الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نحو من الواقع أو يقال: إنَّه باعتبار حال العوام وإلا فَحَال الخواص قد عَلِمْتَه أنَّهم يُصَلُّون ويحجون، فقبورُهم معمورة عن العبادة فلا معنى للنهي.
والحاصل: أنَّ الحياة في حديث البيهقي إنَّما هي باعتبار الأفعال، ولذا كلما ذُكِرَ في الأحاديث حياة أحد ذُكِرَ معه فعل من أفعاله أيضًا، ليكون دليلا على وجه الحياة، أما حياة نَفْسِ الرُّوح فهي بمعزل عن النَّظر.
84 - باب الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِى الْمَسْجِدِ
472 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا تَرَى فِى صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِىَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى» . وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا، فَإِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهِ. أطرافه 473، 990، 993، 995، 1137 - تحفة 7814
473 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَخْطُبُ فَقَالَ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَقَالَ «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ» . قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلاً نَادَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ. أطرافه 472، 990، 993، 995، 1137 - تحفة 7554، 7306 - 128/ 1
474 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ، فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ» . طرفه 66 - تحفة 15514
إنَّما نهى عن الحِلق يومَ الجمعة لئلا يَضيق الطريق على المارين، فلو كان المسجد وسيعًا جاز.
472 -
قوله: (وهو على المنبر) والعَجَب أَنَّ الحديثَ رُوِيَ على المِنْبَر ولا يَرويه غير ابنِ عمر رضي الله عنه وكان يتبادر إلى الذِّهن أَنْ يرويه غيرُ واحد منهم، ويدخل فيه المسألتان:
الأولى: أفضلية المثنى أو الرُّباع، والثانية: مسألة الوتر.
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في الأُوْلى: إن الرباع أفضل في المَلَوَيْن. وقال الشافعي رحمه الله: المَثْنَى أفضل فيهما، وقال صاحباه: الرُّباع في النَّهار، والمَثْنَى في الليل، وهو
الأقوى حديثًا. واستدل الشافعية رحمهم الله بحديث الباب، وأجاب عنه الشيخ ابن الهُمام رحمه الله وقال: إنَّ مثنى معدول مِنَ اثنين فصارَ بالتكرار أربعًا وهو مذهب الحنفية.
قلتُ: قد صرَّح الزَّمْخَشَري في «الفائِق» أن مَثْنَى ههنا مجرد عن معنى التَّكْرَار ومعناه اثنين فقط، ولذا احتيج إلى تَكْرِيره، على أنَّ ما ذكره الشيخ وإنْ كان نافعًا في مسألةِ التَّطوعِ لكنَّه يضرنا في مسألة الوتْرِ جدًا، وغفل عنه الشيخ رحمه الله وهو أَنَّ صلاةَ الليل إذا كانت أربعًا فبإيتارها بواحدة يحصل الوتر خمس ركعات، بخلاف ما إذا كانت مَثنى فإنها بعد الإِيتار تَحْصُل ثلاثَ رَكعات، وهي ركعات الوِتْر عندنا، ولعلَّ الشيخ زعم أنَّ الحديثَ هذا القَدْر فقط «صلاةُ الليل مَثْنَى مثنى» ، وهكذا رَواه بعض الرواة أيضًا كما روى الآخرون القِطْعَة الأخيرة فقط:«الوتر ركعة من آخر الليل» ، فَأَوْهَم أنَّهما حديثان مستقلان، فَحَمَل الشيخُ القِطعة الأُوْلى على مذهبه في التَّطوع، وحَمَل الشافعيةُ رحمهم الله تعالى الثانيةَ على مَذْهبهم في الوِتْرِ مع أنَّ الحديثَ واحدٌ فَصَلَهُ بعض منهم، وهاتان قِطْعتان مختصرتان من المُطَوَّل لا أَنَّهما حديثان، فبناء المسألتين يَنْبَغِي أَنْ يكونَ على المُطوَّل على أنَّه سئل عنه ابن عمر رضي الله عنه عند مُسْلِم ما مَثْنَى؟ فَفَسَّرَه أَنْ تُسَلِّم في كلِّ رَكعتين.
فالجواب: ما ذكره ابنُ دقيق العيد أَنَّ الجمهور وإنْ حَمَلَهُ على بيان الأفضل، لكنَّه يَحْتَمِل أَنْ يكون للإِرشاد إلى الأخف، إذِ السَّلام بين كلِّ رَكتين أَخفُّ على المُصلِّي من الأربع فما فوقها، لما فيه من الرَّاحة غالبًا، وقضاءِ ما يَعْرِض من أمرهم.
قلتُ: وما أَدَّاه ابنُ دقيق العيد احتمالا هو المراد عندي، وحاصله: أَنَّ للمصلِّي حالان.
الأول: أَنْ تكونَ لَهُ وظيفةٌ راتبةٌ من ابتداء الأمر بأنَّه يُصلِّي كذا من الرَّكعات مثلا.
والثاني: أنْ لا يكون كذلَك، بل كان الأمر إليه كيفما شاء، تَدَّرَج من الأقل إلى ما شاء الله.
فالحديث إنْ كان واردًا على الاعتبار الأوَّلِ دل على مطلوبية المَثْنَى البتة، لأنَّه يكونُ حينئذٍ تعليمًا مِنْ جانبِ الشارع لأداءِ وظيفتِهِ كيف يُصَلِّيها، فعلَّمه أَنَّه يصليها مَثْنَى مَثْنَى ويتبادر منه استحبابه، وإنْ حملناه على الاعتبار الثاني فلا يدل على الاستحباب أصلا بل يكون بناءً على أَنَّ مَثْنَى أَقلُّ صلاةِ الليل، ولذا كرره ليدُل على أنَّ ذلك إليه مهما جاء بِشَفْع ثم جاء بشفع آخر تدرجًا على انتظارِ الصبح فعل، ولذا شَرَع مِنَ الأقلِّ لأنَّه قد لا يجد إلا مَثْنى مرةً، وإذا لم تَتَعيَّن وظيفة، ولا أَعطاه الشارع عددًا معينًا من عنده، بل تَرَكَهُ على قَدْر طاقته وفُسْحَةِ وقته جاءَ التَّعبيرُ هكذا، فظهر أَنَّ التصدير بالمَثْنَى ليس لكونِهِ مطلوبًا بل بناءً على الأقلِّ لأنَّه لا يَعْلَم أَنَّه كم يُدْرِك فَإِنَّما الأمرُ فيه إلى المُصَلِّي كيف شاء صَلَى، وجاء يزيد شيئًا فشيئًا حتى إذا هَجَمَ عليه الصبح أو أَرَادَ النوم يُوتِر بواحدة، وبعبارة أُخْرى أنَّ الشيءَ قد يُذْكَر لاعتبارهِ في نفسه، وقد يُذْكر لا لاعتباره في نفسه بل لِدَفْعِ إيهام المضرَّة عند ذكر جانب مخالفِهِ.
وذِكْر المَثْنَى من قبيل الثاني لا مِنْ قبِيل الأوَّل ليدُل على اعتبارِهِ واستحبابه، وذلك لأنَّه لو ذَكَرَ الأربع لأوهم أنَّه الراجح، وربما أمكن أَنْ لا يكونَ مقصودًا لأنَّه واقعٌ في الوسط، وترك
الأول والتنزل إلى الوسط يَحْتَاج إلى نُكتة قطعًا، بخلاف ما إذا بُدِىءَ بالمبدأ والأقل، فإنَّه على الأصل غير محتاج إلى نُكْتة، لأنَّ البدايةَ بالمبدأ طريقٌ معروف، كتعريف المبتدأ وتنكيرِ الخبر ولا سيما إذا كان ذِكْرُه جَرَى تبعًا فقط، لأنَّ الحديث على ما يَظْهر سِيق لبيان صفة إيتار صلاة الليل بالواحدة كما هو مصرح في لفظِ مسلم: «أنَّ سائلا سأله فقال: يا رسول الله كيف أُوتِر صلاةَ الليل؟ فَجَعَل السؤالَ في الإِيتار لا في صلاةِ الليل، فقال: «من صلَّى صلاةَ اللَّيلِ فليصلِّ مَثْنَى مَثْنَى
…
إلخ. وكأنَّه كان يَعْلَم صلاةَ الليلِ والوترِ من قَبْل، وإنَّما أُبْهِم عليه كيفية إيتارها، هل يُوتر في الأوَّل أو الآخِر أم كيف يفعل؟ فأَرْشَدَه إلى أَنَّه يُوْتِر في الآخِر، ويكونُ بذلك موترًا لجميع صلاةِ الليل. وفَهِمَ الحافظُ رحمه الله تعالى أَنَّ سؤاله عن صلاةِ الليل وعددها خاصة، فَأَرْشَده النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى أَنَّهَا مَثْنَى مَثْنَى ولا يكونُ إذن ذكره إلا قصديًا ويتبادر منه استحبابه لا محَالَة؛ وإذ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ السؤال لم يَقَع عن صلاةِ اللَّيل نفسِهَا بل عن إيتارِهَا، تَبَيَّن لك أَنَّ ذِكْرَ المَثْنَى تمهيدٌ لقوله:«فإذا خَشِي أَحدكم الصُّبْحَ فليوتر بواحدة» ، لا أنه مقصودٌ، فلا يَتِمُّ ما رامه الحافظُ، ولذا لمَّا سُئِلَ أبو داود عن صلاةِ الليل، قال: إن شِئْتَ مَثْنَى وإنْ شِئْتَ أربعًا. كذا في سننه من باب صلاة النَّهار.
وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما في تفسير المثنى يخالفهُ ما رواه الترمذي في تفسيره مرفوعًا «من التخشّع في الصلاة مَثْنى مثنى تشهد في كل رَكعتين» إلا أنَّ في المسند أنَّه قال في جواب سائل صلاة الليل: «مثنى مثنى تسلم في كل ركعتين» فَجَعَل التفسير بالسَّلام مرفوعًا، وفيه تردد لأنَّه عند الأَكْثَرِ موقوف فلعله مُدْرَج، وكذلك في حديث التخشع زيادة:«وتَشْهَد وتُسلم في كلِّ ركعتين» . والحديث إنْ كان مِنْ مُسْنَد الفضل بن عباس كما صوَّبه البخاري فليس فيه التقييد بصلاةِ الليل ولا زيادة السَّلام، وإنْ كان من مُسند المطلب ففيه ذلك، وقد أَخْرَجَه في المُسْنَد عن مسنديهما كليهما، وهذا كلام في صلاة الليل ما الأفضل فيها مثنى أو رباع.
بقيت مسألة الوتر، فاعلم أنَّ الشافعية حَمَلوا قوله:«صلِّي رَكعة واحدة توتر له» على الفَصْل. فالوتر ركعة واحدة. قلت أوّلا: قال ابنُ الصَّلاح: إنَّه لم يثبت منه صلى الله عليه وسلم الاقتصارَ على واحدة، ولا يُعْلَم في روايات الوتر مع كَثْرَتِهَا أنَّه عليه الصلاة والسلام أوْتَر بواحدةٍ فحسب، كذا في «التلخيص» وتعقبه الحافظ رحمه الله تعالى بما ليس بشيء، وإذن حَمْلُه على الإيتار بالواحدة حمل على مسائلهم، والذي يتحصل بعد المُرَاجَعَة إلى جميع الألفاظِ أنَّه نحو تعبير وأداء ملحظ فقط لا بيان مسألة الفَصْل والوَصْل فليراعه النَّاظر، فإنَّ الرَّاوي قد يُؤدي طرفًا من الكلام ويحمله آخر على طرف آخر، فيفقد مراده، ويكونُ من باب توجيه القائِل بما لا يَرْضَى بِهِ قائله.
ألا تَرى أنَّ عائشةَ رضي الله عنها تروي الإِيتار بالوَاحدة وهي التي تصرح بأنَّه لم يكن يُسَلِّم بين رَكعتي الوتر، فهل تَرَاهَا تُناقض قولها، أو تلك تفنن في العبارات، وطرقٌ في العد والحسبان، فأرَادَت تارةً أنْ تَدل على أنَّ الإيتار في الحقيقةِ إنَّمَا تتقوم بالواحدة وإنْ كانت رَكعات الوتر ثلاثًا بدون السَّلام بينهن، إلا أنَّ صِفَة الإيتار إنَّما حَصَلت فيها من جهة الواحدة الأخيرة، وهذا أمرٌ بديهي يَعْلمه البُله والصبيان، أنَّ الإيتار لا يَحْصُل إلا بِهَا فلم تَتَعرض فيه إلى
مَسْأَلةِ الفصل والوصل، والسَّلام وعدمه، وإنَّما أَرَادَت أنَّ صلاة الليلِ إذا كانت مَثْنَى مَثْنَى فكيف صارت وِتْرًا، فَدلَّت على أنَّ الواحدة الأخيرة هي التي تَتَقوم بها صفة الإيتار فهي موترة، وأَوْهَمت عبارتُها الفَصْلَ بالسَّلام ولم يكن مرادها.
ولذا انحلت ثلاث الوتر إلى شفع ووتر، لأنَّ الوترَ في الحقيقة هي الواحدة بمعنى أنَّ صفةَ الإيتار في مثناه إنَّما جاءت من قِبَلِ تلك الواحدة، وأرادت تارة أنْ تُقَسم صلاةَ الليل إلى حِصَص لإظهار الوَقْفَة في البين كأربع أربع، أو بين صلاةِ الليل والوتر، وإذن كان محط كلامها إفراز حِصة حصةٍ لا بيان الشَّفْعية والوتْرِيَّة كما كان في الصورة الأولى، فلم تحل الوتر إلى جزءين. وقالت: يُصلِّي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن» إلى أن قالت: «ثم يصلِّي بِثلاث» ، ونزلت تارة على التصريح بِمَسْأَلة السَّلام فصدعت أنَّه لم يكن يُسلم في رَكعتي الوتر كما عند النَّسَائي، فوقعَ الأمر أنَّه كما رَجَحَت كفة طاشت الأخرى فليعتبره.
ثم اعلم أنَّ الأصل الذي لا محيد عنه أَنَّ أمرَ الفصل والوصل يدور على وَحْدة الصَّلاة وتعددها، وهو يدور على تسميتها باسم مُخْتَص، والوتر عندنا اسم لثلاث رَكَعَات بسلام واحد، وجَعْل الشَّفْع السابق من الوتر مع الفصل بِسَلام لا يَرْجِع إلى حقيقة، فإنَّ مَنْ فَصَلَ وسلَّم فقد أَوْتَر في الحقيقة بركعة واحدة، وإطلاقُ الوترِ على ثلاث ركعات على هذا التقدير مجرد اعتبار ذهني، لأنَّ حال هذا الشَّفع حينئذٍ كحال الشفعات قبله لا فَرْقَ بينه وبينها، فإنْ ثبت أنَّ الوتر عبارة عن ثلاثِ رَكَعَات لَزِمَ أَنْ تكون تلك الواحدة موصولة بشفعها، لأنَّها لو كانت مفصولة كانت هي الوتر ولا يبقى لها علاقة مع الشَّفع الذي قبلها.
اللهم إلا باعتبار الذهن، وإنْ ثَبَتَ اأنَّه عبارة عن رَكعة وَجَبَ أنْ تكون مفصولة قطعًا فإنَّها هي الصَّلاة المعتبرة الموسومة باسم مُسْتَقِلَ على هذا التقدير، فلا معنى لاعتبار الشُّفْعَة السابقة معها، وعليه يدور حديث «مِفْتَاح الصَّلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسلم» . يعني أنَّ الصَّلاةَ الواحدةِ تكون لها تحريمة تَدْخُل بها فيها، وتحليلا تخرج عنها، فإذا كَبَّرْتَ فقد دخلت في الصَّلاة، وإذا سلَّمْتَ فقد خرجتِ منها، فإذا كانت الصَّلاة واحدة تكون تحريمتها وتحليلها أيضًا كذلك، لا أنَّها تَبْقَى واحدة، ولو سَلَّمْتَ في خلالها فالصَّلاة الواحدة لا تَتَحمل إلا تسليمة واحدة كما لا تَتَحمَّل إلا تحريمة كذلك، وحينئذٍ لو سَلصمتَ فِي ركعتي الوتر لا تكون المجموع صلاة واحدة، فَأَمْر الفصل والوصل يبْني على وحدة الصَّلاة، لا على هذه التعبيرات التي جاءت على ملاحظ مختلفة.
وإذن حديث: «إذا خَشَى أحدكُم الصُّبْح صلى رَكعة واحدة توتر له ما قد صلى» ، على شاكلةَ ما عندَ الطَّحاوي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«مَنْ أَدْرَكَ من صلاةِ الغداة رَكْعة قبل أنْ تَطْلَعَ الشمس فليصلّ إليها أخرى» . فهل ترى تلك الرَّكعة مفصولة أو موصولة فكما أنَّ تلك الرَّكعة موصولة لأنَّها اعتُبرت جزءًا من صلاة الغَداة وهي صلاة واحدة مُسَمَّاة باسم منفرد، كذلك الركعة في قوله:«صلى رَكعة واحدة» موصولة مع الشَّفْع الذي قبله لكونها جزءًا لصَلاةٍ واحدة مسمَّاة باسم الوتر، وهو ثلاث رَكعات عندنا.
وإنَّما أوردناه نظيرًا على معناهُ المشهور، وإلا فالأمْرُ عندي ليس كما زعموه، وفيه كلامٌ طويل ذكرته في موضعه، وما يدلك على كَوْنِ الثَّلاث صلاة واحدة تَمَيزُهَا بالقراءة مِنْ صَلاةِ الليل، والصَّلاة الواحدة المفردةِ بالاسم المتميزة بالقراء لا يُعرف فيها الفصل، فعند الترمذي وغيره عن ابنِ عباس رضي الله عنهما «كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، في رَكعة رَكعة» اهـ.
ثُمَّ الشَّارع إذا لم يُعْطِ لهذه الواحدة ما يَخْتَص بها مِنْ طريقة، ولم يَذْكُر لها تحريمة على حِدَةٍ نجعلها مما قبلها ونَصِلها بها مشيًا على لفظه متى أردنا الانصراف، ولا نزيد سلامًا من عندنا لأنَّه أَمَرَنَا عند إرادة الانصراف أنْ نوتر بواحدة فلا نَزَيد عليِ شيئًا مِنَ الصَّلام، بل نقوم كما نحن بدون سلام، ولا نعدها صلاة على حِدَة، بل ندعها على حال التَتِمّة من الشَّفَع الذي قبله إلا الأشفاع السابقة قد فُصِلت قبل هذه الإرادة بخلاف هذا الشَّفع الأخير وعليه سَنَحت لنا إرادة الانصراف، وعند ذلك أُمِرْنا بالرَّكعة فنكْتَفِي بما أمرنا ونعدها كالتتِمَّة لما سبق، فتكون موصولة لا مَحَالة كما زيد في صلاة الحضر وكانت تتمة موصولَة لا مَفْصُولة، كذلك تلك الرَّكعة كانت كالتتمة فلا نَفْصُلها.
والحاصل: أنَّه أبرز الواحدة على حِدة فِي العبارة فقط لا على الفَصلِ فِي العمل، وإنما لم يقل: فليوتر بثلاث من أول الأمر، لأنَّ له مكنة أَنْ يوتر بواحدة، أي مثانية شاء فله أنْ يوتر مثناه الأول أو الثاني إلى غير ذلك، فالمقصود هو الإِيتار فِي الآخرِ، ولا بد أنْ يكونَ هناك موتَرًا - بالفتح - ليوتره وهو الشَّفْع، وإذا كان أقل ما يوتره هو الشَّفْع خَرَجَ أنَّ الوتر ثلاث، وإذا كان صلاة برأسها خَرَجَ أنْ لا تَسْلِيم بينها، بَقِي الأحاديث على تصريح الثَّلاث فكثيرة مسرودة في مواضِعها، وإنما أردنا ههنا أنْ نَتَكَلم على ألفاظِ هذا الحديث فقط، ثم قد يتخايل أنَّ الحديثَ يُخالف وجوبَ الوتِر لأنَّه إذا جَاءَ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى فإذا بلغ إلى المَثْنَى الأخيرة وهَجَم الصُّبْحِ، يزيد رَكعة واحدة أخرى على نص الحديثِ، ويكون ذلك وترًا لهُ مَعَ أنَّهُ لم يَنْوِ إلا تطوعًا، فإمَّا وهَجَم الصُّبْح، يزيدَ رَكعة واحدة أخرى على نص الحديثِ، ويكون ذلك وترًا لَهُ مَع أَنَّهُ لَمْ يَنوِ إلا تطوَعَا، فإمَّا يلزم أنْ تكونَ هذه مثل صلاة الليل فِي النِّية فينحَط الوتر عن رُتبته، أو تَتَرَقَى صلاةُ الليل عَنْ رُتبتها.
قلتُ: إنَّما عَلَّمَهُ الشارع بهذا الحديث مسألةُ إيتار صلاةِ الليل واختتامها ب، أمَّا مسألة النِّية فكما سلكته الشريعة في سائر الصَّلوات لم يُعْطِ فيها تفصيلا في هذا الحديث، والنِّية عبارة عندهم عن إرادةِ إدخال المسمُّى في الوجود مثلا: أُصلي الوتر أو الظُّهر أو العصرِ، أمَّا كونه فرضًا أو واجِبَاٍ فأمرٌ يَلْحَقُه مِنْ خارج، وليس داخلا في نفسة النِّية، فإذا سَمَّت الشريعةُ صلاةً باسم على حِدَة وبيَّنت صفتها وهيأتا وميَّزَتْهَا عن سائرِ الصَّلوات كفى له في أمرِ النِّية إدخالها في الوجود فقط ناويًا مسمَّى ذلك الاسم، وهو الذي أراده الفقهاء من قولهم: والشَّرط أنْ يَعْلَم بقلبه أي صلاة يُصلِّي، فهذا القَدْر هو المعتبر عندَهُم في النِّية، وإنَّما عَلَّم الشارعُ هذا السائلَ أنَّ وِتْرَه يَتَضَمَّن شَفْعَا ووترًا. والمجموعُ وتره ليكون على علم منه في مستقبل الزمانِ، وليكون على