الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ». وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. أطرافه 134، 1542، 1838، 1842، 5794، 5803، 5805، 5806، 5847، 5852 - تحفة 6925، 8432
366 -
قوله: (أسفل من الكعبين) وسأل هشامٌ محمدًا رحمه الله تعالى عن الكعبين، فأجابه: أنه العظم النابت ومَعقِدُ الشِّرَاك، وكان فسَّره في باب الحج ثم نقلَ تفسيره في الوضوء، وهو باطل، وهشامٌ هذا هو الذي نَزَلَ عنده محمد رحمه الله تعالى حين دخل الرَّي.
10 - باب مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ
367 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِىَ الرَّجُلُ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ. أطرافه 1991، 2144، 2147، 5820، 5822، 6284 - تحفة 4140
واعلم أن المصنفَ رحمه الله تعالى كثيرًا ما يستعملُ في تَرَاجِمِهِ «ما» و «مِنْ» كما ترى ههنا. والشارحونَ قد يجعلون «مِنْ» وأخرى تبعيضية، وراجع الفرقَ من الرّضي، فإنها لو كانت بيانيةً لاطَّردَ الحكمُ على جميع مدخُولِهَا وإلا لا. وجعلتها تبعيضيةً في جميع الأبواب لتكونَ شاكلتُهَا في كلها سَوَاء.
فإن قلت: كيف يستقيم التبعيضُ في ستر العورة؟ قلت: العورة لغةً: هي ما يُستحى منه، فيستقيم فيها التبعيض أيضًا. ثم اعلم أن العورةَ عندنا من السرة إلى الرُّكبة. وعند مالك رحمه الله تعالى هي أصل الفخذ دون سائرها. وقد مر مني أنه من باب إقامةِ المراتب، وهذا الباب كثيرٌ في الفقه.
ففي «الفتح» في باب الجمعة: أن الجمعةَ فريضةٌ وآكدُ من الفرائض الخمس، فأقام المراتبَ بين الفرائض أيضًا، وجعلَ بعضَها آكدُ من بعض. وإنما صرح به الشيخ ابن الهُمَام لمسألة ذكرها في القُدُورِي وهي: من صلى الظهرَ في منزلِهِ يوم الجُمعة قبل صلاةِ الإمام ولا عُذْرَ له كُرِه له ذلك وجازت صلاتُهُ، ويُتوهَّمُ منها عدمُ فرضية الجمعةِ عندنا، فصرَّح بأن الجمعة فرضٌ قطعيٌّ عندنا، بل آكد من سائر الفرائض.
وكذلك في «البحر» : أن الفاتحةَ واجبةٌ والسورةَ أيضًا واجبةٌ، إلا أن الفاتحةَ أوجبُ، فهذه نقولٌ تدُل على عِبرة المراتب عندهم، وهذه هي الحقيقةُ التي سرت عليها مسألة ستر العورةِ، والاستقبال، والاستدبارِ، والنواقضِ الخارج من السبيلين وغير السبيلين، ومسِ المرأة، ومس الذكر.
وقد مرَّ ذكرُهَا في الأبواب السابقة مُفصلا، فرأسُ الفَخِذِ عورةٌ أيضًا، كما أن أصلها عورةٌ، إلا أنها أخفُّ بالنسبة إلى الأصل، ولذا تجدُ فيها الدلائل في الطرفين، فبعضها يدُل على
أنها عورة، وبعضها يدلُ على أنها ليست بعورة، بخلاف أصل الفخذ فإنك لا تجدُ دليلا يُشعر بعدم كونها عورة.
وكأني أريدُ أن الاختلافَ في الأدلة قد يكونُ من جهةِ الشارع قصدًا، ولا يكون من الرواة، وهذا حيث يريدُ صاحبُ الشرع بيان المراتب، فإذا لم تكن عنده مراتبُ في جانب الأمرِ أو النهي لم تعط مادةٌ تدلُ بخلافه، وإذا كانت فيه مراتب بعضها أخفُّ من بعض وأرادَ فيها توسيعًا يؤديه بعرْضِ الكلام ولا يأخذه في الخطاب، لأنه لو أخذه في الخطاب فات الغَرَضُ وهو العمل، فإنه إنما يبقى ما دام الإجمال، وإذا جاء التفصيلُ ذهبَ العملُ، ولذا نرى العوام قد يسبقونَ على العلماءِ في العمل، فإنهم لا يفرِّقون بين الفرائض والسنن والنوافل، فيؤدُّونَها على شاكلةٍ واحدةٍ.
وأما الذين يعلمون أن النوافلَ في طوعه كلما شاء فعل، وإذا لم يشأ لم يفعل، فإنهم تفترُ هِمَمُهم، وتتقاعدُ عَزَائِمُهُم، فَيُفْقَدُ العمل. فإذا كان حالُ التخفيف في الخطاب ما قد علمتَ، ولم يكن بدٌّ من بيان حقيقة الأمر أيضًا، احتاج إلى التنبيه عليه بنحوٍ من أنحاء الكلام وجوانبه وأطرافه، بدون أخذِهِ في العبارة وطريقهُ أن تَرِدَ الدلائل في الطرفين، فيوجدُ الاختلاف ولا يحصلُ الجزمُ بجانب فيخِفَّ الأمر، وهذا أيضًا نحو بيانٍ إذا لم يَرِد التصريح به.
وهذا الذي أراده صاحب «الهداية» حين قَسَّمَ النجاسة إلى الغليظة والخفيفة، حيث قال: إن التخفيفَ إنما يثبت عند أبي حنيفة رضي الله عنه بتعارُضِ النصين، وعند أبي يوسف رضي الله عنه باختلاف الصحابة والتابعين، فنظر أبو حنيفة رضي الله عنه إلى تعارض الأدلة، فجاءت المراتب عنده من حيث قَطْعيَّةِ الدليل وعدمها، ونظر صاحباه إلى التعامل، لأنه شيءٌ فاصل في الباب، بخلاف الأدلة فإنها موارد للاحتمالات.
إلا أن صاحب «الهداية» قرر الخِفَّة لتعارض الأدلة. وأقول: إن تعارضَ الأدلة لأجل الخِفة في نظر الشارع. فأدَّاها بهذا الطريق، لا أنه اتفقَ تعارضُ الأدلة باختلاف الرواة، فأورث خِفةً فيها، بل تلك النجاسات بحقائقها كانت خفيفةً بالنسبة إلى الدم مثلا، فأراد التنبيهَ على الفرق بينهما، فلو صرَّح به لتهاون بها الناس، مع أن المطلوب التوقي منها، فأدَّاها بإِعطاء المادة للطرفين، ليتردد فيه النظر ويَخِف الأمر مع بقاء العمل. وعلى هذا وَسِعَ لي أن لا أتأول في أحدٍ من الأحاديث التي وردت في هذه الأبواب على خلاف مذهبنا واكتفي بالمراتب.
وأقول: إن أصل الفخذ عورة ولكن أمرها أشد من رأسها، وكذلك الاستدبار، وإن ورد به حديث ابن عمر رضي الله عنه، لكنه لا يثبتُ به، إلا أنه أخفُّ بالنسبة إلى الاستقبال أو الصحراء، وهكذا النواقض كلها كما دلت عليها الأحاديث، إلا أنَّ أمرَها أخفُّ مما ذهب إليه الحنفية رضي الله عنهم، فافهمه بعين الإنصاف وإمعان النظر، ينفعك في مواضع لا تُحصى.