الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله تعالى ليس في المشرق والمَغْرِب قِبْلَة، بل هي مأخوذةٌ منه فليحمله عليه أيضًا، وما النَّكِرُ فيه وما البُعْدُ؟ ثم إنَّ الحديث وإنْ وَرَدَ في الغائطِ والبولِ، لكنَّه لم يَكُنْ عنده فيه حديث غيره، فَأَخَذَ ترجمته منه، وهذا غيرُ نادرٍ في كتاب المصنِّف رحمه الله تعالى.
وأما ما رواه الترمذي عن أبي هريرة «ما بين المشرق والمغرب قبلة» . وحسَّنه وصححه، فمعناه كما ذكره ابن عمر رضي الله تعالى عنه:«إذا جَعَلْت المغرب عن يمينك، والمشرق عن يسارك، فما بينهما قِبلة، اسْتَقْبَلْتَ القِبلة» ، وما ذكره ابن المُبَارَك أنه قِبلة لأهل المشرق، فمؤوَّل بأنَّه ليس المرادُ من أهلِ الشرق كلَّهم، بل أهل بُخارى وسَمَرْقَنْدَ وبَلْخ، لأنَّ بلادَهم في مَشْرِقِ الصيف، وقِبْلَتَهُمْ بين مَغْرِبِ الصيف ومشرق الشتاء، فحينئذٍ صح قوله:(ما بين المشرق) أي: مشرق الشتاء (والمغرب) أي: مغرب الصيف قبلة، وإلا فظاهره غيرُ مستقيم.
30 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].
395
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِى امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. أطرافه 1623، 1627، 1645، 1647، 1793 - تحفة 7352
396 -
وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. أطرافه 1624، 1646، 1794 - تحفة 2544
395 -
قوله: (وقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة) ومرادُهُ أنَّه ليس عندي صريح النهي، فدعوا الاحتمالات، واقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وفيه تعريضٌ إلى ابن عباس رضي الله عنهما، ومذهبه: أنَّ المُفْرِدَ بالحجِّ إذا لم يَكُنْ عنده هديٌ يَنْفَسِخ حَجُّهُ بمجرَّدِ رؤيتهِ البيتَ، ويصيرُ عمرة فلو وقف بعرفةَ ولم يَدْخُل مكةَ، ولم يَنْظُر إلى البيت، صح حجه، فإذا طاف لِعُمْرَتِهِ جاز أَنْ يَقْرَبَ امرأتَهُ قَبْلَ سعيه لها خلافًا للجمهور في المسألتين، فأجاب ابنُ عمر رضي الله عنه إشارةً، وجابرٌ رضي الله عنه صراحةً، وقال: لا يَقْرَبنَّها حتى يَطُوف بين الصفا والمَرُوَة، يعني لا يجوز له التَّحَلُّل قَبْلَهُ، ولا يجوز الجماع إلا بعده.
397 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَيْفٍ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قَالَ أُتِىَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلَالاً قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَسَأَلْتُ بِلَالاً فَقُلْتُ أَصَلَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِى الْكَعْبَةِ قَالَ نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِى وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ. أطرافه 468، 504، 505، 506، 1167، 1598، 1599، 2988، 4289، 4400 تحفة 7400، 2037 - 110/ 1
397 -
قوله: (دخل الكعبة) وهذا في فتح مكة، ولم يَعْتَمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرة، ودَخَلَها بدون إحرام، وهذا أيضًا من ماصدقات قوله:«وأحلَّ لي ساعة من النهار» عندنا.
قوله: (فسألتُ بلالا رضي الله عنه والمشهور عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه أنَّه قال: «نسيت بلالا أَنْ أسألَهُ كم صلى» . قال الحافظ رحمه الله تعالى: والاعتماد على ما رُوِيَ عنه في المشهور، ويُحْتَمَل أنه ذَكَرَ رَكَعتين ههنا أخذًا بالمتيقن، لا أنَّه ذكر بلالا رضي الله عنه. ثم إنَّ بلالا رضي الله عنه يُثبت الصلاةَ ويَنْفي التَّكْبِير، على عكس ابنِ عباس رضي الله عنهما. وجمعهما المصنف رحمه الله تعالى فَأَثْبَت الصلاةَ على رواية بلال رضي الله عنه، والتكبيرَ على حديث ابن عباس رضي الله عنهما، لأنَّ قولَ المُثْبِت أولى.
وتتبعت الفقه للتكبير في البيتِ، فلم أرَ أحدًا منهم صَرَّحَ به، مع ورودِهِ في الأحاديث. قلتُ: وقَدْ كَانَ يَخْطُر بالبالِ وجه آخر في دفع التعارض بين حديثِ بلالٍ رضي الله عنه، وابن عباس رضي الله عنهما بأن يقال:
إن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها في حَجَّةِ الوداع أيضًا، فيُحْمَل النفي والإِثبات على تَعَدُّد الواقعتين، إلا أنَّ المُحَدِّثين ذهبوا إلى الترجيحِ دون التَّطْبيق. وفي «تاريخ الأَزْرَقي»: أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الصلاةِ في البيت فقال: «فيه صلاة، إلا أنَّها ليست ذات ركوعٍ وسجودٍ، بل هي تكبيرٌ، وتسبيحٌ، واستغفارٌ من غيرِ قراءةٍ، كصلاةِ الجَنَازة» . ففيه دليل على نفي الفاتحة في صلاةِ الجنازَةِ عند ابنِ عباس رضي الله عنهما على خلافِ ما فَهِمَه الشافعية رحمهم الله تعالى، وقد كان يَتَبَادرُ إلى ذهني أنَّ التَّكْبِيرَ في البيت لعله يكونُ برفع الأيدي كالتحريمةِ كما يقوله الشافعي رحمه الله تعالى عند رؤية البيت. ونفاه الطحاوي، وكما قاله الحنفية رحمهم الله تعالى عند استلامِ الحَجَر.
ثم تتبعتُ ما كان ابنُ عباس رضي الله عنه يَفْعَلُ في صلاةِ الجنازَةِ فَظَهر أنَّه لم يَكُن يَرْفَعُ فيها إلا عِنْدَ التحريمةِ، وحينئذٍ أَمْكَنَ أَنْ لا يكونَ الرَّفْعُ عند التكبيرِ داخلَ البيت أيضًا، ولم أجد عليه روايةً صريحة، وأما مشايخُ بَلْخ منَّا، فذهبوا إلى الرفعِ عند التكبيراتِ في صلاةِ الجَنَازَةِ. وسَنَحَ لي بالرفع عند الاسْتِلام أَنَّ الرَّفْعَ في الصلوات لاسْتِقْبَالِ البيت.
398 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا دَخَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ دَعَا فِى نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِى قُبُلِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ «هَذِهِ الْقِبْلَةُ» . أطرافه 1601، 3351، 3352، 4288 - تحفة 5922
398 -
قوله: (هذه القبلة) إشارة إلى المجموع. وتَمَسَّكَ به المالكيةُ على عَدَمِ جوازِ الفَرِيضةِ داخلَ البيتِ لإِمكان استقبال المجموع.
ولنا فيه مجال وسيع.