرأة في البيت ووقوعِ نَظَرِها على الخارج، وبين كونِ رجل أَجنبي في البيت مع كونها فيه، فقِصَّةُ عائشةَ رضي الله عنها كانت فيما كانت هي في البيت، والحبشيةُ خارِجَة، وقِصَّةُ أم سَلَمة رضي الله عنها كانت فيما دخل ابنْ أم مكتوم في بيتها، ثم كان ينبغي لها أن تبتدر إلى الحجاب حين كان النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَها بذلك، ولكنها لما اعتذرت عنه شَدَّد لها في الكلام بعد المعارضة وإن كانت صورةً فإِنها فهمت أن الحجاب من الرجال حين أمكن النظر منهم إلى النساء، وبَين لها النبي صلى الله عليه وسلم أنه في الصورتين سواء، ولذا قال:"أفعمياوان أنتما، ألستُما تُبْصِرانِه". ويُعلم من كلام النووي أنه فَرَّقَ بَيْن النظر إلى الرجال قَصْدًا وبين النظر إلى الرجال تَبَعًا، وإلى اللَّعب قَصدًا، ففي الصورة الثانية يمكن صَرْف النظر عنه إن وقع بلا قَصْد. قلت: وفَرْقُ أيضًا بين إباحةِ النَّظر إلى اللَّعِب من جهةِ حُسْن المعاشرة لحداثة السن، ففيها معنى صحيحٌ، وبين النظر إلى الأجنبي أو عدم المبالاة به بعد كِبَر السن، وبالجملة القصتان تفترقان من وجوه، مع الأمْن عن الفِتنة في الموضعين، والله تعالى أعلم، وقد مر عليه الطحاوي في "مُشْكِله" -ص (116) ج (1) - فقال ما حاصله: إن حديثَ أُم سَلَمة كان بعدما ضُرِبَ الحِجاب كما هو مُصَرَّح في قصتها بخلاف قِصَّة عائشة رضي الله عنها، فإنه لا ذِكر فيه لمقدم نزول الحجاب في نِساء رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الناس وحجاب الناس عنهن، وان أمكن أن يكون بعد نزولِ نوع من الحجاب، فإنه لم ينْزِل إِلا تدريجًا حتى آل الأمرُ إلى حجابِ الأشخاص، وكذا يَحْتَمِل أن عائشة رضي الله عنها لم تَبْلغ حينئذٍ مَبْلَغ النساء فلم تلحقها العبادات.
النار». ومع ذلك ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في باب ذَهاب النساءِ والصِّبيان إلى العرس عند البخاري «أنه قام لهم مُمتنًا» . وفي نسخة: «مثيلا» . وفي لفظ: «ممثلا» . اهـ. وذلك لاختلاف الأحوال فيه. فالشيء قد يكون مِنْ آخِر مراتب الإِباحة بحيث لا تبقى بعدها إلا مرتبةُ المنع. وفيها تتجاذبُ الإباحة والنهي فيبَاحُ لكونها كذلك في نَفْس الأمر. ويُنْهَى عنه لكونِهِ يُخشى أن تَنْجَرَّ فتقع في الحرام. وأحسنُ الطُّرق وأعدلُهَا ما اختاره النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَوَّل وجهه عنه. وفي رواية: «غط» ، دلالةٌ على أنه وإن أغمضَ وسامح عنه، لكنه ليس راضيًا ولا مُتَلَذِّذًا به. فلو نهى عنه صراحةً لَفُقِدت الإباحة، ولو لم يَغْمُض عنه وَحَظِي به لارتفعت الكراهة أصلا. وهذا هو حالُ الإِباحة المرجوحة.
ولعلك عَلِمْت منه الفَرْقَ بين طريق النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر رضي الله عنه حيثُ كان طريقُه الإِغْماض، وطريقُ أبي بكر السَّخَطَ والاغتياظ، فلو سلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم طريقَ أبي بكر رضي الله عنه لَحَرَّمَ الغناء، ولم تَبْقَ منه مرتبةٌ في حدِّ الجواز. ولو فَعَل أبو بكر رضي الله عنه مِثْلَ ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لم يُسْتَحْسن منه، لأنه لا يُحرَّم ولا يَحِل بإِنكاره شيءٌ، فالأليق بشأنهِ ما يَنْسَدُّ به الباب.
وقال الشاه إسماعيل: إنه كان فِعْل الشيطان، لكن ليس كُلُّ فِعْلِه حرامًا وإن كان قبيحًا. وهو أيضًا يؤوَّلُ إلى ما قلنا آنِفًا. وحينئذٍ فالحاصل أنه فرّق بين قليل الغناء وكثيرهِ، والاعتيادِ به وعدِمه. فالقليل منه مباحٌ والإِصْرار يَبْلُغُ حَدَّ الْمُنْع، وبِمْثله الفَرْقُ في الدُّفِّ.
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لو كان بطريق الإِلهام فممنوعٌ. ثم إن الفَرْق بالقلة والكثرة شَائِعٌ: ففي فِقْهنا أنالأشربة من غير الأربعة يجوزُ القليلُ منها دون الكثير، وكذا الحرير يجوزُ بِقَدْر الأصابع الأربعة دون الكثير، وهكذا في القرآن:{إلا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفةً مِنْهُ} (البقرة: 249) فأباح الغَرْفة ومنع عمَّا زاد. ومن هذا الباب حديث الائتمام: «إنما جُعِل الإِمَامُ لِيؤتَمَّ به» ، وفيه:«إِذَا صلى قاعِدًا فصلوا قعودًا» . ليس فيه إلا أَحَبِّيةُ القعودِ وجوازُ القيام كما استقرَّ عليه الحافظ رحمه الله تعالى. وراجع مسألة القيام من «المدخل» لابن الحاج المالكي.
قوله: (مِزْمَارةُ الشَّيْطَانِ)(بانسرى)، وذكرها بطريق الإِلزام وإلاّ فلم تكن هناك مِزْمَارة.
950 -
وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا قَالَ «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ» . فَقُلْتُ نَعَمْ. فَأَقَامَنِى وَرَاءَهُ خَدِّى عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ «دُونَكُمْ يَا بَنِى أَرْفِدَةَ» . حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ «حَسْبُكِ» . قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ «فَاذْهَبِى» . أطرافه 454، 455، 988، 2906، 3529، 5190، 5236 - تحفة 16391
950 -
قوله: (بَنُو أَرْفِدَة) لَقَبٌ للحبشَةِ، ثم قيل: إنها واقِعَةٌ قبل نزولِ الحِجَاب
(1)
.
(1)
يقول العبد الضعيف: قال الحافظ رحمه الله تعالى: واستُدل به على جواز سماع صوتِ الجارية بالغناء ولو لم تكن
مملوكةٌ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنْكِر على أبي بكر رضي الله عنه سماعه، بل أنْكَر إِنْكَارَه، ولا يَخْفى أن محل الجواز ما إذا
أمِن الفتنة بذلك. اهـ. قلتُ: وهذا هو صَنِيعه صلى الله عليه وسلم مع الجائزات المبغوضة، أي الإِغماض عنها مع عدم الشركة فيه.