الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها ولد سعيد بن المسيّب، وفيها كانت وقعة القادسيّة، كما يأتى ذكرها بعد ذلك إن شاء الله تعالى، وفيها كان فتح الأردنّ ودمشق وحمص.
ذكر فتح دمشق وحمص وما معهما ملخّصا
وذلك أنّ الأمير كان على العساكر خالد بن الوليد رضى الله عنه طول خلافة أبى بكر رحمه الله وأرضى عنه، فلمّا ولى الأمر عمر بن الخطّاب رضى الله عنه قال: والله لأعزلنّ خالد بن الوليد، والمثنّى بن حارثة، ليعلما أنّ الله عز وجل هو الناصر لدينه، فعزلهما، وعزل خالد بأبى عبيدة، فجاءه الكتاب وهما فى حصار دمشق، فكتمه أبو عبيدة رضى الله عنه ولم يطلع عليه خالدا، وبقى خالد يصلّى بالناس على حاله، ولمّا علم خالد ذلك قال لأبى عبيدة: كيف لم تعلمنى بولايتك وأنت تصلّى خلفى، والسلطان سلطانك؟ فقال أبو عبيدة: ما السلطان أردت، وكلّ ما ترى إلى زوال، ونحن إخوان فأيّنا ولّى عليه أخوه لم يضرّه فى دينه ولا دنياه، بل المولى يكون أقربهما إلى الفتنة، وأوقعهما فى الخطيئة، إلاّ من عصم الله.
وكان أبو عبيدة منازل دمشق من باب الجابية، وخالد من باب شرقى، وكان الروم أبو عبيدة أحبّ إليهم من خالد رضى الله عنهما، للينه، ولما بلغهم أنّه أقدم هجرة وإسلاما، وفتح لأبى عبيدة باب الجابية فدخل صلحا، وخالد على الباب الشرقى ليس عنده خبر، فولج دمشق عنوة، وأراد سبيهم، فمنعه أبو عبيدة، وقال: قد أمّنتهم، وفتحت منتصف رجب سنة أربع عشرة، لثلاثة عشر شهرا من خلافة عمر، وهو الصحيح.
(140)
وفتح الله تعالى لعمر رضى الله عنه على يد خالد، وهو أمير من قبل أبى عبيدة حمص، افتتحها صلحا على مائة ألف وتسعين ألف دينار، ودخلها المسلمون.
وكان هرقل ملك الروم فى كلّ ذلك بأنطاكيّة، وهو يمدّهم بالعساكر، فيرجعون خائبين، وكان يقول لأهل دينه: أنتم أكثر من المسلمين، وأنتم بشر وهم بشر، فما بالهم ينصرون عليكم؟ فقال شيخ من أصحابه: ذلك من أجل أنّ القوم يصومون بالنهار، ويقومون بالليل، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ومن أجل أنّا نشرب الخمر، ونرتكب المحارم، وننقض العهد، ونأمر بما يسخط الله، وننهى عما يرضى الله، ونفسد فى الأرض، فقال هرقل: صدقت لأخرجنّ من هذه القرية، وما لى فى صحبتكم من خير، فأشير عليه بأن لا يفعل، فأقام واستصرخ بأهل روميّة وأهل قسطنطينيّة، وأرمينيّة، وأجناد الجزائر، وأمر أن يحشر إليه كلّ من بلغ الحلم من أهل مملكته، وبعث إلى المسلمين جيوشا لا تحصى.
وجاءت الأخبار إلى أبى عبيدة من جهة عيونه بذلك، فأطلع المسلمين على ذلك واستشارهم، فقال يزيد بن أبى سفيان: أرى أن نعسكر على باب حمص المسلمين، وتدخل النساء والذرارى المدينة، وابعث إلى المسلمين وأمّر بهم كعمرو بن العاص وخالد بن الوليد فيكونوا معك، فقال شرحبيل: لا أرى أن تدخل ذرارى المسلمين مع أهل حمص وهم على دين عدوّنا، ولا نأمن إن تشاغلنا بحرب من يأتينا أن تثب أهل حمص على ذرارينا، فيتقرّبوا بهم إلى عدوّنا، فقال أبو عبيدة:
سلطان المسلمين أحبّ إليهم من سلطان عدوّكم، وإنّى أرى أن أخرجهم من المدينة
وأدخل النساء، وأنزل معهم الرجالة، ونكون نحن بإزاء العدوّ، فقال شرحبيل:
كيف يحلّ (141) إخراجهم، وقد صالحناهم على تركهم فى ديارهم؟ فقال ميسرة ابن مسروق: إنّا لسنا أهل مدائن وحصون، وإنّا أصحاب البرّ والبلد القفر، فأخرجنا من بلاد الروم إلى بلادنا، واضمم قواصيك، واكتب لأمير المؤمنين فليمدّك، فاستصوب رأيه المسلمون.
وأمر أبو عبيدة بردّ المال الذى أخذه من أهل حمص بخروجه عنهم، فدعوا له بالنصر، وردّ على أهل دمشق أيضا ما كان أخذ منهم، وقال: إنّما أخذناه على أنّا نمنعكم، ونحن باقون على الوفاء لكم.
وأشار شرحبيل بن حسنة على أبى عبيدة ألاّ يخرج من الشام وقد افتتحها، وأنّه إن فعل ذلك عسر عليه أيضا دخولها، ونقض أهل إيلياء الصلح، فسار إليهم عمرو بن العاص، وبلغهم ذلك فداخلهم الرعب، وكان ذلك قصد عمرو، ثم سار خالد بن الوليد إلى عمرو مددا، فنزل اليرموك، وأقبل عمرو بن العاص معه، وأقام أبو عبيدة باليرموك.
وأقبلت جموع الرّوم، وهى ثلاثة عساكر، فلم يمرّوا بقرية من القرى الّتى افتتحها المسلمون إلاّ سبوا أهلها، ونزلوا اليرموك على ألويتهم وراياتهم، وأمر خالد رجالا كانوا نصارى ثم أسلموا أن يدخلوا عسكر الروم ويكتموا إسلامهم، ليكونوا عيونا للمسلمين، ثم إنّ الروم أساءوا السيرة مع أهل القرى والمدن، وجاروا عليهم، وقطعت المؤن عن المسلمين، إلاّ ما كان يأتيهم من الأردنّ، لأنّه كان فى أيديهم.