الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين عليكم بالقصد، وبما أعزّكم به الله، ثم دعا عمر أبا عبيدة، وأمره أن يكتب لهم الأمان، ويخبرهم بقدومه.
وسار أبو عبيدة وتبعه عمر فى المنازل حتى قدما، فتلقاه يزيد (147) ابن أبى سفيان، وسأله أن يغيّر زيّه، وأخبره أنّ ذلك أجمل فى النّاس، وأعظم فى نكاية العدوّ، فقال: يا ابن أبى سفيان، ما أزيّن نفسى بما يشيننى عند الله تعالى، ولا أعظّم نفسى عند النّاس بما يصغّرنى عند الله عز وجل، فلمّا نزل عمر رضى الله عنه إيلياء نزل إليهم عظيمهم فصالحهم.
وولّى أبو عبيدة عمرو بن العاص فلسطين، وطهّر الله تعالى البيت المقدّس على يد أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه.
وفيها كان عبور الجيوش الإسلاميّة العراق، وحرب فارس.
ذكر ابتداء دخول المسلمين العراق
ثم إنّ الإمام عمر رضى الله عنه، ندب النّاس إلى العراق لقتال الفرس، فتثاقل الناس عنه لمّا سمعوا ذكر الفرس، ثم انتدب أبا عبيدة بن مسعود الثقفى وسار معه المسلمون، فقاتلهم الفرس بالفيلة، وكانت العرب لا تعرف القبلة فانهزم المسلمون، وقتل أبو عبيدة بن مسعود-رحمه الله تعالى-وأشراف الناس، وغرق من المسلمون بشر كثير، وسبق عبد الله بن يزيد إلى الجسر فقطعه، فقيل له:
لم فعلت ذاك؟ فقال: حتى تقاتلوا عن أميركم، فأخذ الرّاية المثنى بن حارثة، فجال بها ورجعت الفرس عنه، ونزل خفّان، وكتب إلى عمر يستمدّه، وبلغت الهزيمة المدينة، فكان أوّل من قدمها عبد الله بن يزيد منهزما، فلمّا رآه عمر قال:
ما عندك؟ فأخبره ما جرى على المسلمين، فقال: ما سمعت رجلا حضر أمرا فحدّث الناس عنه كان أثبت خبرا من عبد الله بن يزيد.
ورأى عمر جزع النّاس من فرارهم، فقال: معاشر المسلمين «إذا لقيتم» (1)، يعنى إلى قوله تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ»} (2)، فكان يطيّب قلوب النّاس بقوله.
وكان ذلك الجيش أوّل جيش هزمته فارس من المسلمين، فأقام (148) عمر مدّة لا يذكر العراق، ثم جاءته قبائل العرب يطلبون الجهاد واللّحاق بالشّام، فحرّضهم على قتال فارس والمسير إلى العراق، وأخبر بما قتل من جند المسلمين بها، فأجابوه بعد أن أبطأوأ، وأمّر على كلّ قبيلة رجلا منهم، وأمّر على بجيلة جرير ابن عبد الله.
فساروا حتّى إذا كانوا قريبا من المثنّى بن حارثة كتب إليه أن أقبل إلىّ فإنّما أنت مدد لى، فكتب إليه جرير: لست فاعلا ذلك إلاّ أن يأمرنى أمير المؤمنين، وأنت أمير وأنا أمير، ثم ساروا نحو الجسر فلقيه مهران بن ياذان، وهو عظيم من عظماء الفرس عند النجيلة، فاقتتلوا وقتل مهران، وكوتب عمر رضى الله عنه باختلاف المثنّى وجرير، فكتب عمر إلى المثنّى: إنّى لم أكن لأستعملك على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجهت سعد بن أبى وقّاص إلى العراق وأمرتكما بالسّمع والطّاعة له.
وشنّ المسلمون الغارات على السّواد، وتحصّن الدّهاقين فى الحصون، وبعثوا إلى المدائن يستغيثون بأهل فارس، وملكهم يومئذ بوران بنت شيرين ابنة كسرى
الذى قتل أبوه وكان صبيّا، وجاءت الأعاجم فى ثلاثة صفوف، ومع كلّ صفّ فيل، ولفرسانهم رجل كرجل الرعد، فقال المثنّى: يا معشر المسلمين، إنّ هذه الأصوات منهم فشل، فالزموا الصّمت.
ثم حملت الأعاجم على المسلمين فثبتوا، ثم حملوا عليهم ثانية فثبتوا، فلمّا كانت الحملة الثالثة انتقضت صفوف المسلمين، ثم أنزل الله نصره على المسلمين، وصرف الله وجوه أهل الكفر، فهزموا إلى شاطئ الفرات، وعبر أهل القوّة منهم الجسر فقطعوه، لئلا يلحقهم المسلمون، فاقتحم رجل من المسلمين الفرات وهو يقرأ:{وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ (149) إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ»} الآية (1)، وتبعه النّاس، فما فقد منهم عقال، إلاّ وقد صاح رجل انقطع من سرجه، فدار فوق الماء إلى أن أخذ وسلم، وحصل من الكسب والأموال والأسلاب ما لا يحصى كثرة.
ثم سار المسلمون إلى بغداد ومرّوا على الأنبار فتحصّن صاحبها، فأرسل إليه:
ما يمنعك أن تنزل إلينا ونؤمّنك على قريتك؟ فنزل، فطلبوا منه أن يبعث إليهم دليلا إلى بغداد، ليكون العبور منها إلى مدائن كسرى، ففعل، وسيّر معهم الأدلاّء، فسار بهم، فصبحوا القوم فى أسواقهم، فقتلوا وسبوا، وأخذوا الأموال، وغنموا غنائم عظيمة.