الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - باب أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ
617 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِىَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» . ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لَا يُنَادِى حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. أطرافه 620، 623، 1918، 2656، 7248 - تحفة 6917
وفي «المحيط» : أنه مكروهٌ، والمختار ألا بأس به إذا كان عنده من يُخْبِره بالوقت، وبه حَصَل الجمع أيضًا.
617 -
قوله: (إن بلالًا يؤذِّنُ بليلٍ)
…
إلخ، وفيه مباحث: الأول: هي يُشْرَع تكرار الأذان لصلاةٍ واحدةٍ أو لا؟ فقال الشافعيةُ: إنه جائزٌ مطلقًا، ويُسْتَفَاد من كتاب «الأم» للشافعيِّ رحمه الله تعالى: أن فيه تفصيلا من نحو كونه عند الحاجة، وكونه في أمكنةٍ متعدِّدةٍ، وكون المؤذِّن متعدِّدًا
(1)
ثم صَرَّح فيه بجواز التكرار إلى أربعة. وقال النوويُّ: يُسْتَحَبُّ أن لا يُزَاد على أربعةٍ إلا لحاجةٍ ظاهرةٍ، وهذا يَدُلُّ على جواز الزيادة على الأربعة أيضًا، وهذا التكرار عندهم إعلامٌ بعد إعلامٍ حتى جوَّزوه في الصلوات الخمس لا إعادة. ولعلَّ زيادة عثمان رضي الله عنه النداء الثالث أيضًا تحت هذه الضابطة، لأنه لمَّا رَأَى أن الشرعَ وَرَدَ بتكرار الأذان في الفجر، لكونه وقت الغَفْوَة والغَفْلَة، زاده في الجمعة أيضًا لظهور الاحتياج فيه إلى مزيد إعلامٍ
(2)
.
والحنفية أيضًا أبَاحُوا أذان الجَوْق، إلا أن أذان الجَوْق يكونُ في وقتٍ واحدٍ، والتكرارُ عندهم يكون بطريقِ التعقيب، بل يُسْتَحَبُّ أن يترتَّبُوا فيه إذا اتسع الوقت.
قلت: وقد تمسَّك لأذان الجَوْق بما أخرجه مالك في «الموطأ» في باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يَخْطُب: «فإذا خَرَجَ عمر، وجَلَسَ على المنبر، وأذَّن المؤذِّنون، وقال ثَعْلَبة: جَلَسْنَا نتحدَّث، فإذا سَكَتَ المؤذِّنون، وقام عمر يَخْطُب، أنصتنا فلم يتكلَّم منا أحدٌ» . اهـ.
(1)
قلتُ: قال الخطَّابي في "معالم السنن": ذهب بعضُ أصحاب الحديث إلى أن ذلك جائزٌ إذا كان للمسجد مؤذِّنَان، كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمَّا إذا لم يؤذِّن فيه إلَّا واحدٌ، فإنه لا يجوز أن يفعله إلَّا بعد دخول الوقت، فيحتمل على هذا أنه لم يكن لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي نهى فيه بلالا إلا مؤذِّن واحد، وهو بلال.
ثم أجَازَه حين أقام ابن أم مكتوم مؤذِّنًا، لأن الحديث في تأذين بلال رضي الله عنه قبل الفجر ثابت من رواية ابن عمر رضي الله عنه. اهـ.
قلتُ: وإنما أتيتُ بهذا النقل لما زعمت فيه ندرة، ولأن أوله يُفِيدُنا شيئًا، فتفكَّر.
(2)
قلتُ: والتثويب أيضًا لهذا المعنى، فمن نَظَرَ إلى كفاية الاعلام الأول كَرِهَهُ وعدَّه بدعة، ومن نَظَرَ إلى تهاون الناس، ولم يَرَ في الاعلام الأول كفاية أجاز به، كالمتأخّرين. وإنما ذكرتُ التثويبَ لاشتراكه في الأذان في كونه إعلامًا، وإلَّا فمسألة تعدُّد الأذان مسألةٌ أخرى اهـ.
والثاني: هل يجوز الأذان قبل الوقت؟ فأجمع
(1)
كلُّهم على أن الأذان قبل الوقت لا يَجُوز إلا في الفجر، فذهب الجمهور إلى جوازه في الفجر خاصةً، وقال إمامنا الأعظم ومحمدٌ رحمهما الله تعالى: إنه لا يجوز في الفجر كما في أخواته عندهم، وتمسَّك الجمهور بحديث ابن عمر رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها في تكرار الأذان، وفيه تصريحٌ بأن الأذان الأول كان قبل الوقت.
والثالث: أنهم اختلفوا في وقته، فأجازه النوويُّ من نصف الليل، وهو تطاولٌ محضٌ ليس له مُسْكَة في الأحاديث، بل فيه ما يَدُلُّ بخلافه، كما في البخاري:«ولم يكن بين أذانيهما إلا أن يَرْقَى هذا، وينزل هذا» . فدلَّ على تقارُب الأذانين جدًا، ومنه سَقَطَ تأويله: أن بلالا كان يُؤَذِّن قبل الفجر، ويتربَّص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يَرْقُبُ الفجرَ، فإذا قارب طلوعه نَزَلَ، فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهَّب ابن أم مكتوم بالطهارة، ثم يَرْقَى ويَشْرَعُ في الأَذان مع أول طلوع الفجر. اهـ.
وأنتَ تَعْلَمُ أنه لم يَحْتَجْ إلى هذا التصوير البعيد، إلا أنه لَمَّا التزم جوازه من نصف الليل، وكان الحديث يَدُلُّ على شدَّة التقارُب بينهما، حَمَلَه على أنه كان يُؤَذِّن بليلٍ، وكان يَجْلِسُ هناك ليصادف نزولُ هذا صعودَ هذا، فيَصْدُق التقارب. وكأنه كان بصدد الجمع بين ما اختاره وبين تعبير عائشة رضي الله عنها في شدَّة التعجيل، فلم يكن يَنْزِلُ حتى يجيءَ وقتُ أذان ابن أم مكتوم، ثم كان يَنْزِلُ بحيث يَقَعُ أذانُ ابن أم مكتوم في أول الطلوع، لئلا يُخَالِفَ مسألة التغليس أيضًا، وهذا كلُّه إنما يمشي إذا أخذ التقارُب فيه بين النزول والصعود.
وقد عَلِمْتَ من متن البخاري ما بين الأذانين، فدَلَّ على قلة الفاصلة بين الأذانين جدًا، ولذا قال السُّبْكي: إن وقتَ الأذان الأول من سدس الليل بعد طُلُوعِ الصبح الكاذب، وصحَّحه. وإنما عبَّره ابن عمر رضي الله عنه بالليل توسُّعًا لبقاء بعض الظلمة بَعْدُ، فَحَمَلَه على الليل حقيقةً، ولعلَّ النوويَّ ذَهَبَ إليه، لأنِ رَأَى وقتَ العشاء إلى النصف بلا كراهة، فَجَعَلَ أذان الفجر في النصف الثاني، لأن هذا الأذان عندهم للفجر، فلا يكون إلا بعد انقضاء وقت العشاء، وهو إلى النصف بدون كراهة.
قلت: فهلا جَعَلَ للعشاء والفجر أذانًا واحدًا، فإنه إذا قدَّمه إلى النصف فما بعده أيسر. والذي تَدُلُّ عليه الأحاديث هو تقارب الأذانين جدًا، حتى بالغت فيه عائشةُ رضي الله عنها، قالت:«لم يكن بين أذانيهما»
…
إلخ. وهذا أيضًا مبالغة منها، ولم تُرِدِ الفاصلة بقدر هذا
(1)
قال الشيخ الأكبر في "الفتوحات": اتفق العلماءُ على ألَّا يُؤَذِّن للصلاة قبل الوقت ما عدا الصبح، فإن فيه خلافًا. فمن قائل بجواز ذلك قبل الوقت، ومن قائلٍ بالمنع، وبه أقول، فإن الأذان قبل الوقت إنما هو عندي ذِكْرٌ بصورة الأذان، وما هو الأذان المعروف على صورة الإعلام بدخول وقت الصلاة. فقد كان بلال يُؤَذِّن بليلٍ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يمنعنكم أذان بلال عن الأكل والشرب". يعني في رمضان، ولمن يُرِيدُ الصوم، فالأذان عندي لا يجب إلَّا بعد دُخُول الوقت اهـ. كذا في "السعاية".
فقط، بل أرادت بيان شدَّة التقارُب بينهما. فإن كان حنفيٌّ يريد أن يَجْمَدَ على ظاهر تعبيرها، ويشدِّد على الشافعية، فليس بسديدٍ، فإن الشيءَ من باب المحاورات، والأخذ فيه بمثله، أخذٌ بكل حشيشٍ.
والرابع: أنه إن أذَّن قبل الوقت، فهل يُجْتَزِىء بذلك، أو يعيده في الوقت أيضًا؟ فادَّعى الشافعية أنه يُجْزِىءُ بذلك، واسْتَبْعَدَه الحنفية، وقالوا: كيف مع ورُود التكرار في متن الحديث صراحةً؟ والمختار عندنا أنه لا يُعْتَدُّ بالأذان قبل الفجر، ويجب الإعادة في الوقت، كما في سائر الأوقات عندهم أيضًا.
والخامس: أن الأذان الأول كان للفجر، أو لمعنى آخر؟ فذهب الشافعيةُ أنه كان للوقت كالثاني على طريق الإعلام بعد الإعلام، وادَّعى الحنفيةُ أنه كان للتسحير لا للوقت. وتمسَّك له الطحاويُّ بما رُوِيَ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، وهو عند مسلم أيضًا:«لا يَمْنَعَنَّ أحدَكم أذانُ بلالٍ، أو قال: نداءُ بلالٍ من سَحُوره، فإنه كان يُؤَذِّن ليَرْجِعَ قائمكم، ويُوقِظَ نائمكم»
…
إلخ فتبيَّن منه أن أذان بلال إنما كان لأجل أن يَرْجِعَ قائم الليل عن صلاته ويتسحَّر، ويستيقظ النائم فيتسحَّر، فهذا تصريحٌ بكونه للتسحير لا للفجر. وأمَّا للفجر، فكان ينادي به ابن أم مكتوم، ولذا كان يَنْتَظِرُ الفجرَ ويتوخَّاه.
وتحيَّر منه الحافظُ ولم يَقْدِر على جوابه، إلا أنه قال: لا تناقُضَ بين الأسباب، فَجَازَ أن يكون للتسحير أيضًا. ثم المذكور في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في جميع طُرُقه هو الأذان الواحد فقط، ولا ذكر فيه للثاني، فَحَمَل الحنفيةُ الساكتَ على الناطقِ، وَعَجَز عنه الحافظُ أيضًا، فإنه لا دليلَ فيه حينئذٍ على الاجتزاء بالأذان الواحد.
والسادس: أنه كان في رمضان خاصةً، صرَّح به أحمدُ رحمه الله تعالى كما في «المغني» لابن قُدَامة، وابن القطَّان كما في «الفتح» ، وابن دقيق العيد كما في «التخريج» للزَّيْلَعِي.
والسابع: أن هذا الأذان كان بعين تلك الكلمات، أو بكلماتٍ أخرى غير المعروفة، فذهب السَّرُوجي منا أنه كان بكلماتٍ أخرى غير تلك الكلمات، وحمله الشافعية رحمهم الله تعالى على المعروف. فهذه سبعة مباحث.
ولعلَّك فَهِمْتَ منها أن في استدلالهم نظرٌ من وجوهٍ: الأول: في ثبوت نفس التكرار، وإن سلَّمناه، فلنا أن نمنع كونه بكلماتٍ معروفةٍ، لِمَ لا يجوز أن يكون بكلماتٍ أخرى؟ وإن سلَّمناه، فلِمَ لا يجوز أن يكون في رمضان خاصةً؟ ولو سلَّمناه أيضًا، فَلِمَ لا يجوز أن يكون الأول للتسحير لا للفجر؟ فعليهم أن يُثْبِتُوا هذه الأشياء، ودونه خَرْطُ القَتاد.
قلت: لمّا رأيت الحنفيةَ يتأوَّلون بكون الأول في رمضان خاصةً، تتبعت له كتُبَ الفقه: أن المسألة عندنا هي أيضًا كذلك، أو هو مجرد احتمال واحتيال، فوجدتُ في «شرعة الإسلام» لشيخ صاحب «الهداية»: جواز العمل به في رمضان عندنا. وحاصلُ هذا الجواب: أنه لا نِزَاع في نفس التعدُّد، وإنما النزاع في تعدُّد الأذان للفجر، ولا دليلَ عليه من ألفاظ الحديث، بل فيها أنه كان للتسحير، وهو جائزٌ عندنا أيضًا.
وههنا جوابٌ آخر ساقه الطَّحاويُّ في «معاني الآثار» ، وقال: يحتمل أن يكون بلالا كان يؤذِّن في وقتٍ كان يَرَى أن الفجرَ قد طَلَعَ فيه، ولا يتحقَّق ذلك لضعف بصره، لما رُوِيَ عن أنس رضي الله عنه:«لا يَغُرَّنَّكم أذانُ بلال، فإن في بصره شيئًا» . وفي بعض ألفاظ عندي: «فإن في بصره سوءٌ» . وقوَّاه ابن دقيق العيد، ثم أيَّده الطَّحاويُّ بما رُوِي عن عائشة رضي الله عنها من التقارُب الشديد بين أذانيهما، حيث قالت:«فلم يكن إلاّ مقدار ما يَصْعَدُ هذا، ويَنْزِلُ هذا» ، فثَبَتَ أنهما كانا يَقْصُدَان وقتًا واحدًا، وهو طُلُوع الفجر، فيخْطِئُهُ بلال لِمَا ببصره شيء، ويُصِيبُهُ ابن أم مكتوم، لأنه لم يكن يفعله حتى يقول له الجماعة: أصبحت أصبحت.
وله جوابٌ آخر: «أن الأسودَ سَأَلَ عائشةَ رضي الله عنها عن وترها، فقالت: إذا أذَّن المؤذِّن، قال الأسودُ: وإنما كانوا يؤذِّنون بعد الصبح» . وسماع الأسود عن عائشة رضي الله عنها كان بالمدينة، ثم هو يروي أذان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح، وعائشة رضي الله عنها لم تُنْكِر على تركهم التأذين قبله، ولا أنكر عليه غيرها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنها سَمِعَت من النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تعدُّد الأذان ما سَمِعَت.
وله جوابٌ آخر أيضًا: ما أُخْرِجَ عن ابن عمر رضي الله عنه: «أن بلالا أذَّن قبل طُلُوع الفجر، فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَرْجِعَ، فنادى: ألا إن العبدَ قد نام» . فهذا ابن عمر رضي الله عنه يروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما ذكرناه، وهو ممن قد رَوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن بلالا يؤذِّن بليلٍ»
…
إلخ فَثَبَتَ بذلك أن ما كان من ندائه قبل طُلُوع الفجر مما كان مباحًا له هو لغير الصلاة، وأننا ما أنكره عليه إذ فعله قبل الفجر كان للصلاة.
وقد رُوِيَ عن ابن عمر، عن حَفْصَة بنت عمر رضي الله عنهم في حديثٍ:«وكان لا يؤذِّنُ حتى يُصْبِحَ» . فهذا ابن عمر رضي الله عنه يُخْبِرُ عن حَفْصَة رضي الله عنها: أنهم كانوا لا يؤذِّنُونَ حتى يُصْبِحَ». فهذا ابن عمر رضي الله عنه يُخْبِرُ عن حَفْصَة رضي الله عنها: أنهم كانوا لا يؤذِّنون للصلاة إلا بعد طُلُوع الفجر. وأَمْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلالا أيضًا أن يَرْجِعَ فينادي: «ألا إن العبدَ قد نام» ، يَدُلُّ على أن عادتهم أنهم كانوا لا يَعْرِفُون أذانًا قبل الفجر، ولو كانوا يَعْرِفُون ذلك لَمَا احتاجوا إلى هذا النداء. وأراد به عندنا - والله أعلم - ذلك النداء إنما هو لِيُعْلِمَهم أنهم في ليلٍ بَعْدُ حتى يُصَلِّي من آثر منهم أن يُصَلِّي، ولا يُمْسِك عنه الصائم. اهـ. بتغييرٍ.
واعْتُرِضَ عليه من جهة الإسناد والمعنى جميعًا. أمَّا الأول، فقالوا: إن الصحيحَ وَقْفُه على عمر رضي الله عنه، فهو واقعةُ عمر رضي الله عنه مع مؤذِّنه، لا واقعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع بلال وأُجِيبَ: إن حَمَّادًا إن سلَّمنا تفرُّده، فهو ثقةٌ مقبولٌ، مع أنه ليس بمتفرِّدٍ فيه، وله مُتَابَعَاتٌ شتَّى، وإحداها قوية، فلا يُمْكِن إنكاره وإنما اضْطَرُّوا إلى إنكاره لِمَا ثَبَتَ عندهم تقديم الأذان عن وقته، وهكذا قد يأتي الفِقْهُ على الحديث
(1)
.
(1)
قلت: ولئن سلمنا وقفه، حجة لنا أيضًا، وهل ترى عمر رضي الله عنه يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم ينكر عليه أحد منهم، غير أنهم تكلموا فيه أيضًا.
وأمَّا من جهة المعنى، فكما قال الترمذي: إن حديث حمَّاد لو كان صحيحًا لم يكن لهذا الحديث معنى، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن بلالا يؤذِّن بليلٍ» ، فإنما أمرهم فيما يُسْتَقْبَلُ، ولو أنه أمره بالإِعادة حين أذَّن قبل طُلُوع الفجر لم يَقُل:«إن بلالا يؤذِّن بليلٍ» . اهـ. وأُجِيبَ: بأن العمل في تكرار الأذانين كان مختلفًا، فكان بلالٌ يؤذِّن بالليل، وابنُ أمّ مكتوم في الصباح، ثم صَارَ ابنُ أم مكتومٍ مكان بلالٍ، فكان ابنُ أم مكتومٍ يؤذِّن في الليل، وبلالٌ في الصباح. هكذا ثَبَتَ في بعض الروايات، وأخرجها الحافظ في «الفتح» .
وزَعَم بعضُهم فيه قلبًا من الرَّاوي، والصواب أنه ليس بقلبٍ، بل محمولٌ على
(1)
اختلاف الزمانين وعليه استقرَّ رأيُ الحافظ بعد تطريقه. فإذا ثَبَتَ أنه كان كذلك، فلنا أن نقول: إن قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم «إن بلالا يؤذِّن بليلٍ» ، إنما هو في زمانٍ كان بلالُ يؤذِّن بالليلِ وابن أم مكتوم في الصباح. وأمَّا أَمْرُه إياه أن ينادي:«ألا إن العبدَ قد نام» فجاز أن يكون في زمان كان بلالُ يؤذِّن فيه في الصباح واتفق في ذلك اليوم أنه أذَّن في الليل على عادته القديمة، أو ظنَّ أن الفجرَ قد طَلَعَ عليه، فاحتاج إلى الاعتذار عنه. فإن الأذان بالليل قد كان فَرَغَ عنه ابنُ أم مكتومٍ، وكان ينبغي له ألا يؤذِّن إلا بعد طُلُوع الفجر لئلا يقع الأذانان كلاهما في الليل، فلمَّا أذَّن هو أيضًا بالليل لَزِمَه أن يَعْتَذِرَ عنه، لأنه قد أذَّن قبل وقته الذي كان يؤذِّن فيه، فهذا هو وجهه، والله تعالى أعلم.
ثم إنك قد عَلِمْتَ عن حَفْصَة رضي الله عنها: أنهم كانوا لا يؤذِّنون للصلاة إلا بعد الفجر، وهكذا عن الأسود في حديث عائشة رضي الله عنها، وقد مرَّ آنفًا. وأخرج الطَّحَاويُّ عن سُفْيَان بن سعيد أنه قال له رجلٌ:«إني أؤذِّن قبل طُلُوع الفجر لأكون أول من يَقْرَعُ باب السماء بالنداء، فقال سُفْيَان: لا حتى يَنْفَجِرَ الفجرُ» . وعن عَلْقَمَة عنده قال إبراهيم: «شيَّعنا عَلْقَمَةَ إلى مكة، فخرج بليلٍ، فَسَمِعَ مؤذِّنًا يؤذِّن بليلٍ، فقال: أمَّا هذا، فقد خَالفَ سنةَ أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان نائمًا كان خيرًا له، فإذا طَلَعَ الفجرُ أذَّن» . وفي «التمهيد» ، عن إبراهيم قال:«كانوا إذا أذَّن المؤذِّن بليلٍ أَتَوْهُ، فقالوا له: اتقِ الله، وأَعِد أذانك» . ومن أراد التفصيل فليراجع الزَّيْلَعِي.
ثم ههنا دقيقةٌ أخرى يجب التنبيه عليها، وهي: أن الطَّحَاويّ ادَّعَى جوازَ الأكل في زمانٍ بعد طلوع الفجر أيضًا، ووافقه الداودي المالكي شارح البخاري، وأيَّده الحافظُ رحمه الله تعالى أيضًا، وأخرج أثرًا عن أبي بكر رضي الله عنه:«أنه أكل بعد الفجر» ، وعن حُذَيْفَة مثله كما في «التفسير المظهري» . واستشكل الحافظُ روايةَ الباب أيضًا، وقال: إنه جَعَلَ أذانَ ابن أم مكتوم غايةً للأكل، فلو أذَّن بعد دُخُول الصباح - كما يعلم من الرواية، وكان ابنُ أم مكتومٍ رجلا أعمى لا ينادي حتى يُقَال له: أصبحت أصبحت - لَزِمَ جوازُ الأكل بعد طُلُوع الفجر، وهو خِلافُ ما
(1)
وقد جمع ابن خزيمة والصيفي بين الحديثين باحتمال أن الأذان كان نوبًا بين بلال وابن أم مكتوم، وجزم ابن حبان، بذلك ولم يبده احتمالًا - كذا في "شرح الزرقاني على الموطأ".
عليه الجمهور. فالظاهر أن حديثَ الباب مؤيِّدٌ لمن قال: إن حُرْمَةً الأَكل بتبيُّن الفجر، لا بنفس الطُّلُوع، وهو أقوى حُجَّةً، وهو أقوى حُجَّةً، كما قالوا. اهـ مختصرًا.
قلت: ومن بقاياه ما تسلسل في كُتُب الفِقْه من رواية جواز الأكل بعد الطُّلُوع أيضًا، كما في «قاضيخان» ، وإن كان الأحوطُ هو التركُ. وأصل البحث في القرآن: فمنهم من أراد منه التبيُّن التام، ومنهم من اكتفى بنفس التبيُّن، ولذا أقول: إن من أكل بعد الطُّلُوع وانتهى عنه قُبَيْل الانتشار، فإنه يقضي فقط ولا يُكَفِّر، واستدلَّ الطَّحَاوِيُّ على ذلك بقصة زِرّ بن حُبَيْش مع حُذَيفة في الصيام، ثم أخرج في باب التأذين قبل الفجر، عن حَفْصَة رضي الله عنها: ما مرَّ آنفًا، ولفظه:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أذَّن المؤذِّن بالفجر، قام فصلَّى ركعتي الفجر، ثم خَرَجَ إلى المسجد، وحَرُمَ الطعامُ، وكان لا يؤذِّن حتى يُصْبِح» . وعند أبي داود، في باب الرجل يَسْمَعُ النداء والإناء على يده، عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا سَمِعَ أحدُكم النداءَ والإناءُ على يده، فلا يَضَعْه حتى يقضي حاجته منه» . اهـ
(1)
.
فهذه الروايات تَدُلُّ على جواز الأكل بعد نداء الصبح أيضًا، وحينئذٍ دَعَتْ الضرورةُ إلى الأذان الآخر، ليُمْسِكَ من أراد الصومَ عَمَّا يُمْسِكُ عنه الصائمون، فيمكن أن يكون تعدُّد الأذان في ذلك الزمان، فإذا نُسِحَ الأكلُ بعد الفجر، نُسِحَ أحدُ الأذانين أيضًا، وهو الذي قبل الفجر. وقال بعضُ العلماء: إن الأذان قبل الفجر في عهد صلى الله عليه وسلم كان لتعليمهم وقت السُّحُور، ثم لمَّا عَرَفُوه تُرِكَ. هذا زُبْدَة مقالهم، وملخَّص كلامهم في هذا الباب.
والذي تبيَّن لي هو أن الأذانَ الأولَ أيضًا كان للوقت كالأذان الثاني، ومن قال: إن الأذان الأولَ لو كان للفجر لَمَا كانت حاجةٌ إلى الأذان الثاني، ففيه مصادرةٌ على المطلوب، كيف وهذا أول النزاع؟ وقد بيَّنا في أول الكلام أن الأذانَ الثاني ليس إعادةً ليُتَوَهَّم منه إبطال العمل، بل هو إعلامٌ بعد إعلامٍ، وهو معقولٌ. وإنما التزم الحنفية أنه للتسحير ليَسْهُلَ الجواب عليهم، ولذا قالوا: إنه مخصوصٌ برمضان.
قلتُ: ولا دليلَ عليه، وأمَّا ما قال به ابن القطَّان وابن دقيق العيد، فليس في أيديهما شيءٌ أيضًا إلا هذا الحديث، ولا نقلَ عندهم من الخارج أنه كان مخصوصًا برمضان، وإنما أبداه من قوله:«فَكُلُوا واشْرَبُوا» ، ففَهِمَا منه أنه كان للتسحير، لأن الأكلَ والشربَ في الليل لا يكون إلا تسحيرًا، ولا يكون إلا في رمضان. وأصرحُ حُجَّةٍ عندهم على ذلك: حديث ابن مسعود رضي الله عنه لِمَا فيه تصريحٌ بعلَّة الأذان، وهي أنه:«لِيَرْجِعَ القائمُ، ويستيقظَ النائمُ» . وحَمَلُوه على التسحير، فَغَلِطُوا في شرحه، مع أن المرادَ من القائم ليس هو القائمُ للصلاة، بل هو الذي قام
(1)
قلتُ: قال البيهقي: إن صحَّ هذا، يُحْمَلُ عند الجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم قاله حين كان المنادي ينادي قبل طلوع الفجر، بحيث يَقَعُ شُرْبُه قبل طُلُوع الفجر. اهـ. قلتُ: ويُسْتَفَاد منه: أن الأذان قبل الفجر كان في زمانٍ، ثم انقطع فيما بعده، ولذا حَمَلَه على زمان تعدُّد الأذان. فلو كان الأذانُ قبل الفجر أمرًا مستمرًا، لم تكن في قوله:"حين كان المنادي"
…
إلخ. فائدةٌ. ثم إذا عَلِمْتَ جوازَ الأكل بعد الصبح من رواية الطَّحَاوِيِّ صراحةً، فلا فائدة من هذا التأويل. والله تعالى أعلم.
عن فراشه، ثم ذهب لحاجته وتفرَّق في الفضاء وغيره، فمعناه أن بلالا يُؤَذِّنُ ليَرْجِعَ هذا القائم إلى الصلاة، وليقومَ من كان نائمًا، فيتأهَّبَ للصلاة. وعند الطَّحَاوِيِّ:«ليرجعَ غائبكم» بدل قائمكم، أي من كان غائبًا، ولم يكن موجودًا في بيته، وهو أصرح في هذا المراد.
ثم رأيتُ الشافعيَّ رحمه الله تعالى شَرَحَه بعين ما قلتُ. والحافظُ رحمه الله تعالى لَمَّا لَمْ يُدْرِكْ مراده تحيَّر منه، وَعَجَزَ عن جوابه، ولم يَقْدِر إلا على أنه لا تناقضَ في الأسباب، فجاز أن يكونَ للتسحير أيضًا، فكأنه التزم شرحه المشهور. وأمَّا إذا عَلِمْتَ حقيقةَ الحال، لم يَبْقَ لنا فيه استدلالٌ.
بقي حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، فليس فيه بيانٌ لِمَا كان بلالٌ يُؤَذِّنُ له، وإنما فيه:«أن بلالا يُؤَذِّنُ بليلٍ» ، وأما لأي شيء هو، فلا حَرْفَ له فيه، وحَمْلُهُ على التسحير من بداهة الوَهْم لا غير، بل في طُرُقه ما يَدُلُّ على خلاف ذلك، وهو قوله في «صحيح البخاري»:«لا يَمْنَعَنَّكم أذانُ بلال» ، فدلَّ على أن أذانه لم يكن مانعًا عن التسحير، لا أنه كان للتسحير كما فَهِمُوه، وهل تستطيع أن تفرِّق بينهما؟ ثم إنه لا ذِكْرَ للأذان الثاني في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في واحدٍ من طُرُقه، وإنما فيه الأذان الواحد، وهو قبل الوقت، وليس فيه علَّةُ الأذان، بل فيه نكتةُ التقديم، أي إن بلالا يُؤَذِّنُ بليلٍ ويقدِّمه ليرجعَ القائم إلى الصلاة، وليتأهَّب النائمُ.
أمَّا الأذانُ، فهو لِمَا عُهِدَ في الشرع، فَطَاحَ ما زَعَمُوه أنه للتسحير، وكفانا عن إثبات كونه للفجر. فإن الأذانَ لم يُعْهَد عند الشرع إلا للصلاة، مع أنه إذا قال: حيَّ على الصلاة، فليس معناه إلا أنه للوقت، وإذا كان الأمرُ كذلك، فلا يُنَاسب أن يُقَدَّم إلى نصف الليل كما زَعَمَه النوويُّ، بل هو كما قلنا في الصبح المستطيل قبل المستطير. بقي أن الأذانين هل كانا في رمضان خاصةً؟ فهو أيضًا مما لا دليلَ عليه.
أمَّا قوله: «فكُلُوا واشْرَبُوا» ، فهو متأتَ على ما فرضناه خارج رمضان أيضًا، وهذا لمن كان يريد صيام النفل، لا سِيَّما في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فإن بعضَهم كان يصومُ صومَ داود، وبعضَهم يصومُ أيامَ البيض، وآخر يصومُ الدهرَ فلا يُفْظِرُ. ولم يكونوا بقليل، فأمكن أن يكون قوله:«فكُلُوا واشْرَبُوا» بالنظر إلى هؤلاء.
ويَدُلُّ على ما قلنا ما في «المسند» ، و «الكنز»:«فمن أراد الصوم، فلا يمنعه أذانُ بلال حتى يؤذِّن» . اهـ. فجَعَلَ الصومَ فيه بخيرته، فهل يُنَاسِبُ هذا في رمضان؟ فهو إذن لم يكن مُخْتَصًّا برمضان كما أنه لم يكن مستمرًّا في سائر السنة، أمَّا إنه لم يكن مستمرًّا في السنة كلِّها، فمما يَدُلُّ على ذلك ما في «السنن»:«إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حذَّر في أمر الجماعة مرةً وعظَّم أمرها، وخَفَضَ فيها وَرَفَعَ، فقال ابن أم مكتوم: إني رجلٌ أعمى، وليس لي قائدٌ، فهل لي رُخْصَةٌ؟ قال: نعم، ثم سأله أنه هل يَسْمَعُ التأذين؟ قال: نعم، فلم يرخِّصه في ترك الجماعة» . فهذا صريحٌ أنه لم يكن يؤَذِّن دائمًا، وفيه دليلٌ على أن لسماع الأذان مزيدَ دَخْل في حضور الجماعة. وفي «الطبقات» لابن سعد:«إن بلالا كان يُؤَذِّن إذا حَضَر بالمدينة، وإذا غَاب أَذَّن ابنُ أم مكتوم، وكان بلالُ إذا أذَّن أذَّن قبل الوقت» . نقله عن الواقدي، وهو أعلم بهذه الأشياء.
وبالجملة إني متردِّدٌ في ثُبُوت استمرار تعدُّد الأذان، ثم في أنهما كانا في مسجدين أو في مسجدٍ واحدٍ، فإن كانا في مسجدين خَرَجَ عمَّا نحن فيه، ولا دليلَ عليه في قول عائشة رضي الله عنها:«لم يكن بين أذانيهما إلا قدر ما يَنْزِلُ هذا وَيَصْعَدُ هذا» . وليس فيه إلا شِدَّة التقارُبِ بينهما، لا أنهما كانا في مسجدٍ واحدٍ، ومن العجائب ما في «الوفاء» من الاكتفاء بأذانٍ واحدٍ
(1)
لجميعِ أهل المدينة، وكان في المدينة يومئذٍ تسعُ مساجدَ، وكلُّهم كانوا يصلُّون على أذان بلال، وليس مذهبًا لأحدٍ، ثم إني أجدُ في أحاديثٍ عدمَ رِضَاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأذانه قبل الفجر، وهذا حيث كان الأذانُ واحدًا، وهو كما أسلفناه عن الطَّحَاويِّ:«لا يَغُرَّنَّكم أذانُ بلال، فإن في بصره شيئًا» ، وهذا يَدُلُّك ثانيًا على أن أذانَ بلال قبل الفجر لم يكن للتسحير كما فَهِمُوه، وإلا لَمَا احتاج إلى الاعتذار عنه:«بأن في بصره سوء» ، بل كان للفجر، ثم كان يقدِّمه لسوء في بصره، فأَمر الناسَ أن يتحقَّقوا الفجر بأنفسهم. وكذلك ما مرَّ عن حَفْصَة رضي الله عنها، والأسود عند الطَّحَاوِيِّ:«أنه كان لا يُؤَذِّنُ حتى يُصْبِحَ» ، وعند أبي داود: ولا تُؤَذِّنْ حتى يَسْتَبِيْنَ لك الفجرُ». قال أبو داود: وهو منقطعٌ.
قلتُ: وقد أخرجه الحافظُ ضياء الدين المقدسي في «مختاراته» ، فلا بدَّ أن يكون قابلا للعمل، وهو عندي بإسنادٍ قوي أيضًا. والحاصل: أني متردِّدٌ في كون هذين الأذانين في مسجدٍ واحدٍ، وفي استمرارهما سائر السنة، والذي تَلَخَّصَ عندي: أن الأذانين حين كان ينادى بهما كانا للصلاة قطعًا لا للتسحير، نعم لم يكن الأول مانعًا عن التسحير بخلاف الثاني.
وعلى هذا ينبغي أن يُؤَوَّلَ ما رُوِيَ عن محمد
(2)
: «أن الأذانَ الأولَ كان للتسحير» ، بأن
(1)
قال الشيخ بدر الدين العَيْنِي رحمه الله تعالى في باب قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]
…
إلخ. أنه روى أبو داود مُرْسلًا، عن بُكَيْر بن الأشَجّ: إنه كان بالمدينة تسعةُ مساجدَ مع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَسْمَعُ أهلُهَا أذانَ بلالٍ رضي الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلون في مساجدهم، ثم فَصَّلَ تلك المساجد التسعة. انتهى. وفي "الوفي" نقل الأقشهري عن المحب الطبري:"أنه ذَكَرَ المساجد التي كانوا يصلُّون فيها بأذان بلال رضي الله عنه" اهـ.
(2)
قال محمد بن الحسن في كتاب "الحجج": قيل لهم: إنما كان يَصْنَعُ هذا بلالُ رضي الله عنه في شهر رمضان ليتسحَّر الناسُ بأذانه، ويكتفي الناسُ بأذان ابن أم مكتوم لصلاة الفجر، لأنه قد جاء حديث آخر يَدُلُّ على أن بلالا رضي الله عنه إنما كان يَصْنَعُ ذلك لسُحُور الناس في شهر رمضان خاصة، لأنه بلغنا:"أن بلالا رضي الله عنه أذَّن بليلٍ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي: أَلَا إن العبدَ قد نام". ولكن الأمر الذي رويتم كان في شهر رمضان، والأمر الآخر من كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأذانه بليلٍ كان في غير شهر رمضان. أخبرنا عبَّاد بن العوَّام قال: أخبرنا سليمان التيمي، عن أبي عُمَيْر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَمْنْعَنَّ أحدًا منكم من سحورهِ أذانُ بلالٍ رضي الله عنه، فإنه إنما ينادي ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم". أو: "ينبه نائمكم"
…
إلخ الحديث.
قال محمد بن الحسن: أخبرنا سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة عن الحسن البصري:"أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يُؤَذِّن لصلاة الصبح حتى يَطلُعَ الفجرُ"، وعن بلال رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنه كان لا يؤذن لصلاة الفجر حتى يَرَى الفجر". انتهى. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وربما رأيت أن أصلَ كلام الطحاويِّ يكون من محمد رحمه الله تعالى، فيكون في كلامه لفظٌ، ثم يَبْسُطُه الطحاويُّ ويقرِّره، وقد جرَّبت عنه مثله في مواضع. ثم إنهم اختلفوا في كتاب "الحجج": فقيل: إنه من خط محمد بن الحسن رحمه الله تعالى، وقيل: من خط تلميذه أبي عمران.