الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودخل مكّة معتمرا لثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة، وفرغ من عمرته ليلا، ثم رجع إلى الجعرانة وأصبح بها كبائت ورجع إلى المدينة.
وعمرته مع حجّته صلى الله عليه وسلم.
ذكر سنة إحدى عشرة
للهجرة النبويّة
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم أربعة أذرع واثنا عشر إصبعا، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وسبعة أصابع.
ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم
فى هذه السّنة كانت وفاته صلى الله عليه وسلم، قال ابن إسحاق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى قبضه الله فيه ورفع روحه الطاهرة إليه، لما أراد من كرامته صلى الله عليه وسلم فى ليال بقين من صفر وربيع الأوّل، وذلك أنّه كان خرج إلى بقيع الغرقد فى جوف اللّيل فاستغفر لهم، ثمّ رجع إلى أهله، فلمّا أصبح ابتدئ بوجعه من يومه.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: لمّا رجع صلى الله عليه وسلم من البقيع وجدنى وأنا أجد صداعا فى رأسى وأقول وا رأساه! فقال: بل أنا يا عائشة وا رأساه! قالت:
ودام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى [استعز](1) به وهو فى بيت ميمونة، قالت ميمونة: فدعا نسائه فاستأذنهنّ فى أن يمرّض فى بيت عائشة، فأذنّ له.
وعن عائشة قالت: لمّا استغرق صلى الله عليه وسلم فى مرضه قال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» قالت، فقلت: يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن، قال:«[مروه] (1) فليصلّ بالنّاس» ، قالت فأعدت عليه القول فقال:«إنّكنّ صويحبات يوسف. مروه فليصلّ بالنّاس» .
قال القضاعى: وصلّى أبو بكر (59) بالنّاس سبع عشرة صلاة، وكذا روى الدولابىّ أيضا.
وقال ابن إسحاق: فلمّا كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه إلى صلاة الصبح، وأبو بكر يصلّى بالناس، قال فلمّا خرج صلى الله عليه وسلم [تفرّج](2) النّاس، فعرف أبو بكر رضى الله عنه بجعجعة النّاس واشتداد فرجهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، فنكص عن مصلاّه، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظهره ثم قال:«صلّ بالنّاس» ! وجلس صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فصلّى قاعدا عن يمين أبى بكر، فلمّا فرغ من صلاته أقبل على النّاس بوجهه الكريم فكلّمهم رافعا صوته: حتى خرج صوته من باب المسجد، وهو يقول:«أيّها النّاس، سعّرت النار، وأقبلت [الفتن] (3) كقطع الليل المظلم، إى والله ما تمسكون علىّ بشئ، إنّى لم أحلّ إلاّ ما أحلّ القرآن، ولم أحرّم إلاّ ما حرّم القرآن» ، قال: فلمّا فرغ من كلامه دخل إلى أهله.
قال ابن إسحاق: إنّ العبّاس أخذ بيد علىّ كرّم الله وجهه فقال: يا علىّ، أحلف بالله لقد عرفت الموت فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كنت أعرفه فى وجوه بنى عبد المطّلب فانطلق بنا إليه، فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه، وإن كان فى غيرنا أمرناه فأوصى بنا النّاس، فقال علىّ عليه عليه السلام: لا أفعل والله ولا أعزّيه فى نفسه، لئن منعناه لا [يؤتيناه](1) أحد بعده. ثم توفّى من ذلك اليوم حين اشتدّ الضحى.
ومن رواية المسعودى فى ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جماعة الصحابة رضى الله عنهم قال: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت عائشة رضى الله عنها حين دنا الفراق منه، فنظر إلينا ثم دمعت عيناه ثم قال:«مرحبا بكم حيّاكم الله آواكم الله نصركم الله، أوصيكم (60) بتقوى الله وأوصى بكم الله، إنّى لكم منه نذير مبين، ألا تعلوا على الله فى عباده وبلاده، فقد دنا الأجل، والمقلب إلى الله، وإلى سدرة المنتهى، وإلى جنّة المأوى والكأس الأوفى، فاقرءوا على أنفسكم وعلى من دخل فى دينكم بعدى منّى السلام ورحمة الله» .
وروى أنّه قال لجبريل عند موته: «من لأمّتى بعد بعدى» فأوحى الله تعالى إلى جبريل أن بشّر حبيبى أنّى لا أخذله فى أمّته، وبشّره أنّه أسرع النّاس خروجا من الأرض إذا بعثوا، وسيّدهم إذا جمعوا، وأنّ الجنّة محرّمة على الأمم حتى تدخلها أمّته، فقال:«الآن طاب قلبى وقرّت عينى» .
وقالت عائشة رضى الله عنها: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغسله بسبع قرب من سبعة آبار، ففعلنا، فوجد راحة فى ذلك، فخرج يصلّى بالناس، واستغفر لهم،
واستغفر لأهل أحد، ودعا لهم وأوصى بالأنصار فقال:«أمّا بعد، يا معشر المهاجرين، فإنّكم تزيدون، وأضحت الأنصار لا تزيد على هيئتها التى هى عليها اليوم، وإنّ الأنصار هى عيبتى (1) التى أويت إليها، فأكرموا كريمهم-يعنى محسنهم-وتجاوزوا عن مسيئهم» . ثم قال: «إنّ عبدا خيّر بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله» ، فبكى أبو بكر رضى الله عنه، وظنّ أنّه يريد نفسه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«على رسلك يا أبا بكر، سدّوا هذه الأبواب الشوارع فى المسجد إلاّ باب أبى بكر، فإنّى لا أعلم امرأ أفضل عندى فى الصحبة من أبى بكر» .
وقالت عائشة رضى الله عنها: فقبض صلى الله عليه وسلم فى بيتى وبين سحرى (2) ونحرى، وجمع الله بين ربقى وريقه عند الموت، دخل عليه عبد الرحمن أخى وبيده سواك فجعل ينظر إليه، فعلمت أنّه قد أعجبه ذلك السواك، فقلت: آخذه لك يا رسول الله (61) فأومأ برأسه أى نعم، فليّنته وكان بين يديه ركوة ماء فناولته إيّاه ثم جعل يدخل يده فى تلك الركوة ويقول:«لا إله إلاّ الله، إنّ للموت سكرات» ، ثم يصبّ يده ويقول:«الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى» .
وعن سعيد بن عبد الله عن أبيه قال: لمّا رأت الأنصار أنّ النبى صلى الله عليه وسلم يزداد ثقلا طافوا بالمسجد، فدخل العبّاس على النبى صلى الله عليه وسلم فأعلمه بمكانهم، ثم دخل الفضل فأعلمه بمثل ذلك، ثم دخل علىّ عليه السلام فأعلمه بذلك، فمدّ يده، قال:«ما يقولون؟» قال: يقولون نخشى أن تموت، قال: فبادر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج متوكّئا على علىّ كرّم الله وجهه، والفضل رضى الله عنه والعبّاس رضى الله عنه أمامه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخطّ برجله حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر، وثاب الناس حواليه فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وقال:«أيّها الناس، إنّه بلغنى أنّكم تخافون علىّ الموت، كأنّه استنكار منكم للموت، وما تنكرون من موت نبيّكم؟ هل خلّد نبى قبلى فيمن بعث فأخلّد فيكم؟ ألا إنّى لاحق بربّى، وإنّكم لا حقون به، وإنّى أوصيكم بالمهاجرين الأوّلين خيرا، وأوصى المهاجرين فيما بينهم، فإنّ الله تعالى قال: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَااصَوْا بِالْحَقِّ وَتَااصَوْا بِالصَّبْرِ» } (1)، وإنّ الأمور تجرى بإذن الله، ولا يحملنّكم استبطاء أمر على استعجاله، فإنّ الله تعالى لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب الله غلبه، ومن خادعه خدعه:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ»} (2)، وأوصيكم بالأنصار خيرا فإنّهم الذين تبوّأوا الدّار والإيمان من قبلكم أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يوسّعوا لكم فى الدار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم (62) الخصاصة، ألا فمن ولّى أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأمروا عليهم، ألا وأنى فرط لكم، وأنتم لا حقون بى، ألا وإنّ موعدكم الحوض حوضى أعرض ممّا بين بصرى الشام وصنعاء اليمن، فيه ماء أشدّ بياضا من
الّلبن وألين من الزّبد وأحلى من الشّهد، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ألا من أحبّ أن يرده فليكف لسانه ويده إلاّ فيما ينبغى».
فقال العبّاس: يا نبى الله أوص لقريش! فقال: «إنّما أوصى بهذا الأمر قريشا، والنّاس تبع لقريش، برّهم لبرّهم، وفاجرهم لفاجرهم، فاستوصوا آل قريش بالنّاس خيرا، يا أيّها الناس إنّ الذّنوب تغيّر النّعم وتبدّل النّسم، فإذا برّ الناس فبرّوهم وإذا فجر الناس عقّوهم، قال الله تعالى: {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» } (1).
وعن ابن مسعود أنّه صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر: «سل يا أبا بكر» ! فقال:
يا رسول الله دنا الأجل؟ فقال: «قد دنا وتدلّى» ، فقال: ليهنك يا نبىّ الله ما عند الله، فليت شعرى عن منقلبنا؟ فقال:«إلى الله وإلى سدرة المنتهى، وإلى جنّة المأوى، والفردوس الأعلى، والكأس الأوفى» قال: فيما نكفّنك؟ فقال: «فى ثيابى وفى حلّة يمانيّة وفى بياض مصر» ، فقال: يا نبىّ الله من يغسّلك؟ فقال: «رجل من أهل بيتى الأدنى» .
قال: فكيف الصّلاة عليك منّا؟ وبكى وبكى رسول الله، ثم قال:«مهلا غفر الله لكم، وجزاكم عن نبيّكم خيرا، إذا غسّلتمونى وكفّنتمونى فضعونى على سريرى فى بيتى هذا على شفير قبرى، ثم اخرجوا عنّى ساعة، فإنّه أوّل من يصلّى علىّ ربّى عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ» } (2). ثم يأذن
الله للملائكة فى الصلاة علىّ، فأوّل من يصلّى علىّ من الملائكة جبرئيل ثم ميكائيل ثم إسرافيل، ثم ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة (63)، ثم الملائكة بأجمعها، ثم أنتم. فادخلوا علىّ أفواجا أفواجا فصلّوا علىّ زمرة زمرة، وسلّموا تسليما، وليبدأ فى الصّلاة أهل بيتى الأدنى، ثم أصحابى الأخصّاء، ثم النساء زمرا زمرا، ثم الصّبيان كذلك»، قال: فمن يدخل القبر؟ قال: «أهل بيتى الأدنى فالأدنى، مع ملائكة كثيرة لا ترونهم ويرونكم» .
قال عبد الله بن زمعة: جاء بلال فى أوّل ربيع الأوّل فأذّن للصّلاة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«مروا أبا بكر يصلّى بالنّاس» . قال [عبد الله](1): فخرجت فلم أجد بالباب إلاّ عمر بن الخطّاب فى رجال ليس فيهم أبو بكر، فقلت: قم يا عمر فصلّ بالنّاس! فقام عمر فلما كبّر، وكان رجلا صيّتا، فسمعه النّبىّ صلى الله عليه وسلم فقال:«وأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، قالها ثلاث مرات، مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس» . فقالت عائشة: يا رسول الله، إنّ أبا بكر رجل رقيق القلب إذا قام فى مقامك غلبه البكاء فقال:«إنكنّ صويحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» ، قال فصلّى أبو بكر بعد تلك الصلاة التى صلاّها عمر وكان عمر يقول لعبد الله بن زمعة بعد ذلك: ويحك ماذا صنعت بى؟ والله لولا أنّى ظننت أنّ رسول الله أمرك بذلك لما فعلت، فيقول عبد الله: إنّى لم أر أحدا أولى بذلك منك.
قالت عائشة رضى الله عنها: ما قلت ذلك ولا صرفته عن أبى بكر إلاّ رغبة به عن الدّنيا وما فى الولاية من المخاطرة والهلكة، إلاّ من سلّم الله، وخشيت أيضا ألاّ تكون الناس يحبّون رجلا صلّى فى مقام النبى صلى الله عليه وسلم وهو حىّ أبدا -إلاّ أن يشاء الله-يحسدونه ويبغون عليه ويشاءمون به، فإذن الأمر أمر الله، والقضاء قضاؤه، عصمه الله من كلّ ما تخوّفت عليه فى أمر الدنيا والدين.
قالت عائشة رضى الله عنها: (64) فلمّا كان اليوم الذى مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت منه فى أول النهار خفّة، فتفرّق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين، وأخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنّساء، فبينا نحن على ذلك لم يكن مثل حالنا فى الرخاء والفرح قبل ذلك إذ قال النبى صلى الله عليه وسلم:«اخرجن عنّى، هذا الملك يستأذن علىّ» ، قالت: فخرج من فى البيت غيرى، ورأسه فى حجرى، فجلس، فقمت عنه فى ناحية من البيت، فناجى الملك طويلا، ثم إنّه دعانى فأعاد رأسه فى حجرى، وقال للنّسوة:«ادخلن» ، فدخلن، فقلت: يا رسول الله ما هذا بحسّ جبريل عليه السلام. فقال: «أجل يا عائشة، هذا ملك الموت جاء إلىّ وقال إنّ الله أرسلنى إليك، وأمرنى أن لا أدخل عليك إلاّ بإذن منك، وإن لم تأذن لى وإلاّ رجعت، وأمرنى أن لا أقبض نفسك إلاّ بأمرك، فقلت: تربص حتى يأتينى جبريل عليه السلام» ، قالت عائشة: وجاء جبريل فى ساعته، فعرفت حسّه فجلا به ساعة، فسمعناه يقول:«الرّفيق الأعلى، الرّفيق الأعلى» ثم قبض صلى الله عليه وسلم ضحى نهار.
وجرت أحواله صلى الله عليه وسلم كلّها على يوم الاثنين، وذلك أنّه ولد يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وخرج من مكّة يوم الاثنين، ودخل المدينة مهاجرا
يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة من الهجرة النبويّة.
قال ابن إسحاق: فلمّا توفّى صلى الله عليه وسلم قام عمر فقال: إنّ رجالا يزعمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمات، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب (65) موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل فيه إنّه مات، والله ليرجعنّ رسول الله كما رجع موسى، وليقطعنّ أيدى رجال وأرجلهم.
قال: فأقبل أبو بكر رضى الله عنه حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر وعمر رضى الله عنه يكلّم الناس، فلم يلتفت إلى شئ حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت عائشة، فوجده مسجّى فى ناحية البيت، فأقبل حتى كشف عن وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم فقبّله، ثم قال: بأبى وأمّى أنت يا رسول الله، أمّا الموتة التى كتبها الله عز وجل عليك فقد ذقتها، ثم لن [تصيبك](1) بعدها موتة أبدا، ثم ردّ الثوب-وهى البردة-على وجهه الكريم، ثم خرج وعمر يكلّم الناس، فقال: على رسلك يا عمر، أنصت، فأبى إلاّ أن يتكلّم، فلمّا رآه لا ينصت أقبل على الناس، فحمد الله وأثنى عليه، فلمّا سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، ثم قال: أيّها النّاس من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حىّ لا يموت، ثم تلا:{وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»} (2) - الآية، قال: فو الله لكأنّ النّاس لم يعلموا أنّ هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر،
قال عمر: ما هو إلاّ أن سمعت أبا بكر تلاها فصرخت حتى وقعت [إلى](1) الأرض ما حملتنى رجلاى. وعرفت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات حقّا.
وتوفّى صلّى الله عليه وله من العمر ثلاث وستّون سنة، وهو المتّفق عليه، وكان له بالمدينة عشر سنين، وغسّله علىّ عليه السلام والعبّاس والفضل وقثم رضوان الله عليهم، فكان علىّ يسنده إلى صدره، والعبّاس والفضل (66) يقلبونه، وأسامة وشقران يصبّان عليه الماء، ويقال: كان فيهم أوس بن خولى من الخزرج، وكفّن صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثواب بيض سحوليّة (2)، وفرغ من جهازه يوم الثلاثاء، وصلّى عليه النّاس زمرا زمرا بغير إمام، ودخل قبره العبّاس وعلىّ والفضل وقثم وشقران، وقيل أدخلوا معهم عبد الرّحمن بن عوف، وقيل إنّهم اختلفوا فى مكان الدّفن، فقال بعضهم: ندفنه فى مصلاّه، وقال بعض: بالبقيع، فقال أبو بكر رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«ما دفن نبىّ قطّ إلاّ فى المكان الذى توفّى فيه» فدفن فى الموضع الذى قبض فيه، وحفر له مكان فراشه ولحد وأطبق عليه تسع لبنات، وقيل: اختلفوا أيلحد له أم لا، وكان بالمدينة حفّاران أحدهما يلحد، وهو أبو طلحة والآخر لا يلحد وهو أبو عبيدة، فاتّفقوا على أىّ من جاء منهم أوّلا عمل عمله، فجاء الذى يلحد فلحده صلى الله عليه وسلم.