الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وههنا بحث آخر وهو أَنَّ الحُكْم إذا كان خاصًا والتعليل عامًا فهل يعم الحُكْم بعموم التعليل؟ فذهب جماعة إلى أَنَّ الحُكم يدورُ على النُّطْقِ ويَثْبُت الحُكْم فيما وراءه بالقياس، وقال جَمَاعة: إنَّ التعليلَ إذا كان عامًا فما وراء المنطوق أيضًا يكونُ داخلا في المَنْصُوصِ والنَّظر الأَوَّل يفيدُنا شيئًا، وقد يَخْطُر بالبال أنَّ قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}
…
الآية جزء العِلَّة، والجُزْء الآخر منها أنهم يَدْخلون في المسجد الحرام زاعمين أنَّه من حقهم وحقّ آبائِهم بخلافِ المساجد الأخرى، فإنَّها بناها أهل الإِسلام فلا يرون فيها حقًا، فنهاهم الله أن يَدْخلوا فيه، وصدع أَنْ لا حقَّ لهم فيه كما في سائر المساجد، وإنَّما المساجد لله، وحينئذٍ حكم عدم القُرب يَتَفَرَّع على هذا المجموع، وذا لا يوجد إلا في المسجِد الحرام، فلا يكون الحُكم إلا عليه، ويَبْقَى سائر المساجد خارجة عنه.
بقي البحث في أنَّ التَّعْلِيل بجُزْء العِلَّة يجوز أم لا؟ فصرح الغَزَالي أنَّه يجوز، فلو كان التَّعليل بالجُزْء جائزًا لخرجنا عن عُهدة النَّص رأسًا برأس. قلت: والفْصَلُ فيه أَنَّ الإِضافةَ على العِلَّة إن لم يَسْتَوْجِب رِكَّة في النَّص فهو جائزٌ وإلا فمحل تردد.
فإن قلت: إذا كانت العِلَّة مجموعُ الأمرين فَلِمَ اقتصر على أحدِهما؟ قلت: لا بأس بالاقْتِصَارِ على الأدخل منهما، وأهل العُرف لا يراعون الطَّرْد والعكس، بل يَذْكرون ما يكون أدخل في الحكم، والأدخل ههنا كونهم مشركين، أما كونهم داخلين بالدَّعْوَى والزعم المذكور، فهو وإنْ كان مؤثِّرًا أيضًا لكنَّه دونَه فَحَذَفَه اعتمادًا، ثُمَّ أقول إنَّ تسميتَه بِتَخْصِيص العِلَّة أولى من التعليل بالجُزْء، وتَخْصِيص العِلَّة جائزٌ، وهذا كله بَحْثٌ مني فليحرر على الأصول. ولك أَنْ تقول إنَّ الآيةَ مجمَلة فلحق نداء عليّ رضي الله عنه بيانًا لها، وذلك لأنَّهم قالوا: إنَّ الإجمال إنَّما يأتي إما من جهة غَرَابَة اللفظ أو ازدحام المعاني، وليس ههنا واحدٌ منهما، نعم إنْ كان الإِجمال بحسب مرادِ المتكلم أيضًا فذلك هو المراد ههنا، كمال قال الحنفية في آيةِ المسيح إنها مجملة، وأنت تعلم أَنْ لا إجمال فيها إلا بحسب مرادِ المتكلم. أما أن مراد المتكلم هل يجب أن يُساوي مدلول اللفظ، فقد بسطناه في المقدمة.
83 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ فِى الْمَسَاجِدِ
470 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِى الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِى رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِى بِهَذَيْنِ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا. قَالَ مَنْ أَنْتُمَا - أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تحفة 10442
471 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِى حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى
سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى «يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، يَا كَعْبُ» . قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قُمْ فَاقْضِهِ» . أطرافه 457، 2418، 2424، 2706، 2710 - تحفة 11130
وفي «المرقاة» أَنَّ الجهرَ في المسجد ولو بالذكر حرام، ونَقَل عن مالك رحمه الله أنَّ احترام النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أيضًا كما كان في حياته.
وفي البيهقي عن أنس وصححه ووافقه الحافظ في المجلد السادس «أنَّ الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون» . أَشْكَل عليهم مراده، فإنَّ الروح نفسها حياة لا فناء لها سواء كانت رُوح الكافر أو المؤمن، فالأرواحُ كلها أحياء، فما معنى كون الأنبياء أحياء؟ فاعلم أنَّ تلك الأحاديث لم تَرِد في بيان حياة نفس الرُّوح ومدتها، لأنَّ حياتَها مفروغة عنها بل في تعطلها عن الأفعال وعدمه، وحينئذٍ معناه أن أَرْوَاح الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام ليست بمعطلة عن العبادات الطيبة والأفعال المباركة، بل هم مشغولون في قبورهم أيضًا كما كانوا مشغولين حين حياتهم في صلاةٍ وحج، وكذلك حال تابعيهم على قدر المَرَاتِب بخلاف من كان مُعطَّلا عنها في حياته، فإنَّه يكون معطَّلا في قبره أيضًا {وَمَن كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الأخِرَةِ أَعْمَى} وإلى هذا أشار بقوله: يُصلون، فَذَكَر لهم عبادة ليُنبه على معنى حياتِهم فهم يُصلُّون ويحجون في قبورهم، ويفعلون أفعال الأحياء، فهم أحياء بهذا المعنى، وهذا عُرف عام يقال للمعطَّل عن الأفعال إنه ميت وإنْ كان حيًا، فَعُلِم أَنَّ أَصْلَ الحياة عبارة عن أفعالها، وحقيقة الموت (عبارة) عن التعطُّل عنها. على وزان قولهم: إنَّ العِلْمَ حياة، والجهلَ موت، ومن ههنا انحل حديثٌ آخر رواه أبو داود في رد رُوْحِه صلى الله عليه وسلم حين يُسَلَّم عليه صلى الله عليه وسلم ليس معناه أَنَّه يَردُ روحه أي أنه يَحيى في قبره، بل تَوجُّهُه من ذلك الجانب إلى هذا الجانب، فهو صلى الله عليه وسلم حي في كلتا الحالتين بمعنى أنَّه لم يطرأ عليه التعطُّل قَط، لكنَّه كان مستهلِكًا في التوجه إلى حضرة الربوبية، فإِذا سُلِّم عليه رُدَّ عليه روحه بمعنى شَغَلَهُ بذلك الجانب الذي كان معطَّلا عنه قَبْلَه.
ثم الحياة فيها مراتب لا يعدها عاد ولا يحصيها محصىٍ، فحياةُ الأنبياء أعلى وأتم، وحياةُ الصحابة دونَها ثُمَّ، وثم بخلاف الكافِر، فإنَّهُ مَيْت في قبره بمعنى أنَّه معطَّل عن جميع الخيرات، ليس له غير الويل والثُبور لا بمعنى فناءِ روحِهِ ولذا قال تعالى:{لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 13] أمَّا أَنَّهم لا يموتون، فلأن الأرواحَ لا فَنَاءَ لها ولا موت، وأمَّا عدمُ حياتِهِم فلانْتِفَاءِ أفعالِ الأحياء عنهم، وأَفْعَالُ الأحياء هي الخيرات والحسنات، دون الفسق والفجور، كما في الأحاديث:«إن الذكر حياة، والذاكر حي، والغافل عنه ميت» ، وروى الدَّيْلَمِي أن النبي صلى الله عليه وسلم أَنْشَد مرة قول القائل:
*ليس مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيِّتٍ
…
إنَّمَا المَيّتُ مَيتُ الأحياءِ
وما تتصرف الأرواح الخبيثة مِنَ الأفعالِ الخبيثة فلا يُسمى أفعال الحياة، وليست تلك إلا أشياء البركة، ولذا قررتُ فيما مرَّ أَنَّ قوله:«لا تتخذوها قبورًا» محمولٌ على الحس، وهو أيضًا