الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعرَّض إلى ما ينبغي للمقتدي مع إمامه من المُعاقبة، أو المُقَارنة. فاعلم أنه اتَّفق كلُّهم على أن المُبَادرة من الإمام مكروهٌ تحريمًا، مع صحة صلاته عندهم، وهذا يَدُلُّ على اجتماع الصحة مع الكراهية، خلافًا لابن تَيْمِيَة رحمه الله. واختلفوا في التعقيب والمقارنة. فذهب الشافعيُّ رحمه الله إلى الأول، وإمامُنا إلى الثاني.
قلتُ: والتعقيبُ بقَدْرِ ما يعلمه المقتدي من حال إمامه مستثنى عقلا، والفاء لا تَدُلُّ على التعقيب الزائد على ذلك، فدلَّ على أن نزاعهم في الفاء غير محرَّر، فإنها وإن كانت للتعقيب، لكنه يتحقَّق بالشروع بعد الشروع. ولا يَلْزَمُ لتحُّقق التعقيب أن يَشْرَعَ بعد فراغ الإمام، فنزاع الإمام إنما يكون ممن يدَّعِي الشروع بعد الفراغ، لا ممن يدَّعي الشروع بعد الشروع. فإن شروع المقتدي لا يكون إلا بعد شروع الإِمام. فهذا القَدْرُ من التعقيب يكفي للفاء، ولا يُنْكِرُه الإِمام أيضًا وأمَّا بعد ذلك، فيقول بالمقارنة، ولا حُجَّة في الحديث على التعقيب أزيد من هذا.
690 -
بقي قوله: (لم يَحْنِ أحدٌ منا ظَهْرَه) فقد كَشَفَه ما عند مسلم: «أنه أمرهم بذلك حين بَدُنَ، فخشي أن يتقدَّموا عليه» ، وقد عَلِمْتَ أنه مكروهٌ تحريمًا.
53 - باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ
691 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ - أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» . تحفة 14380
ولعلّ الحكمةَ في تحويل رأسه حمارًا: أنه فَعَلَ فِعْلَ الحمار، ولم يَدْرِ أنه إمامٌ أو مأمومٌ، فرفع رأسه قبل الإِمام، ونَصَبَ نفسه مَنْصِب الإِمام مع كونه مأمومًا. ثم المذكور في الحديث هو الخَشْيَة أن يفعل به ذلك، لا أنه إخبارٌ به، ومع ذلك وقع مثله مرةً كما كتبه القاري، والعياذ بالله العلي العظيم.
ثم أقول: إنه محمولٌ على التهديد في الدنيا، ولا يَبْعُد أن يكون ما في الحديث حكمه في الآخرة، فَيْمسَخُ رأسه رأس حمار، والعياذ بالله تعالى.
54 - باب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى
وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ الْمُصْحَفِ. وَوَلَدِ الْبَغِىِّ وَالأَعْرَابِىِّ وَالْغُلَامِ الَّذِى لَمْ يَحْتَلِمْ، لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» . ولا يُمنَعُ العبدُ مِنَ الجماعةِ بغير علةٍ.
692 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا. طرفه 7175 - تحفة 7800
وصرَّح الحنفية أن الكراهة فيها تنزيهية.
قوله: (والمولى)، قالوا: إنه مصدرٌ ميمي، وأورد عليهم أنه يذكَّر ويؤنَّث، فيُقَال: مولاة، والمصدر لا يذكَّر ولا يؤنَّث. وعندي أنه اسم مفعول أصله مولية، فحذف فيه كما حذف في لفظ المعنى، فهو لفظ آخر وليس مؤنَّث المولى.
قوله: (من المُصْحَفِ)، والقراءة من المُصْحَفِ مُفْسِدَةٌ عندنا، فتأوَّله بعضُهم أنه كان يَحْفَظُ من المُصْحَف في النهار، ويقرؤه في الليل عن ظَهْرِ قلب.
قلتُ: إن كان ذَكْوَان يقرأُ من المُصْحَفِ، فلنا ما رواه العَيْنِي رحمه الله: أن عمر رضي الله عنه كان ينهى عنه، ورأيتُ في الخارج: أنه كان من دَأْب أهل الكتاب، فإِنهم لا يتمكَّنون أن يقرأوا كُتُبهم عن ظَهْر قلبٍ، على أنه مخالفٌ للتوارث قطعًا.
قوله: (وولد البَغِيِّ)، والكراهةُ فيه تنزيهيةٌ إذا كان صالحًا، وكذا في الأعرابيِّ، والغلام الذي لم يَحْتَلِم، وهو مذهب الشافعية، وتمسَّك له البخاريُّ بقولهصلى الله عليه وسلّم «يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ» ، فأطلق فيه ولم يَفْصِل بين أن يكون أعرابيًّا أو غلامًا، ولا يُمْنَعُ الغلام عن الجماعة، فإِذا لم يكن له مانعٌ، فأيُّ قصورٍ في إمامته؟ ثم أخرج حديثًا وَرَدَ في باب الولاية، فتمسَّك منه على الإِمامة الصغرى، لكونهما من بابٍ واحدٍ. وهذا على نحو ما حرَّره الأصوليون من اعتبار عين العلِّة في عين حكم الحكم، والجنس في الجنس، والعين في الجنس، والجنس في العين، والمتحقِّق ههنا هو الثاني.
فالحديث مَسُوقٌ في الإِمامة العامة، وكذا المراد من الإطاعة هو عدم البغاوة، دون الإطاعة في أفعال الصلاة، وتمسَّك منه المصنِّف رحمه الله على الإمامة في الصلاة. وإذن تمسُّكه منه على الإمامة الصغرى والإِطاعة فيها من باب اعتبار جنس الوصف - أي الإِمامة الصغرى - في جنس الحكم - أي الإِطاعة في أمر الصلاة - وأنت قد عَرَفْتَ أن التمسُّكَ بالعمومات ضعيفٌ عندي؛ ألا ترى أنّ كون الإمام قُرَشِيًّا من شرائط الإمامة العامة، بخلاف إمامة الصلاة؟ فإن تَمَسَّكَ أحدٌ من قوله:(اسْتُعْمِل) فسيأتي شرحه عن قريبٍ بما لا يَرِدُ علينا.
وتمسَّك الشافعية بإمامة عمرو بن سَلَمة
(1)
عند أبي داود.
(1)
قال الخطَّابي: وكَرِه الصلاةَ خلف الغلام قبل أن يَحْتَلِم عطاءُ والشَّعْبِيُّ ومالكُ والثَّوْرِي والأوزاعيُّ، وإليه ذَهَبَ أصحابُ الرأي، وكان أحمدُ بن حنبل رحمه الله تعالى يُضَعِّفُ أمرَ عمرو بن سَلَمَة، وقال مرةً: دَعْهُ ليس بشيء بيِّن، وقال الزهريُّ: إذا اضْطَرُّوا إليه أمَّهُم .. إلخ. ويوضِّحه ما في "البناية": قال أبو داود: قيل لأحمد حديث عمرو قال: لا أدري ما هذا، فلعلَّه لم يتحقَّق بلوغ أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وتكلَّم عليه الزيْلَعِي في "شرح الكنز".
وحاصله: أنهم قدَّموه باجتهادٍ منهم لِمَا كان يتلقَّى من الرُّكبَان. فما بالهم يأخذون بقول صبي يقول هو: إنه كانت عليه بُرْدَة تَتَقَلَّص عنه إذا سَجَدَ، ولا يأخذون بقول عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، فإنهما قالا: إنه لا يَؤُمُّ الغلام ما لم يَحْتَلِمْ -مختصرًا بتصرف-. =