الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التواتُر لِمَا قُلْنا، لا لِمَا فُهِمَ، وكأَنَّ هذا القَائِلَ غَفَلَ عن هذِهِ النُّكْتَة، فَجَعَلَ حالَ المَنْسُوخِ كغيرِهِ بل لِمَا أَقُولُ: وهو أَنَّ اسْتِدْلالَهُمْ يَنْبَنِي على صورةِ تعبِيرِهَا وأَلْفَاظِهَا فَقَطْ حيثُ قالتْ: «فَأُقِرَّتْ
…
وزِيْدَتْ». والأمرُ في التَّعْبِيْرِ واسعٌ، ويُمْكِنُ أَنْ تكونَ الصلاةُ أربعًا، ثُمَّ نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ للمسافرينَ. إلا أَنَّ صلاةَ الحاضرينَ لَمّا كَانَتْ ضِعْفَ صَلاةِ المسافرينَ في الحِسِّ، وصلاةَ المسافرينَ على نِصْفِ صلاةِ الحاضرينَ فِيهِ، وُسِّعَ لك أنْ تقولَ: إنَّ هذه كانتْ أربعًا وتلك قصرًا، أو إنَّها كانت في الأَصلِ ركعتانِ ثم زِيْدَتْ في الحَضَرِ، فإنَّ المآلَ واحدٌ، وهو كونُ الصلاةِ في الحَضَرِ أربعًا وفي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، سَوَاء خَرَّجْتَه على ما خَرَّجَتْ عليه عائشة رضي الله عنها، أو على ما خَرَّجَهُ ابن عبّاس رضي الله عنه، فتلك أَنْظَارٌ عَبَّرَ عنها في الأَلْفَاظِ فلا تُدَارُ عليها المَسْأَلَةُ، سِيّما إذا وَرَدَتْ بالنَّحْوَيْنِ في الجَانِبَيْنِ، وهذه سبيلي أَدْعُوْكَ إليه ومن اتَّبَعَنِي، وذلك لأنَّ ابنَ عبّاس رضي الله عنه يُخْبِرُ بِخِلافِهَا، فقال:«فُرِضَتِ الصلاةُ في الحَضَرِ أربعًا وفي السَّفَرِ ركعتينِ» أخرجه مسلم. وإليه مالَ السُّهَيْلِي رحمه الله تعالى في «الرَّوْض» .
قلتُ: وقد يَخْطُرُ بالبالِ أنَّ ما رَوَتْهُ عائشة رضي الله عنها، محمولٌ على الزّمانِ الذي كان يصلى فيه الصلاتينِ فقط، الفجر والعصر، وذلك قبلَ الإِسراءِ، ولَعَلَّهُمَا كانتا إذ ذاك ركعتينِ ركعتينِ كما وَصَفَتْهَا، فَلَمَّا فُرِضَت في الإِسْرَاءِ، فُرِضَتْ ابتداءً على الشَّاكِلَةِ التي رواها ابن عباس رضي الله عنهما.
وحاصِلُهُ: أنَّ ما رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها هو حالُهَا قَبْلَ فَرْضِيَّةِ الخَمْسِ، وقد عَلِمْتَ أَنَّها كانتْ ركعتينِ ركعتينِ، وما يَذْكُرُهُ ابنُ عَبّاسٍ رضي الله عنهما هو حالُهَا بعدَ فَرْضِيَّتِهَا في الإِسْرَاءِ، ولم يكنْ بعدَهُ إلا أربعًا، فمعنى قَوْلِهَا: «فَرَضَ اللَّهُ الصلاةَ حينَ فَرَضَهَا
…
» يعني قبلَ الإِسْرَاءِ، لا يقالُ: إنّه لم تَكُنْ فَرِيْضَةٌ قَبْلَهُ صلاة، لأنّا نقولُ: إنّا لَمْ نَسْلُكْ هذا المَسْلَكَ وقد اخْتَرْنَا: أنّ الصلاتينِ كانتا فريضَتَيْنِ قبلَهُ أيضًا، فلا إِشْكَالَ علينا، وَمَعْنَى ما رواه ابنُ عَبّاسٍ رضي الله عنهما: فُرِضَتِ الصّلاةُ في الحضر أربعًا، يعني بعد ما فُرِضَتْ في الإِسْرَاءِ، وبه يَجْتَمِعُ الحديثانِ، إلاّ أنَّهُ يُخَالِفُهُ ما أَخْرَجَهُ البخاري في الهجرةِ عن عائشة رضي الله عنها قالت:«فُرِضَتِ الصلاة ركعتينِ، ثُمَّ هاجرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَفُرِضَتْ أربعًا» فَعَيَّنَتْ في هذه الرِّوَايةِ أنَّ الزِّيَادَةَ في قولِهِ: «وزِيْدَ في صلاةِ الحضر
…
» وَقَعَتْ بالمدينةِ، مع أَنّ الإِسْرَاءَ قد مضى في مَكّةَ، فلا يَصِحُّ التَّوْجِيْهُ المذكُوْرُ.
قلتُ: ويُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عنه أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ في عامّةِ الرِّواياتِ، وأَكْثَرُ أَلْفَاظِهَا ساكِنَةً عَنْ مَوْضِعِ الزِّيَادةِ أَنّها أَيْنَ وَقَعَتْ، ومَتَى وَقَعَتْ، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُوْنَ وَهْمًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ السُّهَيْلِي رحمه الله تعالى في «الرَّوْضِ الأُنُفِ» ، والله تعالى أعلم.
2 - باب وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِى الثِّيَابِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ
وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» . فِى إِسْنَادِهِ
نَظَرٌ، وَمَنْ صَلَّى فِى الثَّوْبِ الَّذِى يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى، وَأَمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
351 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَاّهُنَّ. قَالَتِ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا. تحفة 18106 أطرافه 324، 971، 974، 980، 981، 1652 - تحفة 18113
دَخَلَ المصنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى في شَرَائِطِ الصلاةِ، وصرَّحَ أنَّ التَسَتُّرَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلاةِ وَفَرَائِضِهَا، خلافًا لبعضِهِمْ حيث قال: إنّه فَرْضٌ في نفسِهِ، سنةٌ في الصلاةِ، والمُعْتَبَرُ في سترِ العَوْرَةِ عند فُقَهائِنَا أَنْ يكونَ بحيث لا يُمْكِنُ النّظرُ فيها، وما ظَهَرَ منها بالتَكَلُّفِ فغيرُ مُعْتَبَرٌ.
قوله: ({خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ}) وهذه مِنَّةٌ عظيمةٌ من المصنِّف رحمه الله تعالى على رقابِ النّاسِ.
وعلينا أنّه يَسْتَعْمِلُ القرآنَ في كلِّ مَوْضِعٍ ممكنٍ، وإنْ لم يكنْ رَاضِيَا عن إمامِنَا الأعظم رحمه الله تعالى، وأرى جماعةً من أصحابِ محمدٍ وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يروي عنها المصنِّفُ - رحمه الله تعالى في كتابه، ثم لم تَخْرُجْ مَنْقَبَةٌ من قلمهِ للأئمةِ الثلاثةِ فيا للعجب؟
واعلم أنَّ الله سبحانه لَمَا فَرَغَ من ذكرِ آدم عليه الصلاة والسلام، وقِصَّةِ نَزْعِ اللِّبَاسِ عنه، انتقل إلى مسألةِ اللِّبَاسِ والسَّتْر، وهذا الذي كنتُ أَفْهَمُهُ. ثم رأيت السُّهَيْلي رحمه الله تعالى ذَكَرَ مِثْلَ ما ذَكَرْتُ في ربطِ الآيةِ، وإنّمَا قال {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} لا: عندَ كلِّ صلاةٍ؛ لأنَّ الصلاةَ في نظرِ القرآنِ ليستْ إلا في المسجدِ، وعليه قوله تعالى:{وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَاّ وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: 54]. فالسِّتْرُ وإنْ كان لأجلِ الصلاةِ لكنَّهُ خَصَّصَهُ بالمسجدِ لما قُلنا، وليس قولُهُ {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} كنايةً عن الصلاةِ، بل المُرَادُ هو السِّتْرُ عندَ المسجدِ وإن كان لِحالِ الصَّلاةِ، سيَّمَا إِذَا كان الكفّارُ يَطُوفُونَ بالبيتِ عرايا، ففِيهِ رَدٌّ لزعمِ الجاهليةِ، فإنَّهم كانوا يَتَحَرَّجُوْنَ عن دُخُولِهِمُ المسجدَ الحرامَ في ثِيَابِهِمُ التي أَتَوْا فيها كُلَّ مُنْكَرٍ، فَهَدَاهُمُ القرآنُ إلى الأصلحِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَاخُذُوا ثيابَهُمْ عِنْدَ كلِّ مسجدٍ، ثم لا يَخْفَى عليك أنَّ سَتْرَ العورةِ واجبٌ من بَدْءِ الخَلْقِ، وإنّمَا نَزَعَ الثيابَ عن آدمَ عليه السلام تعزيرًا، ولذا اضّطَرَّ إلى سَتْرِ عورتِهِ من الأوراق.
ثم إنَّ لفظَ الزِّينةِ يَقْتَضِي أنْ يكونَ الرجلُ عندَ المسجدِ أَحْسَنَ حالا مما سِوَاه، وبيّنه الحديث والفقه، ففي الحديثِ أنّ عِمَامتَهُ صلى الله عليه وسلم كانت في صلاتِهِ سبعةَ أَذْرُعٍ، وفي الفقه أنّه يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصلّى في ثلاثِ ثيابٍ، منها العِمامة، أما تركُ العِمَامَة فليس بمكروهٍ عندي، ولم يُصَرِّحْ بالكراهَةِ أحدٌ إلا صاحبَ الفتاوى الدينية، وهو من تصانيفِ علماءِ السندِ، ولا أدري رتبةَ هذا المصنَّفِ. والمحقَّقُ عندي أنّها تُكره في البلادِ التي تُعَدُّ فيها شيئًا محترمًا، بخلافِ البلادِ
التي لا اعتيادَ لهم بها ولا اعتدادَ، فلا تكونُ مكروهةً، ثم إذا علمت أنَّ السياقَ ما قلنا لم تَبْقَ حاجةٌ إلى مفهومِ قولِهِ:{عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} .
(قوله تعالى: {مِن سَوْءتِهِمَا}) فسَتْرُ العورةِ من خصائصِ الجنَّة، ولما انكَشَفَ عورتُهُمَا هبطا إلى الدنيا، وفُرِضَ السِّتْر.
(قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}) ويَنْعَكِسُ الحالُ في المحشر، فنراهم ولا يَرَوْنَنَا والله تعالى أعلم.
قوله: (ومن صلى ملتحفًا
…
إلخ) وبَوَّبَ الطحاوي على الصلاة في الثوبِ الواحدِ، وحاصِلُهُ: أنَّ المخالفةَ بين الطرفينِ، وهو التَوَشُّح والالتِحَافُ فيما يكون سَعَةً في الثوبِ، وإلا فيُعْقَدُ على القَفَا وإلا فَفَوْقَ السُّرَةِ، والغرضُ منه استعمالُ الثَّوْبِ كلِّه في السِّتر، أما أحمد رحمه الله تعالى فحملَ الأوامرَ الواردة فيها على ظاهِرِها، حتى ذَهَبَ إلى فساد الصلاةِ لو كانت في الثوبِ سَعِةٌ فصلى فيه كاشفًا عن أحدِ مَنْكِبيه، مع أنَّ العورةَ ليست عندَهُ إلا ما في المشهورِ، وهذا لأنه لم يصرف الثوبَ في سَتْرِ جسدِهِ مع الوُسْعَةِ فيه، ولعلَّهُ ذَهَبَ إلى تأكُّدِ السَّتْرِ في غير العورةِ أيضًا والله أعلم بمراده.
ثم إن كان الثوبُ واحدًا وأدخلَ فيه يديه أيضًا يُسَمَّى اشتمال الصَّمَاءِ، واشتمالَ اليهودِ، وهو ممنوع، وفي «البحر»: أنَّ المَنْعَ فيما إذا لم يكن عليه إلاّ ثوبٌ، فإنْ كان عليه ثوبان لا بأسَ أَنْ يُدْخِلَ يديه تَحْتَهُ، لأنّهُ يُمْكِنهُ إخراجُهُما عند الضرورة بدون كشفِ العورةِ، ثم إذا كان المقصودُ التَحَرُّزَ عن هدا الاشتمالِ فالأَنفع هو التَّوَشُّحُ، لحصولِ السَّتْرِ فيه مع صرفِ الثوبِ، وإمكانِ استعمالِ اليدينِ عند الضرورة بدون كشفِ العورة.
ثم الالتحاف عندي كَشَدِّ الوَسَطِ عند الأمراءِ، وهو المعنِيّ في عقدِ اليدين تحت السُّرْةِ عندي، فإذا كان المقصودُ والمعنَى هو عقد اليدين في القيام بين يدي المَلِكِ الجبّارِ، فهو إذْنٌ عَامٌّ سواءٌ كان فوق السُّرَةِ أو تَحْتَهُ، أَما فَوْقَ الصدرِ فليس بشيء عندي، وليس العقدُ فوقَ الصدرِ في واحدٍ مِنْ كُتبِ الشافعية إلا «الحاوي» ، وفي عامَّتِهَا أنّه تَحْتَ الصدر، فهو مَحْمُولٌ عندي على المسامَحَةِ.
قوله: (ولو بشوكة) وهو مُسْتَحَبٌّ، وإلا فالنَّظَرُ إلى عورتِهِ ليس بمُفْسِدٍ عندنا.
قوله: (ولم ير فيه أذى) وهذا أيضًا دليلٌ على أَنَّهُ ذَهَبَ إلى نجاسَةِ المَنِيّ، وأَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم يعني أَنّ بعضَ الفرائض مشتَرَكةٌ في الصلاةِ والحج كسَتْر العَوْرَةِ.
351 -
قوله: (فيشهدن [المصلى]) والمرادُ منه حضورُهُنَّ بدونِ الاقتداء، ويُسْتَعْمَلُ الشهودُ في شَرِكَةِ الجماعةِ أيضًا، كما في الحديث: هل شَهِدْتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نَعَمْ، فمرادُهُ في شرِكَتِهِ الجماعةِ.
ثم إنّ الأحاديثَ الواردةَ في باب السَّتْرِ ليستْ على شرطِهِ، فأُخْرِجَ هذا الحديثُ استئناسًا فقط.