الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ «أَبْرِدْ» . حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {يَتَفَيَّأُ} [النحل: 48]: تَتَمَيَّلُ. أطرافه 535، 629، 3258 - تحفة 11914 - 143/ 1
539 -
قوله: (حتى رأينا فَيْءَ التُّلُولِ) وعند البخاري في الأذان حتى ساوى الظلُّ التُّلُول، وهذا يدلُّ على أَنَّ وَقْتَ الظُّهر يَبْقَى إلى المِثلين لأنَّ التُّلُول في الغالبِ تكونُ منبطحة ولا تكون شاخِصَة فلا يَظْهرُ لها ظِلٌّ إلا بعد غاية التأخيرِ، فالمساواةُ لا تكونُ إلا بالمِثلين. وأقرَّ النَّووي بأَنَّه دالٌّ على التأخير الشديد، وأجابوا عنه بأَنَّه محمولٌ على الجمعِ في السفر
(1)
.
قلتُ: وهذا غيرُ نافذ، لأنَّ الجمعَ الوقتي لم يثبت عندنا أصلا، فهو مِنْ بابِ البِنَاءِ على ما ليس بثابتٍ، ثُمَّ إنَّه ليس بحجة للحنفية أيضًا، لأنَّ الراوي لم يَرْوِ بالمساواة حقيقتها، وتحديدِ الوقت بها، وتعليمِ مسألة المِثل والمِثلين منها، بل هو بصددِ بيان شِدَّةِ تأخيرهِ في ذلك اليوم، فبالغ فيه وعبره بالمساواة والتعبيرات اللاتي تَخْرج في سِياق المبالغةِ، لا تكون مدارًا للمسألة عندي، كالأوصافِ التي أُجريت مَجْرَى المدْحِ أو الذمِّ، ومِنْ هذا الباب ما وقعَ في أشعارِ بعضِ العلماءِ من نحو تعميم في علم النبي صلى الله عليه وسلم فتمسكَ به بعضُ من لا عِلْمَ له على كونِ النَّبي صلى الله عليه وسلم عالمًا للغيب كُلاًّ وجزءًا، ولم يَقْدِرُوا أَنْ يُفَرِّقوا بين بابِ العقيدة، وبابِ المدح، فإِنَّ المبالغاتِ تُسْتَحْسَن في النوع الثاني دون الأَوَّل، وهكذا بابُ الوعدِ والوعيد، تجيء فيها العبارات مرسلَة عن القُيودِ والشُّرُوط، وهو مُقْتَضى الحالِ فيهما، إلا أَنَّ الجاهلَ يهدِرُ هذه الدَّقائِق فيحملهما على الإِطلاقِ، ثُمَّ يضطرُّ إلى خَرْقِ الإِجماع ومخالَفةِ النُّصوصِ والسُنَّة، فنعوذ بالله مِنَ الجَهْل.
11 - باب وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ
وَقَالَ جَابِرٌ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى بِالْهَاجِرَةِ.
قوله: (الهَاجِرَة) سمي به لأَنَّ الطُّرُق تُهْجَرُ في هذا الوقتِ.
540 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلَا تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلَاّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِى مَقَامِى هَذَا» . فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِى الْبُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ «سَلُونِى» . فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِىُّ فَقَالَ مَنْ أَبِى قَالَ
(1)
قلتُ: كيف ساغَ للنَّووي رحمه الله تعالى أَنْ يَحْمِلَه على السَّفَر مع أنَّ تعليلَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بأنَّ شدَّةَ الحرِّ من فيح جهنَّم في هذا الحديث ينادي بأعلى نداء أَنَّه لا اختصاصَ له بالسَّفَر، بل المقصود هو الإِبراد بلا فصل بين السفر والحضر، فليس التأخيرُ فيه لأجل الجمع كما قالوا، بل لأجل الإِبرادِ كما هو المنصوص، والله تعالى أعلم بالصواب.
«أَبُوكَ حُذَافَةُ» . ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ «سَلُونِى» . فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ «عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِى عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ» . أطرافه 93، 749، 4621، 6362، 6468، 6486، 7089، 7090، 7091، 7294، 7295 - تحفة 1493
540 -
قوله: (إِلا أخبرتُكم ما دُمْتُ في مقامي هذا)
(1)
.
541 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِى بَرْزَةَ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، وَيُصَلِّى الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ
(1)
قلتُ: ولو كان النَّبي صلى الله عليه وسلم عالمًا للغيبِ مطلقًا، ظاهرًا عليه بمفاتيحه، كما فَهِمَه بعضُ الجُهَلاء، لما كان لهذا التقييد معنىً، بل هو مِنْ نحو تجلى عليه إِذْ ذاك على نحو ما يَطْرأ على الأولياء مِنْ بَعْضِ تلكَ الأحوالِ، فتارةً يُخبِرون عَن العرش، وأُخْرَى يَغْفَلون عن الفَرش، وأحوالِ الأنبياءِ أَرْفَع، وإنَّما ذَكَرْتُ الأولياء تفهيمًا وتَقْرِيبًا، ويَدُلُّ على هذا قوله:"عُرِضَت عَليَّ الجنةُ والنَّارُ آنفًا". ومعلومٌ أَنَّهما لم تكونا معروضتين عليه دائمًا، وإِنَّما هو مِنْ بابِ العَرْض فَظَنُّوهُ عِلمًا على أَنَّه لا يدري أَنَّ وَعْدَ الإِخبار منه لكل شيء يسألونه عنه، كان لإِحاطة بِعلم الجزئيات كلًّا وجزءًا، أو بوعدِهِ تعالى إياه أنَّه سيَكشفها عليه عند السؤال، كما كشف عَنْ بيتِ المقْدِس، وجُلِّي له حتى أخبر قريشًا عما سألوه مِنْ أحوالِها. والظاهر هو الثاني، لقوله: عرضت
…
الخ.
ثم إنَّ الغيبَ هل ينحصر فيما هم سائلون عنه، أو سؤال النَّاسِ فيما يبلُغ إليه فكرههم جزء من الغيب. فلو فرضنا أنَّه عَلِمَ جوابَ كل ما يسأله النَّاس مِنَ الأشياءِ، وكان ذلك النَّحو منه مستمِرًا عنده حاضرًا حضور المعلول عد عِلَّتِه لَما ازداد على قَطْرة من بحرٍ أو دونَها، فإِن كلماتِ الله غير متناهية، وأسئلتهم كلها متناهية، والمتناهي وإِنْ كثر وكثر، لكنَّه لا شيء بجنب غير المتناهي، فَعِلْم النبي صلى الله عليه وسلم أَزْيَد مِنَ المخلوقات، ولم يبق من علوم الهدَاية ما لا بد منها لأمته إلا وَقد أعطاها الله له، وهو الأليقُ بشأن الأنبياء.
أما علوم المزارع والأكارع فهو كما قال هو بنفسه: أنتم أعلمُ بأمور دنياكُم، ألا ترى أَنَّ الخضر عليه السلام كان عالمًا بجزئياتٍ لم يعلمها موسى عليه الصلاة والسلام؟ ثُمَّ اتفقوا على أَنَّ الفضلَ إنَّما هو لموسى عليه الصلاة والسلام. أمَّا الخضر عليه الصلاة والسلام فإنَّهم اختلفوا في نبوته، وهم كذلك بعد مختلفون. ويجوز على قولِ مَنْ قال بولايته، أَنَّ يزيد ولي على نبي في نحو هذه العلوم، فأي فضل بَقي فيه فيرومون إثباته للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد قلتُ مرة للشيخ رحمه الله: إِنَّ علوم الباري جل ذِكْرُه لعلها تضعف عن حملها بنية البشر فلو تجشم أحد لتحمله لم يتحمله فإنَّ العلوم الغير المتناهية إنَّما تليق بمن كان سائر صفاته كذلك، ليس هو إلا الله، فليست تلك العلوم أيضًا إلا لله جل مجده، ولله المثل الأعلى. فأقرّ به الشيخ رحمه الله تعالى، وهو مَحْمَلُ قول النَّبي صلى الله عليه وسلم حين رأى في المنام أَن الله تعالى وَضَعَ يده بين كتفيه "فتجلى لي كل شيء" وفي لفظ "فعَلِمْت ما في السماوات والأرض". فعبَّر عنه تارةً بالعلم، وتارةً بالتجلي، ثُمَّ إنَّ علمه تعالى لا يَنْحَصر فيما بين السماوات والأرض، ولو عَلِمَ ما بينهما كلها فماذا كان. وفي حديث عند الترمذي وغيره:"إنَّ اللهَ زوى لي الأرض كلها، وبلغ ملك أمتي إلى ما زُوي لي منها" -بالمعنى- في هذا الباب إلا لفظ العرضى والتمثل والتجلي والزوي نعم تارة جاء فيه لفظ العلم أيضًا ثم في أحاديث الفتن عند الترمذي أَنَّه أَخبَر الصحابةَ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فهل تراهم صاروا به عالمين بالغيب كلهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم، وإنَّما أريد به الإِخبار بما يتعلق بالفتن، وبنحو الدرجات والكفارات في حديث المنام مع تعميم في اللفظ فادره.
وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِى الْمَغْرِبِ، وَلَا يُبَالِى بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. ثُمَّ قَالَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. وَقَالَ مُعَاذٌ قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرَّةً فَقَالَ أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ. أطرافه 547، 568، 599، 771 - تحفة 11605
541 -
قوله: (وأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَه) وعند أبي داود في باب وَقْتِ صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم وكان يُصلِّي الصُّبح وما يَعْرِفُ أحدُنا جَلِيسَه الذي كان يَعْرفُه وكان يَقْرأ فيها الستين إلى المائة. فليحرره فإِنَّ بينهما تضادًا صراحةً، وليس هذا سهوًا من الكاتب، فإِن كان فَمِنَ الراوي، والظاهر أَنَّ الصَّواب ما عند البخاري، لأنَّ هذا الحديث أَخْرَجَهُ مسلم أيضًا بذلك السند، وفيه:«فيصرف الرجلُ الرجلَ فينظُر إلى وجهِ جليسهِ الذي يَعْرِفه فيعرفه» - فهذه القصة بهذا الإِسناد مروية عند الشيخين، وأبي داود، وليس اللفظُ المذكورُ إلا عند أبي داود فهو إمَّا وَهْمٌ مِنْ أحدِ رواته وهو الظاهر، أو من النَّاسخ.
قوله: (وأحدُنا يَذْهَبُ إلى أَقْصَى المدينةِ رَجَعَ والشمسُ حية) والمتبادر من لفظِ الرُّجوعِ أَنَّه المرادُ من المسافة إيابًا وذهابًا، فيدلُّ على شدِّةِ التعجيلِ، والصوابُ أَنَّهما مسافة من جانبٍ فقط، كما تدل عليهِ الرِّواية الآتية في الباب الآتي، وفيها:«فيأتيهم والشمس مرتفعة» . وتأويلُ الرجوع
(1)
أَنَّه رجوع إلى أَهلِهِ في أَقْصَى المدينةِ لا إلى المدينةِ كما هو بَعْدَ عدةِ أحاديثَ مصرحًا في حديث سَيَّار: ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أَقْصَى المدينة والشمس حية. فتحقَّقَ أَنَّ تلكَ المسافة من جانبٍ واحد فقط، لا كما كان يُتوهم مِنَ اللفظ الأول.
وقال الطحاوي إنَّه يَدُلُّ على التأخير مكان التعجيل، فإِنَّ الرَّاوي لم يستطع بيان تأخيره إلا بأْنَّ الحياةَ كانت باقية في الشمس، ولم تكُن ماتت بالكُلِّية، فهذا سِياق في التأخيرِ لا في التعجيلِ كما فهموه. على أَنَّ الخِلافَ فيه خلافُ الأفضليةِ كما في الظُّهْرِ في تعجيلها وتأخيرها، وكما في التَّغْلِيس. فذهب الإِمامُ الشافعي رحمه الله تعالى إلى التَّعْجِيل في الكُلِّ «غير العشاء، مشيًا على العمومات والإِطلاقات، كقوله صلى الله عليه وسلم في جوابِ سائلٍ أَيُّ الأعمال أفضل: قال: الصَّلاةُ لأَوَّل وقْتِها» . وأَخَذَ الحنفيةُ بخصوص سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم رويت في صلواته فقسموها على تلك الأوقات، وهو صَنيعُنا وصنيعهم في مسألة الفاتحة، فإِنَّهم تمسَّكُوا بعمومِ قوله صلى الله عليه وسلم «لا صلاةَ إلا بفاتحةِ الكتابِ» . ونحن نَزَلنا إلى الخصوصِ، فتمسكنا بقوله:«إذا قرأ فأنصتوا» وأنت تعلم أَنَّ التَّمسكَ بالخصوص أَوْلَى وأقوى، وهو الأوجه فإِنَّ النُّزول من العمومات إلى الخصوص هو السبيلُ الأقوم.
542 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِى ابْنَ مُقَاتِلٍ - قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِى غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِىِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
(1)
قال الشيخ بدر الدين العيني رحمه الله تعالى وإنما سمي رجوعًا، لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعًا.