الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ستّ عشرة للهجرة النبويّة
النيل المبارك فى هذه السّنة:
الماء القديم ستّة أذرع وخمسة أصابع، ومبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الإمام عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أمير المؤمنين بالمدينة إلى حين قدومه بيت المقدس فى هذه السّنة، والحجاز واليمن دارا إسلام، وكذلك الشام فى أيدى الأمراء من المسلمين، فيها دوّن الإمام عمر رضى الله عنه الدواوين، وفيها كان فتح بيت المقدس.
ذكر فتح إيلياء
وهى بيت المقدس الشّريف، وهو أوّل فتوح فتحه الإسلام له، قيل: لمّا نزل أبو عبيدة رضى الله عنه الأردنّ بالعساكر كاتب أهل إيلياء، ودعاهم إلى الإسلام أو يعطوا الجزية، فامتنعوا، فنزل عليهم بالجيوش وحاصرهم، فخرجوا ذات يوم فقاتلوا المسلمين، وكانت النوبة يومئذ لخالد بن الوليد رضى الله عنه، ويزيد بن أبى سفيان، فهزموهم حتى أدخلوهم (145) الحصن، ثم قدم سعيد ابن يزيد، وكان على دمشق من قبل أبى عبيدة، وكان قد كتب إلى أبى عبيدة قبل قدومه: أيّها الأمير، ما كنت لأوثر على الجهاد شيئا، فابعث إلى عملك، فإنّى قادم عليك والسّلام.
فأنفذ أبو عبيدة يزيد بن أبى سفيان عاملا على دمشق، فلمّا اشتدّ على أهل
أهل إيلياء الحصار من المسلمين طلبوا من أبى عبيدة الصلح، فأجابهم، فقالوا:
أرسل إلى خليفتك عمر، فهو الذى يعطينا العهد، ويكتب لنا الأمان، فكتب أبو عبيدة لعمر رضى الله عنه بذلك، فلمّا جاءه الكتاب استشار الصحابة رضوان الله عليهم فى السفر، فقال له عثمان رضى الله عنه: إنّ الله تبارك وتعالى قد أذلّ المشركين ولن يزدادوا إلاّ ذلاّ، ولن يزداد المسلمون إلاّ قوّة وعزّا، فإن أقمت بمكانك كان ذلك استخفافا بأمرهم، واستحقارا لهم، وإنّ القوم لن يلبثوا حتى ينزلوا على حكم أبى عبيدة ويعطوا الجزية.
قال علىّ كرّم الله وجهه: يا أمير المؤمنين، إنّهم سألوك منزلة لهم فيها الذلّ والصغار، وللمسلمين فيها العزّ والفتح، وليس بينك وبين ذلك إلاّ أن تقدم، ولك الأجر، وفى كلّ ظمأ ومخمصة، والثواب فى قطع كلّ واد، وفى كلّ نفقة، ولست آمن إن يئسوا من قبولك الصلح أن يتمسّكوا بحصنهم، ويأتيهم مدد فيطول حصار المسلمين إيّاهم، ولا آمن أن يدنو المسلمون من حصنهم فيرشقوهم بالنبل، ويقذفونهم بالمجانيق، ورجل من المسلمين خير ممّا طلعت عليه الشّمس، فقال عمر رضى الله عنه: قد أحسن عثمان النظر فى مكيدة العدوّ، وقد أحسن علىّ النظر لأهل الإسلام. سيروا على اسم الله.
فسار عمر وولّى علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه، وخرج العبّاس رضى الله عنه، عمّ النبى صلى الله عليه وسلم، فعسكر بالناس، وخرج معه وجوه المهاجرين والأنصار، (146) وخرج عمر رضى الله عنه راكبا على بعير له عليه غرارتان، إحداهما سويق، والأخرى تمر، وبين يديه قربة فيها ماء، وخلفه جفنة.
فلمّا قربوا من إيلياء استقبله الناس، وكان أوّل مقنب (1) لقيه، فسلّموا عليه، ولم يعرفوا عمر، فقالوا: هل عندكم من أمير المؤمنين علم؟ فسكتوا، ثم لقيهم مقنب (1) آخر، فسألوهم عن أمير المؤمنين عمر، فقال عمر: ألا تخبرون القوم عن صاحبهم؟ فقالوا: هذا أمير المؤمنين، فاقتحموا عن خيلهم، فقال عمر:
لا تفعلوا.
فساروا قبل المسلمين يصفّون الخيل، ويشرعون الرماح على حافتى الطريق، ثم طلع أبو عبيدة بن الجرّاح فى كبكبة من الخيل وهو على قلوص مكنّفا (2) بعباءة، وخطام ناقته من شعر، وعليه سلاحه، وقد تنكّب قوسه، فلمّا رأى عمر أناخ راحلته، وأناخ عمر بعيره فنزلا، ومدّ أبو عبيدة يده إلى عمر ليصافحه، فمدّ عمر يده إليه، فأهوى أبو عبيدة ليقبّل يد عمر، يريد تعظيمه فى العامّة، فأهوى عمر إلى رجل أبى عبيدة ليقبّلها، فقال أبو عبيدة: مه يا أمير المؤمنين، وتنحّى عنه، فقال عمر: مه يا أبا عبيدة، فتعانقا، ثمّ ركبا وتسايرا، ونزلا بالجابية.
وجنود أبى عبيدة محاصرة إيلياء. وأتى إلى عمر ببرذون وثياب بيض، وسألوه ركوب البرذون، ولباس الثياب، وقالوا: إنّ ذلك أهيب لك عندهم، فلم يلبس الثياب، وركب البرذون فهملج به، وخطام ناقته بيده لم يفلته بعد، فنزل عن البرذون وقال: لقد غرّنى هذا، وأنكرت نفسى، ثم قال: يا معشر