الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمسافر قَصْرُ العدد، فجاء ذِكْرهُ لكونهم مسافرين إذ ذاك، ولا تَعَلُّقَ لهذا القيد بِقَصْر المُسَافر
(1)
.
الفائدة السادسة: فيما اختاره البخاري من تلك الصفات: والظاهر أن البخاري اختار منها صِفَةَ الحنفية وكأَنَّ أقربَ الصفاتِ عنده بِنَظْم النص هي تلك. ولذا تلا الآية ثم ذَكر تلك الصفةَ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وحديثُهُ أصحُّ ما في الباب. ثم إنه لم يخرِّج صفة الشافعية في هذا الباب، وأخرجها في المغازي، وهذا أوْضَحُ القرائن على أنه اختار صفةَ الحنفية إن شاء اللَّهُ تعالى.
الفائدة السابعة: في شَرْح حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه: فاعلم أنَّ حديثَ ابن عمرَ رضي الله تعالى عنه يدلُّ على أن الطائفة الأُولى بعد الركعة انصرفت وِجَاهَ العَدُو. ثُمَّ جاءت الطائفةُ الثانيةُ ورَكعتْ مع الإِمام ركعةً ثم سَلَّم الإِمام.
وهذا القَدْر موافِقٌ لمذهب الإمام، ولا يتأتى الحديثُ على مذهب الشافعية أصلا. نعم فيه قوله:«فقام كلُّ واحدٍ منهم فَرَكعَ لِنَفْسِه» ، ففيه إبهامٌ أنهما كيف أَتَمَّا الركعة الثانية؟ والظاهر منه صِفَةُ الشروح على ما مَرَّت.
2 - باب صَلَاةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا
رَاجِلٌ: قَائِمٌ.
943 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا. وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا» . أطرافه 942، 4132، 4133، 4535 - تحفة 8456
ولا صلاة عندنا ماشيًا ولا في حال المُسَايفة. والصلاةُ ماشيًا غيرُ المَشْي في الصلاة، فلا تَخْلِط بينهما. وكان الظاهرُ من قوله:«راجلا» أن تكون صلاةُ الخوفِ جائزةً ماشيًا، لكنه لما فَسَّرَهُ بالقائم دَلَّ أنه اختار مذهب الحنفية، ولم يجوِّز الصلاةَ ماشيًا. وكذا لا تجوزُ عندنا راكِبًا إذا كانت تسيرُ دابَّتُهُ، إلا إذا كان مطلوبًا.
943 -
قوله: (عن ابن عمرَ رضي الله تعالى عنه نحوًا مِنْ قولِ مجاهد) وفيه إشكالٌ شديدٌ وإيهام نضيد. أما أولا: فلأنه لم ينقل قول ابن عمرَ رضي الله تعالى عنه ما هو. وأما ثانيًا: فلأنه عَكَس في العبارة، والظاهر «عن مجاهدَ نحوًا من قول ابن عمرَ رضي الله تعالى عنه» فإنَّ مجاهدًا
(1)
يقول العبد الضعيف: وهذا جوابٌ على طَور أصحاب الفنون الذين يحصلُ لهم العلمُ بالتعليم والتعلم، وطريقُ النبوة غيرُ طريقِهم فلم يتوجه إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم. وإنما ذَكَر لهم أنه نعمة الله عليكم، نزلت في حال الخوف فاقبلوا لا أنها نَزلَتْ على الخوف فقط، يعني أن الخوف ظرف له لا شرطٌ، فهو وقتُ نزولها لا أنه شرطٌ لها ينتفي القَصْرُ بانتفائه، والله تعالى أعلم.
تابعي، وابنَ عمرَ رضي الله تعالى عنه صحابيٌّ، فينبغي إحالةُ التابعي على قولِ الصحابي. وأما ثالثًا: فلأن ما نَقَلَهُ لا يُفَهم له معنىً، ولذا اختلف الشارحان في تحصيل مرادِه، لأنه ذَكَر الشَّرْط ولم يذكر جزاءه، فقال: عن ابنِ عمرَ رضي الله تعالى عنه نحوًا من قول مجاهِدَ.
قوله: (إِذَا اخْتَلَطُوا قِيامًا)
…
إلخ وهذا كما ترى لا يظهَرُ له معنىً، فقال
(1)
الحافظ رحمه الله تعالى: إن «قيامًا» تصحيفُ «إنما» . وحاصل مقال ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أنهم إذا اختلطوا - يعني في القتال - فإنَّما هو الإشارة بالرأس. وأما قولُ مجاهد إذا اختلطوا فإنما هو إشارةُ الرأس. ولما كان بين قول ابن عمر رضي الله عنه وقول مجاهد مغايرةٌ يسيرةٌ زاد لفظ: «نَحْوًا» من قول مجاهد، لأنه ليس لفظ الذِّكر في قول مجاهد، وإنما هو في قول ابن عمر رضي الله عنه.
وحاصله: أن الإشارةُ بالرأس تكفي عند القتال إذا تعذبت الصلاة، وتجوز الإشارة عندنا أيضًا للراكب. وجوَّز محمد رحمه الله تعالى جماعةَ الراكبين خلافًا للشيخين. وراجع التفصيل في الفقه: قلتُ: وأخرج مالك رحمه الله تعالى صفتها عن ابن عمر رضي الله عنه في «موطئه» وليس فيه ذِكْرُ مجاهد، ولا ذِكْر الإشارة بالرأس، فليحرره.
(1)
قال الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح" ص (295) ج 2: وهكذا أورده البخاري مختَصرًا وأحال على قول مجاهد، ولم يذكره ههنا ولا في موضع آخَرَ من كتابه فأشكلَ الأمرُ فيه، فقال الكرماني: معناه أَنَّ نافعًا روى عن ابن عمر نحوًا مما روى مجاهد عن ابن عمر، والمروي المُشترَك بينهما هو ما إِذا اختلطوا قيامًا" وزيادة نافع على مجاهد قوله:"وإن كانوا أكثر من ذلك"
…
إلخ - قال: ومفهوم كلام ابن بطال أَن ابن عمر رضي الله عنه قال مثل قول مجاهد، وإن قولهما مثلان في الصورتين، أي في الاختلاط، وفي الأكثرية وإن الذي زاد هو ابن عمر لا نافع. اهـ وما نَسَبَه لابنِ بطَّال بَيِّنٌ في كلامه إلا المثليةُ في الأكثرية، فهي مختصةٌ بابن عمر رضي الله عنه، وكلامُ ابن بطَّال هو الصواب، وإنْ كان لم يذكر دليله. والحاصل: أنهما حديثان: مرفوعٌ وموقوفٌ، فالمرفوع من روايةِ ابن عمر وقد يُرْوَى كُلُّه أو بَعْضه موقوفًا عليه أيضًا والموقوفُ من قول مجاهد لم يروه عن ابن عمر رضي الله عنه ولا غيره، ولم أعرف من أين وقع للكرماني أن مجاهدًا روى هذا الحديثَ عن ابن عمر رضي الله عنه، فإنه لا وجودَ لذلك في شيء من الطرق. وقد رواه الطبري عن سعيد بن يحيى -شيخ البخاري- فيه بإِسناده المذكور عن ابن عمر قال:"إِذا اختلطوا" -يعني في القتال- فإِنما هو الذكْر وإشارة الرؤوس. قال ابن عمر رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن كانوا أكثرَ من ذلك فيصلون قيامًا وركبانًا". وهكذا اقتصر على حديث ابن عمر رضي الله عنه. وأخرجه الإِسماعيلي عن الهيثم بن خَلَف عن سعيد المذكور مِثْل ما ساقه البخاري سواء، وزاد بعد قوله: اختلطوا، فإِنما هو الذِّكْرُ وإشارةُ الرؤوس. اهـ. وتبين من هذا أن قوله في البخاري:"قيامًا" الأولى تصحيفٌ من قوله: فإِنَّما وقد ساقه الإِسماعيلي من طريق آخَرَ بَينَ لفظ مجاهد وتَبَيَّن فيها الواسطةَ بين ابن جُرَيج وبينه، فأخرجه من رواية حَجَّاج بن محمد عن ابن جُرَيْج: حدثني موسى بن عُقْبة، عن نافع، عن ابن عمر بمِثْل قول مجاهد:"إذا اختلطوا فإِنَّما هو الذِّكر وإشارةُ الرؤوس".
وزاد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فإِن كثُروا فليصلوا ركْبانا أو قيامًا على أقدامهم". فتبيَّن من هذا سببُ التعبير بقوله نحو قول مجاهد، لأن بين لفظه وبين لفظ ابن عمر مغايرة. وتبيَّن أيضًا أن مجاهدًا إنما قاله برأيه لا من روايته عن ابن عمر رضي الله عنه، والله أعلم. اهـ. قلتُ: هكذا في النسخة الموجودة عندي، وهي ليست بجيدة، الظاهر أنَّ في عِبَارتِها سقطا فليصحح.