الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَدًا مِنْكُمْ - أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ يُنَادِى - بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوِ الصُّبْحُ». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا. وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. طرفاه 5298، 7247 - تحفة 9375 - 161/ 1
622 و 623 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (ح).
قال وَحَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» . أطرافه 617، 620، 1918، 2656، 7248 - تحفة 17535
لا يُقَال: إن الأذانين لو كانا بكلماتٍ واحدةٍ لَمَا حَصَلَ التمييزُ بينهما، ولَمَا أفاد تأذينُ ابن أم مكتومٍ فائدةً، فَلَزِم أن يكونا بكلماتٍ مختلفةٍ بحيث لا يَغْتَرُّ الصائمُ بالأذان الأول، ثم إذا سَمِعَ الأذانَ الثاني يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عنه الصائمون، لأنا نقول: إن التمايُزَ يَحْصُل من تِلْقَاء أصواتهما، وإن لم يَحْصُل من جهة كلماتهما، وأن الأذانين لو كانا بكلماتٍ مختلفةٍ ولم يكن بينهما التباسٌ على زعمكم، فما معنى قوله:«لا يَغُرَّنَّكم أذانُ بلال» ، فإنه يَدُلُّ على أن أذانه كان بحيث لو اغترَّ منه مُغْتَرٌّ لاغترَّ، فَدَلَّ على وَحْدَة كلماتهما على طوركم أيضًا.
14 - باب كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ
624 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ - ثَلَاثًا - لِمَنْ شَاءَ» . طرفه 627 - تحفة 9658
625 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الأَنْصَارِىَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِىَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَىْءٌ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَاّ قَلِيلٌ. طرفه 503 - تحفة 1112
وقدَّره الحنفية
(1)
بقَدْر أن يقضي الرجلُ حاجَتَه، ويَرْجِعَ إلى الصلاة، وأقلُّه أن يُصَلِّي فيه أربع ركعات إلا في المغرب، فإنه يُسْتَحَبُّ فيها التعجيل مهما أمكن. وقال ابن الهُمَام رحمه الله تعالى: يَنْتَظِرُ فيها أيضًا بقدْر ركعتين لورود الحديث فيه، وذهب إلى إباحتها كما في «القنية»
(1)
أخرج الترمذي عن جابر في حديثه: "واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته". قال الترمذي: وإسناده مجهول.
أيضًا. وفي عامة الكُتُب: إن الصلاةَ قبل المغرب مكروهةٌ والأوجه ما اختاره ابن الهُمَام، وإليه ذَهَبَ مالكٌ رحمه الله تعالى. وقال الشافعيُّ رحمه الله تعالى: يُصَلِّي ويتجوَّز فيهما، وعن أحمد رحمه الله تعالى: أنه صلاهما مرةً، ثم لم يستمر عليهما، كما يُعْلَمُ من «مسنده». وفي العيني: أنه لم يصلِّها إلا مرةً حين بَلَغَه الحديث، وهكذا عُرِفَ من عادات المحدِّثين: أنهم كانوا يعملون بالحديث مرةً حين يَبْلُغُهم وإن لم يَذْهَبُوا إليه ولم يختاروه، وإنما يَبْتَغُون بهذا الطريق سبيل الخروج عن عُهْدَتِهِ. ونَقَلَه الحافظ في «الفتح» ، وفيه سهوٌ، فكَتَبَ: حتى بَلَغَه الحديث، مكان «حين» فانقلب منه المراد. والصواب كما في العَيْنِي، كَمَا يَتَّضِحُ من «مسند أحمد» رحمهم الله تعالى.
والحديثُ حُجَّةٌ للشافعية، وأصرح منه ما عند البخاري في باب الصلاة قبل الغروب، ولفظه:«صَلُّوا قبل صلاة المغرب، قال في الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناسُ سنةً» . اهـ. لأن فيه صيغةَ الأمر، وأدناها أن تُحْمَل على الاستحباب، ولأن فيه تصريحًا بصلاة المغرب بخلاف حديث الباب، فإنه إن صَدَقَ عليها، صَدَقَ بعمومه. وقد عَلِمْتَ أن التمسُّك بالعموم دائمًا عندنا ليس بذاك. وأجاب عنه الحنفية رحمهم الله تعالى: أن المرادَ من الأذانين الأذانان في الوقتين للصلاتين، فاستقام الحديث على مذهبنا أيضًا، وليس بجيدٍ عندي، لأن المراد منه هو الأذان والإِقامة تغليبًا. والحديثُ على طورهم يَصِيْرُ قليل الجدوى، فإنه أمرٌ بديهي.
والصواب في الجواب ما اختاره ابن الهُمَام من التزام الإباحة، وعليه تُحْمَلُ صيغة الأمر، لأنها وَرَدَت في صلاةٍ تَضَافَرَت الروايات بتعجيلها - أعني المغربَ - وحينئذٍ يَتَبَادَرُ الذهنُ أن لا يصلِّي قبلها بصلاة، فإذن لا تكون إلا لبيان الإباحة، ورفع إبهام الحظر، لا سِيَّما إذا كان فيه لفظ:«لمن شاء» ، و «كراهية أن يتخذها الناسُ سنةً» . والفرق في الأحاديث بالاستحباب والسنية غير نافع.
وعند أبي داود في باب الصلاة قبل المَغْرِب، عن أنس بن مالكٍ قال:«صلَّيت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلتُ لأنس: أرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رآنا، فلم يأمرنا، ولم ينهانا» . وهذا هو معنى الإباحة. وما يَحْكُمُ به الخاطر الفاتر أن الحديثَ على وجهه، هو الحديثُ العامُّ، وأراد الراوي أن يُجْرِيَ عمومه على المغرب، لأن المسألةَ عنده هكذا كانت، فأخْرَجَ المغرب من الخمس، وأدْخَلَها تحت حكم الحديث العامِّ، وركَّب منه عبارةً كما رأيت. وهذا بالحقيقة رواية المعنى، لا الرواية بالمعنى. وحاصلهُ: أن الروايةَ بالمعنى هي التي يَقْصُد بها الراوي سَرْدَ الرواية بألفاظها، فلم تَحْضُرْهُ الألفاظ، فرواها على المعنى، أي مراعيًا للألفاظ.
وأمَّا رواية المعنى: فهي أن لا يَقْصُدُ سردَ الألفاظ من أول الأمر، بل يَقْصُدَ إعطاء المراد الجملي، كما يَقْصُد في المجالس العامة كالوعظ وغير ذلك، فيروي المعنى فقط إلقاءً للمراد بدون تعرُّض إلى الألفاظ. وإنما حَمَلَني على ذلك حكم الوجدان، ولأن الحديث في عامة
ألفاظه لا يُوْجَدُ إلا على اللفظ العام، ولاشتراك الإسناد في الموضعين، ولنقل ابن الجوزيِّ في كتاب «الناسخ والمنسوخ» ، عن الأَثْرَم تلميذ أحمد رحمه الله تعالى: أنه معلولٌ. ثم وَرَدَت في الحديث العامِّ زيادةٌ عند الدارقطني و «مسند البزار» هكذا: «بين كل أذانين صلاةٌ إلا المغرب» . اهـ. وهو عجيبٌ، فإن استثناء المغرب يُنَاقِضُ صراحةً قوله:«صَلُّوا قبل المغرب» . ولا يلتقي الأمرُ بها مع استثنائها حتى يلتقي السُهَيْل مع السُّهَا.
قيل: في إسناد الاستثناء حَيَّان بن عبد الله، وقال ابن الجوزيّ: إنه كذَّابٌ، ومَرَّ عليه الزَّيْلَعِيُّ وقال: إنه اثنان: ابن عبد الله: وهو كذَّابٌ، وابن عُبَيْد الله: وهو ثقةٌ، ونقل عن البزار: أن حيان ههنا هو ابن عُبَيْد الله، وهو بصريٌّ ثقة. ومرَّ عليه السيوطي في «اللآلىء المصنوعة» ، وقال: وسها ابن الجوزيِّ في حكمه بالوضع، ثم قرَّره بما مرَّ
(1)
. فالروايةُ صحيحةٌ، ويقضي العجب من مثل الحافظ حيث نَقَلَ عبارةَ ابن الجوزيِّ، ولم يَنْقُل عبارةَ البزَّار، ولا وجهَ له غير أنه كان فيه نفعٌ للحنفية ولا يريده، وإلا فالحافظُ ليس غافلا عن هذه الأشياء، والله المستعان.
قلتُ: ولعلَّ الحديثَ كان بدون الاستثناء، إلا أن الراوي لمَّا لم يُشَاهد بهما العمل، ألحق به الاستثناء من قِبَل نفسه، كما فعل ابن عمر رضي الله عنه، وبنى نفيه على انتفاء المشاهدة عنده. فعند أبي داود قال:«سُئِلَ ابن عمر رضي الله عنه عن الركعتين قبل المغرب، فقال: ما رأيتُ أحدًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّيهما»
…
إلخ. فليس عنده غير تلك المشاهدة، فبنى عليها النفي. وهكذا حالُ من زاد الاستثناء، فإنما زاده لأجل أنه افتقد بهما العملَ، لا أنه كان مرويًا عنده جزئيًا.
وتحصَّل من المجموع: أن في الباب ثلاث روايات: الأولى: الحديث العام بدون تعرُّض
(1)
قلتُ: ونأتيك بعبارة "اللآلىء" برُمَّتِهَا: البزار: حدَّثنا عبد الواحد بن غِيَاث: حدثنا حَيَّان بن عُبَيْد الله، عن عبد الله بن بُرَيْدَة، عن أبيه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "بين كل أذانين صلاة إلَّا المغرب". لا يَصِحُّ حَيَّان: كذَّبه الفَلَّاس. قال البزار بعد تخريجه: لا نعلم رواه إلّا حَيان، وهو بصريٌّ مشهورٌ ليس به بأس. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": لكنه اختلط. وذكره ابن عدي في "الضعفاء". انتهى. وحيان هذا غير الذي كذَّبه الفَلَّاس، ذاك حَيَّان بن عبد الله -بالتكبير- أبو جَبَلة الدارمي، وهذا حيان بن عبيد الله -بالتصغير- أبو زهير البصري، ذكرهما في "الميزان": اهـ. وهكذا هو عند البيهقيِّ حَيَّان بن عُبَيْد الله -مصغرًا- ثُمَّ نَقَلَ السيوطي عن ابن خُزَيْمة أن حَيَّان بن عُبَيْد الله هذا قد أخطأ في الإسناد، ثم ذَكَرَ خطأه، ثم قال: ولعلَّه لما رَأَى العامةَ لا تُصَلِّي قبل المغرب، توهَّمَ أنه لا يُصَلَّى قبل المغرب، فزاد هذه الكلمة في الخبر. وازدد علمًا بأن هذه الرواية خطأ: أنَّ ابن المبارك قال في حديثه عن كَهْمَس: "فكان ابن بُرَيْدَة -وهو أحد رواته- صلى قبل المغرب ركعتين". فلو كان ابنُ بُرَيْدَة سَمِعَ عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاستثناء الذي زاد حَيَّان بن عُبَيْد الله في الخبر:"ما خلا صلاة المغرب"، لم يكن يُخَالِف خبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اهـ.
ولله دَرُّه ما ألطف كلامه، ولذا أتحفناك به. وهذا أوضح القرائن على كون تلك الزيادة من حَيَّان، فإنها لو كانت مرويةً ممن فوقه من ابن بُرَيدَة، لم يكن ابن بُرَيْدَة ليصليها مع كون تلك الزيادة عنده، فدلَّ على أن من صلَّاها، فقد عَمِلَ بالمرفوع، ومن تَرَكَهَا، فلأجل أنه لم يُشَاهِد العمل بهما.
إلى المغرب نفيًا وإثباتًا
(1)
، والثاني: الأمر بها جزئيًا، والثالث: استثناؤها عن الخمس. والذي يَدُور بالبال - وإن لم يكن له بال - أن الحديثَ المرفوعَ هو الحديثُ العامُّ، ثم من كان مذهبُهُ الصلاة قبل المغرب، رواها على اللفظ الثاني على طريق رواية المعنى وبيانًا للمسألة، لا على شاكلة سَرْد الرواية. ومن استثناها عن الخمس نظر إلى الخارجِ، ولمَّا لم يَجِدْ فيه أحدًا يَعْمَلُ بهما، أَخرجهما عن الأمر بالصلاة لا محالة، لا أن الاستثناء مرفوعٌ عنده، أَلا تَرَى أن ابن عمر رضي الله عنه لمَّا سُئِلَ عنهما لم يأتِ بصريح النهيِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإنما نفاهما بناءً على مشاهدته وفُقْدَان العمل، هكذا فليفهم حال الاستثناء. ثم لم يَذْكُر راوٍ من رواة هذه الرواية أن واحدًا منهم كان يعمل بهما. وهذا يحقِّق أن من صلَّى بهما، فقد عَمِلَ بألفاظ الحديث، ومن تَرَكَهُمَا، فقد نَظَرَ إلى المشاهدة
(2)
وبالجملة إن مذهب الإمام هو المذهبُ المنصورُ، وإليه ذهب الجمهور، كما صرَّح به النووي. ثم إنه مع التصريح بعمل الخلفاء الأربعة وغيرهم على الترك، أراد أن يَرُدَّ على أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فلينظر هل يُنَاسب هذا بعد ذلك؟ وإن تعدلوا هو أَقْربُ للتقوى. والله المستعان. وما تحصَّل عندي: أنهما قد عُمِلَ بهما في زمنٍ، ثم انتهى العملُ بالترك، كما مرَّ عن ابن عمر رضي الله عنه. وعند النسائي في باب الرخصة في الصلاة قبل المغرب:«أنَّ أبا تميم الجَيْشَانِيَّ قام لِيَرْكَعَ ركعتين قبل المغرب، فقلتُ لِعُقْبَةَ بن عامرٍ: انظر إلى هذا، أيَّ صلاةٍ يُصَلِّي؟ فالتفتَ إليه فرآه، فقال: هذه صلاة كنا نُصَلِّيها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. فَثَبَتَ منه الجزآن، أي أنها كانت في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثم انقطع بهما العمل حتى أفضى إلى الإنكار عليهما. أَلا ترى إلى قوله: «أيَّ صلاةٍ يُصَلِّي؟» كيف يَتَسَاءلُ عنها كأنه لا يَعْرِفُ أصلها.
بقي عَمَلُ أبي تميم، فتلك أذواق للناس: فمنهم من لا يُحِبُّ أن يَتْرِكَ ما عُمِلَ به في عهده صلى الله عليه وسلم مرةً، ويُوَاظِبُ عليه، ويراه مُؤَكَّدًا لنفسه. ومنهم من يُرَاعِي السُّنَّةَ الأخيرة، فالأخيرةُ وهي ما استقرَّ
(3)
عليها عملُه صلى الله عليه وسلم وعَمِلَ بها أصحابُهُ صلى الله عليه وسلم بعده، وقد عُرِفَ من أمر أصحابه
(1)
قلتُ: وكثيرًا ما وَقَعَ مثله في أحاديث، فمن أمثلته ما رُوي عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه:"إذا أُقِيَمتِ الصلاةُ، فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةَ". فالحديثُ المعروفُ هو هذا، ثم جاء بعضُ الرواة، فزاد فيه:"إلَّا ركعتي الفجر"، وجاء بعضٌ آخر، فروى:"ولا ركعتي الفجر"، فأورث على الناس تخليطًا. والأصل أن مذهبهما اختلط مع المعروف فأوحش طول، وسيجيءُ تفصيله.
(2)
قلتُ: وفي "العرف الشذي": أن البزار وابن شاهين ذهبا إلى نسخهما لورود الاستثناء، فدلَّ على صحته عندهما، كذا في كتاب "الناسخ والمنسوخ"، ثم اعلم أن ابن شاهين مُعَاصِرُ الدارقطني.
(3)
يقول العبدُ الضعيفُ: وكان شيخُنَا أقل ما يطلق لفظ النسخ على شيء، بل يقول: انتهى به العمل. ولَعمرِي إنه تعبيرٌ جيدٌ لو تخيَّره الناسُ أسوةً، فإن العملَ قد ينتهي مع بقاء المشروعية، بخلاف النسخ فإن المُتَبَادَرَ منه رفعُهَا، فادِّعاء الانتهاء أسهلُ من ادِّعَاء الرفع. وأمَّا من لا يَحْتَاطُ في مثل هذه الأبواب، فيدَّعي في كل موضع لم يُسْنَحْ له التوفيق أنه منسوخٌ ولا يُبَالِي، ثم يَزْعَمُهُ علمًا. نعم، وإن من العلم لجهلًا، ثم أخرجه النَّسائي، في باب الصلاة بين الأذان والإقامة، وفيه قال:"كان المؤذِّنُ إذا أذَّن، قام ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَيَبْتَدِرُون السواري يُصَلُّون، حتى يَخْرُجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يُصَلُّون قبل المغرب" اهـ. =