الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لصيانة الدين فقط، لئلا يَدْخُل فيه ما ليس منه، فما درَسُوا به وما رَسُوا، حتى خفَّ التعامُلُ في نظرهم، مع أنه الفاصل في الباب عندي. ولا استفتاح عند مالك رحمه الله تعالى، ونقل عنه أبو بكر ابن العربي: أنه كان يَسْتَفْتِحُ بنفسه، ولا يأمر به الناس.
قلت: وحينئذٍ صار حاصله الاستحباب عنده. واستدلَّ بقوله صلى الله عليه وسلم «كانوا يَفْتَتِحُون الصلاةَ بالحمد لله رب العالمين» . واستدلَّ منه الحنفيةُ على الإسرار بالتسمية، فأجاب عنه الشافعيةُ: أن الحمدَ لله اسم لتلك السورة، فمعناه أنهم كانوا يَفْتَتِحُون الصلاةَ بتلك السورة، والتسميةُ جزءٌ منها فلم يَثْبُت إسرارها. وأجاب عنه الحافظ الزَّيْلعِي: أن الآيةَ بتمامها ليست اسمًا للسورة، وإنما اسمها «الحمد» فقط. ثم إن التسميةَ سنةٌ عندنا في ظاهر الرواية، وواجبٌ في روايةٍ، ورجَّح الشيخ السيد محمود الآلُوسي وجوبها.
744 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً - قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً - فَقُلْتُ بِأَبِى وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ «أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِى مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» .
تحفة 14896
744 -
قوله: (يَسْكُتُ بين التكبير وبين القراءة إسْكَاتَةً)، واتفق الثلاثةُ على أن السكوتَ كان للاستفتاح، فجاء البيهقيُّ وتمسَّك منه على أن السكوتَ يُطْلَقُ على القراءة سِرًّا أيضًا. وحينئذٍ يجوز أن يكونَ الأمرُ بالإنصات محمولا على القراءة سِرًّا.
قُلْتُ: لَمْ يُطْلَقْ السكوتُ ههنا على القراءة سِرًّا كما فُهِمَ، بلْ مراده من السكوت: هو سكوته عن التكبير، فهو باعتبار ما قبله لا ما بعده. وهذا على نحوِ ما يقوله أهل العُرْف: قال فلان كذا، ونقل فلان كذا، وسَكَتَ عليه، أي لم يُرِدْه وإن تكلّم بعده، فلم يَصِحَّ النظير.
قوله: (اغسل خطايايَ بالماء والثلج والبَرَد). قال ابن دقيق العيد: معناه أن الناس يَعُدُّون الثلجِ والبَرَد باطلا، فاصرفه يا ألله في غسل خطاياي، وقال آخرون: إن هذه الأشياء فيها قَرٌّ، فَأُحِبُّ أن يُطْفِأَ بها حرّ خطاياه، وحاصله: أن اطفِ حرَّ خطاياي بقَرِّ هذه الأشياء.
90 - باب
745 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ،
ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ «قَدْ دَنَتْ مِنِّى الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدَنَتْ مِنِّى النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَىْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ - حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لَا أَطْعَمَتْهَا، وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ» . قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ «مِنْ خَشِيشِ أَوْ خُشَاشِ الأَرْضِ» . طرفه 2364 - تحفة 15717 - 190/ 1
لم يُتَرْجِم فيه بشيءٍ، ثم أخرج حديث الكسوف وتعدُّد الركوع فيه، ولعلَّه قَطَعَ النظر عن الاستفتاح إشارةً إلى مذهب مالك رحمه الله تعالى، ولذا تصدَّى إلى بيان الأذكار، وحَذَفَ دعاء الاستفتاح من الترجمة. ثم أخرج حديثًا فيه: أنه قام طويلا، وركع طويلا، وسجد طويلا، فاندرجت فيه الأدعية، وقد جاءت مفسَّرة في الخارج في عين هذا الحديث.
بقيت مسألة تعدُّد الركوعات، فاعلم أنه صَحَّ عنه ركوعان في «صحيح البخاري» و «الموطأ» لمالك، والروايات قد بَلَغَت فيه إلى خمس ركوعات، كما عند أبي داود، ورواية الثلاث عند مسلم، فذهب النوويُّ إلى حَمْلِها على تعدُّد الوقائع، وهو باطلٌ قطعًا، فإن الكسوفَ لم يقع في عهدِ صلى الله عليه وسلم إِلا مرةً يوم مات إبراهيم عليه السلام، كما حقَّقه المحمود شاه الفرنساوي في رسالته. وقد نقل فيها الحساب القمري إلى الحساب الشمسي، وفي ضمنها عيَّن أعداد الكسوف في زمنه صلى الله عليه وسلم وعيَّن وقته، فلم يحقِّق فيه إِلاّ كُسُوفًا واحدًا.
أما خسوف القمر، فهذا الفاضل يكتب فيه شيئًا، وهو في السنة السادسة، كما في «صحيح ابن حِبَّان» . ثم إنه غَلِطَ في موضعٍ، حيث أنكر النَّسِيءَ عند العرب، مع أنه ثابتٌ عنهم، فيكون في السنة عندهم ذو الحجة اثنين، هو شائِعٌ في مشركي أهل الهند أيضًا، وهكذا كان عند العرب، وقد أنكره هذا الفاضل وليس بصحيح، فاعلمه.
والحاصل: أن المحقَّق أنها واقعةٌ واحدةٌ فقط، وركع النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيها ركوعين. أمَّا روايات الثلاث والخمس فكلُّها معلولٌ، كما قاله ابن دقيق العيد، فإنها عند التحقيق آثار الْتَبَسَتْ بالمرفوع. ووجهُ الاجتهاد في تعدُّد الركوع عندهم أنهم لمَّا رأوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم زَادَ على ركوعٍ واحدٍ، ثَبَتَ عندهم جنسُ الزيادة، فحملوه على الجواز بقدر الحاجة.
ولنا ما عند أبي داود: «فإذا رأيتموه، فصلُّوا كأحدث صلاةٍ صلَّيتموها» - بالمعنى - وأقرَّ بصحته أبو عمر. ووجه التمسُّك منه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا صلَّى بهم صلاةَ الكسوف وركع فيها ركوعين، ثم لم يقل: صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي، أو: مثل صلاتي هذه، بل أَحَالَها على أحدثِ صلاةٍ وهي الفجر، فَعُلِمَ أنه وإن كان ركع فيها بنفسه ركوعين، لكن الذي عَلِمْنَاه هو أن نصلِّي بها على شاكلة صلاة الفجر في عدد الركعات والركوع، لأنه لو أراد كذلك لم يكن ليتركَ الأقربَ عند التشبيه واختار الأبعدَ، فإنه كما قيل: جعل البديهي نظريًا. ولكان الأحسن والأسهل حينئذٍ أن يُقَال: صلُّوا كصلاتي هذه. كذا كان يقرِّره شيخي المحمود، ثم جاء «البدائع» مطبوعًا، فرأيت فيه نحوه عن أبي عبد الله البَلْخِيّ، وهو من كِبَار الحنفية.
745 -
قوله: (هِرَّةٌ)، والتاء فيه للوَحْدَة دون التأنيث. ثم إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رآها في جهنم، وإن