الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحبكم فتفرّق القوم، ولم يكلمهم النبى صلى الله عليه وسلم.
فقال: الغد يا علىّ، إنّ هذا الرجل قد سبقنى إلى ما سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم، فعد لنا، يا علىّ، بمثل ذلك الذى صنعت، واجمعهم لى، قال: ففعلت، ثم دعانى بالطعام، فقرّبته إليه، وفعل كما فعل بالأمس، وأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة، ثم قال: اسقهم فشربوا حتى رووا منه جميعا. ثم تكلّم النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا بنى عبد المطّلب، إنّى والله ما أعلم شابّا فى العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّى قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرنى الله أن أدعوكم، فأيّكم يؤازرنى على هذا الأمر، على أن يكون أخى، ووصيّى، وخليفتى فيكم؟ قال: فأحجم القوم جميعا، وقلت: وإنّى لأحدثهم سنّا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأخمشهم ساقا: أنا يا نبىّ الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتى (250) وقال: إنّ هذا أخى ووصيّى وخليفتى فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا! فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبى طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (1).
تفسير ألفاظ من هذا الخبر
قوله: أبادههم، هو مثل أباديهم، يقولون: بدأت وبدهت على البدل، وإذا بدأت الكلام من غير أن تتهيّأ له فقد ابتدهته، وهى [البده](2)، أصلها بديهة، وقوله: حذية من اللحم، هى القطعة المستطيلة منه، وقوله: عسّ من اللبن، العسّ إناء من أوانى اللبن، ليس بالكبير، وقوله: شدّ ما سحركم، أى ما أشدّ سحره لكم، وقوله أحجم القوم: الإحجام هو النكوص، والتأخّر عن الشّئ،
وقوله: أحدثهم سنّا، أى أصغرهم، وكان علىّ عليه السلام إذ ذاك لم يبلغ عشر سنين، وهذا أوّل ما بعث النبى صلى الله عليه وسلم، وقوله: أخمشهم ساقا، الخمش دقّة الساقين، والله أعلم.
نشأ علىّ عليه السلام فى حجر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ أبا طالب كان قد أقتر وأخلّ (1)، وجلس علىّ بمكّة، بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا يؤدّى الودائع التى كانت عنده، وآخى بينه وبين نفسه صلى الله عليه وسلم وبين سهل بن حنيف الأنصارى رضى الله عنه.
وكان ابن عبّاس يقول: اجتمع لعلىّ رضى الله عنه أربع خصال ليست لغيره:
هو أوّل عربىّ [وعجمىّ](2) صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كلّ زحف، وصبر معه يوم فرّ غيره، وغسّل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخله قبره.
ولمّا قتل مصعب بن عمير يوم أحد، وكان اللواء معه، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللّواء (251) بيده، وقال:«لأعطينّ اللواء اليوم لرجل يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» ، فتشوّف الناس من يكون ذاك؟ فأعطاه عليّا، وكان عمره يومئذ عشرين سنة، لم يتخلّف عنه صلى الله عليه وسلم إلاّ فى غزاة تبوك، تخلّف عنه بأمره، وقال صلى الله عليه وسلم وهو على حراء:«اسكن حراء، فما عليك إلاّ نبى أو صدّيق أو شهيد» ، وكان عليه العشرة المشهود لهم بالجنّة.
وبعثه صلى الله عليه وسلم قاضيا، قال: إنّك بعثتنى إلى قوم ذوى أسنان، وأنا حديث السّن لا علم لى بالقضاء، فقال عليه السلام: «إنّ الله سيهدى قلبك ويثبّتك،
إذا جاءك الخصمان فلا تقضينّ على الأوّل حتّى تسمع من الثانى، فإنّه يتبيّن لك القضاء»، ثم ضرب فى صدره بيده، وقال:«اللهمّ اهد قلبه، وسدّد لسانه» ، قال علىّ: فما شككت بعدها فى قضاء بين اثنين.
وقال علىّ عليه السلام: ما تقدّمت على الخلافة إلاّ خوفا أن ينزو (1) على الأمر تيس من تيوس بنى أميّة يلعب بكتاب الله.
زوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة، وقال لها:«زوّجتك أوّل أصحابى إسلاما، وأكثرهم علما وحكما» ، وقال من ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لأعطينّ غدا الراية رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، ليس بفرّار، يفتح الله على يديه» إنّما ذلك كان فى غزاة خيبر.
ولمّا نزل قوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ»} (2)، دعا صلى الله عليه وسلم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فى بيت أمّ معبد، أو أمّ سلمة، وقال:
«اللهمّ هؤلاء أهل بيتى، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» ، وقيل: إنّ هذه (252) الآية نزلت فى نساء النبى صلى الله عليه وسلم، وسياق الآية دليل على ذلك، لقوله تعالى:
{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ»} إلى قوله تعالى: {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ»} ، إلى قوله:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ»} ، إلى أن قال تعالى:{وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ»} ، ثم قال بعد ذلك:{وَاُذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ»} (3).