الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويَتَبَادَرُ من كلام الشارحين أن في ذهنهم تعدُّد الرفع في القَوْمة في هذا الحديث، وحنيئذٍ لا بُدَّ للعمل به من بيان صورة، ولكنه لم يتوجَّه أحدٌ منهم إلى أنه ماذا تكون صورة العمل به في الخارج أمَّا أنا فقد أن الرفعَ فيها واحدٌ بالعدد، فهل ثَمَّ داعٍ أو مجيبٍ إذن.
وكذلك في الباب حديث عند ابن ماجة
(1)
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفعُ يديه عند كل تكبيرة»
…
الخ، وأعلَّه كلُّهم، وما ذلك إلا لأنهم فَقَدُوا به العمل، ولم يستطيعوا أن يَعْمَلُوا بكلِّه، فاضْطَرُّوا إلى الإعلال. وتبيَّن لي شرحُه بعد مرور الأزمان وتقليب الأجفان: أن المراد من الرفع هو انتقال اليدين من مكانٍ إلى مكان، أي كانت يداه تنتقل من مكانٍ إلى مكانٍ عند كل تكبيرةٍ.
فإن قلتَ: إن الرفع بهذا المعنى لا حاجة إلى ذكره، قلتُ: كلا بل أراد به الرَّاوي أن يفهرس الرفع، ومَنْ جنسه الرفع المختلف فيه وإن تغيَّرت شاكلته، واستفدتُ منه مهمةً أخرى وهي: أن شعارَ التكبير هو الرفعُ، فإذا كبَّر رَفَعَ، وحينئذٍ صار تعرُّضه إليه مهمًا جدًا، وراجع له «نيل الفرقدين» وفي التوراة لمَّا وَقَعَ الحَرْبُ بين موسى عليه الصلاة والسلام وبين العَمَالِقَة، لم يَزَلْ موسى عليه الصلاة والسلام داعيًا رافعًا يديه حتى كادت الشمس تَسْقُطُ، فَثَقُلَت يداه وسَقَطَت، فجاءه هارون عليه الصلاة والسلام، فأمسكها أن تسقط قبل الفتح. وبالجملة هذا الفهرس كفهرس عدد التكبيرات في بعض الأحاديث، وليس من البديهي المُسْتَغْنَى عنه.
84 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ
736 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ فِى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِى السُّجُودِ. أطرافه 735، 738، 739 - تحفة 6979 - 188/ 1
والحديث وإن مرَّ من قبل أيضًا، لكنّ المصنِّف رحمه الله تعالى دَخَل الآن في المسألة المشهورة
(2)
. وأعلم أن الأحاديثَ الصِّحاح في الرفع تَبْلُغُ إلى خمسة عشر، وإن سَلَكْنَا مَسْلَك
(1)
قلت أخرج البخاري في كتابه في رفع اليدين عن الهزيل بن سليمان قال سألت الأوزاعي قلت: يا أبا عمرو ما تقول في رفع الأيدي مع كل تكبيرة وهو قائم في الصلاة قال ذلك الأمر الأول اهـ.
(2)
يقول العبدُ الضعيفُ: ولقد أَجَلْتُ الأفكارَ في هذا المِضْمَار، ورُضْتُ الخيولَ، وخُضْتُ السيولَ وحَدَّقْتُ الأحداقَ، وقلَّبْتُ الأوراق، فلم أجد إلَّا أن كلًّا منهم يريد أن يَعْدِم الآخر، ويجعله كالأمس الدابر، وليس بفاعل. فيأتي شافعي ويُرِيكَ كأنَّ التركَ شريعةٌ مستحدثةٌ لا أثرَ لها ولا خبر، ويأتي حنفي فيُوهِمُكَ كأنَّ الرفعَ شريعةٌ منسوخةٌ، والكلام فيه جِدَالٌ بلا ثمر، ولعَمْرِي إنه لطمعٌ في غير مطمعٍ، وتصوتٌ في غير مسمعٍ. =
الإغماض، فإلى ثلاثة وعشرين. ولنا: حديثُ ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا، ومرسلٌ آخر
= وها أنا أريدُ الآن أن ألقي عليك شيئًا تاريخيًا ينبِّهك على ما وَقَعَ فيه من الإفراط والتفريط، لخَّصْتُه من رسالة الشيخ المسماة بـ:"نيل الفرقدين لرفع اليدين". ومن الإحساسات اللطيفة للشيخ ما تَقِر عينكَ، وترِيح نفسك وتُثلِجُ صدركَ، وتضيء بدركَ. واصفَحْ عن الكلام في الأسانيد، فإنه قليل الجدوى في هذا المقام، فقد بلوتهم أنهم يُسَامِحُون عند الوِفَاق، ويُمَاكِسُون عند الخلاف، وهذا كما تَرَى لا يكفي ولا يشفي، فإنْ كان بكَ شغفٌ به فارجع إلى رسالة الشيخ تغنيك بالإصْبَاح عن المِصْباح.
واعلم أن الرفع متواترٌ إسنادًا وعملًا، ولم يُنْسَخ منه ولا حرفٌ، وإنما بقي الكلامُ في الأفضلية كما صرَّح به أبو بكر الجَصَّاص في "أحكام القرآن"، والحافظ ابن تيمية في "فتاواه" وفي "منهاج السنة" وابن القيم في "الهدي" وأبو عمر في "التمهيد" على ما فَهِمه صاحب "مباني الأخبار"، وكانت قِطعة منه عند الشيخ.
وأمَّا الترك، فإن لم يكن متواترًا إسنادًا لكنه متواترٌ عملًا، ولا ريب فقد كان أهل الكوفة كافة على الترك، كما قال ابن نصر. ولفظه كما في تعليق "الموطأ" نقلًا عن "الاستذكار":"لا نعلمُ مِصْرًا من الأمصار تَرَكوا بإجماعهم رفعَ اليدين عند الخفض والرفع إلَّا أهل الكوفة". اهـ. وهذه العبارة كما تَرَى اسْتَوعَبت كل أهل الكوفة، فكُفينا عُهْدَة استقرائهم، ويُفْهِمُ أن غير الكوفة تاركون أيضًا، وهكذا نَقَلَه في شرح "الإحياء". وهو أصل عبارته. ونقله الحافظ رحمه الله في "الفتح" هكذا: قال محمد بن نَصْر المَرْوَزِي: أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك أي رفع اليدين - إلَّا أهل الكوفة. اهـ. وهكذا نَقَلَه الشَّوكَاني في "الدراري المضيئة"، فتحرَّفت العبارة وانْخَرَمَ المراد.
ثم إن أهل الكوفة تعلموه من ابن مسعود وعليِّ رضي الله عنهما، وكانت الكوفة معسكرًا في زمن عمر رضي الله عنه، فلعله وَرَدَ فيها ألوفٌ من الصحابة رضي الله عنهم. وفي "فتح القدير" في باب المياه: إن القَرْقِيسَة نَزَل فيها ستمائة من الصحابة رضي الله عنهم، وهي قرية من الكوفة، فإذا وَرَدُوا القرية الصغيرة مثله، فاقدر حال الكوفة. وعند الدُّولَابي في "الأسماء والكنى": أنه نَزَلَ في الكوفة ألف وخمسمائة من الصحابة رضي الله عنه، وهو محمول على نحو من الاعتبار، وإلَّا فقد وَرَدوا فيها أضعاف ذلك لِمَا عَلِمْت أنها كانت دارًا للعسكر في زمن عمر، فليس عملهم بهيِّن، وكذا كثير من التاركين كانوا في المدينة في عهد مالك، وعليه بَنَى مختاره. وأمَّا أهل مكة، فكان أكثرهم يرفعون وتعلَّموه من ابن الزُّبَير، وكان يرفع وعليه بَنَى الشافعي مذهبه.
والذي يَظهَرُ أن الأمرَ في الرفع والترك في عهد الخلفاء كان على الإرسال والإطلاق، فمَن شَاءَ رَفَعَ، ومَن شَاء تَرَكَ، ولم يُعَنِّف منهم التارك على الرافع، ولا الرافعُ على التارك. ولو جَرَى البحثُ فيه، وظَهَرَ الخلاف في زمن الخلفاء لا نفصل. وهل يَلْصَقُ بالقلب أنه وَقَع فيه البحث في زمن أبي بكر رضي الله عنه، ثم لم ينفصل شيء، ولم يَثبُت قدمٌ في نحو الصلاة حتى فَصَله ابن الزُّبَير رضي الله عنه، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، عند وفاة أبي بكر رضي الله عنه، فحقّقه، وحينئذٍ حَصْحِصِ الحق، وتخلَّص الأمر عند الخلاف. بل الأمرُ أنهم كانوا في خِيَرة منه حتى اعْتَنَى به بعضٌ من الصغار، وتنوَّهوا به كابن الزبير في مكة، وابن عمر في المدينة. وذلك في سَجِيَّةِ الصغار أنهم يَعْتَنُون بأمورٍ يسيرة ولا يعتني بها الكبار.
أَلا ترى أن ابن الزبَير كان يَجْهَرُ بالتسمية، ومنه تعلَّمه أهل مكة، فاستمرُّوا عليه إلى زمن الشافعي، مع أنه لم يكن في عهد الكبار. وكذا جَهْرُ آمين أخذوه منه، مع أن أكثر الصحابة والتابعين كانوا على الإسرار، كما ذكره "الجوهر النقي" عن ابن جرير. وكذا كان ابن الزُّبَير يؤذِّن ويُقِيم للعيدين، كما ذكره الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح"، وكان يُرسِلُ يديه كما في "المغني"، فذقه. =
في «التخريج» للزَّيْلَعي فقد ثَبَتَ الأمران عندي ثُبُوتًا لا مردَّ له ولا خلاف إلا في الاختيار،
= وكذلك ابن عمر رضي الله عنه كان يتحرَّى بالاتفاقيات أيضًا، وكان يرمي بالحَصَى مَنْ لم يرفع في صلاته، فهل تراه أمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أو خلفاؤه بذلك، ولكنه كما قُلْنا من الاعتناء بأمور ثم التزامها بالجد والشدة، فهوَّن عليك الشأن، واعرف أن الصغار إنما يتعلَّمون الدينَ بالمشاهدة، كما هو دَأبُهم في التعلُّم إلى يومنا هذا، وكذلك كل أهل البلاد يتعلَّمونه من علمائها مشاهدةً وتوارثًا طبقة بعد طبقة، لا أنهم يكون عندهم خصوصُ سؤالٍ فيه، ثم الإنسان فُطرَ على أنه إذا بَلَغَه أمرٌ أول مرة فاختاره، واعتاد به، لا يتحمَّل خلافه. ثم الناس على أنحاء بين حديدٍ وليِّن، وشديد وهيِّن، فَتَحدُث تلك المبالغات. ومن هذا الباب: رمي ابن عمر رضي الله عنه بالحصى، ثم ماذا كان يريد به، فإن أراد به التنبيه عليه، فإنهم لم يطيعوه على ذلك ولم يذوقوه كذوقه، بل بقي عندهم على الإباحة لا غير.
ومن هنا ظَهَر وجهُ ما رُوِي عن ابن الزبَير، عن أبي بكر بإسناد إلى رب العالمين:"أنه كان يرفع يديه"، فإن أصله: هو تعلُّم ابن الزُّبَير من أبي بكر نفس الصلاة، لا خصوص رفع اليدين. وإنما رَفَعَها من علَّمه، ثم جاء بعده ممن اختار الرفع، فألحق رفعه أيضًا بهذا الإسناد زعمًا منه أنه صلى خلف أبي بكر رضي الله عنه. فلعلَّه حقَّق منه الرفع أيضًا، مع أنا نجد في غير واحدٍ من الأحاديث أنه يكون عندهم من صفات الصلاة، أو من وضوئه صلى الله عليه وسلم شيء، ثم يريدون تعليمها، فيقولون: أَلَا أريكم صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو وضوءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون عندهم إلَّا جزءٌ منه.
وهكذا فليعتبره ههنا، فإن ابن الزُّبَيْر رضي الله عنه لمَّا تعلَّم الصلاةَ من أبي بكر رضي الله عنه -ومعلومٌ أن أبا بكر رضي الله عنه تعلَّمها من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك هو من جبريل، وهو من خالق السماوات والأرضين- أَسْنَدَ من جاء بعده رفعه أيضًا بهذا الإسناد، وإن كان رفعه من علمه فقط، وليس هذا تلبيسًا وتخليطًا، وإنما يكون الأمر عندهم كذلك في الواقع، وإنما حققته أنا من القرائن. فانصف من نفسك: أن هذا الإسناد -أعني أبا بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله جل مجده- هو إسناد الدين جملة أو إسناد رفع اليدين، خاصة، فكأن الرواة أرادوا بذلك الإسناد أن ما عند ابن الزُّبَير لا يكون إلَّا سنة من النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه تعلَّم الصلاةَ من أبي بكر، وحاله معلومٌ، وهل يحتاج مثل أبي بكر أن يقول: صليت خلف النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ وأين كان يُصَلِّي دونه، وإنما يَحتَاجُ مَن يُسْتَبعَدُ صلاتَه خلفه صلى الله عليه وسلم، أو تكون قد وقد، نعم لو قَالَ أبو بكر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعُ، واقتصر عليه لكان له بعض اتجاهٍ، ولكن وَصْله إلى رب العالمين مما لا يُعْقَل عنه، فإذن هو إسناد الدين المحمدي، ألْحَقَه بالرفع أيضًا ممن اختاره بعدُ اهتمامًا به.
يقول العبدُ الضعيفُ: وهذا نحو ما رواه الترمذي في مناقب أنس رضي الله عنه: حدَّثنا ثابت البُنَاني قال: "قال لي أنس بن مالك: يا ثابت، خُذْ عني فإنك لن تأخذَ عن أحدٍ أوثق مني، إني أخذته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل، وأَخَذَه جبريل عن الله عز وجل" - فلا رَيْبَ أن ذلك هو إسناد الدين كلِّه دون إسناد الرفع بخصوصه.
ثم إنك قد عَلِمْتَ أن التساؤلَ عن الرفع والترك لم يجر في زمانه، وإنما توَّجهت الأذهان إلى الخلاف فيه في زمن الصغار، فلا يكون ذكرُ هذا الإسناد من أبي بكر، ولا من ابن الزبير، وإنما هو ممَّن نَقَلَ رفع ابن الزُّبَيْر، ثم أراد تقويته، وقد عَلِم تعلُّم صلاته من أبي بكر، فذَكر هذا الإسناد اكتفاءً بإسناد الدين، فدَعْ عنك التسلسل في العَنعَنَة، وخُذ بما يَقَعُ في الشاهد في أخذ أهل، البلاد من علمائها طبقة بعد طبقة، صغارهم من كبارهم، لا سؤالًا جزئيًا، لا سِيَّما فيما لم يقَعْ فيه الاختلاف بعد.
والحاصلُ: أن الإسناد من أبي بكر
…
إلخ، هو إسنادُ الدين عندي لا خصوص الرفع، ثم إنا لا نُنْكِرُ أن يكون قد رَفَعَ ولو مئات من المرات، وإنما الكلامُ في النقل عنه بالطريق المذكور، وينبغي أن يلخص أنه ليس عند الكوفيين عن أبي بكر رضي الله عنه شيءٌ، ولعلَّه ليس عند غيرهم أيضًا ما يكون ثابتًا عندهم، وعندهم عن عمر أثبت مما عند خصومهم. وقد وَافَقَنَا على ذلك ابن بَطَّال أن عمله كان على الترك، ولم يَثْبُت عنه الرفع، وهو أبلغ ممَّا قاله الطَّحاويُّ: ثَبَتَ ذلك أي الترك عن عمر. =
وليس في الجواز. فما في «الكبير» شرح «المنية» ، و «البدائع»: أنه مكروهٌ تحريمًا، متروكٌ
= ومن القرائن التاريخية الدَّالة على ذلك: أن الأسودَ قد صَحِبَه سنتين، هو وعلقمة قد ذهبا إليه لتعلُّم الصلاة منه، ثم استمرَّا على الترك كما في "الإتحاف". وبمثل هذه القرائن قال الطحاويُّ: ثَبَتَ ذلك عن عمر، وكذا عندهم عن عليّ أثبت ممَّا عند خصومهم، وعليه دَرَجَ أصحابه، ولا حقَّ لأحدٍ في الكلام فيما نَقَلُوه عنه أهل الكوفة، لأنه كان بين أظهرهم.
يقول العبدُ الضعيف: ولذا لم يذكرهما الترمذي من الرافعين فإن عمر وعليًّا رضي الله تعالى عنهما، لو ثَبَتَ عنهم الرفع لصرَّح بأسمائهما. نعم، وهما أحق بذلك لو ثَبَتَ عنهما كذلك.
وأمَّا علم ابن مسعود رضي الله عنه فهم فيه منفردون لا يشاركهم فيه أحدٌ، وفي تعليق "الموطأ" نقلًا عن "الاستذكار": "لم يُرْوَ عن أحدٍ من الصحابة تَرْكُ الرفع ممن لم يختلف عنه فيه إلَّا ابن مسعود رضي الله عنه وحده اهـ. فإنه لم يُرْوَ عنه إلَّا الترك وجملة الأمر: أن أهل الكوفة فَاتَهم التحقيق عن أبي بكرٍ، ثم حقَّقوه من عهد عمر رضي الله عنه إلى عهد عليّ رضي الله عنه، ثم استقرُّوا واستمرُّوا عليه ولم يبالوا بغيرهم، وهو الذي يجيبونه عند التساؤُل، فخذ هذا ملخصًا، فقد وقع في المبحث بخسٌ كثيرٌ، يُهَوِّلون بسرْد أسماء من علَّلوه، لأنه لم يخترْه فقط.
وليس من الإنصاف أن يُقتَصَرَ في الباب على نُقُول الشافعية رضي الله عنهم، فإن للمالكية أيضًا شَطرًا من العلم والنقل به. هذا ما سَمَحَتْ به إلى الآن حال السلف، وما هم فيه وبعدُ، فإِن كلَّهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلام الهدى لم يَقْصُدُوا بتلك المبالغات إلَّا التمسُّك بسنة نبيهم، والعضَّ عليها بالنواجذ، فبأيهم اقتديتم اهتديتم. وإنما أردنا بذلك بيان تحامُل الخصوم علينا، فإن ابن عمر رضي الله عنه وأمثاله أراد إحياءَ سنةٍ، وهؤلاء همُّهم في إعدام الحنفية عن صفحة الواقع، وليس بدَأبٍ صحيحٍ، فإن الصحابة رضي الله عنهم إذا اختلفوا في أمرٍ، فالجانبان حقٌّ وصوابٌ، وإخمالُ جانبٍ أو إعدامه بنحو لحن في الحُجَّة رقمٌ على الماء لا غير، فمن رَفَع فهو على حقٍ وسنةٍ، وكذلك من تَرَك ولا لومَ عليه، ولا عنفَ، ولا شيءَ إذا كان لهم أيضًا في السلف قدوةٌ، ونسأل الله التوفيق وسبيل السداد، فإن بعضَ من لا فقه لهم في الدين لمَّا رأوا ابن مسعود رضي الله عنه يَترُك الرفع، جعلوا يَطعَنُون عليه، ويَقْدَحُون فيه، ولا يدرون أنهم بصنيعهم هذا يَهْدِمُون بنيان الدين، فإن نحو ابن مسعود رضي الله عنه لمَّا صار مطعونًا عندهم، والعياذ بالله، فممَّن يأخذون الدين من بعده اللهم أحينا على حبِّك، وحبِّ رسولك وحب آله وأصحابه والمسلمين أجمعين، وأمتنا عليه، ولا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ.
وبعد ذلك، فانظر إلى المحدِّثين وما صَنَعُوا فيه فلا تَجِدهم أيضًا خَلَصُوا من المبالغات، حتى لم يتركوا فيه تاريخًا صحيحًا ونقلًا واضحًا غير مخايل وقرائن. ففي "الأم": قلتُ للشافعي: خالفكَ في هذا غيرُنا، قال: نعم بعض المشرقيين، ثم قال: وجُل أهل المشرق يذهبون مذهبنا في رفع الأيدي ثلاث مرات في الصلاة، فخالفتم مع خِلافكم السنة أمر العامة من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقال: قلت: هل رووا فيه شيئًا؟ قال: نعم ما لا نُثبِتُ نحن ولا أنتم ولا أهل الحديث منهم مثله، وأهل الحديث من أهل المشرق يذهبون مذهبنا. ففي العبارة الأولى: أن جُلَّ أهل المشرق يذهبون مذهبه، وفي هذه العبارة: أن أهل الحديث منهم هم الذين يذهبون مذهبه، لا كلَّهم ولا جلَّهم. وكذا في "الفتح" عن "جزء البخاري": أنه لم يَثبُت عن أحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يَرفَع يديه اهـ.
ولا يتم له ذلك، فقد نَقَلَ خليفته الإمام الترمذي العملَ بكلا النحوين، فقال بعدما أخرج حديث ابن مسعود في تركه: وبه يقول غير واحدٍ من أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سُفْيَان الثوري، وأهل الكوفة. اهـ. =
عندي. نعم، إن كان عندهما نقلٌ من صاحب المذهب، فهما معذوران، وإلا فالقولُ بالكراهة
= وكذا بَالَغَ فيه ابن المُنْذِر، وقال: لم يختلف أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه. ومن هذا الباب ما قال الفَيْرُوز آبادي في "سفر السعادة" بعدما سَاقَ الكلام على إثبات الرفع في المواضع الثلاثة: ورُوِي عن العشرة المبشَّرة أنه صلى الله عليه وسلم لم يَزَل على هذه الكيفية حتَّى رَحَلَ عن العالم. فردَّه العلامة السِّنْدِهي في رسالته "كشف الرين": بأن ما نقله الفَيرُوز آبادِي عن العشرة المبشرة في دوام فعله صلى الله عليه وسلم الرفع إلى وقت وفاته، فلم يصحَّ فيه حديثٌ فضلًا عن رواية العشرة. نعم، وَقَعَ ذلك في روايهٍ واحدةٍ عن ابن عمر مذكورةٍ في "سنن البيهقي" لكن سندها غير صحيح، ومن ادَّعى صحته وصحة غيره، فعليه البيان. اهـ.
وقد أصلَحَ الشيخ رحمه الله تعالى عبارته شيئًا، وما قال في "سفر السعادة" بعده: وقد صحَّ في هذا الباب أربعمائة خبرٍ وأثرٍ. اهـ. فباطلٌ لا أصلَ له أصلًا، فقد رأيت حالهم في المبالغات، وما فعلوا من تكثير القليل، وتقليل الكثير. ثم ذَهَبُوا يعدِّدون أسماء الرَّافعين، فعدَّهم في "الفتح" خمسين نفرًا من الصحابة، وتَتَبَّعتهم، فوجدت أن فيهم من كانوا يَرْفَعُون عند الافتتاح فقط أيضًا. وفي عبارة "الاستذكار" أنهم ثلاثة وعشرون، ونحوه في كلام الشوكاني، فقد سَقَطَ منه نحو النصف، ونقل في "التخريج" من كلام البيهقي نحو خمسة عشر بأسانيد صحيحة يُحتَجُّ بها، وفي بعضها أيضًا كلامٌ، فبقي نحو اثني عشر، فذهب في المبالغات نحو ثلاثة أرباع، وبقي نحو الربع، وحَصَلنا من الخمسين على نحو اثني عشر. وإن أخذنا بلفظ: كل خَفْض ورَفْع"، فعدد الرفع أزيد منهم، هذا في أسماء الصحابة.
أمَّا الأحاديث، فَخَلَصَ منها نحو خمسة أو ستة: حديث علي رضي الله عنه، مع اختلاف في ذكر الرفع والساكتون أثبت. وحديث ابن عمر رضي الله عنه، ومالك بن الحُوَيرث رضي الله تعالى عنه على وجوههما. وحديث وائل رضي الله عنه على اختلاف في ألفاظه. وحديث أبي حُمَيْد رضي الله تعالى عنه على اختلاف في الذكر وعدمه.
وحديث جابر رضي الله عنه. ونحو هذا العدد من الجانب الآخر أيضًا، هذا حال المحدِّثين وما هم فيه، وراجع لتفصيله الرسالة. ولعلَّك قدَّرْتَ من هذه الجملة: أن غاية أُمنِية الخصوم أن لا تبقى للحنفية مُسْكة في الدين، ويأبى الله ورسوله إلَّا أن يكون الناسُ كلُّهم في فُسْحَة ووُسْعَة من الدين.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: بلى قد ثَبَتَ عندنا تركه عن عمرٍ، وعليّ، وابن مسعود، وأبي هريرة، وابن عمر، والبراء بن عازب، وكعب بن عُجْرة رضي الله عنهم، عملًا أو تصديقًا منه، وعن آخرين ممَّن لم يذكر أسماءهم ولم يُعَيَّنُوا، ومن التابعين عن جُلِّ أصحاب عليّ وابن مسعود رضي الله عنهما، وجماهير أهل الكوفة وكثير من أهل المدينة في عهد مالك رحمه الله واعترف به ابن القيم في "أعلام الموقعين"، وإن لم يجعله حُجَّة، وناهيكَ بهم قدوة.
وفي سائر البلاد أيضًا تاركون لم يُسَمَّوْا كما يقع كثيرًا فيما يجري التعامل والتوارث، فيستغنى عن ذكر الإسناد فيه، لكونه غير مهم عنده أو أعْوَزَه، ثم يأتون الخلف فيطالبون الأسانيد، وإذا لم يجدوا أنكروا التواترَ العلميَّ، وكثيرًا ما يَقْتَحِمُه ابن حَزْم في "محلّاه" كأنه لم تَقَعْ عنده في الدنيا وقائع ما لم يكن هناك إسنادٌ، وهذا قطعي البطلان، فَيُنْكِرُ كثيرًا من الإجماعيات المنقولة بالآحاد، ويخرِّبُ أكثر مما يعمِّر، وهو ضررٌ عظيمٌ. أَلا تَرَى أن هذا القرآن كيف تواتر على وجه البسيطة عند المسلمين طبقة بعد طبقة، بحيث لا يوجد أحدٌ منهم لا يعلم أنه كتاب سماوي نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن ما بأيدينا هو ذاك، ومع هذا لو طلبنا تواتر إسناد في كل آية منه لأعْوَزَنا ذلك وعجزنا، وهكذا فعل ابن القيم في "أعلام الموقعين" في بعض نظائر مسألة الزيادة بخبر الواحد على القاطع، فلا يعلم كيف خفي هذا على الناس، ومن تمرُّ عليه الدنيا أَلَا يعلمون أن هذا الصنيع يعُودُ عليهم وَبَالًا، ويَلْزَم منه أن الدين قد اختلط من الأول، ولم يبقَ إلى معرفته سبيل يُوثَقُ به، وماذا يَحْصُل ويعود بالتشكيك في الضروريات. =
في مسألةٍ متواترةٍ بين الصحابة رضي الله عنهم شديدٌ عندي.
= على أن كَثْرة النقل ليست دليلًا على كَثرة فعله صلى الله عليه وسلم، لأن الفعل الوجودي يَكثُرُ تناقله بخلاف العدمي، فإنه لا يُنْقَلُ إلَّا بداعية، فالنقل في ترك الرفع إنما قلَّ بالنسبة إلى الفعل لكونه من التروك مع كونه كثيرًا في نفسه، كما قرَّره الحافظ ابن تَيمِيَّة رحمه الله في ذكرهم جَهْر التسمية، فأَوْهَم كثرة وقوعه، وليس كذلك، وإنما تردَّد فيه من اختار الرفع مذهبًا أو كان من عادته ترجيح جانب من الاختلاف المباح أيضًا، فذهب يَهْدِرَ الجانب الآخر، كالبخاري على خلاف عادة الآخرين، كالنسائي وأبي داود والترمذي، ولذا تراهم يُبَوِّبُون للطرفين بخلاف البخاري، فإنه إذا اختار جانبًا بتَّ به، ثم لا يخرج لخلافه شيئا، وإن كان صحيحًا، وهذه أذواق.
ثم لو عدَّدنا من دلائلنا رواية كل من استَقصَى صفة الصلاة ولم يذكر الرفع، لازداد عددنا على عددهم، وينبغي أن تَعُدَّ منها، لأن الرفعَ والتركَ كلاهما ثابتان في الخارج لاتصال العمل بهما من لدن عصر النبوة إلى يومنا هذا، فلا حاجةَ لنا أن نحمل المُطلَقَات على المقيَّد. نعم لو لم يَثْبُت به العمل لحملناها عليه، وقلنا: إن الراوي اختصر فيه، أو تركه. وإذن إيرادُ تلك الأحاديث منَّا في مسألة الترك إيرادٌ في محله، لثبوت الترك ثبوتًا لا مرد له، كحديث مسيء الصلاة، مع كونه قوليًا، وفي سِيَاق التعليم، فقد علم فيه صلاته كلَّها، ولم يعلمه الرفعَ، ولا بنى عليه.
وكحديث أبي مسعود عن أبي داود، وكيف السلام على اليمين من النسائي. ومن حديث محمد بن جابر في "الزوائد"، وحديث عبد الرحمن بن زهري فيه، وحديث أبي هريرة:"إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" عند البخاري. وقد كان أبو هريرة قد لا يرفع، ذكره في "الاستذكار"، وذكره أبو جعفر القاري عنه أي ترك الرفع كما في "الاستذكار"، وجعل قوله:"إني لأشبهكم بعده"، وليس في "الموطأ" كذلك، وحديث أبي مالك الأشعري عند أحمد، وحديث أنس في "الكنز" مع "فتح القدير"، وحديث الثقفي، وقول علي رضي الله عنه، وأذكاره، وحديث ربيعة الكلَّ من "الكنز"، وحديث أنس في "المسند" و"السنن". وفي "البداية" لابن رُشد: أن السبب لرواية الترك عن مالك هو عمل المدينة إذ ذاك، فهذا العدد العظيم لعلَّه مبني على الترك.
وبالجملة لا يحكم الوجدان ههنا بحمل المطلق على المقيد، وإنما ينبغي ذلك إذا لم يكن للمطلق في المسألة عددٌ كثيرٌ في نفسه، ولم يكن للإطلاق مناسبةٌ للحكم في نفسه، وهذا كما في "العمدة" عن أحمد في ترك جلسة الاستراحة، قال أحمد: وأكثر الأحاديث على هذا أي على الترك فَحَمَلَ الساكت على الترك. وكذلك أحاديث وضع اليمين على الشمال القولية منها، عند الشيخ رحمه الله: مطلقةٌ تُحْمَلُ على المعروف، ولا يقيَّد بالصدر، ولا بكونه تحت السُّرَّة. والفعلي المذكور فيه الصدر؛ يُحْمَلُ على عند الصدر لا غير، والمراد بلفظ: عند الصدر، وعلى الصدر، وفوق الصدر، واحدٌ. ثم هو واقعةٌ حالٍ لا عمومَ لها ولا يأتي على المُطْلَقَات كلِّها. وعَقْدُ اليدين مأخوذٌ من الاحتزام وشدِّ الأوساط كالخدم والحشم للخدمة وخفض الجناح ومنه حديث:"ارْبِطُوا أوساطَكم بآزاركم" اهـ. عن "المستدرك" من المناسك، وفي وصف هذه الأمة:"يَشُدُّونَ أوساطهم" من "شرح المواهب".
ثم إنه جاء في التحريمة حديثٌ قوليٌّ وفعليٌّ، وفي الاستفتاح قولي عند البزار، كما في "العمدة" وعند الطبري في "الكنز"، وفي الوضع: قوليٌّ وفعليٌّ، وفي التسمية: فعليٌّ وقوليٌّ في فضائله، وفي التأمين، قوليٌّ وفعليٌّ، وفي القنوت: فعليٌّ، وفي قنوت الوتر: قوليٌّ، وفي تكبيرات الانتقالات: فعليٌّ وقوليٌّ، عند محمد في "الموطأ"، وفي التسبيحات: قوليٌّ وفعليٌّ. وكذلك في التسميع والتحميد، وفي التشهد والدعاء: قوليٌّ وفعليٌّ، وفي الإشارة: قوليٌّ عند البيهقي من باب تحليل الصلاة بالتسليم، وفعليٌّ إن لم يكن إشارة إلى التحويل يَمْنَةً ويَسْرَةٌ، وهو عند أبي داود، وكذلك في التسليم في جلسة الاستراحة: قوليٌّ في بعضٍ من طُرُق حديث المسيء صلاته، وفعليٌّ كذلك في نفس القعدة. وأمَّا في الفاتحة وضم السورة، فكثيرٌ. وفي تعديل الأركان، وإتمام الركوع والسجود وسرقة الصلاة، فعددٌ عظيمٌ، وذلك لأن سَرْعَان الناس يُنْقِصُون فيها طبعًا لعدم انضباط القومة والجلسة، ولم =
ثم تَتَبَّعْتُ الكُتُبَ للتصريح بالجواز فوجدتُ أبا بكرٍ الجَصَّاص قد صَرَّحَ في «أحكام القرآن»
= يجىء قوليٌّ في الرفع غير الافتتاح أصلًا، وكثيرٌ ممن استقصى صفة الصلاة لم يَذكُره، ولا أومأ إليه في أدعية عليّ في أجزاء الصلاة، فهل يَدُلُّ ذلك أنه ليس مقصودًا أصليًا؟ النظر فيه دائر.
ثم اعلم أنه ذَهَبَ الأوْزَاعيُّ وآخرون إلى وُجُوب الرفع عند الإحرام، وسنيته فيما عداه، حتى أنه عند ابن حَزْم أيضًا كذلك كما في "التلخيص". ولا فرقَ فيهما عندي إلَّا أنه ثَبَتَ التركُ عندهم في سائر المواضع، فلم يَسَعْ لهم القول بالوجوب فيها، فَلَزَم الحافظُ رحمه الله في "الفتح" تصحيحَ حديث ابن مسعود من حيث لم يَشَأ. فأجاب عنه: أنه دليلٌ على عدم الوُجُوب لا عدم الاستحباب، فلهم في الحديث بهجتان: جهرٌ بالإعلال في مقابلة التاركين، وإخفاءٌ بالتصحيح في مقابلة المُوجبين، وفي الذكر في النفس تضرُّع وخيفة، وقد وَعَدَ في "الفتح"، في الباب الأول الإيرادَ على الوُجُوب، ثم لم يَأتِ في الباب التالي إلَّا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه.
ولعلَّك عَلِمْتَ الآن أن العملَ في هذا الباب بالنحوين، ونفيَ الترك باطلٌ، بَقِي أن الرفعَ أكثرُ أو التركَ؟ فلم يَجزِم الشيخ رحمه الله فيه بشيءٍ، ولو تبيَّن لم يحكم به لسِرَاية الاجتهاد في هذا الباب، فيمكن أن تكون كثرة الرفع، لأنه وجوديٌّ، والترك عدميٌّ، فترجَّح عندهم الرفعُ لكونه عبادة بخلاف الترك، فإنه تركُ عبادةٍ. وأجاب عنه الشيخ رحمه الله تعالى: أن التركَ أيضًا قد تكون عبادةً كترك الترجيع، وهذا حيث يكون التركُ قَصْدِيًا لا على طور العدم الأصلي، وقد ثَبَتَ الترك قصدًا أيضًا، فلم يكن على طريق العدم الأصليّ، وحينئذٍ جاز أن يكون التركُ أرجح، لأن مبني الصلاة على السكون.
نعم يَنْفَصِل ذلك أن ثَبَتَت الكثرة في جانبٍ عن صاحب الشريعة نفسه، ولم يَثبُت بعدُ، وإذا اختلف في نقل العمل، ولم يتبيَّن كثرته إلى جانب عَدَلْنَا عنه، وأخذنا طريقًا آخر، وهو استغرابُ الرواة الرفع، وتردُّدهم فيه، وتساؤلهم عنه، فعند أبي داود عن ميمون المكيّ:"أنه رَأَى عبد الله بن الزُّبَيْر، وصلَّى بهم يُشِيرُ كفيه حين يَقُومُ وحين يَرْكَعُ، إلى أن قال: فانطلقت إلى ابن عباس رضي الله عنه فقلت: إني رأيت ابنَ الزُّبَيْرِ صلى صلاة لم أرَ أحدًا يصلِّيها، فوصفت له هذه الإشارة، فقال: إن أحْبَبْتَ أن تَنْظُرَ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتدِ بصلاة عبد الله بن الزبير رحمه الله تعالى". اهـ.
وعنده عن النَّضْر بن كثير قال: "صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس في مسجد الخَيْف، فكان إذا سَجَدَ السجدة الأولى، فرفع رأسه منها، رفع يديه تِلْقَاء وجهه، فأنكرت ذلك، فقلت لوُهَيب بن خالد، فقال له وُهَيب بن خالد: تصنعُ شيئا لم أر أحدًا يصنعه، فقال ابن طاوس: رأيت أبي يصنعه، وقال أبي: رأيت ابن عباس يصنعه، ولا أعلم إلَّا أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه". اهـ. ونحوه في "المسند": استغراب الحَكَم إياه عن طاوس، حتى أسنده بعضُ أصحابه إلى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عند البيهقي بزيادة عمر في الإسناد، وهو وَهْمٌ أعلَّه أحمد كما في "الجوهر النقي".
وأصل الرواية كما عند أحمد، ولذا أعلَّ زيادة عمر. واستغرابُ مُحَارب بن دِثَار عن ابن عمر في "المسند"، قال: رأيت ابن عمر يَرْفَعُ يديه، كلما رَكَعَ، وكلما رَفَعَ رَأسَه من الركوع، قال: فقلت له: ما هذا؟ قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من الركعتين كبَّر ورَفَعَ يديه"
…
إلخ، وابن عمر رضي الله عنه هو الذي كان يُبَالغ فيه، ومُحَارب قاضي الكوفة كما عند البخاري من اللباس، فلم يعلمه مَنْ ببلدته، فَدَلَّ على عمل بلدته، ونحوه في "المسند" عن سالم بن عبد الله: "أنه رَأَى أباه يَرْفَعُ يديه إذا كبَّر، وإذا رَفَعَ رأسَه من الركوع، فسألته عن ذلك، فَزَعَم أنه رَأَى النبي صلى الله عليه وسلم
يصنعه". اهـ. هذا الذي أردنا أن نُتْحِفك به من قطعة تاريخية التقطناها من رسالة الشيخ رحمه الله تعالى فَخُذها راضيًا مرضيًا؛ والآن سنح لنا أن نتكلَّم على حديث ابن عمر رضي الله عنه شيئا ملتقطا من كلامه، فإنه العمود في هذا الباب. =
تحت قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ} [البقرة: 183] أن المسألة إذا وَرَدَت فيها الأحاديثُ
= فاعلم أن حديث ابن عمر رضي الله عنه قد رُويَ على وجوه:
أحدها بذكر الرفع عند الافتتاح فقط، وهو عن مُجَاهد من طريق أبي بكر بن عيَّاش، عن حُصَين، وعند الطَّحاوِي بإسناد صحيح، عن أبي بكر بن عيَّاش قال: ما رأيت فقيهًا قطُّ يفعله: يَرْفَعُ يديه في غير التكبيرة الأولى، وإنما أراد بالفقيه ما نبَّه عليه الشيخ رحمه الله تعالى من عدم اعتناء الكبار، وإنما هو من فِعْل الصغار، كعادة اعتنائهم في أمثال ذلك وأما الكبار فهَمُّهم في تكميل الفرائض والواجبات أكثر من تكميل المباحات والمستحبات على خلاف دَأْب الصغار. ولو رأيتَ في الخارج لوجدتهم كذلك إلى اليوم، وهكذا عن حُصَيْن.
وهذا يَدُلُّ على أن أثرَ ابن عمر ثابتٌ. وتَابَعَ مجاهدًا عبدُ العزيز بن حكيم، عن محمد بن الحسن في "موطئه"، وفيه: وإن كان محمد بن أَبَان، لكنه يصلحُ للاعتضاد، مع أن الجمعَ بين ما رواه مُجَاهد وما رواه غيره ممكنٌ، بأنه رَفَعَ يديه مرةً وتركه أخرى، فلا ضيق، وإنما يَضطَرُّ إلى الإعلال من اختار الرفعَ ثم استَصْعَبَ عليه التركُ، فلم يتركه حتى أعلَّه.
وثانيها: بذكر الرفع عند الركوع فقط، وهو عن مالك أيضًا في "الموطأ"، وبذكره عند الركوع والرفع منه، وهو عن مالك خارج "الموطأ"، وبالاختلاف بين سالم ونافع فيه في الرفع والوقف. وبذكره بعد الركعتين أو عدمه. وبذكره للسجود، فيه مرفوعًا عند البخاري في "جزئه"، ومن عَمَل ابن عمر موقوفًا عند ابن حَزْم: وكُنَّا نَحْمِلُ ذكره في الموضع الأول فقط، أي عند الرُّكُوع على الاختصار، ولم نكن نَعُدُّ هذا انتشارًا. ولكن ثَبَتَ التنوُّع في هذه المسألة فلا نحمله إلَّا على التنوُّع، فإنَّ التعاملَ أكبرُ شاهدٍ للصحة فوق الإسناد عند من له بَصَرٌ وبصيرةٌ، فليكن ذلك أيضًا وجهًا، وإنما يتعسَّر ذلك على من تَمَذْهَبَ بصورةٍ مخصوصةٍ، ثم لم يستطع العملَ بكل ما وَرَدَ، فَجَعَلَ يتعلَّل بالإعلال. وأما من رآه واسعًا، فلا ضيقَ عليه.
عَقَدَ الخلائقُ في المقام عقائدًا
…
وأنا اعتقدت بكلِّ ما اعتقدوه
ثم إن الوجهَ في كثرة طُرُق حديث ابن عمر كثرة "الموطآت"، وإن رواية مالك والزُّهري، وأصحابهما مفرَّقون على البلاد، لإقامة الزهريِّ في الحجاز والشام، وأكثر أحاديثهما تَكبُرُ طُرُقه لذلك، فيُوهِمُ كثرة العمل، بخلاف أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه وذويه، فإِنهم لم يَدُورُوا كذلك.
وبعدُ: فكل هذا حَدْسٌ منا ومنهم، فكما يمشون يُمَاشون، وكما يجرون يُجَارون، وليس العلم إلَّا عند الله، وكان الصواب أن لا يتعلَّل في رواية الاثبات إذا سَاعَدَه العمل، وكان الأمر من الاختلاف المباح، ولا يرمي بالغيب، وأن لا يتعلَّل في خلاف ما اختاره المرء من كل وجهٍ، ولا يُبْدِي فيه كل عذرٍ، فإنه يَدُلُّ على عدم إرادة العمل به من الأول والسلوك فيه سبيلُ الجدل، ولكنَّ اللهَ يفعلُ ما يريدُ.
هذا كلَّه ملخَّصٌ من رسالة الشيخ رحمه الله تعالى تلخيصًا، فإن رسالته بسيطة جدًا، وإنما التقطت منها جُمَلًا مختصرةً، أردت إلقاءها عليك، لتتقدَّر قدرَ الشيخ رحمه الله تعالى وغايةَ عدله في باب المسائل.
ثم من الناس من زَعَم أن الرفعَ منسوخٌ، ولهم في ذلك طُرُقٌ: فمنهم من استدلَّ بحديث جابر عند مسلم: "ما لي أراكم رافعي أيديكم". وفي طريقه الآخر عنده تصريحٌ بكونه في تسليم التشهُّد، فالشافعيةُ حَمَلُوا الأول على الآخر. وذكر الزَّيْلَعِي الفرق بينهما بثلاثة وجوهٍ، من شاء فليراجع. ومنهم من زَعَمَ أن ثبوتَ الترك في الجنس دليلٌ على نسخ الأصل، كما قرَّرُوا في حديث التسبيع في سُؤْرِ الكلب: أنه كان في زمن التشديد في أمر الكلاب، وهو النظرُ عندنا في مسألة الرَّضَاعة: تدرَّج النسخ فيها من عشر رضعات حتى نُسِخَ رأسًا.
ومنهم من لم يَتَشَبَّثْ بأصلٍ، وقال: إن العِلْمَينِ خيرٌ من عِلْمٍ، فمن قال بالترك عنده عِلْمَان: أي الرفعُ والتركُ، بخلاف من قال بالرفع، ثم ذكروا فيه حكاية الإمام أبي حنيفة مع الأوزَاعي رحمهما الله تعالى، وأن علم الصحابة =
والصِّحَاحُ من الجانبين، فالخلاف فيها لا يكون إلا في الاختيار لا سِيَّما إذا كانت كثيرةَ الوقوع، وعدَّ منها: الترجيعَ في الأذان، وإفرادَ الإِقامة، والجَهْرَ بالتسمية، ورَفْعَ اليدين، وحينئذٍ فاسْتَرَحْتُ حيث تخلَّصت رقبتي من الأحاديث الثابتة في الرفع. والجَصَّاص من القرن الرابع، حتى إن الكَرْخِي الذي هو من مُعَاصِري الطَّحَاوي من تلامذته، فرُتْبَتُهُ أعلى من الكبيري و «البدائع» ، وصاحب «البدائع» أرفع رُتْبَةً من الكبيري.
وقد اشتهر في مُتَأَخِّري الحنفية القول بالنسخ، وإنما تعلَّمُوه من الشيخ ابن الهُمَام، والشيخ اختاره تَبَعًا للطَّحَاوِيِّ. وقد عَلِمْتَ أن نسخَ الطَّحَاوِيِّ أعمُّ ممَّا في الكُتُب، فإِن المفضولَ بالنسبة إلى الفاضل، والأضعفَ دليلا بالنسبة إلى أقواه، كلُّه منسوخٌ عنده، كما يتضح ذلك لمن يُطَالِعُ كتابَه، كيفما كان إذا ثَبَتَ عندي القول بالجواز ممَّن هو أقدم في الحنفية، وسَاعَدَتْهُ الأحاديث أيضًا، فلا محيد إلا بالقول به، وخلافه لا يُسْمَع، فمن شاء فلْيَسْمَعْ.
736 -
قوله: (إذا رَفَع رأسه من الركوع)، وفي «الفتح»:«أنه حين الرفع» ، وقد مرَّ مني أنه في الانتصاب دون الانتقال، وهو الصواب، وخلافُه خلاف الحديث وخلاف إمامهم، وعليه فرَّع الشافعيُّ رحمه الله تعالى مذهبه، فاختاره في الموضعين وتَرَكَهُ بين السجدتين، وإن اختار محدِّثوهم بعد القعدة الأولى أيضًا.
قوله: (ويقول: سَمِعَ اللَّهُ لمن حَمِدَه) وقد مرَّ أنه يَرْفَعُ بعد التحميد، ولا يَرْفَعُ مع التحميد.
واعلم أنه تكلَّم السلفُ في معنى رفع اليدين وما قُصِدَ به. ففي «المجموع» شرح «المهذب» : أن الشافعيَّ صلَّى عند محمد بن الحسن رحمه الله تعالى فَرَفَعَ، فسأله عنه، فقال: تعظيمًا لله. وعن ابن عمر رضي الله عنه: إنه زينةُ الصلاة. وعلى هذا تكرُّره في الصلاة مُوجِبٌ لإحراز الثواب، وازدياد الزينة.
وفي «فتح القدير» من الجنائز، عن أبي يوسف رحمه الله تعالى: إنه للافتتاح لكونه هيئةَ الدخول في الصلاة، فلا يكون إلا مرةً. ومن ههنا تبيَّن أنه لا يُسْتَبْعَدُ أن يكونَ الاجتهادُ سَرَى في اختيار الرفع، فمن جعله تعظيمًا لله أو زينةً للصلاة أحبَّ تكثيره، ومن رآه للافتتاح قَصَرَه
= رضي الله عنهم ينتهي إلى عليّ وابن مسعود رضي الله عنهما، وقد ثَبَتَ عنهما التركُ، فتلك أطرافٌ وأنظارٌ فَصَّلُوها بعباراتٍ مُطْنَبَةٍ، وموجَزَةٍ لم نشتغل بإعادتها والكلام فيها مخافةَ التطويل، ولأن كلامَ الشيخ رحمه الله تعالى قد أغنانا عن سائر الكلمات. نعم إذا جاء [[نهر]] الله بطل [[نهر]] معقل.
فدَعْ عنك حديثَ النسخ إذ قد شَهِدَ العمل بالجانبين، فإنه أقوى دليل على عدم النسخ. أما ذِكْرُ الفضائل فماذا يُغنِي عنهم؟ فإنهم قد تركوا العملَ بمختاراته في غير واحدٍ من المواضع مع بقائه على فضله هذا، ومَنْ يُنْكِرُ فضلَ من فضَّله الله عز وجل؟ ولكن الكلام في أن ذلك هل يكفي لفصل المقام؟ نعم هو شىءٌ ينبغي أن يُبَاهِي به الحنفيةُ لأنفسهم، ولا حُجَّةَ فيه على الخصم. والله تعالى وليُّ الأمور.
عليه. ولعلَّ مِلْحَظ الحنفية أن رفعَ اليدين للتحريم فعلا كتحويل الوجه عند التسليم للتحليل فعلا، فينبغي أن يكونَ مرةً فقط كالتسليم. أو للاستقبال والإِقبال على الله والتوجيه إليه، وحينئذٍ نَاسَبَ أن يكونَ في الابتداء فقط، فإِن الآدابَ عند اللقاء لا تتكرر. ثم حرَّرتُ أنه يقوم مقام المصافحة، كما في حديث الحجر الأسود وهو يمينُ الله، واستلامُه يقومُ مقام المصافحة.
أمَّا السلامُ في الصلاة، فهو تحيَّةُ الوَدَاع. وكان يُسَلَّم أولا:«السلامُ على من قِبَل عباده» فعلَّمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكانه: «السلامُ عليكم ورحمةُ الله» . ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير
…
الخ معناه أن التكبيرَ شيءٌ يَحْصُل به الدخول في الصلاة، والتسليمُ شيءٌ يَخْرُج به عن الصلاة، فوضع في التسليم هيئةً تَصْلُح للانصراف، فناسب في وِزَانِهِ أن تكونَ عند الدخول أيضًا هيئةٌ تُؤْذِنُ بالإِقبال على الله، فوضع رفعَ الأيدي مستقبلا إياه. وحينئذٍ تحصَّل أنه للإِقبال دون التعظيم، وإن كان الإِقبالُ أيضًا تعظيمًا، فهو ضمنيٌّ. بل كل فعلٍ في الصلاة، ففيه نوعُ تعظيمٍ، وإنما الكلامُ فيما قُصِدَ به، لا ما تضمَّنه سواء قُصِدَ به أو لا. ثم تبيَّن لي في حكمته أنه من سنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال:{هَذَآ أَكْبَرُ} [الأنعام: 78] ولعلَّه يكون رفع إذ ذاك أيضًا، فأصلح الشريعة.
قوله: (وأقام الله أكبر مقامه)، ثم سَبَرْتُ الشريعةَ، فوجدت أنه يُقَال عند رؤية الهلال: الله أكبر، وفي الحديث:«أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، وصَرَفَ وجهه عنه» ، والصرفُ لئلا يتوهم أن التكبيرَ للهلال. وفي «تاريخ الخميس» - ومصنِّفه شافعي المذهب - عند ذكر إبراهيم عليه السلام: إن الرفعَ في المواضع الثلاثة كان من ملَّته، ثم تتبعتُه حتى وجدتُ في «تفسير الشاه عبد العزيز» أن رفعَ اليدين من ملَّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. والذي يَظْهَرُ أن ما هو من دِينِهِ هو الرفعُ فقط، أمَّا حَمْلُه على المواضع الثلاثة فمشى على مذهبه، أو تمشيةً له، فالتكبيرُ عندي للإقبال على الله وقوله:«إني وَجَّهْتُ وجهي للذي .. » الخ للإِخلاص، ولذا اختار أبو يوسف رحمه الله تعالى دعاءَ التوجيه في الصلاة.
والتكبيرُ: أيضًا يَعْمَلُ عملَ التوجيه، فهو لجعل الشيء لله فإِن المشركين كانوا يُهِلُّون بأسماء طواغيتهم لذلك ولذا يكبِّر عند الذبح. ولعلَّه في أذان المولود، وعند صلاة الجِنَازة أيضًا لهذا. فصار على نَقَاضَةِ الإِهلال لغير الله فهذه أنظارٌ ومعانٍ لا يُنَاقِضُ بعضُها بعضًا، فراعها تُعينك في العمل برفع اليدين وتركه والله تعالى أعلم.
737 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِى قِلَابَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ هَكَذَا. تحفة 11187
737 -
قوله: (إذا صلّى كبَّر ورَفَعَ يَدَيْه) وفي «صحيح مسلم» «ثم رفع يديه» ، وحَمَلَه الحافظُ على صورتين مُتَغَايِرَتَيْن وقد مرَّ مني أنه لا ينبغي أخذ الصور من تعبيرات الرُّوَاة فقط، بل الأمر كما حقَّقه الشافعيُّ رحمه الله تعالى. ثم هذا حديث مالك بن الحُوَيْرِث بالبَصْرَة،