الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
86 - باب الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِى الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَيُّوبُ وَمَالِكٌ.
476 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلَاّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَاّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. أطرافه 2138، 2263، 2264، 2297، 3905، 4093، 5807، 6079 تحفة 16552 - 129/ 1
يعني إذا بَنَى أحد مسجدًا في طريق ومَمَرِّ النَّاس ولم يكُن منهُ ضررًا لأحد جاز، وضَيَّقَ فيه فقهاؤنا إلا عند إذن الوالي أو القاضي كما في إحياء الموات. قلتُ: والأقربُ عندي أنْ يقسم على الحالات، فإنْ ظَهَرَت فيهِ مماكسةِ مِنَ النَّاسِ يَنْبَغِي أنْ يتوقف على الإذن وإلا لا، وهذا أيضًا مِنَ الأشياء التي لا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا في الفِقْهِ، وقد نَبَّهتكَ على أنَّ مَنَ لا يَدْخُل تحت مسائِلِهم ويصح، ويجري على طريق المروة.
فالحاصل: أَنَّ المسائلَ قد تَخْتَلِف باعتبارِ عادات البلدان أيضًا أيضًا فلينظره أيضًا.
حكاية: كَتَبَ الشاه ولي الله رحمه الله تعالى في ترجمة ميرزا الهروي وكان والده تلميذًا للهروي، فَذَكَر أنَّ الهروي كان قاضيًا في بلدة آكره فصنع للشاه عبد الرحيم رحمه الله تعالى طعامًا، وكان شهر رمضان فَحَضر وقت الإفطَار، فَسَمِعَ صوت رجلٍ يبيع الكَبَاب فدعاه واشْتَرَى منهكَبَابَا، فقال له الشاه عبد الرحيم رحمه الله تعالى: إنَّهُ بَاعَ منك بأنقص من ثمنه المعروفِ، فلمَّا نظر فيه الهروي عَلِمَ أنَّه كذلك، فلمَّا سأله قال له: إنَّما فعلته رجاء أنْ تُرَاعِي في حُكْمِك، فإنَّ قطعة من دُكَّاني كانت نحو الطريقِ، فأَمَرْتَ بهدمها، فراعيت معك في الثمن لعلك تراعي في حُكْمِكَ أيضًا، فقال لَهُ الهروي: ويلك لقد أفْسَدت علينا صومنا من رشوتك هذه.
قلت: فهذه ديانة أهل المَعْقُول في الزمان الماضي ولن تَرَ مثلها اليوم ممن كان مُحدِّثًا أو فقيهًا فيا أسفًا كيف انقلب الزمان ظهرًا لبطنَ والله تعالى هو المستعان.
87 - باب الصَّلَاةِ فِى مَسْجِدِ السُّوقِ
وَصَلَّى ابْنُ عَوْنٍ فِى مَسْجِدٍ فِى دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمُ الْبَابُ.
477 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «صَلَاةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِى بَيْتِهِ، وَصَلَاتِهِ فِى سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ، لَا يُرِيدُ إِلَاّ الصَّلَاةَ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَاّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِى صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّى - يَعْنِى عَلَيْهِ - الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ الَّذِى يُصَلِّى فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ» . أطرافه 176، 445، 647، 648، 659، 2119، 3229، 4717 - تحفة 12502
وهذا ناظر إلى كونِ الأسواقِ شَرُّ البقاع والمساجد خير البقاع فإذا بني المسجد في شر البقاع فهل يصير خير البقاع مع كونه شر البقاع، وهل يَحْصُل فيه تضعيف الأجر وثواب الجماعة أوّ لا.
قوله: (وصلَّى ابن عون) وقد مَرَّ مني في «شرح المُنية» أَنَّ الم2لِّي في البيت مَعَ الجماعةِ لا يُعد تاركًا، لها نعم يُفوت عنه فضل الجماعة
(1)
.
477 -
قوله: (صلاته في سوقه) وظَنِّي أنَّ الحديث سِيقَ بناءً على عادَتِهم في عَهْدِ النُّبوة مِنْ أَنَّ المساجدَ لم تكْنِ في أسواقِهم، فإِذَا كانت أسواقُهم خالية عن المساجد لا تكونُ صلاتُهم فيها إلا منفَرِدين وعلى هذا يُقَابِل صلاةُ الجميع بصلاتِهِ في صوقِهِ بناءً على أنَّه منفرد في سُوقِهِ
(2)
كما في البيت وليس مِنْ بابِ تَقَابل الجماعة بالجماعة في السُّوقِ، نَعَم لو فُرِضَ أنَّ أحدًا بَنَى مسجدًا في السوق ماذا يكون حكمه؟ فجوابه على قواعد الشريعة أنَّه يَصيرُ مسجدًا ويَحْصُل فيه ثواب الجماعة، وحينئذٍ ترجمته ليست مستفادة من الحديث.
ثم علم أنَّ صلاةَ الجماعة واحدةٌ بالعددِ عندنا، لا صلوات بعدد من فيها كما هي في العرف والعادة وعليه قوله صلى الله عليه وسلم «أعجبني أنْ تكونَ صلاة المسلمين أو المؤمنين واحدة» وعليه قوله تعالى:{إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] فصلاة الجماعة مفردة لا تثنية ولا جمع، وإنما يحللون إليها حيث دعت إليه حاجة، ولذا قال: صلاة الجميع ولم يقل صلوات الجميع وهي عند الشافعية رحمهم الله تعالى عبارة عن الصلوات المجتمعة في المكان الواحد مع وظيفة كلٍ على حِدَة، فالمقتدرون كلُّهم أمراء أنفسهم وكل على حيالهم، وإنَّما يتبعون الإمام في الأفعال فقط حتى إنَّ فَسَادَ صلاة الإِمام لا يَسْرِي إلى صلاتهم، فهذا هو حقيقة الجماعة
(1)
لعل هذا سهو من فضيلة الجامع في الضبط أو زَلَّة مِنَ القَلم، والصحيح: يفوت عنه فضل المسجد. وهكذا أتذكر من "الفتاوَى الخانية" فإِنَّه صرَّحَ فيها بإِدْرَاك فَضْلِ الجماعةِ وراجعت ما ضبطه صديقنا مولانا عبد العزيز الكاملفوري فوجدتُ فيه أيضًا كما ظَننتُه فليراجع إلى "شرح المنيةَ" ليتضحَ الحالُ والمرادُ من "شرح المنية" هنا هو "الشرح الكبير" عليها للشيخ إبراهيم الحَلَبي وقد طُبع بالهند غير مرة. البَنُّوري.
(2)
قال النَّووي في شرح مسلم، إِنَّ المراد به صلاته في بيته وسوقه مُنْفَرِدًا هذا هو الصواب، وقيل فيه غير هذا، وهو قول باطل نبهت عليه لئلا يغتروا به.
عندهم. إذا علمت هذا فاعلم أنَّ حديث: «لا صلاة .. » إلخ لا يَصلُح أن يُحْنَج به على قراءة المقتدي، لأنَّه لا يدل إلا على فاتحة واحدة في صلاة واحدة، وقد قلنا به، فإِنَّ قلنا به، فَإِنَّ صلاة الجماعة صلاة واحدة بالعدد في نظر الشريعة، وحيئنذٍ لا تجب صلاة واحدة، وقد قلنا به، فإِنَّ صلاة الجماعة صلاة واحدة بالعدد في نظر الشريعة، وحينئذٍ لا تجب فيها إلا فاتحة واحدة وقد كَفَاها الإِمام. وسيجىء الكلام في موضعه.
قوله: (خمسًا وعشرين) وجَمَعَ الحافظُ رحمه الله تعالى بين خمس وعشرين وسبع وعشرين بحمل الأوَّل على السِّريَّة، والثاني على الجهرِيَّة، ثم دار البحث في أَنَّ الفضل المذكور بين المنفرد وبين المصلي بالجماعة، وبين المسجد والبيت، فأقام الشيخ تقي الدين ههنا بحثًا أصوليًا وقال: إنَّ قوله «فإِنَّ أحدَكُم
…
» إلخ علة منصوصة فلا يجوز إلغاؤها، وحينئذٍ يَختَص تضعيف الأجر بمن أتاها من البعد فلا يحصل التضعيف لمن صلى في بيته بالجماعة.
قلتُ
(1)
: وهذه الأشياء وإنْ كانت دَخِيلة في التضعيف لكنَّها ليست مناطًا له، فإِنَّ الحديث إنَّما وَرَدَ على عُرْفِهم فإِنَّهم إذا طَعِموا في إدْرَاكِ الجَمَاعة لم يكونوا يُصلُّونَها في البيوت، وكانوا يَذْهبون إلى المساجد فإِنْ فاتتهم الجماعة صلُّوها في البيوت فجماعتهم لم تَكُن إلا في المسجد، ولم تَكُن في البيت إلا الصَّلاة منفردًا، وقد تغير العُرف فِي زماننا فجَعَل بعضُ المترفهين يَجْمَعُون في بيوتهم وليس الحديث على هذا العُرف، وبالجملة ينبغي للمجتهدِ أنْ يُدير التضعيف وعدمه على الاجتماع والانفراد دونَ المسجد، والبيت، وكذلك ورد في الحديث وضوءهم على عادتهم في الإِتيان إلى المساجد، لكونِهِ مناطًا حتى إذا لم يأتِ مِنْ مكانهِ متوضئًا أَوْ أَتَى من مكانٍ قريب أو صَلَّى في بيتهِ بالجماعة أَدْرَك هذا الأجر فليخرج المناط وليحترز عن المشي على القواعد فقط.
ثم الحديث إنما سيق لبيان الفَرْقِ بين حال الانفراد والاجتماع، أمَّا إذا كانت الجماعة قليلة والأخرى كثيرة، فإنَّ الثانية للفضل على الأولى بعدد مَنْ فيها، كذا في أبي داود
(2)
، والعَجَب من بَعْضِ الشَّافعية
(3)
حيث تمسكوا من حديث الباب على نية الجماعة بأنه إذا كان لِصَلاةِ المنفردِ أجرًا
(1)
فعند أبي دَاود عن أبي هريرة مرفوعًا الأبعد فالأبعد من المسجد أعظمُ أجرًا -ولكنَّه لا دَخْلَ له في الحساب المذكور- وهو عند مسلم أيضًا وكذا عند مسلم "دياركم تَكْتُب آثاركم" اهـ. وجعل في زيادة الأجر لا في نفس أجر الجماعة، وهكذا حديث "بشر المشَّائين في الظُلَمِ بالنَّور التام". اهـ.
(2)
ولَعَلَّه أَرَادَ ما أخرجه أبو داود في فضل صلاة الجماعة عن أُبي بنِ كَعْب مرفوعًا وفيه: "صلاةُ الرجُل مع الرجل أَزْكَى من صَلاتهِ وحدَهُ، وصلاته مع الرجلينِ أَزْكَى من صلاتِه مع الرجل، وما كَثُرَ فهو أحب إلى الله عز وجل".
وحينئذٍ لا تعارض بين الروايتين، فإنَّ الزيادَةَ بخمس وعشرين أو سبع وعشرين بالنِّسبةِ إلى الانفرادِ والجَمَاعَةِ، وتلك بالنِّسبة إِلى حال الجماعة في نَفْسِها، أي الجماعةِ القليلةِ والكثيرة فاعْلَمه.
(3)
قال النَّووي واحتج أصحابُنا والجمهور بهذه الأحاديث على أن الجماعةَ ليست بِشَرْط لصحة الصَّلاة خلافًا لداود، ولا فرضًا على الأعيان خلافًا لجماعةٍ مِنَ العُلماء، والمُخْتَار أَنَّها فرض كفاية وقيل: سُنَّة. قلت: ما تمسك منها على الأمور الثلاثة الأول صواب أما من تمسك بها على الأجر ففيه بُعد كما ذَكَرَه الشيخ رحمه الله تعالى.