الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد من السنة في الحديث: هي المسائل التي عُلِمَتْ بمشاهدة هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهداه. والمراد في الفِقْه من الأعلم بالسنة: أن يُحْسِنَ من القراءة - أي التجويد - قدر ما يُحْسِن بها الصلاة مع كونه أكثر حِفْظًا لمسائل الصلاة. ثم إن با بكرٍ رضي الله عنه كان أعلمهم، بمعنى أكثرهم فَهْمًا، ثم تعلُّقًا بالله وأخشاهم، وإنما يَخْشَى اللَّه من عباده العلماءُ وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «إني أتقاكم لله وأخشاكم» ، وإلا، فأبوا هُرَيْرَة رضي الله عنه كان أحفظهم للحديث منه.
680 -
قوله: (فَنَكَصَ أبو بكرٍ)
…
إلخ. وظاهره: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَدْخُل في تلك الصلاة، ولو دَخَلَ فيها لتعرَّض إليها الرَّاوي البتَّة. ومع ذلك قد أصَرَّ البيهقيُّ على شركته في تلك الصلاة، واستدلَّ عليه بروايتين.
قلتُ: وقد اجتمعت لديَّ هنا عشرةُ وجوهٍ فصاعدًا تَدُلُّ على شركته في الفجر، فلعلَّه اقتدى فيها من حُجْرَته الشريفة، ولم يَخْرُج إليها في المسجد، كما كانت النساء يَفْعَلْنَ يوم الجمعة، كما في «المدونة» ، ولا نَقْلَ عندي على ذلك. ويُخَالِفُه ما عند النَّسائي، فإنه يَدُلُّ على أنه كان وصل الصف، والشافعيُّ أيضًا قائلٌ بشركته في الفجر، ولعلَّها لا تكون عنده إلا فجر يوم الاثنين. والحافظ اتَّبَعَهُ في الوَحْدَة، وخالفه في كونها فجرًا، وذهب إلى أن الصلاةَ التي دَخَلَ فيها هي الظهر. وتمام البحث فيه قد مرَّ من قبل.
681 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمْ يَخْرُجِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ، فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَضَحَ لَنَا، فَأَوْمَأَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى أَبِى بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْحِجَابَ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. أطرافه 680، 754، 1205، 4448 - تحفة 1038
682 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِى الصَّلَاةِ فَقَالَ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» . قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ. قَالَ «مُرُوهُ فَيُصَلِّى» فَعَاوَدَتْهُ. قَالَ «مُرُوهُ فَيُصَلِّى، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» . تَابَعَهُ الزُّبَيْدِىُّ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ عُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. تحفة 6705 - 174/ 1
681 -
قوله: (فذَهَبَ أبو بكر يَتَقَدَّم)، وهذا يَدُلُّ على أنه لم يَدْخُل بعدُ في التحريمة، والروايةُ المارَّةُ تَدُلُّ على سبقها، فهذا من تصرُّفات الرواة، فلا قلقَ فيه، فَسَلِ المجرِّب، ولا تسأل الحكيم.
47 - باب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ
683 -
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ فِى مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّى بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِذَاءَ أَبِى بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّى بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِى بَكْرٍ. أطرافه 198، 664، 665، 679، 687، 712، 713، 716، 2588، 3099، 3384، 4442، 4445، 5714، 7303 - تحفة 16979
فإن كان واحدًا، يتأخَّرُ عن إمامه بقليلٍ عند محمد رحمه الله تعالى، خشية أن يتقدَّمه فَتَضِيعُ صلاته. ثم إن كان اثنان، فمقامهما خلف الإمام، فإن قاما عن يمين الإمام ويساره، لا يُكْرَهُ عند أبي يوسف رحمه الله تعالى. وإن كان المقام ضيقًا، لم يُكْرَه عندنا أيضًا. وحينئذٍ لا قلقَ فيما يُنْقَلُ من مذهب ابن مسعود رضي الله عنه على أعذاره التي ذكرناها في الترمذي.
قوله: (لِعِلَّة). قال أهلُ اللُّغة: العِلَّة معناها: المرض لغةً، لا السبب والوجه، وإن كان مُسْتَعْمَلا فيه. يقول الشاعر:
*تَعَالَلْتِ كي أَشْجَى وما بكِ عِلَّةٌ
…
تُرِيدِين قَتْلي قد ظَفَرْتِ بذلك
وصنَّف صاحبُ «القاموس» رسالةً في أن العلل ليست بمعنى بيان السبب والوجه والإثبات بالدليل.
683 -
قوله: (فَوَجَدَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في نفسه خِفَّةً). وحَمَلَه الحافظُ على الظُّهْر. ولا أَتْرُك
(1)
تبادُر العبارة، فالتزمتُ أنه قد دَخَلَ في العشاء التي أُهْرِيق عليه سبع قِرَبٍ من ليلته وقد مرَّ في البخاري من أواخر أبواب الوضوء، أنه قال لَهُنَّ:«قد فَعَلْتُنَّ، ثم خَرَجَ إلى الناس» . وأَصْرَحُ منه ما عنده في بال الرجل يأتمُّ بالإمام: «فلمَّا دَخَل - أي أبو بكر في الصلاة، وَجَدَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في نفسه خِفَّة، فقام يُهَادَى بين رجلين، ورجلاه تَخُطَّان على الأرض، حتى دَخَلَ المسجد» ، وفي البخاري:«ثم خَرَجَ إلى الناس، فصلَّى بهم وخَطَبُهم» .
قوله: (فكان أبو بكر يُصَلِّي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يُصَلُّون بصلاة أبي بكرٍ رضي الله عنه. يريد به الراوي: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إمامًا، وأبا بكر مُبَلِّغًا، ونَسَبَ العَيْني إلى البخاري أن القُدْوَة عنده مُسَلْسَلة، كما ذَهَبَ إليه الشَّعْبِي من السَّلف، وابن جرير. وأنكره الجمهور، فإِن الكلَّ كانوا مقتدين بالإِمام بدون توسُّط، لا أن الصفَّ الأوَّل مقتدٍ للإِمام، والصفَّ الثاني مقتدٍ للصف الأوَّل، وهكذا ثمَّ وثمَّ. وثمرةُ الخلاف تَظْهَرُ فيما إذا رفع الإِمام رأسه عن الركوع والمقتدون، وبقي منهم واحدٌ في الركوع في أواخر الصفوف مثلا، ثم اقتدى به رجلٌ وأدركه في
(1)
قلتُ: وفي النفس منه قلقٌ لِمَا عند مسلم في باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر
…
إلخ: "ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خِفَّة، فخرج بين رجلين -أحدهما العباس- لصلاة الظهر
…
" إلخ، فإنه صريحٌ في أن خروجه هذا لم يكن في تلك العشاء. ولا أرى الشيخَ رحمه الله تعالى غافلًا عن هذا اللفظ، ولكنه لم يتَّفِقْ لي السؤال عنه، فتفكَّرْ.