الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرّحمن الرّحيم (1)
[مقدمة المصنف]
ربّ اختم بخير الحمد لله الذى لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تراه القلوب بحقائق الإيمان، كوّن الأكوان بإتقان صنعته، ولوّن الألوان بإحسان صبغته، وخلق الإنسان علّمه البيان لمعانيه وصيغته، ليس له مثيل، ولا يحدّه مكان، ولا يقال أين كان ولا كيف كان. اخترع فأبدع جميع الموجودات بحكمته، وأرمى فأصمى (2) قلوب عباده بمحبّته، وجعل سائر الأعمال والعمال مفتقرين إلى رحمته، فتعالى عن الكيف والأين والزمان، سبحانه كلّ يوم هو فى شأن. أحمده على ما أولانا من خصائص نعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارا بربوبيّته وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله خيرته من بريته، الذى أنارت الأرض وحندسها (3) بمولده، وسقطت الأصنام لوجهها من هيبته، أفصح من أفصح بلسان فأبان، وأعلم من علّم علم البدايع والبيان، انشقّ لمولده الإيوان، حتى تحيّر كسرى أنوشروان، وغارت بحيرة سارة وخمدت النيران، ومن قبلها ما رآه فى أحلامه الموبدان،
فكان من تفسيره ما بشّرت به الكهّان، من ظهور سيّد ولد عدنان. تشرّفت الأرض على السماء بتربته، وجميع الأمم تحشر تحت لواء أمته، صلّى الله عليه وعلى آله وعترته، وأصحابه أولى الشرف والجود والإحسان، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم العرض على الميزان.
قال العبد الفقير المعترف بالتقصير، واللسان القصير، أضعف عباد الله، وأفقرهم إلى الله، أبو بكر بن عبد الله بن أيبك صاحب صرخد عرف والده بالدواه دارى انتسابا لخدمة (3) الأمير المرحوم سيف الدين بلبان الرومى الدوادار الطاهرى، تغمّدهم الله برحمته، وأسكنهم أعلى الدرجات فى جنّته، بمنّه وكرمه ورأفته: لما قدّمنا القول فى الجزء الأوّل والثانى من هذا الكتاب، المسمّى بكنز الدرر وجامع الغرر، وضمّنهما العبد من الفنون، ما يهيّم الخاطر وينزّه العيون، وأودعهما من النكت والأخبار والملح والآثار، ما يشرح الصدور، ويزهو بحسنه على الدرّ المنثور، إذا فصّل بالشذور، ونظم عقودا فى نحور الحور، وسقت فيهما الكلام، من قبل آدم عليه السلام. وذكرت فى الجزء الأوّل ابتداء المخلوقات، بخلق السماوات، والآثار العلويّات، والأرضين، ومدّة التصوير والتكوين. وأتبعت ذلك فى الجزء الثانى بخلق آدم عليه السلام، ومن كان من دونه من الأنبياء الكرام، ثم ذكرت سائر ملوك الأرض، يتلو بعضهم البعض، والسحرة والكهّان، من قبل آفة الطوفان، ثم من ملك الأرض بعد ذلك فى طولها والعرض من سائر ملوك الأمصار، فى جميع الأقطار،
وأتبعنا القول بذكر أيّام الجاهليّة الأولى، أرباب الدول والخول، وطرّزنا ذلك بذكر الفحول من شعراء الجاهليّة، ونبذ أخبارهم الأوائليّة، وما نطقت به المبشّرون، بظهور سيّد المرسلين، من أقوال الكهنة والمتفرّسين، إلى أن انتهى بنا الكلام إلى مولد خير الأنام، ومصباح الظلام، ورسول الملك العلاّم، محمّد عليه أفضل الصّلاة والسّلام، فجعلنا أوّل هذا الجزء مشرّقا بمولده وذكره وما لخّص من سيرته، وأتبعنا ذلك بذكر الخلفاء الراشدين من أهله وأصحابه وعشيرته، إلى حيث وقف بنا الكلام فى هذا الجزء، فأثنينا العنان، والله المستعان.
…