الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذا بذكر الواو وحذفها. ولطف الصيغة التي فيها الواو أنها تدلُّ على أن لربنا شيءٌ آخر أيضًا، كما أن له الحمد، وإنما حَذَفَه لِيَذْهَبَ ذهنُ السامع كل مَذْهَبٍ ممكنٍ. وراجع لنكتة الحمد في القَوْمة ما عند مسلم في باب الشفاعة من سجود النبيِّ صلى الله عليه وسلم والاستئذان لها، وفيه ثلاثةَ ألفاظ: في لفظٍ: «أنه يَحْمَدُه أولا، ثم يَقَعُ ساجدًا» . وفي لفظٍ «أنه يَحْمَدُه ساجدًا» . وفي لفظٍ «أنه يَسْجُدُ له ثم يَحْمَدُه» . وقد وَرَدَت كلُّها في المقام المحمود.
وظَهَرَ لي أن الوجهَ هو الأول، والباقي من تصرُّفات الرواة، فإِنه يَحْمَدُه أولا، ثم يَخِرُّ ساجدًا، وهذه الحقيقة من تقديم الحمد على السجود سَرَت في الصلاة، فقدَّم الحمد في القَوْمة على السجود لهذا. ولفظ مسلم يقتضي أن السجودَ من خصائص الحَضَرَة الربانية، فحيثما تحقَّقت الرؤية ثَبَتَ السجود هناك، كما في ليلة المِعْرَاج إذا تجلَّى له ربُّه خَرَّ ساجدًا هناك كالثوب البالي. والله أعلى وأجلَّ ولعله بَدَأ بمثله في الشفاعة، فافتتح باب الشفاعة بالتحميد، ثم سَجَدَ ولعلَّ الحمد في القَوْمة ليتدارك المسبوقُ ما فاته من الحمد، كما ذكره في «الفتح» للقنوت، ثم رأيته في البجيرمي عن البرماوي. فهو لإِدراك الذكر فقط، ولو كان أُنْمُوذَجًا من القيام لأدرك الركعة بإِدراكه، وليس كذلك.
ثم المشهور عن إمامنا رحمه الله تعالى التقسيم في التسميع والتحميد بين الإِمام والمقتدي، وهو المذكور في عامة الروايات وعنه: الجمع للإِمام، وهو عند البخاري. وعند الشافعيِّ رحمه الله تعالى: التسميع للمقتدي أيضًا، ولم يذهب إليه أحدٌ من غير ابن سيرين على ما أعلم، والله تعالى أعلم.
83 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِى التَّكْبِيرَةِ الأُولَى مَعَ الاِفْتِتَاحِ سَوَاءً
735 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا
= وأما مُرْسَل عطاء عند عبد الرزاق في قصة صلاته في مرض الموت: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما صليتم إلَّا قُعُودًا
…
إلخ، فالجواب عنه على ما أذكر عن الشيخ رحمه الله تعالى: أنه كان في قصة الجُحُوش، فَوَهِم بعضهم، وَرَوَاه في قصة مرض الوفاة، ولا أدري ماذا كانت قرائنه عند الشيخ رحمه الله تعالى، وقد كَتَبَ الشيخ رحمه الله تعالى في ذلك تذكرة مستقلة، إلَّا أني لم أفُزْ بها، والله تعالى أعلم بالصواب.
ثم وجَدت في بعض النقول عندي عن الشيخ رقم صفحة "الكنز" فراجعت إليه فوجدت فيه بعد قوله: "لو استقبلت" إلخ: "إن صلى قائمًا فصَلوا قيَاما، وإن صلى قاعدًا، فصَلوا قُعُودًا". (عب).
هذا ما اجتمع لدي من تقاريره في تلك المسألة، كنت أسمعها في السنوات المتفرِّقة، ولا أَثق بنفسي أن أكونَ أتيت بها على وجهها، فإن لكل تقرير سلسلة ولكل سلسلة أصلًا، فالجمع بينها ربما يمكن أن يكون كالجمع بين الضب والنون، بيدَ أني بَذَلْت فيه جهدي، ولا يكلف الله نفسًا إلَّا وُسعَها، وما أردت به إلَّا أن تفيدَ للطلبة بصيرة تامةً، فإن عَثَرْتَ فيه على نقص -وهو نقصٌ كله- فاعذرني، وإلَّا فأجزني ولو بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها.
كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِى السُّجُودِ. أطرافه 736، 738، 739 - تحفة 6915
قال الحافظ رضي الله عنه: قد وَرَدَ الرفعُ في الأحاديث قبل التكبير وبعده ومعه، واختار الأول صاحب
(1)
«الهداية» منا فَيَرْفَعُ يديه أولا، ثم يكبِّر. أمَّا الثاني، أي التكبير، ثم الرفع فلم يَذْهَبْ إليه أحدٌ من السلف وإن وَرَدَ في الحديث.
قلتُ: إن الصور عندي اثنتان فقط: قبله ومعه. أما الثاني، فهو من تصرُّف الرواة، وليس من السنة في شيءٍ، فإنه قد تبيَّن لي بعد السَّبْر أن الرفعَ بعد انقضاء التكبير لغوٌ، فلو كَبَّرَ حتى فَرَغَ عنه لا يأتي بالرفع أصلا، كذا في الزَّيْلَعِي «شرح الكنز» ، وصرَّح به الشافعيُّ رحمه الله تعالى في «الأم» وكذا في «المغني» فَلَزِمَ منه أن الرفعَ للتكبير، فإذا خَتَمَ الكبير، فَاتَ محل الرفع. وذلك لأني سَبَرْت الشرعَ، فرأيتُ أن لا رفعَ عند القيام إلى الثانية والثالثة، مع أن الأظهرَ أن يكونَ الرفعُ فيهما أيضًا، كما كان في الأولى، ولكنه لم يُنْقَل عنه الرفع في هاتين، وذلك لانقضاء التكبير فيهما في الارتفاع، وتمامه إلى القيام، وحينئذٍ لو رَفَعَ لكان بعد التكبير، فلو كان الرفعُ عند الشارع بعده أيضًا لوضعه في قيام الثانية والثالثة البتَّة، كما كان وضعه في قيام الأولى. فَعلِمْتُ منه أن مَرْضِيَّ الشارع تركُ الرفع بعد التكبير، فَقَصَرْتُ على الصورتين فقط، وإن كانت الألفاظ تحتمل الثالثة أيضًا.
735 -
قوله: (كان يَرْفع يديه)
…
الخ
(2)
والشافعية يَزْعُمُون أنه أصرحُ حُجَّةً لهم قلتُ بل هو يَضُرُّهم من طَرَفٍ آخر، ويترشَّح منه ما يخالفهم، فإِن كنتَ فَطِنًا تَعْرفُ مظانَّ الكلام، ففكِّر أن ابن عمر رضي الله عنه، لِمَ خَصَّصَ الرفع من بين سائر صفات الصلاة؟ وَلِمَ نَّوه بذكره واهتمَّ بأمره؟ يدُلُّك على خمُولِه في زمنه. ولذا لم يتوجَّه إلا إلى الرفع خاصةً، ولعلَّه رأى فيه تركًا فأراد إحياء الرفع، ورمي التاركين بالحصى، ولو لم يكن هناك تاركون، فمَنْ ذا الذي كان يَرْمِيهم؟ نعم، لو كان في طريق من طُرُق روايته ذكرٌ لصفاتٍ أخرى أيضًا لحَمَلْنَاه على الاختصاص فقط، إلا أنه لمَّا لم يتعرَّض إلا إلى هذا الجزء خاصةً، عَلِمْنَا فيه خُمُولا في زمانه، بحيث
(1)
قوله: ويرفع يديه مع التكبير، وهو سنةٌ، قال صاحب "الهداية": وهذا اللفظ يُشِيرُ إلى اشتراط المقارنة، وهو المرويُّ عن أبي يوسف، والمُحْكَى عن الطَّحَاويِّ، والأصَحُّ: أنه يرفع يديه أولًا، ثم يكبِّر.
(2)
وهناك رواية عن ابن عمر رضي الله عنه في "خلافيات البيهقي" تَدُلُّ على نقيض ما في البخاري، وكان الشيخ رحمه الله يتردَّد فيها، لأن رفعَ ابن عمر رضي الله عنه قد اشتهر اشتهار الشمس، حتى أنه عُدَّ من رافعي لوائه، ولم يَثْبُت عنه ما عند البيهقي بهذه المثابة، فلذا كان يُغْمِضُ عنه. وقد عَلِمْتُ من دَأْبه أنه لم يكن ممن يأخذون بالحشيش، وهذا صورة إسنادها: مالك، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود". اهـ. قلتُ: وتعجَّب منه البيهقي، ثم لم يستطع أن يتكلَّم في رواته، فالله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
احتاج إلى الاستدلال والتفصيل. ولو كان الرفع فاشيًا ولم يكن هناك تاركٌ كما زَعَمُوه فأيُّ حاجةٍ دَعَتْهُ إلى اهتمامه أي اهتمام؟
قوله: (وإذا كبَّر للرُّكوع). قال الشافعية: يبدأ الرفع مع التكبير، ثم يمُدّه حتى يملأَ به الانحناء.
قلتُ: وفيه عُسْرٌ لا يخفى، ثم رأيت في «شرح الإحياء» . من التنبيه ذكر أن الرفع مع الانحناء مُتَعَسِّرٌ أو مُتَعَذِّرٌ فإِن كان لا بُدَّ له من الرفع عند الركوع، فالأولى أن يَرْفَعَ أولا، ثم يُكبِّرَ وينحني، ولا ينبغي أن يمشي على ظاهر شاكلة الألفاظ، فإِنها تَدُلُّ على أنه كان يرفع بعد انقضاء التكبير، وهكذا ما اختاره الشافعية رحمهم الله تعالى في الرفع من الركوع من أنه يرفعهما حين الارتفاع أيضًا غَلَطٌ، بل يرفعهما حين يَنْتَصِبُ قائمًا.
وفي كتاب «المسائل» لأبي داود عن أحمد رحمهما الله تعالى: أنه رآه يرفع يديه حين انتصبَ قائمًا. والسِّرُّ في ذلك أنهم فَهِمُوا هذا الرفع للانتصاب، فوضعوه في الارتفاع ليكونَ قبله، مع أنه للذهاب إلى السُّجُود، وحينئذٍ نَاسَبَ أن يكونَ في الانتصاب. وبالجملة إن الرفعَ إن كان في نظر الشارع، فهو في الابتداء: إما في ابتداء الركعة الأولى للافتتاح، أو ابتداء الركوع، أو عند ابتداء السجدة، أو بين السجدتين، والأخيرُ قليلٌ جدًا مع ثبوت ترك الأَوَّلَيْن أيضًا، وكان به اعتناءٌ للصغار دون الكبار، فإِنَّهم كانوا يتركونه أيضًا. أمَّا كَثْرَةُ العمل، فلم تتبيَّن بعدُ، وإن صَرَّح ابن رُشْدٍ في «بداية المجتهد»: أن مالكًا في رواية ابن القاسم اختار الترك من أجل التعامل.
قوله: (وكان لا يفعلُ ذلك في السُّجُود)، والشافعية جَعَلُوه دليلا على ترك الرفع في السُّجُود. قلتُ: بل تعرُّضه إلى النفي في السُّجُود دليلٌ على أنه كان هناك الرافعون في السُّجُود أيضًا، فأراد إخماله بذكر نحو من الاستدلال. والآن كيف ترى الحال في حديث ابن عمر رضي الله عنه، فإِنه يريد نفي الرفع في السُّجُود، ويترشَّحُ منه الإيجاب، ويريد إيجابه في الموضعين ويترشَّحُ منه النفي فيهما، وهذا كما قيل: إن في مِضَ لَمَطْمَعًا
(1)
. ثم إن حديث
(1)
قلتُ: وإن كنتَ أدركتَ هذه المدارك وذُقْتَها فهنيئًا لك، وإلَّا فاسمع مني كلمةً أخرى، وهي أن التخصيصَ بالذكر ممَّا يَحْتَاج إلى نكتة ألَا تَرَى أن بعضَ الأمراء لمَّا تَرَكوا التكبيرات حالة الخفض، احتاج الصحابة رضي الله عنهم إلى التعرُّض لحالها خاصة، فمن ذلك ما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عند مسلم كما في "المشكاة". وأَصْرَحُ منه ما عند البخاري عن سعيد بن الحارث بن المُعَلَّى قال:"صلَّى لنا أبو سعيد الخُدْرِيّ، فجَهَر بالتكبير حين رفعَ رأسه من السُّجُود، وحين سَجَدَ، وحين رَفَعَ من الركعتين". وعن عكرمة عند مالك قال: "صلَّيت خلف شيخ بمكة، فكبَّر ثنتين وعشرين تكبيرة"
…
إلِخ. وأيضًا عنده عن عليِّ بن الحُسَيْن مُرْسلًا، قال:"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكبِّر في الصلاة كلَّما خَفَضَ ورَفَع، فلم نزَلْ تلك صلاته صلى الله عليه وسلم حتى لقي الله". اهـ.
فما تَرَى في أمثال ذلك؟ كيف خصَّصُوا التكبيرات بالذكر من بين سائر الصلاة؟ حتى أن أئمة الحديث أيضًا أقاموا لذلك بابًا مُسْتَقِلًا، كما بوَّب الترمذي: باب ما جاء في التكبير عند الركوع والخفض، فكما أن اعتناءهم ببيان التكبير دَلَّ عندهم على فقدان العمل في زمنهم، كذلك اعتناء ابن عمر رضي الله عنه بالرفع، يَدُلُّ على فُشُوِّ العمل بالترك في الموضعين وإثباته بين السجدتين، فاحتاج إلى إثباته أو نفيه، فهذا الذي أراده الشيخ رحمه الله، فاعلمه واشكر له. =
مالك بن الحُوَيْرِث عند النَّسائي: «أنه رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يديه في صلاته، وإذا رَكَعَ، وإذا رَفَعَ رأسَه من الركوع، وإذا سَجَدَ، وإذا رَفَعَ رأسَه من السجود، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه» ، اهـ. لم أر أحدًا شَرَحَه، وقد مرَّ عليه ابن القيم في «الهدي» ، والحافظ في «الفتح» والعجبُ أنهم يستدلُّون منه ولا يَشْرَحُونه أصلا، فإن ظاهره تعدُّد الرفع في القَوْمة، ففيه الرفع أربع مراتٍ: عند الركوع، وعند الرفع منه وهو في الانتصاب على ما مرَّ، وعند السجود وهو أيضًا في الانتصاب، وعند الرفع منه والذي يَظْهَرُ أنه أراد به ما بين الأمور الأربعة، فهي ثلاث: عند الركوع، وعند الرفع منه، وبين السجدتين، وإنما أَرادَ أنَّ الرفعَ في القَوْمة للمعنيين، فهو رفعٌ واحدٌ للرفع من الركوع وللسجود معًا. فَأَوْهَمَت عبارته بتعدُّد الرفع، ولم يكن مُرَادًا أصلا، ولذا لم يذكره في الرواية الثانية من النَّسائي، فانكشف أنه إيهامٌ لفظي فقط.
ولم يَثْبُت تعدُّد الرفع في القَوْمة عن أحدٍ من السلف، وكل لفظٍ لم يُوجَد مِصْدَاقه مع وفور العمل في الخارج، فهو إيهامٌ تعبيريٌّ لا غير. وبعكسه، إن العمل إذا ثَبَتَ بأمر في الخارج، وتبيَّن مِصْدَاقه، فهو سنةٌ ثابتةٌ لا يمكن رفعها ونفيها من أحدٍ، ولو أَجْلَبَ عليه بَرِجِلِهِ وَخَيْلِهِ، فلا يتمكَّن أحدٌ على نفي الترك رأسًا، كما لا يتمكَّن على إثبات تعدُّد الرفع في القَوْمة نظرًا إلى الألفاظ فقط ما لم يتبيَّن العمل به في الخارج. فالتوارثُ والتعاملُ هو معظم الدين، وقد أرى كثيرًا منهم يتَّبِعُون الأسانيدَ ويتغافلون عن التعامل، ولولا ذلك لَمَا وَجَدْتُ أحدًا منهم يُنْكِرُ ترك الرفع، ولكن الله يفعل ما يشاء.
= وهاك نظائر أخرى بعضها ألصق من بعض، فقد أخرج مسلم عن جابر بن سَمُرَة قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ قائمًا، ثم يَجلِسُ، ثم يقوم فيخْطب قائمًا، فمن نبَّأك أنه كان يَخطُبُ جالسًا فقد كَذَبَ"
…
إلخ. وإنما احتاج إلى تأكيد القيام من بين سنن الجمعة، لأن بعضَهم كعبد الرحمن ابن أم الحكم كان يَخْطبُ قاعدًا. وأخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما:"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يُصَلُّون العيدين قبل الخطبَة".
وهكذا رُوي عن جابر رضي الله عنه، والبراء، وغيرهم. وذلك لأن بعضَ الأمراء كمروان بن الحكم كان قدَّم الخطبَة، فقد عَلِمتَ ممَّا ذكرنا أن الصحابةَ رضي الله عنهم ماذا كانوا يُرِيدون من التخصيص بالذكر، وعليه فَليُقَس حديث ابن عمر رضي الله عنه في رفع اليدين.
وبالجملة حديث ابن عمر رضي الله عنه لا يُوَافقهم بتمامه كما زَعَمُوه. أما أولًا، فلدلالته على الترك كما سَمِعْتَ آنفا. وأما ثانيًا، فلما رَوَى الطَّحَاوِي عن مُجَاهد قال:"صلَّيت خلف ابن عمر رضي الله عنه، فلم يكن يرفع يديه إلَّا في التكببرة الأولى من الصلاة". وأمَّا ثالثا، فللرواية التي نقلناها عن "خلافيات البيهقي" عن قريب. وأمَّا رابعًا، فلما عند البخاري في حديثه:"إذا قام من الركعتين رَفَعَ يديه" ففيه إثباتٌ للرفع عند النهوض من الركعتين أيضًا.
ولا يقول به الشافعي رحمه الله أيضًا، فهذا حال حديث ابن عمر رضي الله عنه في الرفع، فإذا لم يستطيعوا العمل بكله، جَعَلوا يَحْتَالُون بتضعيف ما خالفهم مرةً، وبالإعلال أخرى.
ولعلَّك عَلِمْتَ حينئذٍ أن حديث ابن عمر رضي الله عنه لا يخلص لهم كما زَعَمُوه، بل فيه تأييدٌ للحنفية، فإن الرفع إذا ثبت عنده في موضعٍ آخر مع ترك العمل به بالاتفاق، ثَبَتَ الترك في الجنس من نفس حديثه، حتى ثَبَتَ من رواية البيهقي والطحاوي الترك مطلقًا في المواضع كلِّها. وإذن لم نَفْتَقر في إثبات الترك إلى حديث من الخارج، بل كفانا لذلك ابن عمر رضي الله عنه، ولله الحمد.