الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
132 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ
808 -
حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلاً لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ مَا صَلَّيْتَ - قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. طرفاه 389، 791 - تحفة 3344
قال الحافظ رحمه الله تعالى: إن حديث ابن بُحَيْنَة المُعَلَّق ههنا ظاهره وجوب التفريج المذكور، لكن أخرج أبو داود ما يَدُلُّ على أنه للاستحباب، وهو حديث أبي هُرَيْرَة رضي الله تعالى عنه:«شكا أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له مَشَقَّةَ السجود عليهم إذا انْفَرَجُوا، فقال: اسْتَعِينُوا بالرُّكَب» . وترجم له بالرخصة في ذلك، أي: في تركِ التفريج. قال ابن عَجْلانِ - أحد رواتهِ: وذلك أن يَضَعَ مِرْفَقَيْهِ على رُكْبَتَيْه إذا طال السجود وأعْيَا. وقد أخرج الترمذيُّ الحديثَ المذكورَ، ولم يقع في روايته:«إذا انفرجوا» ، فترجم له: ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود، فجعل محل الاستعانة بالرُّكَب لمن يَرْفَعُ من السجود طالبًا للقيام. واللفط مُحْتَمِلٌ لِمَا قَال، لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تُعَيِّنُ المراد. اهـ.
قلتُ: شرح أبي داود مرجوحٌ عندي، أمَّا شرح الترمذي فله وجهٌ. وحاصله على ما نقله الحافظ: أن المرادَ من الاستعانة بالرُّكَب: الاستعانةُ عند النهوض من السجود، دون الاستعانة بالمِرْفَقَيْن حال السجود، لكن لفظه عندنا هكذا: باب الاعتماد في السجود. وظاهرُه رَاجِعٌ إلى شرح أبي داود، لكن لمَّا نقل عنه الحافظ ما يَدُلُّ على الاعتماد حين القيام، نَاسَبَ أن يُؤَوَّل في النسخة التي بأيدينا أيضًا، بأن يُقَالَ: معنى الاعتماد في السجود: الاعتماد في القيام من السجود. ثم هذا التأويلُ لا يجري فيما أخرجه الترمذيُّ من متن الحديث عندنا، لأن فيه:«أن أصحابه اشتكوا مَشَقَّةَ السجود عليهم إذا تَفَرَّجُوا، فقال: استعينوا بالرُّكَب» . وهذا يَدُلُّ على أن الشِّكَاية كانت في حال السجود، لا في حال القيام من السجود
(1)
.
وأخرجه الطَّحَاوِيُّ في باب التطبيق في الركوع، وليس فيه لفظة:«إذا تفرَّجُوا» . ولذا وَسِعَه أن يَحْمِلَهُ على الاستعانة بالرُّكَب في الركوع على خلاف التطبيق. فتحصَّل من المجموع ثلاثة شروح: الأول للترمذيِّ، وحاصلُه على لفظ الحافظ: اسْتَعِينُوا بالرُّكَب عند القيام من السجود لئلا يَشُقُّ عليكم التفريج. والثاني للطَّحَاوِيِّ: أي اسْتَعِينُوا بالرُّكبِ في الركوع بالقبض عليها - على خلاف التطبيق - مخافةَ أن تَسْقُطُوا. والثالث لأبي داود: أي اسْتَعِينُوا بالمرافق في حال السجود خَشْيَةَ أن تَتْبَعُوا ولا يحتمل لفظ أبي داود غير هذا الشرح، بخلاف لفظ الترمذيِّ،
(1)
قلتُ: إن ترجمة الترمذي لا تُوجَدُ عندنا على ما نقله الحافظ رحمه الله تعالى. كذلك متن الحديث أيضًا ليس عندنا على اللفظ الذي نقله، لأنه قال: إن لفظ: "إذا انْفَرَجُوا" لم يقع في روايته مع أنه واقعٌ عندنا كما عَلِمْتَ والفرق بالانفعال والتفعُّل لا يُجْدِي، فالحديث على ما نقله يُطَابِقُ ترجمته عند الحافظ رحمه الله تعالى بدون تأويلٍ. وأمَّا إذا كان لفظُ الحديث كما هو عندنا، فلا يُطَابِقُ إلَّا الترجمة التي في نسختنا، إلَّا أن يُؤَوَّل في الحديث والترجمة كليهما، وحينئذٍ، يكون مآله إلى النسخة التي عند الحافظ رحمه الله تعالى.
فإنه وإن كان على اللفظ الذي عندنا، لكنه يحتمل أن يُرَادَ فيه من الاستعانة: الاستعانةُ عند القيام، كما مرَّ منا تأويله.
قلتُ: وقد تكلَّم عليه الطَّحَاوِيُّ عند بيان التفقُّه فيه بما يَدُلُّ على أنه أدرك سرَّ الصلاة. فقال ما حاصله: إن بُنْيَة الصلاة تُبْنَى على المُرَاوَحة، والتفريق بين الأعضاء، والمجافاة والتفرُّج بينها، وعدم استعانة بعضها من بعض، وعدم اعتماد أحدها على الآخر، فإنه أَمَرَ في القيام بصف القدمين وهو تفريقُهما. وكذلك في السجود بأن يُؤَدِّيه على سبعة آراب، ومآلُه هو التفريقُ بينها، وعدمُ استعانة بعضها ببعض، وهو محطُّ التفريج. فإذا كان الحال في القيام والسجود كذلك، فينبغي أن يكونَ في الركوع أيضًا مثله، فَيُفَرِّقُ بين الأيدي ولا يُطْبِقُ، لأنه أيضًا نوعُ استعانةٍ ولعَمْرِي هو كلامٌ في غاية المتانة.
فإذا كان الأمر كما حرَّره الطَّحَاوِيُّ، فلعلَّهم ما كانوا يَسْتَعِينُون في صلواتهم بالرُّكَب عند الخرور إلى السجود، والرفع منه، كما نقل عن ابن عمر رضي الله عنه فإنه لم يكن يستعين بالركب عند الذهاب إلى السجود ولا عند القيام منه، وكان يذهب إلى السجود ويرفع عنه كذلك بدون استعانة من الركب وحينئذٍ فالظاهر أن شكايتهم كانت في العسر في الخرور والرفع كذلك فرخَّص لهم في ذلك: أن يَسْتَعِينُوا بالرُّكَب.
فالصوابُ عندي أن الحديثَ محمولٌ على الاستعانة بالرُّكَب عند النهوض، وعند الخُرُور إلى السجود، ولا يأباه إلا لفظ التفرُّج عند الترمذيِّ. ويمكن شرحه: أن المراد من التفرُّج في السجود: هو عدم الاعتماد، وعدم الاستعانة عند القيام منه، والذهاب إليه كذلك. مع أنه ليس عند الطَّحَاوِيِّ، وهو الذي رَامَهُ عمر رضي الله عنه من قوله، كما عنده:«أَمِسُّوا» فقد سُنَّت لكم الرُّكب»، فإن لفظَ الإمساس ناظرٌ إلى ما قلنا. وعند الترمذيِّ عنه: إن الرُّكَب سُنَّت لكم، فخذوا بالرُّكَب». ورواه البيهقي بلفظ:«كنا إذا رَكَعْنَا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا، فقال عمر: إن من السُّنَّة الأخذ بالرُّكَب» .
ولفظ عمر رضي الله عنه هذا، ولفظ المرفوع:«استعينوا بالرُّكَب» بمعنى، فليس هذا الاستعانة في السجود أصلا كما ضرح أبو داود. ثم يُسْتَفَادُ من الحديث أن تلك الاستعانة رُخْصَةٌ، ومعنى الرَّخْصَةِ فيه ظاهرٌ. ولذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يُطْبِقُ بين يديه عملا بالعزيمة، ونحوه عن عليّ رضي الله عنه أيضًا. فالطعنُ عليه تَعَسُّفٌ، على أن الأُسْوَةَ عنده صلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكان طَبَّق فيها. وقد عَلِمْنَا من عادات الصحابة رضي الله عنهم: أنه إذا اتفق لهم أمرٌ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم دَاوَمُوا عليه، وذلك غيرُ قليلٍ منهم.
والحاصلُ: أن الطَّحَاوِيَّ أخذ الاستعانةَ بالرُّكَب عند الذهاب إلى الركوع، وأخذها الترمذيُّ عند النهوض من السجود، وأخذتهما عند الذهاب، وعند النهوض كليهما، فإن العُسْرَ فيهما على السواء. وإنما حَمَلَني على ذلك الشرح تفقُّه الطَّحَاويِّ، وترجمة الترمذيِّ على ما نقلها الحافظُ رحمه الله، فهو الشرح للحديث عندي، ولا بحثَ لنا عن ترجمة الترمذيِّ. فليكن