الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - باب التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ فِى يَوْمِ غَيْمٍ
594 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى - هُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - عَنْ أَبِى قِلَابَةَ أَنَّ أَبَا الْمَلِيحِ حَدَّثَهُ قَالَ كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِى يَوْمٍ ذِى غَيْمٍ فَقَالَ بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ» . طرفه 553 - تحفة 2013
واعلم أَنَّ التأخيرَ مستحبٌ عندنا في جميع الصَّلواتِ غير المغرب مطلقًا، والعصر والعشاء يوم غيمٍ فقط. وعند الشافعية رحمهم الله تعالى: يُستحبُ التعجيل في جميعها غير العشاء.
36 - باب الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ
595 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سِرْنَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ» . قَالَ بِلَالٌ أَنَا أُوقِظُكُمْ. فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ «يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ» . قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَىَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ» . فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى. طرفه 7471 - تحفة 12096
وفيه حديث ليلةِ التعريسِ، والمسألةُ فيه عندنا أَنَّ الفَوائِتَ إذا اجتمعت فإِنَّه يُؤذِّنُ فقط ويقيمُ لسائِرها، ثم إِنَّ سُنِّيةَ الأذان لا لفائتة مَحْمُولٌ على ما إذا قضاها في البيت، أَمَّا إذا قَضَى في المسجد فلا يُؤذَّنُ لها.
ثم إنَّ واقعةَ ليلَةِ التعريس واحدة عند القفول من خَيْبَر ولا بُدَّ. ومنهم مَنْ زَعَم أَنَّها متعددة نظرًا إلى تَغَايُرِ الألفاظِ وتَصَرُّفات الرُّواة وهو بعيدٌ عندي
(1)
.
(1)
قلتُ: وقد يشق على الذين لم يدخل الإِيمان في قلوبِهم فوات صلاةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة. قلتُ: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد كان قَيَّض رجلًا لإيقاظِه، وكان بلال تَكَفَّلَ به، فلا بأس إذن في نومه، ولا إثم. وهو معنى قوله:"ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط في اليقظة" وعند النسائي في باب "من نام عن صلاة" ما يوضحه. وفيه: "إنَّما التفريطُ فيمنْ لم يُصَلِّ الصَّلاة حتى يجيء وقتُ الصَّلاة الأُخْرَى حتى يثبته لها، وإنَّما ذَكَرتُ هذا اللفظ، لأنَّه ليس في عامة طُرُقِه وهو مفسر.
ثُمَّ إنَّ مِنْ سُنة الله أَنَّ بعضَ الألفاظِ قد تجري على أَلْسُن المقرَّبين أَوْ يَخطُر ببالهم ما يُقَدَّرُ وقوعه فيقع، كما جرى على لسانِهم أَوْ خَطَرَ ببالهم، إمَّا لأنَّه ينعكس في قلوبهم ما سيقع في الخارج، أو يكون لهذا الجَريان والخُطْورِ تأثير في تحققه تكوينًا، ولذا نُهينا عن الدُّعاء على الأولاد، لأنَّه قد يُوافِقُ ساعةَ الإِجابة فيقع، كما جَرَى على اللسان، وقد سَمِعْتُ من شيخي رحمه الله تعالى: أَنَّ المعتبرَ في باب الأدعية والنُّذور هو الألفاظ أيضًا دون المعنى فقط، وإذا كان حالُ أمتهِ العاصين هذا، فليقس عليه حال بنيها، وقد أشار إليه الشاه عبد القادر رحمه الله تعالى =
595 -
قوله: (إنَّ الله قبضَ أرواحكم) وقبضُ الروحِ عند العامة: أَنْ يَذْهب الله بها، وحقيقته ما نبَّه عليه السُّهَيْلِي، وحاصله: أَنَّه قريبٌ مِنَ الغَطِّ والضَّغْطِ كَضَمِّ الأصابع على شيءٍ، وجعله صغيرًا بعد ما كان كبيرًا، مثلا: كأن عندك قُطْن مَنْفُوش فقبضته وضممت عليه أصابعك، فجعلته صغيرًا في يدك بهذا القبض بعدما كان منتفخًا في الخارج، وقبض الله سبحانه الأرواح عبارة عن تعطيلها عن بعض الأفعال، بعدما كانت ساريةً في الجسم تحركها، فإذا قُبِضَت فقد تَعَطَّلَت عن بعض أفعالِها كما تَرى في النوم. وترجمته في الهندية - بهينجنا - فالتوفي والإِرسال في قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}
…
الخ، عبارة عن تعطيلِها عن بَعضِ الأفعال ثم ردها إليها وإذا أراد الله أَنْ يتوفاها توفى الميت، فَيَقْبُضُ الأرواح قباضًا لا إرسالَ بعدها، فتتعطَّل عمَّا كانت تُشغَل فيه بالكلية، وهو بإِخراجِها عن أجسادها، لأن التَّعطُّلَ بالكلية لا يكون إلا بذلك، فإِنها ما دامت في الأجسادِ لا تزال تْشغَل ببعض تدبيرها، فإِذا نُزعت عنها وأُخرجت فقد تعطَّلت عن تدبيرها مطلقًا، ولم يَبْقَ لها معها تعلُّق التدبير أصلا. فهذا أيضًا نوعٌ من القبض، وهو القبض التام.
وحينئذٍ انكشف معنى قوله صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: «ما من أحدٍ يُسلِّم عليَّ، إلا ردَّ اللَّهُ عليَّ رُوحي، فأُسَلِّمُ عليه» - بالمعنى - أي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَطَّلا عن ذلك الجانب، مشغولا بجناب القُدُس، فإِذا سُلِّمَ عليه يَرُدُّ الله عليه روحه ويُشْغِلُه بذلك الجانب، حتى يَرُّدَّ عليه السلام، وليس معناه الإِحياء والإِماتة، وهو ما أرادَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في عذر بلال عن نومه:«إن الله قَبَضَ أرواحَكم حين شاء، وردَّها حين شاء» . ومعلومٌ أن بلالا لم يَتَوَفَّ كالميت، ولم تَخْرُج رُوحُه من جسده،
= في فوائِدِه فراجعها من قوله تعالى: {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة: 114] ومن قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] ومن قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33] ومن قوله تعالى: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 13] فإنَّه أشار إلى أَنَّه يُرَاعى بحضرة الرب ما يجري على ألسُن الأنبياء عليهم السلام.
إذا سمعت هذا فاعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما عرس بعد ما لحقهم التعب وسألوه التعريس فقالوا: لو عَرَّست بنا يا رسول الله، ثُمَّ جرى على لسانِه وخَطَرَ ببالِهِ ما كان واقعًا تكوينًا. فقال: إني أَخَافُ أن تناموا عن الصَّلاة على نحو ما جَرَى على لسانِ يعقوب عليه السلام إنِّي أخاف أن يأكله الذئب فوقع كما خطر ثَم إِنَّ التكوين أَمر غير التشريع، ولم نُكَلَّف بما في التكوين، فإذا أرَدْنَا أن نعرس فليس علينا إلّا أَنْ نوكِّلَ رجلًا أَنْ يوقظنا، فلو نامَ الرجلُ ونمنَا فهو تكوين. وما قدَّره الله تعالى فهو آتيه لا محالة. فالتشريعُ لا يسد باب التكوين، ولذا قال يعقوب عليه السلام بعد ما أَوصَاهم ألا يدخلوا من باب واحد، ولا أغني عنكم من الله شيئًا، فكان كما جَرَى على لسانه حتى جاءه التقديرُ من باب آخر، ولم يمنعه دُخولُهم من أبواب متفرقة، نبه عليه الشاه عبد القادر رحمه الله تعالى أيضًا، ثُمَّ قَد يَغْلِب عليهم التكوين من جهة الله سبحانه، ومن هذا الباب حكايةُ موسى عليه السلام خَلفَ الحجر عُريانًا، وإلقاءِ النبي صلى الله عليه وسلم إزاره على مَنكِبهِ ولُقِّي النَّصبِ لموسى عليه السلام من السفر، وإليه يشير قوله:"إنما أنسى لأسن" أي يُلقى عليَّ النسيان تكوينًا ليسن ما ينبغي في مثل هذه، وأمكَنَ أن يكون نومه أيضًا من هذا الباب والله تعالى أعلم، وهو يهدي إلى الصواب.
ليكون الردُّ بمعنى إعادتها فيه، بل بمعنى أنها كانت تعطَّلت عن أفعالِ اليَقْظان، فلم تقدِر أن تُوقِظَ أحدًا وتحفظَ ما يحفظه ولكن الله سبحانه إذا ردَّها عليه، شُغِلت فيما تُشغل فيه أرواح الناس في اليقظة، وقَدَرَت على ما كانت تَقدِرُ عليه من قبل. فهذا هو حقيقته إن شاء الله تعالى، فذقه واحفطه في وعائك، وأَشْرِكْنَا في دعائك.
أما الفرقُ بين الروح والنفس، فألطف ما وجدته في كلام السُّهيلي، وَنَبْذَة منه: أنه شيءٌ واحدٌ تغايرت أسماؤه بتغايُرِ صفاته، فيُسمَّى روحًا باعتبار تجرُّدِه، ويسمَّى نفسًا باعتبار تعلُّقِه بالبدن، واكتسابه المَلَكات الردية كالماء، فإنَّه ماءٌ ما دام في الخارج، وإذا تشرَّبته الشجرةُ، فتغيَّرت أوصافه، يُسمَّى باسمٍ آخر، حتى لا تبقى له أحكام الماء، ولا يجوز به الوضوء.
قوله: (فلمَّا ارتفعت الشمسُ وابْيَاضَّتْ)، ولعلَّك تدري وتَفْهَمُ أنه لماذا ارتقب الارتفاع والابيضاض، ولم يُصلِّها إذا ذكرها، وما ذاك إلا أنه قد تواتر النهيُّ عن الصلاة حتى ترتفعَ الشمس. فهذا قولُهُ، وذاك فعلُهُ، فانظرهما، وفَكِّر في لفظ الابيضاض ماذا يُفيد؟ وأَصْرَحُ منه ما عند الدَّارَقُطْنِي:«حتى إذا أَمْكَنَنَا الصلاة» . ثم ارجع إليه البصر كرتين لا يُفيدكَ إلا أنهم قبل الارتفاع لم يكونوا في مُكْنَة الصلاة، فلم يُصَلُّوها، فإن احْتَالُوا بأنه كان هناك واديًا حَضَرَ فيها الشيطان، فتنحَّوا عنها لذلك، فقل لهم: إنه لو كان هذا هو المؤثِّر، لكان حقّ العبارة أن تكون هكذا:«فلما زِلْنَا عن مكان الشيطان، وبعُدَ الشيطانُ عنا» ، لتكون إشارة إلى وجه التنحِّي. ولا تجده ولا مثله في لفظٍ.
ثم هل المسألةُ عندك أن لا يُصَلِّي في كل مكان فاتتك الصلاة، أو سوَّيْتَها لجوابنا فقط. ثم مالك تَتَبَاعَدُ عن مكان الشيطان وتتقارن بزمانه، فإنه كنتَ تريدُ أن تقع عبادتك في حيَّز مرضاة الله، فاجتنب عن مكانِهِ وزمانِهِ جميعًا. ولا تدع الشيطانَ يفرحُ من عبادتك حين تَسْجُد وهو قائم بين يديك، فـ:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] ولعلّك تَفْهَمُ الآنَ أنه كان يتحرَّى أن يَخْرُج وقت المكروه، فلذا إذا ارتفعت الشمسُ وزُحزحت عنها الصُّفْرة، وجد مُكْنَة للصلاة فصلاها.
وفي كتاب «الآثار» لمحمد رحمه الله تعالى: وليس في غيره أنه جهر فيها أيضًا، وهو المختار عندي. هذا ما سمعت في الفجر. فإن شئتَ أن تَعْلَمَ حال العصر وأنه هل يُصلِّيها إذا ذكرها ولو عند الاصفرار، فراجع «الصحيح» لمسلم حتى يتبينَ لك شرحُ قوله:«لا صلاةَ بعد الفجر حتى تَطْلُع الشمس، ولا صلاةَ بعد العصر حتى تَغْرُبَ الشمس» بجزئيه من قِبَلِ صاحب الشرع.
فعند مسلم في باب الصلاة الوسطى صلاة العَصْر، عن عبد الله قال:«حَبَسَ المشركونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاةِ العصر حتى احمرَّت الشمس أو اصفرَّت» . وعند البخاري في باب من