الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على المكروه، لما وَرَدَ علينا كثيرٌ من الإيرادات التي أوردها الخصوم لأجل هذا التقصير فقط، فإنه إذا قيل إنه صحيحٌ أو جائزٌ وَرَدَت علينا نصوصُ النهيِ فيه، فإذا قيل: إنه مكروهٌ اندفع، لأن ظاهر هذه الألفاظ تُوهِمُ انتفاء الكراهة أيضًا، فكان الأَوْلى تركه، وسيجيء توضيحه أزيد من هذا فانتظره، والله الموفِّق.
ثم ههنا دقيقةٌ تُفِيْدُك في مواضع، وهي: أن الشيءَ قد يكون جائزًا في نفسه ومحظورًا لكونه موهمًا لجانب آخر، فلا يُحْكَمُ عليه بالجواز أو بالحرمة كليًا، ولكن الأمر فيه إلى المفتي، فإن رَأَى أن الناس يتضرَّرون منه لإِيهامه خلاف المقصود، عليه أن يَمْنَعَ عنه. وإن لم يَرَ فيه ضررًا، فله أن يتركه على الجواز في نفسه على ما كان. وهذا الباب ممَّا تعرَّض إليه القرآن، بل أقامه فقال:{لَا تَقُولُواْ راعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا} [البقرة: 104]، فقول:{راعِنَا} وإن جاز في نفسه، إلا أَنَّه لمَّا أَوْهَمَ بخلاف المقصود حيث كان اليهود يَلْوُون به ألسنتهم، ويُشْبِعُون الكسر، ويقولون: راعينا، لعنهم الله - نهى عنه القرآن. فمتى ما يرتفع هذا الإيهام، يَعُودُ جوازُ الإطلاق على حاله. فالمسألة في مثل هذه الأشياء أيضًا كذلك، هكذا يُعْلَمُ من باب الحظر والإِباحة من «الكنز» .
فائدة
واعلم أن الذكر باسم الله هو الذي عُرِفَ في الشرع ذكرًا، أمَّا تكرار اسم النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم يُعْهَد ذكرًا، فلعلَّه لا يكون فيه أجرًا لذكر، وإنما طريق ذكر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتحصيل الأجر منه: أن تُصَلِّي عليه، فالثواب بالنسبة إلى جَنَابه تعالى بذكر اسمه، وإلى جَنَاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، وبها وَرَدَ الشرع. وكذلك: يا شيخ عبد القادر الجِيلانِي، شيئًا لله لم يُعْهَد ذكرًا، فلا يترتَّب عليه أجرٌ، بل هو لغوٌ يُخْشَى أن يترتَّب عليه وِزْرٌ، لا سِيَّما إذا اعْتَقَد به ما خَالَفَ الشرع، وعلا فيه وتَجَاوَز عن الحدِّ، فإنها من الكلمات التي تُوهِمُ خلاف المقصود، فَيُنْهَى عنها.
وما في بعض الفتاوى من الرخصة، فمبنيٌّ على التكلُّم به بشرط إن لم يكن مُوهِمًا بخلاف المقصود، أمَّا اليوم، فقد فَسَدَت عقائد الناس بما تَقْشَعِرُّ منه الجلود، وكادت أن تَبْلُغ الكفرَ، بل ربما جاوزت الكفر، فينبغي أن لا يُفْتَى بمثل هذه الكلمات، لئلا يَدْخُل عليهم الشيطان من هذا الباب، فَيُفْسِدُ عليهم دينهم وهم لا يعلمون. فَلْيَرَ كلُّ إنسانٍ دينه، ولا يَتَشَبَّثْ من أقوال الفقهاء بما ليس بمرادهم.
قوله: (وكان بيننا وبين قوم عقدٌ): يعني العهد، وقد كانت مدته تمَّت، وكان نُقَبَاء القوم جاءوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليتكلَّمُوا في أمرهم، فَقَسَمْنَا نقباءهم اثني عشر نقيبًا، ولا يَدْرِي كم كانوا مع كل نقيبٍ، فأكلوا كلُّهم وشَبِعُوا، وكان الطعامُ بعد قيامهم عنه كما كان حين وُضِعَ بين أيديهم.
حكاية
وكَتَبَ ابن خَلِّكَان: أن السلطان محمود كان أميًّا مَحْضَا، فأراد أن يَرَى صلاة الشافعية
والحنفية رحمهم الله تعالى، ويختار أعجبها إليه. فجاء القَفَّال الشافعيّ، وحَكَى عن صلاة الحنفية، فَطَلَب جِلْدَ كلبٍ، وألقى فيه النبيذ، ثم صلَّى يَرْكَعُ ويَسْجُد فقط، ولا يعدِّل الأركان، وإذا بَلَغَ موضع السلام حَدَثَ عمدًا، وقال: هذه صلاة الحنفية.
ثم حَكَى عن صلاة الشافعية رحمهم الله تعالى، فأَدَّاها مع التعديل كما أمره الله، فاسْتَحْسَنَ السلطانُ صلاةَ الشافعيةِ رحمهم الله تعالى وصار شافعيًا. ثم اتفق بعد زمان أن حنفيًا حَكَى عن صلاة الشافعية رحمهم الله تعالى، ويُقَال له القَفَّال أيضًا، فَطَلَبَ القُلَّتَيْنِ، وألقى فيهما أرطالا من النجاسات، ثم توضَّأ منه وصلَّى.
ولكني متردِّدٌ في هذه القصة، لأني رأيت في طبقات الحنفية: أن السلطان محمود كان حنفيًا فقيهًا، وتصانيفه تُوجَد في تلك الخطة، وطبقات الحنفية أَثْبَتُ عندي من طبقات الشافعية رحمهم الله تعالى. فتردَّدت في نقل ابن خَلِّكَان من وجوه، والله أعلم.
***