الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
14 - كتاب الوِتْر
1 - باب مَا جَاءَ فِى الْوِتْرِ
واعلم أن الكلام في أبواب الوِتْر في مواضع: في الفَرْق بينها وبين صلاةِ الليل، وفي صفتها أواجبة هي أم سنة؟ وفي ركعات الوتر، وأنها بتسليمةٍ أو بتسليمتين. فنقول: والذي يتَّضِح من صَنِيْع المحدِّثين كافةً أنهما صلاتانِ متغايرتان عندهم. فإنهم يُبَوِّبُون لكلَ منهما بابًا بابًا، ثم يذكرون صلاةَ الليل في أبواب الوِتربوالعكس، لارتباطٍ بينهما. وهو نَظَرُ الحنفية، فإنهم قالوا: إن الوِتْرِ قِطْعةٌ من صلاةِ الليل صارت صلاةً برأسِعا مستقلةً بقراءتها، وصفتِها، وركعاتها.
وأما الشافعية رحمهم الله تعالى فلا فرق عندهم بينهم، إلا أنَّ أَقلَّ الوِتْر عندهم ركعةٌ، واتفقوا على أَنَّ أكثَرَهَا إحدى عشرة ركعةً، واختلفوا في ثلاثَ عشرةَ، وأما من حيثُ كونُها صلاةَ الليل فتجوز عندهم ألفَ ركعةٍ بسلامٍ واحدةٍ، وسنوضِّحُه في صلاة الليل.
ومِنْ ثَمَّة اختلفوا في صفتها: فَمَنْ لم يفرِّق بينها وبين صلاةِ الليل لم يَسُغ له القولُ بوجوبها. ومَنْ فَرَّقَ بينهما ساغ له أن يفرِّق بين صِفَتَيْهِمعا فيقول بوجوب الوِتْر وسُنِّيةِ صلاةِ الليل أو استحبابها. وقد مرَّ أن في إيقاظ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ للوِتْر دون صلاة الليل، والأَمْرَ بأدائها في أوَّل الليل لِمَنْ لا يَثِقُ بالانتباه في آخر الليل، وإيجاب القضاء على مَنْ فاتته، وإفرازها بالقراءة، وتعيين وقتها وركعاتِهَا لآياتٌ دالَّةٌ على الوجوب
(1)
. واتفقوا على عدم جواز تَرْكها أيضًا. فحينئذٍ
(1)
قلت: وعندي تذكرةُ للشيخ رحمه الله تعالى عنه تتعلق بوجوب الوتر نمقها في الهندية لحاجة دعت له فأنا أُعَربُها لك قال: إِن نِزاعَهم في وجوب الوتر وسُنِّيته ليس بذاك، لأنه لم يذهب أحدُ منهم إلى جواز تَرْك الوِتْر، بل صرَّح مالك رحمه الله تعالى أن شهادةَ تاركِ الوِتْرِ لا تُقْبل، ونحوه عن الشافعية رحمهم الله تعالى، فلم يبق النزاع إلا في التسمية. ولنا ما صحَّحه ابن السَّكَن:"إن الله تعالى أمدَّكم بصلاة" الخ، والزيادةُ لا تكون إلا مِن جنس المَزيِد عليه، وهو ههنا الفرائض، لأن النوافل غيرُ محصورةٍ فتعين أن يكون المزيدُ عليه الفرائض. ومقتضاه أن يكون الوِتْرُ واجبًا. ولكن لما كان الحديثُ ظنيًا نَزَّلنا من الفَرْضية إلى الوجوب، وقلنا به. والذي تحقق عندي أن الوِتْر مُتَقدِّمٌ على الصلوات الخمس أيضًا، ولعله كان حين لم تكن الفرائضُ إِلَّا الفَجْر والعَصْر، ولذا قُرِن ذِكْرُ بهما في غيرِ واحد من الآيات. نعم صِفَةُ الوِترية وبعضُ التغير حدثَتْ فيه من بَعْد. ولا يلزم منه نَفْي أصْله من قبل، ونظيرُه ما عند مسلم: "إن الصلاةَ كانت مَثْنى مَثنى، ثُم زيدَت عليهما فصارت أربعًا أربعًا غير الفَجر والمَغْرب -بالمعنى- ولا أراك تقولُ إن الصلاةَ لم تكن فريضًة قبل ذلك، بل ثبتت فَرْضِيتُها من قبل، وحدَث فيها بعضُ الأَوصاف، وهكذا صلاةُ الليل لم تُنْسخ بأسْرِها قطعًا، ولا حَرْفَ في المُزَّمِّل يدلُّ على نَسْخِها، نعم فيها التيسيرُ من التَطْويل وهي باقية إلى الآن أيضًا، وأدناها عند إمامنا الوِتْرُ. أعجبني قولهم كيف ذهبوا إلى نَسْخها =
لم يَبْقَ نِزَاعٌ إلا في إطلاق لَفْظ الوجوب، وهذا كما ترى مما لا ينبغي فيه النزاع.
ثم الأفضل عندهم أَنَّ الوِتْر ثلاثٌ بتسليمتين، فإنْ كانت بتسليمةٍ فالأفضلُ أن تكون بقعدةٍ على الأخيرة. فإن صلاها بقعدتين على الثانية والثالة مع تسليمةٍ واحدةٍ، فقيل إنه مَفْضولٌ، وقيل: غير صحيح. ثم قالوا: إنه إن صلاها خمسًا فطريقُها أن يصليها بقعدةٍ على الأخيرة، أو بقعدتين على الرابعةِ والخامسةِ، ثم إن شاءَ سَلَّم على الرابعة والخامسة فقط، وقِسّ عليها حالَها إلى إحدى عشرةَ. وإن أَرَدْتَ أن تكتفي بواحدةِ الوِتْر فذا عندهم جائزٌ أيضًا.
أما عند مالك فظاهرُ موطئة إن الوِتْر ثلاثٌ بتسليمتين وجوبًا ولا تصح بواحدةٍ. وتأوَّله الشارحون وقالوا معناه نَفْيُ الكمال، وذهبوا إلى استحباب الثلاثِ مع صحَّة الواحدة. وقريبٌ منه مذهبُ أَحمد رحمه الله تعالى.
قلتُ: لم يَثْبتُ عن النبيّ لله الاكتفاءُ بركعةٍ واحدةٍ قط بحيث لا يكون قَبْلَها شيءٌ ولا بَعْدَها شيءٌ، كما أقرَّ به الشيخُ عمرو بنُ الصَّلاح. وكذا ليس عندهم للفَصْل بينَ ركعاتِ الوتر شيءٌ غير المُبْهَمَاتِ.
ولنا في كونها ثلاثَ ركعاتٍ وأن لا تسليمَ بينها صرائح ضوامَر من النصوص. وأما المصنِّف رَحِمه الله تعالى فقد وَافَقَنَا في تَغَايُرِ الصلاتين. ولعلَّه وافقنا في الوجوب أيضًا، كما سيجيء تقريره، وكذا في أنه ثلاثُ ركعات ولذا لم يُخرِّج في الباب الأَحاديثَ التي تَدُلُّ على كونِ الوِتْر خَمْسَا إلى ثلاثةَ عشرَ، نعم خالفنا في كونها بتسليمةٍ وجَزَم بكونها بتسليمتين. ثُمَّ لم يستطع أن يستدلَّ عليه إلا بأثرٍ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه. فلنا أيضًا آثارٌ عن عمر، وعليَ، وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم.
= مع أن النصوص تدل على بقائها في نظر الشارع بعد؟ ألا ترى كيف ردَّدت الأحاديث في وقت العشاء فجعل لها نصفًا، وثُلثًا، وأكثر منه، وأقل على التوزيع في المُزّمل بصلاة الليل، فكأن وقتَ العشاء ينقسم بحَسَب صلاة الليل إلى نصف، وثلث، وغيرهما، وعليه التردِيد في نزول الربِّ تبارك وتعالى ففي حديث النصف، وفي آخَرَ الثلث، وتصدى فيه الناسُ إلى الترجيح، والصواب عندي أن الترديد فيه لمكان الترديد في صلاة الليل، فالنزول على أنحاء نحو منه على النصف ونحو آخر على الثلث، وهكذا والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. وبالجملة لَمَّا لم تُنْسخ صلاة الليل قلنا: إن أدناها الوِتر، ولما كان طريقُه، ظنيًا قلنا بوجوبه. وأورد عليه أن لفظ "أَمَد" لو دل على كونِ الوتر واجبًا لوجب أن تكونُ سنةُ الفجر أيضًا واجبة، لأنه وَرَد فيها ذلك اللفظ بعينه. قلت: وهي كذلك عندنا في رواية الحسن بن زياد. ثم رأيت فيه من ذلك السَّند بعينه لَفْظَ الوِتْر أيضًا مكانَ سُنة الفجر، فحكمت أنَّ هذا المضمون إنما كان ورد في الوتر، فَتَوهَّم فيه بعضُهم ونَقَل سُنةَ الفَجْرِ مكانَ الوتر. وكتب الشيخُ عَلَمُ الدين السخاوي رسالة مستقلة على فرضية الوتر، وعدَّة أسطرٍ منها منقولةُ على حاشية البحر وفيها إني نبأ الأمة أن الوتر فرض. ولنا ما أخرجه أبو داود:"الوِتْرُ حَق فَمَن لم يُوتِر فليس منا". أما قوله صلى الله عليه وسلم "فأوتروا يا أهلَ القرآنِ"، فالمراد منهم مَنْ كان يَحْفَظُ القرآنَ دون المؤمنين، وإنما خُصُّوا بالخطاب لأن مشروعيةَ صلاةِ الليل لتلاوةِ القرآن، فهي آكَدُ في حَقهم. ومَنْ فسَّرَهُ بالمؤمنين إنما حَمَله على ذلك أَنه ظَنَّ أنه يُخالِفُ وجوب الوِتْر شيئًا، لأنه يدل على أَن الوِتْر ليس على عامتهم مع أن المرادَ من الوتر صلاةُ الليل كما يُرشد إليه عبارةُ إِسحاق عند الترمذي فافهم منه.
وفي «المُدَونة» من قِيام رمضان: أَنَّ آخِرَ ما صلَّى بها الوِتْر بعد التراويح ثلاثُ ركعاتٍ، وعند الطحاوي: أنَّ عمرَ بن عبد العزيز أَثْبَتَ الوِتْر بالمدينة بقولِ الفقهاءِ ثلاثًا لا يُسلِّم إلا في آخِرِهنَّ. وعنده عن أبي الزِّنَادِ عن السبعة: سعيد بن المسيَّب، وعروةَ بن الزُّبير، والقاسم بن محمد، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وخارجةً بنِ زيد، وعبيد الله بن عبد الله، وسُلَيمان بن يَسَار، في مشيخةٍ سواهم أَهلَ فِقْهٍ وصلاحٍ وفضلٍ، وربمااختلفوا في الشيء، فأخذ بقول أَكثرِهم وأفضلِهم رأيًا، فكان مِمَّا وَعَيْت عنهم على هذه الصفة: أن الوِتْر ثلاثٌ لا يُسلَم في آخَرِهنَّ
…
إلخ. وفيه عبدُ الرحمن بن أبي الزِّناد، وفيه لَيِّن.
قلتُ: وعَلَّق عنه البخاري في الاستسقاء.
990 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِىَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» . أطرافه 472، 473، 993، 995، 1137 - تحفة 8346، 7225
990 -
قوله: (صلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى). واعلم أنه قد تكلَّمنا عليه مرةً في: بابِ الحِلَق في المساجد، والآن سُنِح لنا أن نعود إليه ثانيًا مع إفادات جديدةٍ تركناها مِنْ قبل. فاعلم أَنَّ أَخْذَ المَثْنى في التعبير ليس لنكتةٍ فيها، بل التدرُّج من الأقل - إذا لَمْ يُدْر أنه كم يُصلَّى - طريقٌ فطري أو هو لِدَفْع مضرةٍ في ذِكْر غيره من العدد. فإنه لو قال: صلاةُ الليل أربعٌ، لانحصرت صلاةُ الليل فيه، لكونِ هذا العددِ أقلَّ من الأكثر، وأكثرَ من الأقلّ، فلا بد للتخصيص من نكتةٍ، وحينئذٍ تبادر إلى الذِّهن اختصاصُ صلاةِ الليل به، ولانحصر الوِتْر في الخَمْس، وقد مرَّ تقريره.
فإن قلت: إنَّ المثنويةَ إذا قامت بالسلام ثَبَتَ أنها ثلاثُ ركعاتٍ بتسليمتين. فترجَّح ما ذهبوا إليه ولا سيما إذا كان هذا الحديثُ قوليًا، وخلافُهُ إِنْ ثَبَتَ فإنه فِعْلِيُّ، والقولي مقدَّم.
قلتُ: إما ترجيحُ القولِ على الفعل فلكون القولِ تشريعًا عامًا والفعل واقعةً جزئيةً غيرَ معلومةِ الحال على الأَغْلَب، والأَمرُ ههنا بِالعْكْس. فإن فِعْلَه صلى الله عليه وسلم ههنا مدّةَ عُمره على الوَصْل كما يرويه مَنْ رأَى وِتْرَه الدهر كلَّه. وهي عائشة رضي الله عنها، ومَنْ كَان ذهب لرؤية وِتره وهو ابن عباس رضي الله عنه، لا يحكي إلا أنها ثلاث بسلامٍ واحدٍ في آخِرِهنَّ. وأمَّا القول فَهو مُبْهَم يحتمل الوّجُوهَ ولا يقولُ عاقلٌ بترجيح هذا النحو من الفِعْل على مِثْل هذا القول.
ثم اعلم أَنَّ كلَّ أَمْرٍ حُمِل على خصوصيته صلى الله عليه وسلم لا بد أن يكونَ أفضلَ وأَحْرَى في باب العبادات، فإنَّ اختصاصَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بما هو أَفْضَلُ، كالوصالِ وغيرهِ، بخلاف نحوِ الاستقبالِ والاستدبارِ. فإِنَّا لو حملناه على الخصوصيةِ لا يكون دليلا على أفضليتِهِ، بل يجوزُ أن يكون استقبالُهُ صلى الله عليه وسلم لكونِهِ أَشرفَ في نفسه من الكعبة، فانتفَتْ عِلَّة الكراهة وهي الاستهانة.
على أنه قد مر معنا أَنَّ مسألةَ صلاة الليل فيه تمهيدي. والمَسُوق له بيانُ نَضَد الوِتْر بصلاة الليل، وأنه كيف يجعلُهَا آخِرًا؟ فهداه أنه يَجْعَلُهَا آخِرًا بأن يَضُمَّ معها واحدةً في الآخِر، فيصيرُ
ما قد صَلَّى مِنْ مَثْنَاه قبلَه، أو مجموع صلاة الليل وِتْرًا إن اعتبرناه على طريقِ صِفَةِ الشيء بحال متعلقة، فبناؤه على أَنَّ الوِتْر ثلاثٌ، أما كونُهَا مفصولةً بسَلام، فهو أَمْرٌ آخَرُ لم يتعرض إليه في هذا الحديث، ولا أُريد تَعْلِيمُهُ منه، وإنما عَلَّمه منه نَضْدَ الوِتْر بصلاةِ الليل، كما مر عن صحيح مسلم - ص 298: إنَّ سائلا سأله: كيف أوتر صلاة الليل؟ وإذا لم يبين له عددًا لأنه في إبان الصبح لا يدرى كم يدرك من الركعات، بدأ من مثنى لأنها أقل، ولعله يكتفي بها فقط. فالتسليم على كلِّ مَثْنى ليس مقصودًا، بل هو لِفَرْض أن صلاتَه هذا القدر فقط إن لم يدرك وقتًا بعدها، أو يزيد عليها مَثْنَى أُخْرَى إن أدرك وقتًا، ثم إذا خَشِي الصبح يُبادر إلى الوِتْر. ولما كان الوِتْر مُركَّبَا من مَثْنَى وركعة، فَصل الراوي مثناها في الذِّكْر فقط، ونَبَّه على أن حقيقة الإتسان قامت بواحدةٍ، فهي في النظر فقط بيانٌ للإيتار لا للفَصْل في العمل أيضًا.
وبالجملة أنَّ المَثْنَويَّة عندنا قامت بالقعدة، وعند الشافعية بالسلام، فلزِمهم أن يقولوا بالتسليم على مَثْنَى الوتر أيضًا. فثبتَ التسليمُ بين الركعتين، والركعة من الوتر بخلافِهَا عندنا، فإنها باعتبار القعدة سواءٌ كان فيها التسليم أو لا، وهذا القَدْر قد بَيَّناه مِنْ قبل.
والآن نريد الخوض في لَفْظ: «تُوْتِرُ له مَا قَدْ صَلَّى» أنه ما يفيد؟ وأنه ما الفَرْقُ بينه وبين قوله: «فاوتر بواحدة» . وقد وعدناك بيانَه مرارًا وأَوفيناه أيضًا، ولكنا نفيدك الآن فائدةً لم تكن على خبرةٍ منها بعد.
فاعلم أنا قد مَهدنا مِنْ قبل أن الفِعْل المتعدي إذا اعتبرت فيه المعهودية يصيرُ لازِمَا، وحيئنذٍ يتعدى بحرف الجر، كقوله: قرأ الفاتحة، وقرأ بالفاتحة، ومسح رأسه، ومسح برأسه. ومِنْ هذا الباب أَوْتَره وأوتر به. وحينئذٍ معنى قوله: أَوْتِر به أَن الواحدة هي الوِتْر المعهود عند الشرع. ومعنى الأَيثار بها أن يفعل بها فِعْل الوتر، وحينئذٍ يكون الحديثُ دليلا على أن الوِتْر ركعةً كما ذهب إليه الشافعية رحمهم الله تعالى.
قلتُ: وإن كان حقُّ اللفظ هو هذا، إلا أنَّه لما تبين لنا انتفاءُ كونِ الركعة صلاةً مُعتبرة من جهة صاحب الشرع، وتَرَكْنا تبادُرَه. فإن مِثْل تلك النِّكَات إنما يجري في القرآن للتيقُّنِ بِحِفْظ. أما في الأحاديث فَلِفُشُوِّ الرواية بالمعنى، لا يُؤْمَنُ بِهَا أنه من لَفْظ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو لا. ولنا أن نعارِض بما في البخاري في عين هذا الحديث:«تُوْتِرُ لَهُ ما قد صَلَّى» مكان «أَوْتِر بواحدةٍ» ، وهذا أَقْعَدُ على نَظَرِ الحنفية. فإنَّ الإيتار فيه على صرافة اللغة فلا بد أَنْ يكون هناك مُوْتِرًا - بالفتح - يُؤتَر بتلك الواحدةِ، وهو مَثْنَى بِنَصِّ الحديث، فخرج أَنَّ الوِتْر ثلاثٌ.
فإن قلت: إنَّ قوله: «أَوْتِر بواحدةٍ» كقولهم: أَنتِ واحدةٌ فهي للبينونة. وحينئذٍ تكونُ تلك الواحدةُ منفصلةً من المَثْنَى الأخيرة أيضًا، كانفصالها عن سائر المَثْنَوياتِ وذلك بالتسليم، فيثْبُتُ التَّسْلِيْمُ بين الرَّكْعتين والركعة.
قلتُ: أولا في تفتيش لفظ الواحدِ: إنه يستعملُ بمعنيين: الأول لمفتتح العدد، ويقابله الاثنانِ والثلاثُ، وترجمته «إيك». والثاني بمعنى المنفرد. قال التِّبْرِيزي في شرح قول الحماسي:
طاروا إليه زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانا
وترجمته "أكيلا"، فهذا يدل على الفصل: أَنَّ الوُحْدَانَ جَمْعُ الواحد بمعنى المنفرد، دون الواحد بمعنى أوَّل العدد، وذلك لأنه فَهِم أن الواحد في سلسلة الأعداد لا يكون إلا واحدًا، أو غيرُه إِمَّا يكون اثنين أو ثلاثًا إلى غيرِ ذلك، وهو سَهْوٌ عندي، لأن الاثنين يتركَّبُ من واحدٍ وواحدٍ آخَر، وهكذا في الثلاث ثلاثُ وُحْدان، وعلى هذا القياس. ففي المائة مائة واحدة، لا أن الواحد في سلسلة العدد هو الأول فقط. وحينئذٍ لا بأس لو كان الوحدان جَمْعًا للواحد الذي في سلسلة الأَعداد أيضًا. وحينئذٍ فالفَرْقُ أن الواحِد بمعنى المنفرد يعتبر فيه الانفراد عن الغير، بخلاف ما في سلسلة الأعداد، فإنه لا يعتبر فيه ذلك. بل أقول: إن الواحدَ الذي لِمفتَتَح العدد يقتضي تَحَقُّقَ ما سواه أيضًا، نعم الواحد بمعنى المنفرد ينافي ذلك. فتقول: أنا وحدي فعلت كذا إذا فعلته بحيث لا يكون معك غيرُك، وحينئذٍ لا يجبُ أن يكون قولهُ:"أوْتِر بواحدة" دالًا على أن تلك الركعة ليس معها غَيْرُها، بل يجوزُ أن تكونَ الواحدةُ فيه ما هو في مفتَتَح العدد، بمعنى أنه أوتر بواحدةٍ من تلك الثلاث، وترجمته حينئذٍ "إيك" لا "أكيلا".
فإن قلتُ: إنَّ الواحدة مقابلة للمَثْنَى فتكون منفصلة بسلامٍ كانفصالها. قلت: إن الواحدةَ لو كانت مقابلة للمَثْنَى لكان الكلامُ هكذا: صلاةُ الليل مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيت الصُّبْحُ فواحدة. وحينئذٍ استقامت المقابلةُ بين المَثْنَى والواحدةِ، وانساق إلى الذِّهن أن الأَمْرَ الذي قامت به المَثْنَويةُ قامت به الوحدة أيضًا، وهو السلام، ولكن الشارع عَدَل عنه، وقابل بين المَثْنَى والإِيتار بالواحدة لإفادة التفصِّي شيئًا فشيئًا، وحينئذٍ لا يتم ما راموه.
ثُمَّ إنَّ مما يَدُلُّك على أن الواحدةَ في مِثْله تتعلَّقُ بالأخيرة، ولا يجِبُ أن يكون حالُهَا مع الأخير كحالها مع ما قَبْلِها ما قال الفرَّاءُ: معي عشرةٌ فَأَحِّدْهُنَّ، أي اجعلهن أحدَ عشرَ، أي بزيادةِ واحدةٍ بعد العشرة. فدلَّ على تَعَلُّقِهِ بالأخير، وإنْ كان أثَرُهُ على ما قَبْلَه أيضًا. ونُقِل أن ثالثَ ثلاثةٍ معناه جَاعِلُ الاثنين ثلاثًا بعد كونه معدودًا فيها. وحُكِي عن سيبويه في ثَالِث ثلاثةٍ عشرةَ وجهان: بتنوين ثالث، وبدونها، أي مع الإضافة، ولذا ذكر له الرَّضِيُّ معنيين: الأول الثالثةَ عشرةَ من ثلاثةَ عشرةَ، والثاني الثالثَ من ثلاثَ عشرةَ ودلَّ الأوّلُ على تعَلُّقِهِ بالأخير - يعني تيره مير سي تيره تير هوان ياتيره مير سي تيسرا - ثُم قال الشافعية: معنى قوله: «أوْتِر بواحدةٍ» أي مجموع ما صَلَّيْت قَبْلَه، فيكون حالُهَا مع المَثْنى الأخيرة كحالِهَا مع سائر المثنويات، فهي منفصلةٌ بسلام. وقلنا: بل معناه: أَوْتِر بها الشَّفْعَ الأخيرةَ حقيقةً وإن انسحب الحُكْم على ما قَبْلَهِا أيضًا حُكْمَا، على طريق صفة الشيء بحالِ مُتعلَّقِة. والحديث يدل مَنْ حاقه على أن الواحدة متعلقة بالمَثْنَى الأخيرة فقط، فالمعنى: أوتر بها الشفعَ الأخيرة، فإنَّ قوله صلى الله عليه وسلم «واجعل آخِرَ صلاتِكَ وترًا» صريحٌ في أنه أُريد بالإيتار المَثْنَى الأخيرة فقط، وهي آخِرَ صلاته. وحينئذٍ تكون تلك وترًا حقيقةً، وسائرُ الصلاةِ وترًا على طور وَصْفِ الشيء بحال مُتَعلِّقِه، كيف وأنَّه نَفْسَه قد وصف أوَّل صلاتِهِ بالمَثْنَوية فقال:«صلاةُ الليل مَثْنَى مَثْنَى» فهي مَثْنَى حقيقةً فلا تكون وِتْرًا. كذلك وإنَّما تَصِحُّ وِتْرِيتُهُ على طريق ما قلنا، فهي شَفْعٌ حقيقةً ووِتْرٌ مجازًا. وإذا علمت أن حالَ المَثْنَى الأخيرةَ غيرُ حالِ سائر المثنويات، لم يجب أن يكون حالُهَا في الفصل
عَمَّا قبلها كحالِ سائر المثنويات، وجاز أن تكون المثنوياتُ كُلُّهَا مفصولةً بسلام، وتلك موصولة بواحدة. وهذا معنى ما رواه ابن أبي شَيْبة - وصححه العِراقي - «صلاةُ المغربِ وِتْرِ صلاةِ النهار، فأوتروا صلاةَ الليل» لم يذهب فيه أحدٌ إلى أن صلاةَ المَغْرب أوترت النهايات كُلَّها. بل المعنى أنها خرجت من بينها وِتْرًا بنفسها، وإن اتصفت النارياتُ بالوِتْرية، فعلى طور صِفة الشَّيء بحال متعلَّقِه فليُقَس عليها حالُ الإيتار وظيفة الليل أيضًا. فليس معناه أن الواحدة جعلت مجموعَ صلاةِ الليل وِتْرًا. فحالها مع المَثْنَى الأخيرة والتي قبلها سواء، بل معناه أنها مع المَثْنَى الأخيرة خرجت وِتْرًا من بين سائر صلاة الليل.
والحاصل: أن النهاريات كما اختتمت بصلاةِ وِتْرٍ كذلك اختموا صلاةَ الليلِ بالوتر، وعلى الوتر - وبعبارةٍ أخرى - إن وِتْر النهار كما لم يكن مقومًا لسائر النهاريات، كذلك وتر الليل ليس مقومًا لسائر ركعات الليل ليكون تَعَلُّقُه بالجميع سواء، بل معناه أن آخِرَ النهاريات صلاةً وِتْرٌ كذلك فلتكن صلاةُ الليل وترًا، لتصير الوظيفتان - أي وظيفة الليل والنهار - على شاكلةٍ واحدة. وتتصف الوظيفتان بصفة الوترية فتجلبان معنى الأَحِبَّية، «إن اللَّهَ وِتْرُ يحِبُّ الوِتْر» فكان الإيتار لمعنىً والناسُ حملوه على معنىً. فافهم ولا تعجل لتنجلي لك حقيقةُ الحال. وإنما تكلمنا عليه الآن بحسَبَ أذواق العربية وإن كان الأَمُرُ يبتني على ما ثبت عنه في الخارج ولا يبنى ولا ينهدم من الألفاظ شيء. وقد بقي بَعْدُ خبايا في زوايا الكلام، وفيه كلام أطول من هذا، وليراجع له رسالتي «كَشْف السِّتر في مسألة الوِتْر»
(1)
.
(1)
واعلم أن الشيخ رحمه الله تعالى في عنفوان شبابه سئل عن قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم في باب الوتر: "لا تُوتِروا بثلاث، أوتروا بخمسٍ" الحديث، بأنه دال على خلاف مذهب الحنفية صراحةٌ، فأجاب عنه بداهةً، ولما كان الاستفتاء بلسان الهند أجابه أيضًا كذلك، وكنت أخذْتُ نقله على دأبي القديم بما أُظْفَر من كلامه، فرجعت إليه عند ترتيب باب الوِتْر أيضًا فعجبت من فخامة معانيه، ودقَّة مبانيه مع وجازة الألفاظ، فأردتُ أن أزُفَّه إليك، وعندي رسالة أُخرى أيضًا من الشيخ رحمه الله تعالى تتعلق بمسألةِ الوِتر، لكنها طويلةٌ لا تناسب موضوع الكتاب، فأعَرِّبُ لك ما كتبه على الحديثِ المذكور فقط.
واعلم أن الحديث "لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس" الحديثَ، لعلَّه أخذ في الاستفتاء من "فتح الباري".
و"تلخيص الجسر"، و"نيل الأوطار"، وحَمَل على ما حَمَل عليه الحافظ حيث قال: والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التَّشَبُّه بصلاةِ المَغرب أن يُحْمَل النهيُ على صلاة الثلاث بتشهدين الخ. ولذا فهم أن جوابه على الحنفية فقط، مع أن ما ذكره الحافظ رحمه الله تعالى من محمله بعيدٌ عن الصواب، لأن الحديث لم يَرِد في مسألة التشهد أصلًا بل في بيان العدد وليس فيه إلا النهي عن الاقتصار على الثلاث أنه لا بد أن تضم معها ركعتان فصاعدًا، وإذَن يكون مَحْمولًا على الأفضليةِ بالإِجماع. فإِن ضَمَّ الرِكعتين فما زاد على الوِتر ليس من الواجبات، وإِنما هو أَمْر استحبَّه الشرْع ويؤيدُه حديث:"لا توتروا بثلاث، أوتِروا بخمس، أو سَبْع، ولا تشبهوا بصلاةِ المغرب" اهـ. فإِن الحُكم في قوله: "لا تشبهوا" لا يزيد على الحُكم بقوله: "لا توتروا بثلاث"، بل الجملتانِ بمعنى واحدٍ، لا أن الجملةَ الأُولى في مسألة التشهد، والثانية في بيان العدد. فالثانية حَلت مَحَل العدد للأولى ومجموعُهما في بيانِ العدد لا غيرُ. والمعنى لا توتروا بثلاث، لأنه يستلزم التشبُّه بصلاةِ المغرب ويتعيْن هذا المرادُ صراحة مما رُوي:"لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس" الحديث. فإنه صريحٌ في أنَّ الحديثَ في بيان العدد دون التشهد. وهذا الحديثُ محمول على الأفضلية بالإجماع كما قلنا. والمرادُ من الإِجماع =
...........................
= إجماع الأئمةِ المبتدعِين. قال الحافظ رحمه الله تعالى ذيل شرح حديث: "صلاةُ الليل مَثْنى مَثنى" الخ. واستدل به على تعيينِ الشفع قبل الوِتْر وهو عن المالكية بِناء على أن قوله: "ما قد صلى أي من النفل. وحَمَله مَن لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفَرض، وقالوا: إن سَبق الشفع شَرطْ في الكمال لا في الصحة. انتهى. أما أن الثلاثَ أَفضَل من الواحدة فقد صرح به الشافعية بأنفسهم أيضًا. نعم الاختلاف إنما هو في التشهد، وليس بمذكور في الحديث المذكور. ولو سَلمنا أن فيه تلك، أي مسألة التشهد، فللمعارضِ أن يعارِضَه بحديثٍ آخر: مالك عن عبد الله بن دِينار أن عبد الله بنَ عمرَ كان يقول: "صلاة المغرب وتْرُ صلاةِ النهار. قال الزرقاني: وهذا رواه ابن أبي شَيبَة مرفوعًا عن ابن عمرَ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة المغربِ وترُ النهار، فأوتروا صلاة الليل". ولأحمد رحمه الله تعالى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة المغربِ أوترت النهارَ، فأوتروا صلاةَ الليل". قال الحافظ العراقي. والحديث سنده صحيح اهـ. ورواه الدارقطني عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا أيضًا ولكن سنده ضعيف، وقال البيهقي: الصحيح وَقْفه على ابن مسعود رضي الله عنه. اهـ. ولكن الإِنصاف أن المرادَ منه أيضًا ليس هو التشبيه في التشهد، بل وَجْه الشبه هو الايتار المجردُ لا غير، والله أعلم. وبعد اللتيا والتي لما علمت أن الحديثَ إنما ورد في بيان العددِ دون التشهد، علمت أنَ جوابه ليس على الحنفية فقط، بل هم وغيرهم فيه سواء.
على أن الحديثَ المذكور يخالف ما رُوي في هذا الباب من الأحاديثِ القوليةِ والفعلية، ولا أتذكر في الباب حديثًا مرفوعًا قوليًا أو فعليًا يدل على كَون الوِتر ركعة منفرِدة مفصولة بسلام بعد ثنتين إلا ما جاء من الإِجمال. ولا تَمَسك لهم في حديثِ عائشةَ وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، لما في حديث عائشةَ رضي الله عنها على اختلاف ألفاظه: "يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنِهن وطولهن. ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا اهـ. وكذا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أيضًا على اختلافِ ألفاظه عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه رقد عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: ثُم فَعَل ذلك ثلاثَ مرات بست ركعات، كل ذلك يَستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوْتَر بثلاث. رواه مسلم، والنسائي في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل. وأما التَكلم في حبيب بن أبي ثابت فغير مَسْموع. وأما حديث سَعْد بن هشام عن عائشةَ رضي الله تعالى عنها فإِن ورد فيه: أنَّه كان يُصلِّي تسعَ ركعات لا يَجْلِسُ بينها إلَّا في الثامنةِ، فيذكُر الله ويَحْمَدُه ويَدْعُوه، ثُم يَنْهَضُ ولا يسلم. ثُم يقوم فيصلِّي التاسعةَ، ثُم يَقْعُد فيذكر الله فيحمده ويدعوه، ثُم يسلِّم تسليمًا يُسْمِعُنا. اهـ فقد ورد فيه غيرُ ذلك أيضًا كما عند النسائي وغيره عن سَعْد بن هشام أن عائشة رضي الله عنها حدثته: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لا يُسَلّم في ركعتي الوِتْرِ، فإِنْ كان الأَوَّلُ مع إجمالِه أقربَ إِليهم. فالثاني متعين لنا مع صراحته بنفي السلام بين الركعتين والركعة من الوِتْر. ولما كان مَخْرَجُ الحديثين واحدًا لا بد أن يكون هذا التفصيلُ قاضيًا على ما في الحديث الآخر من الإِجمالَ، ويبقى الوِتْر فيهما ثلاثًا لا غيرُ.
أما حديث أم سَلَمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر بسبع، أو خمس لا يَفْصِل بينهن بتسليم. اهـ. ففيه بيان عدد صلاة الليل أولًا. ومَرْجِع الضمير ليس إلا ركعات الوِتر منهن، سواء سميتَه استخدامًا أو شيئًا آخَر. ويشهدُ له طريقٌ آخرُ لتلك الروايةِ عند النسائي عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر بخمس وسبع لا يَفْصِل بينهن بسلام ولا كلام. اهـ. وحديث عائشةَ رضي الله عنها المارُّ آنفًا في نفي السلام أيضًا قرينةْ عليه.
أَما حديث أبي أيوب: "مَنْ أحب أن يوتِر بخمس فليفعل، ومَن أحبَّ أن يوتِرَ بثلاثٍ فليفعل. ومَن أحبَّ أن يوتِر بواحدة فليفعل"، فلا يقومُ حجة أيضًا لما في "التلخيص"؛ وصَحَّح أبو حاتم، والذهبي، والدارقطني في "العلل"، والبيهقي وغيرُ واحدٍ وَقْفَه، وهو الصواب اهـ. وَوَجهه ظاهِرٌ، لأنه لم تقع الركعة الواحدة مفصولة بسلام مرفوعًا إلا في تلك الروايةِ، والله تعالى أعلم. =
...........................
= وأما نحو حديث: "صلاة الليل مَثنَى مَثنى، فإذا خشي أحَدُكم الصبح صلى ركعة واحدة توتِر له ما قد صلى" فلا حجةَ فيه أصلا، لأن مَبنَى الروايةِ المذكورةِ وأمثالِها على تحليل ركعاتِ الوِتر الثلاثِ إلى المَثَنى والواحدةِ. فعد مثناها في طرف، وواحدتها في طرف آخر لمعانٍ واعتبارات سخت له. فهذا مَلحَظ تعبير لا غير. وقد وَرَد نحو هذا التعبير في كلام الفصحاء والبلغاء أيضًا فقيل:
وكان مجني دونَ من كنتُ أتَقي
…
ثلاثَ شُخُوص كاعبان ومعصر
فانظر كيف فَصَل الثلاثَ، وحَلله إلى الاثنين والواحد، أي الكاعبين والمعصر. وهكذا فليضمه في صلاةِ الوِتر، فإن الراوي فصَله إلى الركعتين والركعة، لأن السياقَ كان في عدد المثنويات، فلما نزل الراوي إلى بيانِ الوِترِ فَصلَ مثناه أيضًا لبيانِ أن الإيتار في الوتر قام بالركعةِ الواحدةِ. ويؤيدُه ما وقع عند أحمد وأبي داود من روايةِ عبد الله بن أبي قيس عن عائشةَ رضي الله تعالى عنها بلفظ "كان يوتِر بأربع وثلاثٍ، وست، وثلاث، وثمانٍ وثلاث، وعَشر، وثلاث، ولم يكن يوتِر بأكثرَ مِن ثلاثَ عشرةَ ولا أنقَص مِن سَبع". قال الحافظ في "الفَتح". وهذا أصحُّ ما وَقَفت عليه من ذلك، وبه يجمع بين ما اختلف عن عائشة رضي الله تعالى عنها مِن ذلك والله اعلم. وعند أبي داود عن عروة عن عائشةَ رضي الله تعالى عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين أَن يَفرُغَ من العشاءِ إلى الفَجْرِ إحدى عشرةَ ركعة، يسلم من كل ركعتين". وجعله الحافِظ رحمه الله تعالى فَاصِلًا في الفصل بين ركعاتِ الوِترِ مع أنه محمول على غير الشفع الأخيرة لما مر في رواية أبي داود عنها. ولما في رواية ابن هشام عن عروةَ عنها: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرةَ ركعة يوتِر فيها بواحدةٍ". الخ ففيها استثناء للشفع الأخيرةِ مع أنه قد مَر آنِفًا أن الرواةَ قد فَصلوا الركعاتِ في تلك الروايات إلى الركعتين والركعة. كتحليل العقلاء بسيطًا مَحضًا تحليلًا عقليًا، ولا يكون ذلك قادِحًا في بساطته مغيْرًا لحقيقته، وإنما يكون ملحظ تعبيرٍ فقط. وعلى هذا لا يَضر الفَرق بين قوله: "يُوتِره"، و"يوتر به" أيضًا. وظاهرٌ أن الوِترية إنما قامت في الحِس من الركعةِ الأخيرة لا غير وإِن كان مجموعُ الثلاثِ صلاة مستقلة عندنا، لكن لا حَجر في التعبير إن بناه الراوي على الحِسِّ والإحساس. وأما رواية هشام عن أبيه عنها: أنَّه كان يوتِر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء من الخمس ركعات إلا في آخِرِهن. رواه حمَّاد بن سَلَمة، وأبو عوانة، وَوهَيْب وغيرهم. فَقَد قَدَح فيه الزرقَاني نقلا عن ابن عبد البر حيث قال: وأكثر الحُفاظَ رَوَوه عن ابن هشام كما رواه مالك والرواية المخالفة له إنما حَدَّث بها عن هشام أَهلُ العراق. وما حَدَّث به هشامٌ قبل خروجه إلى العراق أَصحُّ عندهم اهـ.
وإذا كان الأمر كذلك فقد كفينا عن عهدة الجواب على طريقِ ضابطةِ المحَدِّثين، وإلا فيمكن جوابه أيضًا من غيرِ تكلف، بأن المرادَ من الجلوس هو جلوس الفَراغ لا جلوس التشهدِ. وحاصله: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاتَه من الليل في سلسلة واحدةٍ حتى إذا بقيت خمسٌ مع الوِتْر مَكَث هنيةً، ئُم إذا أراد أن يُصلي ركعاتِ الوِتْر قام وصلى ثلاثَ الوتر وركعتي التطوع بعدها بدون مُكْث بينهما، فإِذن المقصودُ منه بيانُ نفي الجلوس بين الوِتْر ورَكْعَتَيه كما كان في السابق لا نَفْيُ السلام كما زعم. ففيه بيانٌ لحال الوِتْر وركعتي التطوع لا حالِ صلاةِ الليل والوِتْر ومن ههنا عَلِمنا سُنة النبي صلى الله عليه وسلم في هاتين الركعتين. فَمَن أرادَ أن يركَعَهما استُحب له أنْ لا يفصل بين وِتْره وبين هاتين بِمُكْث، بل يصليها في سلسلة واحدة.
والحاصل: أَنَّ النفي فيه لجلوسِ الفراغ دون الجلوسِ مُطلقًا، لمَا مرَّ في الروايات المصدرة عنها.
بقي أن المتبادر من الجلوس إلى جلوس في خلال الصلاةِ لا إلى جلوس الفراغ، فيكون حَمله عليه حَملًا على خلافِ المتبادر. فنقول: إن هذا التبادُر إنَّما هو بَعْدَ تَقَررِ العُرْف واشتهارُه عند الفقهاء. أما الحديث فإِنه يحمل على صرافة اللغة دون العُرف الحادث. فإِنَّ الحديثَ لا يقتصر على بيانِ الفِقْه، بل في غيرِ هذا الباب أيضًا كالسَّير وغيرِه. =
991 -
وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِى الْوِتْرِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ. تحفة 8385
992 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَهْىَ خَالَتُهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِى عَرْضِ وِسَادَةٍ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِى طُولِهَا، فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِى، وَأَخَذَ بِأُذُنِى يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ، خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. أطرافه 117، 138، 183، 697، 698، 699، 726، 728، 1198، 4569، 4570، 4571، 4572، 5919، 6215، 6316، 7452 - تحفة 6362
993 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ فَارْكَعْ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا صَلَّيْتَ» . قَالَ الْقَاسِمُ وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ، وَإِنَّ كُلاًّ لَوَاسِعٌ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِشَىْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ. أطرافه 472، 473، 990، 995، 1137 - تحفة 7374 - 31/ 2
994 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ - تَعْنِى بِاللَّيْلِ - فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ. أطرافه 626، 1123، 1160، 1170، 6310 - تحفة 16472
991 -
قوله: (وعن نَافِع: أن عبد الله بنَ عمر كان يُسَلِّم بين الركعةِ والركعتين في الوِتْرِ، حتى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حاجَتِهِ) قيل: إن «حتى» ههنا بمعنى «كي» ، وحينئذٍ لا يَدُلُّ على كَوْنِ التسليم عادةً له، وإنَّما معناه أَنه كان يُسَلِّم عند سُنُوح الحاجة. وقيل: بل هي للترقي. فمعناه أن التسليم
= أما ما عند الطحاوي عن سالم، عن ابن عمرَ؛ أَنه كان يَفصل بين شَفعه ووِتْره بتسليمةٍ وأَخبر أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل. قال الحافظ: واسنادهُ قوي. فليس نَصًّا في المسألة المتنازع فيها، ولا يدرَى أنه على أَي شيء استشهد بفعلِ النبي صلى الله عليه وسلم فالعمل بهذا الإِبهامِ مع وجود الصرائحِ في المقام جمودٌ جامد، وعدولٌ عن سواءِ الصراط. يقول العبد الضعيف: وإنَّما تَكلم الشيخ رحمه الله تعالى على هذه الأحاديث على طَوْرهم، لأنه أراد الإِجمال، والجواب في الجملة، وإلا فتحقيقُه في بعض تلك الأحاديث يغايرُ ما ذكره. وقد ذكره مُفصَّلا فيما ألقى علينا في درس الترمذي. وقد ذكرناه في موضعه. وإنما أردنا الآن تعريبَ هذا المختصر لكونه جامعًا للأحاديث العزيزة في الباب مع الجواب عنها بأخصرَ وألطف وَجْهٍ فافهم.
كان من عادته، حتى إنه كان يتكلم بين الركعة والركعتين أيضًا، فهو لكمالِ الانفصال. وقد استدلَّ صاحبُ «الْمُغْني» على كونها للترقيِّ من قول الشاعر:
*وكان امرؤٌ من جُنْدِ إبليس فارتقى
…
به الحالُ حتى صار إبليسُ من جُنْدِهِ
قلتُ: ولعل «حتى للتَرَقِّي» هي «حتى العاطفة» للغاية كما في قولهم: مرض فلانٌ حتى لا يرجونه، ومات الناسُ حتى الأنبياءُ، ومن جزئياته حتى للتَرَّقي فاخترعوا لها اسمًا على حِدة، وشرطوا لها شرائِطَ، ولذا احتاجوا إلى إثباتها. ولو قالوا: إنها هي العاطفة، وقد تفيد الترَّقي أيضًا لما احتاجوا إلى تَجَشُّمِ الاستدلال، ولا وجه لإنكارها، وكيفما كان ثبتَ السَّلامُ عن ابن عمر رضي الله عنه في الوسط.
قلتُ: ويَرْوي هذا الحديثَ آخَرُون أيضًا، ومذهبهم أن الوِتْر ثلاثٌ بسلام واحدٍ، فعلم أن الحديثِ ليسَ نصًّا في الفصل، إنما هو اجتهادُهُ ثم إن مذهبَهُ نَقَضَ الوِتْر أيضًا، فهلاّ اختاروه أيضًا مع أنه لم يذهب إليه من الفقهاءِ الأربعةِ أحدٌ.
وفي قيام الليل ما يدل على أنه كان يفعلُ ذلك من رَأَيه، وليس فيه عنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ. وهكذا لم يثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الكلامُ أيضًا قط، فهو أيضًا من اجتهاده، ثم إِنَّ ظاهر هذا التعبيرِ الكلامُ بعد الركعة قبل الركعتين، ولم يختره الشافعيةُ رحمهم الله تعالى أيضًا. وقد يذهبُ وَهْلي إلى أنه يمكن أن يكون كلامُهُ هذا بين الركعة الأخيرة من الوِتْر وركعتي الفَجْر. وقد ثبت نَحْوُه عن عائشةَ رضي الله عنها وإن كان الظاهرُ منه ما اختاره الشافعية.
وليُعْلَم أن الحافظ رحمه الله بعد خَتْم باب التشهد نَبَّه على فائدة، وهي أنهم لم يختلفوا في ألفاظ التشهد الأول إلا ما رُوي في «مصنَّف» عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يرى قولَهُ «السلام عليك أيها النبي»
…
إلخ نَسْخًا للصلاة، ولفظه:«وكان ابن عمر رضي الله عنه يرى التسليمَ في التشهد نَسْخَا في الصلاة» . وصرَّح نافعٌ أن المرادَ به السلامُ عليك أيّها النبيُّ
…
إلخ.
قلتُ: ورأيت هذه الروايةَ بعينها عن سالم، عن ابن عمرَ رضي الله عنه في «مصنِّف» ابن أبي شيبة أيضًا، ثم قال سالم:«أما أنا فَأُسلِّم» . قلتُ: ومن ههنا عُلِم وَجْهُ اجتهادِ ابن عمرَ رضي الله عنه في الكلام بين الركعة والركعتين من الوِتْر. فإنَّه إذا كان يرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يسلم في تَشَهّدِه وكان عنده نَسْخَا للصلاة، حَمَله على الفصل وأنه فَرَغ من صلاته.
ثُمَّ عند مالك في «موطئه» عن ابن عمر رضي الله عنه: «أنه كان يقرأ بالسلام في تَشَهُّدهِ في صلاته» ، وهذا يُوجِب أن لا تصح صلاتُهُ على الفَرْض المذكور. فإنَّه إذا كان التسليمُ عنده نَسْخًا فليزَم أنه كان ينسخُ صلاتَه بالتسليم في التشهد، مع أن اختلافَه لو كان، لكان في ركعات الوِتْر دون سائر الصلوات، فإنَّها متواترةٌ، فما لم يُفَصِّل مَاذَا كَانَ مَذْهَبُه؟ لا ينبغي التَّمَسُّك بحديثه. على أنه قد تبيَّن عندنا مَنْشَؤُه، وهو أن الرواية في النوافل ليست عنده إلا بالمَثْنَى، فَجَعَل الوِتْر أيضًا مَثْنَى وركعةً طردًا للباب، ولا يصِحُّ على طريقنا. وقد أوضحناه في تقرير الترمذي أبْسَط من هذا.