الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِى شَىْءٍ». فَقَامَ خَالِى أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّىَ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِىَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» . أطرافه 951، 955، 965، 976، 983، 5545، 5556، 5557، 5560، 5563، 6673 تحفة 1769
واعلم أن السُّنة في العيد أن تُصَلَّى عَقِيْبَ خروجِ وَقْت الكراهة، فإنْ قضيَتْ في أول يوم فلا قضاء لها عند الإِمام رحمه الله تعالى، إلا عِنْد صاحبيه رحمهما لله تعالى، فإنها تجوز في اليوم الثاني أيضًا. وراجع التفصيل في الفقه. وفي نسخة:«التكبير» بدل «التبكير» .
والتكبير سنةٌ جهرًا للأضحى، وللفِطْر سِرًّا عند ابن الهمام رحمه الله تعالى. ومنع منه «صاحبُ البحر» أصلا.
قال الشيخ ابنُ الهُمَام رحمه الله تعالى: إن التكبيرَ ذِكْرُ الله، كيف يُنْهى عنه فهو في الأحوال كلِّها. وقال ابن نُجَيم رحمه الله تعالى: إنَّ حقيقة البدعة هي - هو يعني - جَعْلُ أَمْرٍ لم يثبت عن السلف رحمهم الله تعالى معمولا به.
قلتُ: والقويُّ ما ذهب إليه ابنُ الهُمام، فقد أخرج الطحاوي رحمه الله تعالى رواياتٍ تَدُلُّ على ثبوتِ التكبير عند السَّلف، بل على الجَهْر أيضًا، فالمختار عندي أن يأتي به في الفِطْر أيضًا.
11 - باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِى أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.
واعلم أن العبادة في تلك العشرة أفضلُ منها في سائر السَّنَة، حتى قيل: إن أفضلَ النُّهُرِ نُهُر عشرةٍ ذي الحِجَّة، وأفضلَ الليالي ليالي رمضانَ، ثُمَّ عَمَلُ السَّلَف في تلك العشرة ماذاكان؟ فلم يظهَر لي غيرُ الصيام والتكبير. فالعبادةُ الخاصَّة في هذه الأيام هي هاتان فقط. وثبت فيها التكبيرُ من غُرَّة ذي الحِجة، كأنه شِعَارٌ لهذه الأيام، بل شعاريتُهُ أَزْيدُ من التلبية. فما في المتونِ فهو بيانٌ للواجب لا لوظيفةِ هذه الأيام. وعليه فَلْيُحْمَل ما رُوي عن الإِمام رحمه الله تعالى أَن شرائطَ التكبير شرائطُ الجمعة. فإنه يجوزُ لأصحاب القرى أيضًا.
وذِكْرُ اللَّهِ لا حَجْر عنه بحال، واستدل عليه بما روي عن عليَ رضي الله تعالى عنه:«ولا جُمْعَةَ ولا تَشْرِيق»
…
إلخ.
وتتبَّعْتُ أنه هل أرادَ أَحَدٌ من التشريقِ أيضًا؟ فرأيت في «غريب الحديث» لأبي عبيد أنه لم يَبْلُغْه عن أحدٍ منهم غيرُ الإمام رحمه الله تعالى. وأبو عبيد هذا تلميذُ الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ومستفيدٌ من مُحمدٍ، ومدوِّن لِعِلْم غريب الحديث، ويُعَدَّ في الفِقْه مِثْل محمد.
وعن بَعْض السَّلف رَحِمهم الله تعالى أنهم حملوا قوله تعالى: {وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] على تلك التكبيرات الفاضلة في الخارج أيضًا.
قوله: ({أَيَّامٍ مَّعْلُومَتٍ}) أيَّام العَشْر، والأَيَامُ المعدوداتُ أيامُ التشريق. إنما فَسَّر ابنُ عباس رضي الله تعالى عنه المعدودات بِأَيَّامِ التشريق لكونِ لَفْظِ المعدوداتِ مُشْعِرًا بالقلة، أيَّامِ التشريق ثلاثة، فَفَسَّرها بها.
قوله: (وكان ابنُ عمرَ رضي الله تعالى عنه وأبو هريرةَ يَخْرُجَانِ إلى السُّوْقِ في الأيامِ العَشْر يكبران) وقد مر معنا أن التكبير من وظائف هذه الأيام. وهو مَحْمَلُ تكبير محمد بن علي الباقر بعد النافلة. وأما ما في الفِقْه من إتيانِهِ دُبُرَ الصلواتِ المكتوبات فقط، فهو بيانٌ للواجب. فعند الإمام رحمه الله تعالى من صبيحة عرفةَ إلى عَصْر يوم النَّحْر، وعند صاحبيه إلى عَصْر اليوم الرابع.
قوله: (ويكبر الناس بتكبيرهما) ويُستفاد منه ومما أخرجه البخاريُّ من الآثار في الترجمة التالية: أنَّ المطلوبَ في التكبير الموافقةُ فيه مِمَّن في حواليه
(1)
. وعليه ما عند الترمذي: «أن الله أكبر يملأ الميزان» ولم يَحْكُمْ عليه الترمذي. وعند مسلم: «أن سبحانَ الله نِصْفُ المِيْزان» ، وكذلك «الحمد لله». فلو صَحَّ ما عند الترمذي فَوَجْه الفَرْق بين كون «الله أكبر» الميزانَ كلَّه وسائر الأذكارُ «نِصْفُ الميزان»: أن التكبير يطلب الموافقة وذلك بالجَهْر، وعند ذلك يملأُ الجوَّ بما فيه فيكون الميزان كله. لأن كِفَّةَ ميزانِ الآخرة كما بين السماءِ والأرض كما يُسْتفاد من الأحاديث وسنقرِّرُه. وليست هذه الخصوصيةُ في الأذكار غيرَه.
ثم اعلم أنهم يُطْلِقون الأيَامَ العَشْر - والعاشر منها يومُ النَّحْر والصومُ فيه حَرامٌ - فيذكرون العَشْر ويريدون به التِّسْع. وقد يَخْطُر بالبال أنَّ الإمساك في نصف يوم النحر كأنه نِصْفُ صَوْمٍ في نَظر الشارع، فإنَّ المستحبَّ في هذا اليوم الأكلُ من أُضحيته، ولا تكون إلا بعد الصلاةِ فلزِم الإِمساكُ، وعليه ما في «المُسْتَطْرَف» من حكاية العجوز.
969 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَا الْعَمَلُ فِى أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِى هَذِهِ» . قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ «وَلَا الْجِهَادُ، إِلَاّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىْءٍ» . تحفة 5614 - 25/ 2
969 -
قوله: (ما الْعَمَلَ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا في هذه) وفي نسخة: «ما العَمَلُ فِي أَيَّامِ العَشْرِ أَفْضَلَ من العملِ في هذه» . وهذا يقتضي نَفْيَ أَفضليةِ العمل في أيامِ العَشْر على العمل في هذه الأيام. قلتُ: وهو تَصْحِيْفٌ عِنْدي. والصواب كما في الصُّلب، لأن هذا الحديث كثيرُ
(1)
يقول العبد الضعيف: وهذا كالتلبية "إذا لَبَّى أَحَدٌ يوافِقُه مَنْ عن يمينه وعن شمالِه حتى تنقطع الأرضُ من ههنا، وههنا" -بالمعنى- أخرجه الترمذي ونحوه ما في القرآن {يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} [الأنبياء: 79].